info@suwar-magazine.org

"المجتمع المدنيّ السوريّ".. في الموسم الدراميّ للعام 2016

"المجتمع المدنيّ السوريّ".. في الموسم الدراميّ للعام 2016
Whatsapp
Facebook Share

 

 

*بسام سفر

 

تقدّم الدراما السورية صورةً قريبةً من الواقع الذي يعيشه الإنسان السوريّ داخل البلاد أو خارجها، في مناطق سيطرة النظام أو خارجها. وتنطلق من رؤيةٍ حقيقيةٍ للواقع السوريّ لتقديم الصورة المجملة فنياً بحيث تكون الأقرب إلى الواقع. ومن ضمن ما يقدّم في هذه الدراما صورةٌ عن المجتمع المدنيّ السوريّ (إن بقي منه شيءٌ لم تستطع الحرب الدائرة تدميره كاملاً وجعله خارج الفعل الإنسانيّ). وبالأساس هناك صعوبةٌ بالغةٌ في افتراض أن الهيئات البديلة في المجتمع المدنيّ، التي تنمو وتتطور تحت سيطرة الدكتاتورية العسكرية، ستتمكن من دمج هذا المجتمع المدنيّ الموازي مع بقايا الدولة وآليتها العسكرية والبيروقراطية، بل على العكس، سيكون المجتمع المدنيّ الموازي ظاهرةً أقلويةً على الدوام. وفي سياق العملية الانتقالية الثورية سيتمّ استيعاب المجتمع الذي من شأنه أن يولد على جزر الروابط والنشاطات البديلة، مجتمعاً مدنياً ليس موازياً من الآن فصاعداً، بل مجتمعاً مدنياً أصيلاً مشكلاً من أناسٍ أحرار، وهذا ما يفسح المجال لنوعية الروابط الحالية البديلة (ببنيتها الداخلية الديمقراطية والمعادية للسلطوية)، وتوجهها نحو العمل وعلاقاته الخلاقة.

 

 

فالروح النقدية التي تؤمّنها الجماعات البديلة تؤثر على المجتمع برمته، وتحمل في داخلها قوةً كافيةً قد تفعل فعلها في مناهضة البيروقراطية السلطوية العسكرية التي لا تستطيع أن تتعايش مع النقد، فالقدرة على الانفتاح والممارسة النقدية والديمقراطية في الوعي الاجتماعيّ تشجع الناس على المشاركة المباشرة في آليات العمل.

 

 

مظاهر المجتمع المدنيّ في الدراما:

 

يصعب إحصاء المشاهد الدرامية التي تتناول مظاهر المجتمع المدنيّ السوريّ في أعمال موسم عام 2016، لذلك سأعرض لمجموعةٍ من هذه المشاهد واللقطات التي تؤكد على حضور المجتمع المدنيّ السوريّ رغم عدم تركيز الموضوعات عليه في زاوية الإبراز والظهور والحضور، لكنه يأتي في سياق الإعمال الدرامية، وما أقوم من تظهيرٍ يأتي في سياق العرض والنقد البحثيّ المستند إلى رؤيةٍ دراميةٍ للواقع السوريّ.

 

يعدّ العمل الدراميّ "زوال"، الذي كتبه يحيى بيازي وزكي مارديني وأخرجه أحمد إبراهيم أحمد، من الأعمال المهمة التي تُظهر مشاهد من المجتمع المدنيّ السوريّ. وأوّل هذه المشاهد هو المقبرة وقضية دفن الموتى، إذ نشاهد المقبرة بعد دفن الفتاة التي أحرقت نفسها لعدم قدرتها على فرض زواجها من الشاب الذي تحبه. وهنا نرى الفنان "سلوم حداد، عنز" ينام إلى جانب قبرها، ويحدث الشاب الذي ماتت من أجله قائلاً له: "ابكِ على حبٍّ لن تجده". ويصف علاقته بالحب والحياة وهو في المقبرة كجزءٍ من تأثيرات الحالة الدرامية، واستحضار الحبّ بين شابٍّ وفتاةٍ ينتميان إلى طائفتين مختلفتين في المجتمع السوريّ الموجود في جبل الأكراد "ركن الدين". ويظهر الموت كمرافقٍ لقضايا الخطف والزواج بين إثنيات الحالة السورية.

 

 

كما تظهر أكثر من مؤسّسةٍ شبه مدنيةٍ، هي مؤسّسة رعاية جانبٍ من الدعم لإيصال السلاح إلى فلسطين وتطوّع الناس. ويبدو الجانب التضامنيّ الاجتماعيّ في إظهار صورة الشركس في رقصةٍ خاصةٍ بهم أثناء أحد الأعراس، على الرغم من اعتراض الجمعية الشركسية على هذا الظهور. وتتدخل الشخصيات الاجتماعية الرئيسية في العمل؛ "أبو حوا، فادي صبح" و"أبو دياب، يوسف مقبل"، في زواج الخطيفة للشابين "حسين، وسها"، بمباركة أهل الجبل. ويُظهر هذا انزياحاً في الفعل الدراميّ بين بداية العمل، وقتل الفتاة نفسها من أجل المحبوب غير المرغوب فيه من قبل الأهل، إلى فعلٍ اجتماعيٍّ يساعد على التعايش والاندماج في الحيّ لمصلحة المؤسّسة الأهلية المجتمعية في جبل الأكراد.

 

وهكذا يصبح الفعل المدنيّ الاجتماعيّ الإنسانيّ أساسياً في استمرارية الحيّ، وعدم حدوث فعل القتل والانتحار، لكي يتمكن عاشق الحيّ من الاستمرار في فعل الحب عبر المؤسّسة الاجتماعية الأهلية حتى لو كان الزواج عن طريق الخطيفة.

 

ويقدّم العمل الدراميّ "نبتدي منين الحكاية"، من تأليف فادي قوشجي وإخراج سيف الدين سبيعي، في سياق سرد حكاية الحبّ، عمل "بشير، غسان مسعود" كمذيعٍ ومقدّم برنامج حواريةٍ في التلفزيون، وتعدّ هذه الحالة جزءاً من الحالة المدنية الموجودة في المجتمع السوريّ. بالإضافة إلى محل بيع الهدايا والأنتيكا الذي تملكه "ليال، سلافة معمار"، وتعمل فيه، لتقديم صورةٍ عن حالةٍ من حالات المرأة في المجتمع السوريّ الحضاريّ، بغضّ النظر عن كيفية تسويق هذه الحالة في هذا العمل الدراميّ.

 

 

أما "مذنبون أبرياء"، من تأليف عبد المجيد سليمان الغفري وحوار باسل خليل وإخراج أحمد سويداني، فيقدّم عيادةً نفسيةً تعمل فيها الطبيبة "جيني إسبر"، اختصاصها معالجة مدمني الحشيش والكوكايين، والأدوية المهدئة ومنها "الكابتيكون، السيروكسات، الترامادول.. إلخ" التي يستخدمها المدمنون وتفعل فعلها في إخراجهم من حالتهم الاكتئابية بشكلٍ مؤقت.

 

وهذه العيادة الطبية النفسية جزءٌ من الحالة المجتمعية المدنية السورية الإنسانية التي تشرف على خلاص المدمن بشكلٍ منظّمٍ وتدرّجيٍّ عبر تخفيض وتخفيف الجرعات الدوائية حتى يتخلص المريض من تعاطي المخدرات والأدوية العلاجية. ويُظهر العمل تعاون الدكتورة مع الشرطة والأمن كجزءٍ من حالة إيقاف تسرّب المخدرات والأدوية والحشيش إلى البلد، بإغواء الشباب بالتعاطي للتخلص الآنيّ من الواقع المرير الذي يعيشه.

 

وفي "بلا غمد"، من تأليف عثمان حجي ومؤيد النابلسي عن فكرة بشار بشير وإخراج فهد ميري، تظهر الكنيسة كجزءٍ من الحالة الحضارية الإنسانية السورية، وفيها قداسٌ على روح المجند "سامر". ويُظهر هذا المشهدُ التنوعَ الدينيَّ في المجتمع السوريّ. كما يلفت النظر الحوار الذي جرى بين سكارليت خطيبة سامر وبين ضابط الجيش، عن وصول البلد إلى الحالة التي وصلت إليها.

 

في حين يُظهر العمل الدراميّ "أيام لا تنسى"، من تأليف فايزة علي وإخراج أيمن زيدان، شركةً تقودها وتعمل فيها زوجة "وائل رمضان" في العمل "سوزان نجم الدين" وابنتها، كجزءٍ من الحالة التجارية السورية الفاسدة، إذ تعملان على إنجاز الكثير من الصفقات الغذائية على حساب الغلاء في الأسواق المحلية نتيجة الحصار المفروض على الحالة السورية في مناطق سيطرة النظام. والتعامل وفق منطق الفرصة في ارتفاع أسعار المواد وانهيار الليرة أمام الدولار، واستغلال وضعية الجمود التي ضربت الثورة السورية، وتحولها إلى حربٍ وأزمةٍ مستدامة. ويُظهر العمل الشركة كجزءٍ من تجار الأزمة الذين يعملون على تكديس الأموال على حساب الشعب الذي يعاني من ويلات الحرب واستغلال التجار والصراع مع القوى الإسلامية الأصولية ذات التوجه الجهاديّ. ويسلط الضوء على دور الابنة الشابة في إتمام الكثير من الصفقات التي تعبث بالمواد الغذائية الأساسية في السوق.

 

كما يُظهر العمل الدراميّ "دومينو"، من تأليف غسان عقلة وفادي سليم وإخراجه، شركة رجل الأعمال الفاسد "نوح، بسام كوسا" ودورها في أعمالٍ تجاريةٍ مشبوهة. وما يلفت الانتباه هنا ليس الشركة، وإنما مقرّ الصحيفة والمجلة كمؤسّساتٍ مدنيةٍ اجتماعيةٍ سورية، وتعيين صحافيةٍ رئيسة تحرير مجلة، ونشرها تحقيقاً موثقاً يتناول الفساد في الشركة. ويعمل نوح وابنه على شرائها من خلال تعيينها كرئيسة تحرير، لكن الطابع المهنيّ لدى هذه الشخصية يتغلب على الفساد وعلى الشراء. وتوضح هذه الحالة -كمقرٍّ وكإنسانة- مدى عمق الحالة الصحافية السورية وتاريخيتها في الحياة السياسية والمهنية والاجتماعية، ما يؤكد على عمق المؤسسّات الصحفية السورية تاريخياً بعيداً عن الحال القائم في سوريا الآن.

 

 

 أما في العمل الدراميّ "الندم"، من تأليف حسن سامي اليوسف وإخراج الليث حجو، فتظهر إحدى شركات الإنتاج الدراميّ التلفزيونيّ السوريّ، ومحاولات الكاتب والروائيّ "عروة، محمود نصر" تسويق عمله الدراميّ الأول، وتوقيع العقد، وتقاضي ثمن العمل على دفعات، وعند تسليم الحلقات الأخيرة يستكمل المبلغ كله، ومحاولات صاحب الشركة توقيع عقد احتكارٍ للكاتب، وارتياد الكاتب عدداً من المقاهي والمطاعم. كما يرتبط العمل الدراميّ بالشركة الرئيسية التي يقودها "عبدو، باسم ياخور"، ويتحول الجانب السياسيّ في الشخصية إلى خطٍّ قمعيٍّ رغم وجوده في مجلس الشعب.

 

وفي الكوميديا نجد جزءاً من الحالة المجتمعية المدنية في لوحات "بقعة ضوء" التي أخرجها سيف الشيخ نجيب، وخصوصاً في لوحة "تريفاز"، إذ نشاهد لجنة فحصٍ في المؤسّسة العامة للكهرباء في دمشق والمنطقة الجنوبية تكشف على ساعة كهرباءٍ داخل محل، من باب التمسك الشكلانيّ بالقانون المعمول به في المؤسّسة، ويطلب صاحب المحل "أيمن رضا" تحويل الساعة من عدادٍ منزليٍّ إلى عدادٍ تجاريّ. وهنا لجنة كشف مؤسّسة الكهرباء جزءٌ من حالة المجتمع المدنيّ السوريّ.

 

واللوحة الثانية التي نودّ الإشارة إليها من "بقعة ضوء" هي لوحة "الساعة الثامنة"، عندما تُواعد "أمل عرفة"، زوجة الموظف المتوفى، مدراءَه جميعاً في بيتها موعداً غرامياً، وتحبسهم كلهم في غرفةٍ صغيرةٍ وتجبرهم على توقيع أوراق المعاملة للحصول على الراتب التقاعديّ لزوجها. وفي هذه اللوحة تظهر الحالة المدنية السورية في انتقالها من مديرٍ إلى مدير، وكشف جوانب الفساد الإداريّ الموجود في المؤسّسات الحكومية والمحسوبيات فيها، والتركيز هنا على استغلال جانب الإيحاء الجنسيّ الفاضح.

 

وتتمثل إحدى مظاهر الحالة المدنية السورية في دراما البيئة الشامية في "مجلس الأعضوات" في الحارة، وهو شكلٌ من أشكال العمل المدنيّ البيئيّ المؤطّر في زمانٍ ومكانٍ محدّدين، إذ يعُدّ هذا المجلس ذاته المسؤول عن كلّ ما يجري في الحارة. فتأمين حياة العائلات وأبناء الحارة جزءٌ من عمله، ومتابعة قضايا الجرائم والاقتتال بين أبناء الحارة والحارات الأخرى يقع حلّها عليه، وكذلك المساعدة في تزويج أبناء الحارة من الشباب الذين لا يستطيع أهلهم تزويجهم.

 

 

ويظهر في العمل الدراميّ "باب الحارة"، من تأليف سليمان عبد العزيز وإخراج ناجي طعمة وإشراف بسام الملا، في الحلقة (23)، قول إحدى الشخصيات إن هناك 50 عضوةً في جمعيةٍ نسائيةٍ سوريةٍ في زمن المستعمر الفرنسيّ في ثلاثينيات القرن الفائت. وكذلك نرى النشاط النسائيّ في الجمعية من خلال أول مشاركةٍ للفتيات في العمل التطوعيّ الذي يخدم قضايا النساء في مجتمع الحارة الشامية متمثلةً في "حارة الضبع".

 

المجتمع البديل-المدنيّ درامياً:

 

إن الاستعراض البانوراميّ للعديد من المحطات المدنية في سياق موسم 2016 يظهر إشاراتٍ واضحةً تحتاج إلى دراسةٍ أوسع من أجل قراءة مدى العمق المدنيّ السوريّ في دراما هذا الموسم. ويحتاج هذا إلى ورشاتٍ دراميةٍ-مدنيةٍ تعقد لبحث كيفية نقل جزءٍ من الواقع المدنيّ الحديث بعد 2011 إلى سياق الفعل الدراميّ السوريّ برغبة أو عدم رغبة المنتجين، لأنه لا يمكن حذف مجلس أعضوات الحارة من دراما البيئة الشامية، ولا يمكن إلغاء وجود الشركات التجارية أو المقارّ الصحافية والإذاعية والتلفزيونية في سياق العمل الدراميّ الاجتماعيّ، وكذلك الكنيسة والجامع والمشفى والعيادة النفسية والجامعة. لكن الأهم من الاستعراض المكانيّ هو النقاشات الحقيقية التي تظهر في سياقات الفعل الدراميّ للوصول إلى نتائج في قضايا مدنيةٍ محدّدة. فالمجتمع المدنيّ البديل في الحياة قادرٌ على تجسيد الحقيقية ونقلها بأشكالٍ مختلفة، لكن المجتمع المدنيّ السوريّ في سياقات الدراما هل هو قادرٌ على نقل الحقيقة كما هي، بدون فعلٍ تجميليٍّ "مكياجيٍّ" للواقع السوريّ؟! وما هو مقدار الفائدة التي يستطيع الفعل المكياجيّ إظهارها في عمق الواقع المدنيّ الاجتماعيّ السوريّ؟!

 

حتى الموسم الدراميّ الحاليّ لا توجد أيّ إمكانيةٍ للقول إن المجتمع المدنيّ للواقع الحياتيّ اليوميّ بدأ يشكل مجتمعاً موازياً بما هو قائم. أما من زاوية الحوارات الدائرة في الحياة السياسية والمدنية السورية وهل هي متجسدةٌ في الدراما فيمكن التأكيد هنا على أن نسبة 50% مما هو قائمٌ في الواقع موجودٌ في الدراما السورية، أما الباقي فيحتاج إلى متابعةٍ ومعرفةٍ في المواسم القادمة، أو بحثٍ آخر بعنوان رصد حالة المجتمع المدنيّ السوريّ في الدراما تاريخياً. فهل يستطيع العاملون في الحقل المدنيّ السوريّ فعل ذلك، لتقديم نموذجٍ قابلٍ لنقله في الحياة إلى الدراما السورية. يبقى السؤال برسم نشطاء المجتمع المدنيّ السوريّ، وصناع الدراما السورية في حال إدراكهم لأهمية دور المجتمع المدنيّ السوريّ، صانع البديل الحقيقيّ القابل للحياة.

 

 

 

 

 

 

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard