info@suwar-magazine.org

السويداءُ رهينةُ المأساةِ واستدعاءُ فِتنةِ التاريخ

السويداءُ رهينةُ المأساةِ واستدعاءُ فِتنةِ التاريخ
Whatsapp
Facebook Share

 

 

كي نتمكّن من قراءة المجريات الحاصلة على أرض السويداء، لابدّ من سرد تفاصيل بعض المراحل التاريخية التي شكّلت خصوصية هذه المنطقة. 

 

بعد نشوب المعارك بين القيسيّين واليمنيّين في لبنان عام 1711م، وفي معركة عين داره في عهد الأمير حيدر بن موسى الشهابي، تغلّب القيسيّون على اليمنيّين، وهذا كان سبباً لهجرة المغلوبين من مناطقهم باتّجاه جبل العرب، ولكن السؤال الذي يُطرح، لماذا تمّ اختيار الجبل مكاناً للسكنى وقتها؟ الجبل كان خالياً من السكان إلا بعض البدو الرُّحّل الذين يقصدونه للرعي صيفاً لوفرة الماء والكلأ فيه. كما وقدمت إليه بعض الهجرات من منطقة حلب في الجبل الأعلى، واستقرّت جميعها على أرض الجبل.

 

وعلى وقع أحداث عام 1860 في لبنان ارتفعت معدلات هجرة الدروز إلى الجبل، وفي تلك الفترة قرّر الدروز الاستقرار بشكل نهائي على أرض الجبل، فبنوا القرى ومارسوا الزراعة، ثم بدأت الدولة العثمانية بفرض الضرائب عليهم والتجنيد الإجباري _الذي سنتحدث عنه لاحقاً_.

 

وفي خضّم هذه الأحداث رفض أبناء الجبل دفع الضرائب، كما رفضوا الانخراط في الجيش العثماني، وكان مطلبهم، الوحيد حينها، هو وقف التعدّيات على المزروعات من قِبَل البدو، إذ أخذوا يتحرّكون بتحريض من السلطات العثمانية التي حرّضت أيضاً سكان درعا وحوران ضد أبناء الجبل، عقاباً لهم على عدم انصياعهم للتجنيد ودفع الضرائب. وكان العثمانيون يأخذون موقف المتفرّج ممّا يحصل، بعد أن تركوا سكان الجبل يواجهون مصيرهم وحدهم أثناء هذه الاعتداءات.

 

هذا ما جعل من سكان الجبل يقفون ضد الدولة العثمانية ويجابهونها. وفي هذه الفترة زار القس بورتر مدينة شهبا، وقد جاء على لسان شيخها آنذاك فارس عامر: "نحن هنا على أطراف الصحراء، وعلينا أن نتحمّل أعباء قتال البدو الذين يعتدون على مزروعاتنا، ويجب أن نحمي أطفالنا ونساءنا، وليس هناك بالقرب منا أي جنود نظامية أو حاميات تكبح جماح القبائل البدوية الضاربة في الصحراء".

 

في بداية القرن التاسع عشر وأثناء قدوم حملة إبراهيم باشا المصري على الجبل، لم يكن من خيار أمام أبناء الجبل إلّا أن يتحالفوا للدفاع عنها، وقد وقفوا جنباً إلى جنب مع قسم من قبائل البدو الذين أصبحوا أنصاف بدو، _وأنصاف البدو هم الذين لم يبقوا رُحَّلاً، بل استوطنوا، وأصبحت لديهم بيوت يقضون فيها الشتاء ويغادرون للرعي صيفاً_ ومنهم عشيرة السلوط ــــ ووقف جميع ساكني الجبل في خندق واحد، وكل طرف يرعى ويصون مصالح الطرف الآخر.

 

 ولذلك يمكننا القول أن البدو الرُّحّل وأبناء السويداء (الدروز) لم يكن عداؤهم مذهبياً، بل تعايشوا في فترات طويلة كفئتين، تسعى كل منهما خلف رزقها، ولا تستغني الواحدة عن الأخرى، بخاصة في أعمال الرعي، التي أوكلها الدروز للبدو مقابل فلاحتها. مؤخّراً توطّن البدو في أطراف ريف السويداء والمدينة، وبقوا يعتنون بمواشي الدروز، وكانوا يحصدون زرعهم ويقطفون ثمار أشجارهم ويشتغلون لديهم كعمّال مياومين موثوقين.

 

ولكن كأي طرفين يتعايشان معاً كان لا بدّ من وجود بعض الخلافات بينهما، ومن دون شكّ لم تكن هذه الخلافات مذهبية، أو دينية أو طائفية، إنما كانت خلافات اقتصادية واجتماعية، مردّها أن البدو يرون كامل مساحة الجبل صالحةً لرعي مواشيهم، بينما كانت السلطات في المحافظة تحدّد الأماكن المخصّصة للرعي، ولكن دون التزام من جانبهم بهذه الأماكن. فلو كان الصراع طائفياً أو مذهبياً بين أهالي السويداء والبدو، لما كانت المحافظة احتفت بالنازحين من الطوائف الأخرى في المحافظات المنكوبة.

 

وعلى الرغم من هذا فقد اعتاد البدو على التسلّح دوماً لضرورات الترحال ولغايات أخرى، وبعلمٍ من أجهزة الدولة التي مارست معهم سياسة غضّ النظر، أمّا بالنسبة لباقي القاطنين في المحافظة، فكانوا يعتمدون على الدولة دائماً في حمايتهم وتحقيق أمنهم وأمانهم ضد أي اعتداء. وفي عام 2000 يبدو أن الأمور خرجت عن سيطرة الطرفين عندما نشبت خلافات بين بعض البدو والسكان المحليّين سُمّيت بـ(أحداث البدو)، وتطوّرت الأمور لتصبح دامية بينهما. وفي خضّم هذه الأحداث هبّت المحافظة بكامل فئاتها، وكان مطلبهم الوحيد أن تفي الحكومة بالتزاماتها في حماية الأهالي، وأن تكفّ عن تحريض البدو على ترك مواشيهم ترعى في منطقة الاستقرار الأولى والثانية، التي حدّدتها الحكومة بنفسها, وألّا تتغاضى عن تكديسهم للسلاح وإشهاره بوجه الأهالي (الدروز).

 

 

 وعلى ضوء تطوّر مجريات الحدث، سقط عدد من شباب الدروز بسلاح البدو، ممّا دفع مجموعة من شباب الدروز إلى  بيوت البدو الآمنين يحرقونها. وبفضل العقلاء من أبناء المحافظة الحريصين على السلم الأهلي، تمّ تطويق الفتنة وإخمادها, بيد أن مسبّبي الفتنة لاذوا بالفرار إلى جهة مجهولة، ولم يقبض عليهم حتى الآن.وخلال عشر السنوات التالية لهذه الأحداث كانت تحصل بعض المناوشات والخلافات التي لم تتوقّف بسبب الارتباطات الأمنية لبعض البدو.

 

عند قيام ثورة الشعب السوري في آذار عام2011م، بدأت الأحداث تتسارع، حتى فرضت لغة السلاح والحلول العسكرية نفسها على كامل مساحة الأرض السورية. ولا يخفى على أحد أن التعقّل والحكمة من قبل وجهاء ومشايخ الجبل وأبنائه هو ما جنّبه الانخراط في خضّم الأحداث العسكرية التي سادت على مساحة الأرض السورية، وكان ذلك من خلال اعتكاف شباب المحافظة عن الالتحاق بالخدمة الإلزامية والقتال خارج حدود المحافظة، وذلك لرفضهم المشاركة في الحرب السوريّة السوريّة. وظهور حركة رجال الكرامة التي وفّرت الحماية لكل شاب يُساق إجبارياً للالتحاق بالخدمة.

 

وعلى مدار السنين السبع الماضية كانت اللقاءات مستمرّة بين أبناء المحافظة عامة من وجهاء الدروز والمشايخ وشيوخ العشائر البدوية، وبحضور ممثّلين للسلطة، وكان التأكيد دائماً على استمرار التآخي والتعايش السلمي، وأن الخطر الذي يحدق بالجميع خطر واحد. وكان هناك اتفاق بينها على نبذ كافة العناصر المسيئة والخارجة على القانون والتي كانت تمارس الخطف والخطف المضادّ، واستنكروا انفلات السلاح وغياب الروادع الأخلاقية والاجتماعية عن البعض.

 

في صبيحة يوم 25/7/2018م، كان الجبل على موعد مع أبشع جريمة إرهابية قذرة ارتكبت بحقّ أبنائه من قِبَل(داعش) ومن يموّله ويشغّله ويؤيّده. وكان التصدّي الشجاع من قِبَل أبناء المحافظة وسرعة تلاحق الفزعات من كافة المناطق كفيلاً بتلقين التنظيم الإرهابي درساً قاسياً لم يتلقّاه على مدار سنوات مضت، من قِبَل مَن يحاربه، سواء أكان تحالفاً دولياً أو قوات أخرى، وشهد بذلك كل من تابع الأحداث الأخيرة.

 

 

منذ اللحظات الأولى للجريمة هبّ أبناء الجبل موحَّدين على هدف واحد، هو حماية الأرض، والعرض،  ولابدّ من الإشارة إلى بعض الإساءات الفردية التي تمّت بحقّ النازحين الذين هم في عُرف الغالبية العظمى من الدروز ضيوفاً على الجبل.

 

ونتيجةً لتعاون بعض البدو مع الدواعش الذين انقضّوا على الأبرياء النائمين في القرى الشرقية من المحافظة، ونفّذوا مجزرتهم المروعة، دفع الناس لاستهداف بعض بيوت البدو الذين تربطهم مع الدروز علاقات وثيقة وتاريخية كما ذكرنا سابقاً، كما قاموا بترحيلهم منها.

 

إن استهداف الضيوف واللاجئين ومنازل البدو ما هو إلا تحقيق لمأرب الجريمة، والتي ينصبّ هدفها في إشعال نار الفتنة بين مكوّنات المجتمع الواحد، بخاصة عند نشر الإشاعات كتواجد خلايا نائمة لداعش بين بدو السويداء، لهذا تجدّدت الاتّهامات لبعض البدو بالارتباط بأجهزة مخابرات دولية ومحلّية، ولم يعد خافياً أن الساحة السورية اليوم، هي مرتع لهذه الأخيرة، وهؤلاء البدو ينفّذون مخطّطاتها دون أي وازع أو رادع لتحقيق أهدافها في خلق الفتنة والاقتتال الداخلي بين أفراد المجتمع الواحد، وعسكرة المجتمع، إذ أخذ الأهالي على عاتقهم حراسة قراهم ومدنهم في غياب أي دور للسلطة الحاكمة في تحقيق الأمن والأمان, وبات من المألوف انتشار الأسلحة الفردية بين كافة أفراد المجتمع حتى ممّن كانوا يرفضون حمل السلاح.

 

 

لا بدّ لأبناء محافظة السويداء أن يفوّتوا الفرصة على المجرمين ومَنْ وراءهم، من خلال الدعوة لعقد اجتماعي وميثاق شرف بين جميع مكوّناته، والوقوف جنباً إلى جنب وأن تتحمّل كل فئة لمسؤولياتها باعتبار أن الوطن يتّسع للجميع. وإذا كان هنالك من فئة ضالة ومرهونة للشيطان الذي يعبث بالنفوس، يجب إعادتها إلى جادّة الصواب والحقّ، وهذه مسؤولية المجتمع المدني وهيئاته ومنظماته، وهو واجب على النخب المجتمعية كي تعود الحياة إلى طبيعتها، ويعود الجبل مضرب مثل في التآخي والدفاع عن المظلومين وحفظ العهود.

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard