info@suwar-magazine.org

السويداء على قيدِ خُطوةٍ من الاحتراق

السويداء على قيدِ خُطوةٍ من الاحتراق
Whatsapp
Facebook Share

تصفياتٌ بين عصاباتٍ مسلحة، انفلاتٌ أمني، وجرائمٌ في حضنِ الوطن

إلى أين ذاهبٌ جبل العرب: بطشٌ عسكريّ أم حلٌّ سياسيّ؟

تدخلاتٌ لبنانية وفلسطينية وأجهزةُ مخابراتٍ تحاولُ السيطرة

 

 

تقف السويداء أمام مفترق طرق، إذ ابتلعت المحافظة المحسوبة على لا أحد آلاماً كثيرة. حَيَّدتْها الثورة بالإكراه، واتَّهَمتْها لاحقاً بأنها صامتة. تركَها النظام السوريّ لتناقضات الحرب، فدفعتْ ثمناً كبيراً. وبين الضفتين: انفلاتٌ أمنيّ، ارتفاع نِسَبِ الجرائم (خطف، قتل، مخدرات...الخ)، تفريخٌ لفصائل مسلحة بتسميات مناطقية، بروز دور كبير لرجال الدين، وغياب القانون. هي لحظات ترقُّب مريرة، أشدُّ وطْأة من الحدث المَهُول المتوقَّع ذاته، وربما أقسى من تداعياته لاحقاً، فالانتظار هنا قاتل، لمعرفة: إلى أين ذاهبة محافظة العنب والتفاح؟ وما مصير جبل العرب ـ وفقاً لوصف الرئيس جمال عبدالناصر ـ ذي الحجارة السوداء؟

 

 قبل أن يزحف الجنود وتتقدم الدبابات وتقصف المدافع، تتزاحم خطابات التحدي و"المراجل والعنتريات"، وتسود الجرائم، ومن ثم تصول الأسلحة الكاتمة للصوت صولاتها المؤلمة، مؤذنة بفتح بوابة الجحيم، من خلال "شيطنة المحافظة" تمهيداً للبطش بها، كما عبّر أحد الناشطين الحقوقيين الذين التقت بهم (صور)، مقابل وجهة نظر أخرى لاترى كل هذا السواد القادم، فالسويداء ـ وفقاً لهذه الرؤية ـ دائماً في حضن الدولة التي  ستسيطر على "الخارجين عن القانون" عندما يحين الوقت.

 

تدخلاتٌ أمنيَّة

 

يؤكد ناشط حقوقي من السويداء أن قبضة النظام الأمنيّة تجاه المجتمع وخاصة الأهلي منه مازالت موجودة في المحافظة رغم ضعفها، وكذلك تدخّلاته مستمرة عبر أجهزة الأمن، وفرع حزب البعث في فرض حالة الهيمنة، والوصاية على مختلف المؤسسات.

 

ويوضح الناشط الذي تتحفَّظ (صور) عن ذكر اسمه، بأن الاستدعاءات الأمنية لازالت موجودة، رغم تراجعها مقارنة بالفترات السابقة، وكذلك المُراقبة، والتّقصي والتقارير والدراسات الأمنيّة والجدولة. وقال:"إن مؤسسات النظام جميعها تعمل، وإن كانت بترهّل، إلا أن الفساد بازدياد".

 

اقرأ المزيد:

 

" السويداء على صفيح ساخن"

 

وفي حديثه لـ (صور) يرفض عضو مجلس محافظة السويداء السابق نادر كرباج، إطلاق تسمية "النظام" ويصرُّ على تسمية "الحكومة السورية" التي ما زالت تفرض الأمن على المحافظة بشكل كامل. دون أن يُنكرَ أنَّ هناك بعض الأشخاص "الخارجين عن القانون"، وهذا الشيء حصل بكل المحافظات، وكذلك الحروب التي حدثت في دول العالم. ويستند كرباج إلى عادات أهالي الجبل التي ﻻتسمح بأفعال كالقتل والخطف وغيرها، إذ كنا دائماً حماةً للضيف والوافد والدخيل.

 

عصابات أم خارجون عن القانون؟

 

اندمج 14 فصيلاً محلياً أواخر كانون الأول الماضي، ضمن تشكيل واحد، خلال اجتماعهم في منزل مؤسس حركة رجال الكرامة الشيخ وحيد البلعوس. وهي مجموعات (المقرن الشرقي، ونشامى الجبل، وقوَّات المقرن الغربي، وسرايا الكرامة، وفدائيي السويداء، ودرع الجبل، ومغاوير الكرامة، وقوَّات الفهد، وقوَّات شيخ الكرامة، وقوَّات شهبا، ومجموعة السلمان، ومجموعة المقرن القبلي، ومجموعة أحرار القريا، ومجموعات المدينة). ورفضتْ هذه الفصائل خلال بثِّها شريط فيديو وصْفَها "بالفصائل الإرهابية والمتعصِّبة"، أو "المساوَمة" على السلاح الذي تحمله، و"حملات" الدهم والاعتقال بحق أبناء السويداء.

 

 

ورغم تسجيل وسائل الإعلام السورية الحكومية، ومنها وكالة الأنباء الرسمية (سانا) هجوماً على مبنى فرع الأمن السياسي بالأسلحة الثقيلة (آر ب ج ) في 8 حزيران الماضي، ووصفها لتفجير دراجة نارية في مدينة السويداء في الرابع من تموز المنصرم بالعمل "الإرهابي"، وما جرى في صلخد الصيف المنصرم. يرفض كرباج تسمية "فصائل مسلحة" تعملُ في المحافظة، ويحدد هؤلاء بأنهم "خارجون عن القانون" بالمعنى الدقيق ـ على حد تعبيره ـ لأنهم حتى الآن لم يعتدوا على عناصر الجيش أو الأمن إنما تصفيات بينهم، ولم يهاجموا أية مؤسسة من مؤسسات الدولة رغم أنها بوسط المدينة، وﻻ يوجد أية حماية لها.

 

 فيما يصف الناشط الحقوقي من يقوم بالجرائم الخطيرة التي تحصل في السويداء بأنها "عصابات مُسلّحة"، ويرى أنّ قسماً كبيراً من أفراد تلك العصابات "النظام مُتورّط معهم"، موضحاً بأن النظام "استثمر فيهم وشغّلهم" عبر منحهم بعض النفوذ والهيمنة والبطاقات الأمنيَّة.

 

وحول الأسباب التي تدفع بالنظام للاستثمار بذلك، يؤكد الناشط أن النظام استثمر في هذه "البيئة الإجراميّة الرّاهنة" في السويداء، بشكل منهجي ومدروس "لشيطنة السويداء" بنظر المجتمع المحلّي، وبنظر السوريين عموماً، ليأتي فيما بعد وليبطش بقوّة الجميع في آن واحد (فصائل- مجتمع أهلي- معارضة)، حيثُ سيكون هو المخلّص ويفرض "منطق الدولة" الذي يُنادي به الجميع.

 

ويقدم الناشط الحقوقي رؤية مستقبلية لهذا الواقع بالقول: إن "البطش سيتمّ عبر القوة العسكرية"، أي الحرب، إذ أن قوى النظام الأمنيّة الراهنة في المحافظة غير قادرة على فتح معارك مع أولئك المسلحين الخارجين عن القانون، إلّا أن الترابط العائلي والمناطقي والبيئة الخاصة في المحافظة تجعل البعض "يفزع" (يساند) للبعض الآخر في الوقت الراهن كُلٌّ حسب مصالحه.

 

خروقات وتدخلات خارجية

 

تبدو شرارة المواجهة قاب قوسين أو أدنى، فخطاب التحدي، وعبارات الكراهية، والتلطي خلف شعارات مهلهلة وبرَّاقة، تنذر بكثير مما لا تُحمد عاقبته. كما أن محاولات فرض السيطرة مثيرة للتساؤلات؟ إذ أعدم فصيل "قوات شيخ الكرامة" الذي أسسه الشيخ وحيد البلعوس (استشهد بتفجير موكبه في أيلول ٢٠١٥)، ويقوده حالياً نجله ليث البلعوس، أعدم ثلاثة أشخاص ينتمون للفصيل عينه، هم (نبراس حمزة ومازن ناصيف وبسام فليحان) بتهمة اغتيال أحد قادة هذا الفصيل في صلخد (وسام العيد) في 3 أيار الماضي، وسبق ذلك حَرْق منزل أحد المتَّهمين. كما اشتبك فصيلان من السويداء وصلخد، في منتصف نيسان الماضي، قُرْب دوَّار المشنقة في مدينة السويداء، ما أدى لمقتل شخص، وإصابة آخرين ينتمون للفصيلين. وهذا يعدُّ تهشيماً وخلخلة كبيرَين للبنى الاجتماعية، وخروجاً عن العادات المتَّبعة عند أبناء السويداء، في ظل تغييب قسريّ للقانون.

 

يصنِّف الناشط الحقوقي الفصائل، أو العصابات المسلحة بالسويداء، بأن بعضها هو تحت أمرة النظام وولائهِ، ومنها ما هو خارج أمرتهِ وولائهِ، ومنها ما هو بين بين. ويرى أن مَن هم خارج سيطرة النظام ليسوا أصحاب قرار، فالحالة الدوليّة للحرب في سوريا تفترض ارتهان الفصائل وتبعيّتها، إذ يوجد اليوم من هم يتبعون لروسيا، لأمريكا، لإيران وحزب الله، ولموفق طريف ...الخ، صحيح أنه يربطها عصب واحد تجاه الخارج، لكن ذلك العصب ينهار أمام لغة المصالح. ويؤكد أن كل الفصائل "مُخترقة" لصالح الجميع، بما فيهم النظام. ويخلص إلى أن السويداء باتت ملعباً لمخابرات الدول.

 

لايتجاهل عضو مجلس المحافظة السابق كرباج وجود "خروقات" بكل المناطق، لكنه يعتقد أن الوضع المهم في السويداء هو أننا "أبناء عشيرة واحدة ونعرف بعضنا البعض ويوجد نسب ومصاهرة"، لذلك "تغاضى الأمن" عن بعض الحاﻻت، لكي ﻻ يسمح بتجييش الرأي العام، خاصة مع وجود "تدخّلات من أهلنا في لبنان وفلسطين". ويؤكِّد أن الحكومة والجهات الأمنية "ﻻ تدعم أحداً" من الخارجين عن القانون، ولكنهما لا تريدان أي خلاف حالياً ضمن المحافظة مع أي فصيل، ويعبر عن ثقته بأن "من حارب مئات آﻻف المرتزقة" الذين أتوا من شرق آسيا وتركيا والخليج العربي وشمال إفريقيا، يستطيع السيطرة على مئات الخارجين عن القانون، لكن عندما "يحين الوقت" وفقاً لكرباج، دون أن يحدده.

 

اقرأ المزيد:

 

" مختطفات السويداء.. رهائن الموت والإنسانية المفقودة "

 

طبول حرب

 

هل ينفجر برميل البارود؟ وهل تنساق السويداء إلى حتفها كما حصل في محافظات أخرى لتدفع فاتورة دم ودمار مجانية؟ حرائق الصيف التي أشغلت الناس في السويداء، وطالت الأراضي الزراعية، ليست مقدمات، كما أنها ليست مؤشّرات، بل في أدق وصف هي نتائج، وحصيلة تَرِكَة ثقيلة لثمان سنوات عجاف، في حال القطع مع ما قبل 2011. كما أن جرائم القتل والخطف والابتزاز والسلب والنهب...إلخ، هي أبلغ مؤشِّر يفضح المستور الذي يختبىء تحته العقد الاجتماعي الخاص الذي يحكم علاقات مجتمع السويداء بخاصة، والعقد الذي يربط المحافظة بالدولة السورية بعامة.

 

يشدّد كرباج على أن السويداء ضمن الدولة السورية دائماً، وﻻ يَعُدّ ما حصل على أنه "انفلات أمني" إنما "تجاوزات فقط لبعض الخارجين عن القانون"، وهم ﻻ يشكلون واحد بالمئة من المواطنين. ويقول: "إن الجبل الذي تعرض سابقاً لفكر التقسيم، وتصدى أهلنا له، كذلك نحن حالياً لن نسمح بذلك، لأننا أول من حمل لواء العروبة، وشعار الدين لله والوطن للجميع".

 

فيما يتوقع الناشط الحقوقي بأن السويداء "ذاهبة إلى المزيد من الفلتان الأمني والفوضى وارتفاع مُعدّل الجريمة"، وأنه بعد أن يستتبّ الأمن في الشمال السوري، سيتوجّه النظام إلى المنطقة الجنوبيّة، وستُعزّز إيران وحزب الله من وجودهما العسكري في الجنوب. وحسب رُكام تجاربنا ـ وفقاً للناشط الحقوقي ـ مع خطط النظام في السيطرة على المناطق والصبر حيالها تارةً والهجوم تارةً أخرى، وحسب المعطيات الدولية غير المُبالية بحل سياسي للشعب السوري. يرجح الناشط أن يحسم النظام الأمور في السويداء "عسكرياً عبر خيار الحرب" كما في باقي المناطق السورية، وحسب الظرف الدولي، إلّا إذا حصل جديّة في الموقف الدولي والحسم اتجاه انضاج حل سياسي.

 

حبس الأنفاس

 

كل ما يجري لايصنع مجداً، ولايرسم مستقبلاً مُطمِّئناً، ولايخلق حياة عادية، ولايعد إنجازاً. فالمجتمع الأهلي في السويداء، الذي يريد التغيير والخلاص والأمان، ويتوق إلى عقد يستند إلى العدالة والحرية والمساواة، يحبس أنفاسه. فعندما تبدأ مرحلة التصفيات، خاصة لمن حملوا السلاح، كون الذين حملوا الكلمة انتهى دورهم عقب العامين الأوليين لانطلاق الثورة، نكون أمام مؤشر خطير وهو: أن غيوم معركة طاحنة تتلبد في السماء لتختم ما يجب ختمه أياً كان الثمن. إنه مفترق الطرق، حل سياسي، أو الدمار.

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard