ضَعف القطَّاع الطبِّي ..يُهدِّدُ حياةَ المرضى شمال غربي سوريا
يقف أبو عدنان من مدينةِ إدلب عاجزاً عن معالجة ابنه ذي الـ 7 سنوات من مرض السرطان، بعد أن فشلتْ كل محاولات إدخاله إلى تركيا للعلاج في مشافيها لأنّ مكتب التنسيق الطبي في معبر باب الهوى يرى أنّ حالة ابنه باردة، وتحتمل التأجيل.
يقول أبو عدنان "أعجزُ عن مساعدة ولدي والتخفيف من آلامه، وأنا أشاهده يموت أمام عينيّ، وأعجز عن فعلِ شيءٍ لإنقاذه، بينما لا يقوى ولدي على تحمُّل المزيد من الألم".
النقص الحادّ ﻓﻲ ﺍﻷﺟﻬﺰﺓ ﻭﺍﻷَﺳﺮَّﺓ، ﻭﺿﻌﻒ ﻣﻮﺍﺭد ﺍﻟﻤﺴﺘﺸﻔﻴﺎﺕ ﻭﺍﻟﻨﻘﺎﻁ الطبّية، وعجزها يَحُوْل دون موﺍﺟﻬﺔ ﺍﻷﻣﺮﺍﺽ ﻭﺍﻟﺤﺎﻻﺕ ﺍﻟﺼﺤﻴﺔ الصعبة والحَرِجَة، في مناطق شمال غربي سوريا التي تقع تحت سيطرة المعارضة المسلَّحة، وهئية تحرير الشام لا سيَّما بعد إغلاق العديد من المراكز الصحية في تلك المناطق، كما زادت جائحة كورونا من معاناة السكان خاصة بعد إغلاق تركيا للمعابر الحدودية مع سوريا، وعدم السماح للحالات المَرَضِيَّة الحَرِجَة بالدخول للعلاج في مشافيها.
قالت منظَّمة الصِّحَّة العالميَّة في بيانٍ صدَرَ في 3 شباط/فبراير الفائت، إن مخاطر صحِّيّة تواجه مئات الآلاف من السوريّين الذين أُجبِروا على الفرار بسبب تكثيف المعارك في شمال غربي سوريا، مشيرةً إلى أنَّ خلال شهر كانون الثاني/ يناير عَلَّقَت 53 منشأة صحيَّة خدماتها بسبب انعدام الأمن، والتهديدات المتعلقة بالهجمات، أو بسبب تحوّل التجمعات السكنية إلى مناطق مهجورة بعد رحيل سكَّانها بحثاً عن الأمان من العنف، والقصف اليومي.
بحسب المُنَظّمة، لا تعمل في سوريا الآن سوى 64% من المستشفيات، و52% من مراكز الرعاية الصحيَّة. كما فرّ 70% من العاملين الصحيِّين من البلاد. وتعرّضت الكوادر الطبية طوال سنوات الحرب إلى التضييقات مثل الاعتقال والاختفاء، وغالباً ما تكون قوّات النظام السوري مسؤولة عن الهجمات التي تستهدف العاملين الصحيِّين كالأطباء، والممرِّضين، والمرافق الطبِّية.
تحدَّث الطبيب مصطفى العيدو معاون مدير الصِّحَّة في إدلب لـ مجلَّة صُوَر قائلاً: "عدَّة أسباب أدَّت لتراجع القطاع الطبي في الشمال السوري منها الحَمْلة العسكريّة الأخيرة التي استهدفت العديد من المراكز الصحيَّة بشكلٍ مُمنهجٍ، ناهيك عن تهجير أكثر من 10 مستشفيات، و15 مركزاً صحياً من مناطق ريف حلب، وريف إدلب الجنوبي إلى مناطق الريف الشمالي، وعدم تفعيلها بشكلٍ كاملٍ، وبالتَّالي حرمان العديد من المرضى من خدماتها، فضلاً عن عدم استقرار الدعم المادي المقدَّم لهذا القطَّاع، وتفاوُت مستوياته".
بحسب معاون مدير الصِّحَّة في إدلب يوجد 43 مستشفىً في منطقة شمال غربي سوريا حالياً، كما يوجد 600 طبيب، بمعدل 1.4 طبيب لكل 10,000 شخص. مؤكِّداً أن المعاناة بسبب قلّة المشافي الداخليَّة، ونُدْرة عدد حواضن وعنايات الأطفال، إذ تستوعب المشافي الموجودة أعداداً محدودةً من الأطفال الخُدَّج، وحديثي الولادة.
اقرأ أيضاً:
تخوُّفٌ من تفشّي الأمراض شمال غربي سوريا بعد إغلاق 53 مرفقاً صحياً
يؤكد العيدو خلال حديثه لـ (صُوَر) ﻭﻓﻘﺎً ﻹﺣﺼﺎﺋﻴﺎﺕ ﺍﻷمم المتحدة ﻳﺘﺠﺎﻭﺯ تعداد ﺳﻜﺎﻥ ﺍﻟﺸﻤﺎﻝ السوري 4 ﻣﻼﻳﻴﻦ ﻭ 178 ﺃﻟﻒ ﻧﺴﻤﺔ، ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺃﻧﻪ ﻻ يتوفَّر سوى 3065 سريراً ﻓﻲ ﻣﺸﺎﻓﻲ ﺍﻟﻤنطقة، ﺃﻱ بمعدل سرير واحد لكل 1363 ﺷﺨص، والوﺿﻊ ﻓﻲ ﻣﺤﺎفظة إدلب ﺃسوأ ﻣﻦ ذلك، حيث يتوفَّر سرير واحد لكل 1592 ﺷﺨصاً". مبيَّناً أن جميع ﻣﺸﺎﻓﻲ ﺍﻟﺸﻤﺎﻝ تحوي 201 ﺳﺮﻳﺮاً ﻣﻦ ﺃَﺳِﺮَّﺓ ﺍﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺍﻟﻤﺸددﺓ، ﻭ 95 ﺟﻬﺎﺯَ ﺗﻨﻔُّﺲٍ ﻟﻠﺒﺎﻟﻐﻴﻦ ﻓﻘﻂ من ﺍﻟﻤَﻨﺎﻓﺲ ﺍﻟﺠﺮﺍﺣﻴّﺔ ﻭﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻴِّﺔ، ﻭﺃﻥَّ ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﻤﺘﻮﻓِّﺮ ﺃﻗﻞُّ ﻣﻦ ﺍﻻﺣﺘﻴﺎﺝ بكثير، باعتبار ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻤَﻨَﺎﻓﺲ تكون ﻣﺸﻐﻮﻟﺔ ﻓﻲ ﻣﻌﻈﻢ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺑﻨﺴﺒﺔ 100%.
إغلاق المعابر ضاعف المأساة
أعلنتْ الحكومة التركيَّة عن إغلاق معبر باب الهوى بتاريخ 13/3/2020 أمام حرَكة المسافرين، والمرضى من أصحاب الحالات الباردة، كإجراءٍ احترازيٍّ للحدِّ من انتشار فيروس كورونا، واقتصرت الحركة في المعبر منذ ذلك الوقت على دخول الشاحنات التجاريَّة والإغاثيَّة، والحالات الطبيَّة الساخنة التي توَقَّف دخولها أيضاً بعد عدَّة أيام.
عددٌ كبيرٌ من المرضى في المناطق الشماليَّة المتاخِمة للحدود التركيَّة كان يتم تحويلهم للعلاج في تركيا، وخاصة الحالات الحَرِجة كمرضى السرطان، والجراحة القلبية، وأمراض الخُدَّج وحديثي الولادة، والأمراض التي تحتاج البقاء في العناية المركزة لفترات طويلة، لكنَّ إغلاق السلطات التركية للمعابر الحدودية فاقَم أزمة القطَّاع الصحِّي، وزاد من معاناة المرضى.
يقول الطبيب وليد الخديجة الذي يعملُ في مركزٍ صحِّيٍّ بريف إدلب لـ (صُوَر): "القطَّاع الصحيّ في شمال غربي سوريا هشٌّ وغير قادرٍ على تخديم كافَّة الحالات الإسعافية والمرَضية، لذلك كنّا نقوم بتحويل الكثير من الحالات التي تحتاج إلى المَنَافِس، وأجهزة العِناية إلى تركيا، لكن اليوم مع إغلاق المعبر توقفت هذه الخدمة، وهناك العديد من الأطفال الذين يفارقون الحياة نتيجة ذلك". مبيِّناً أنَّ الاستمرار بإغلاق المعابر أمام الحالات الإسعافيَّة سيؤثِّر بشكل كبير على المستشفيات في المنطقة، وخصوصاً مع نقص الشواغر، وقلّة دعم المستشفيات، ما يهدّد بارتفاع نسبة الوفيّات التي من الممكن علاجها في المستشفيات التركية.
الطفل ماجد التناري من معرة النعمان مصابٌ بمرض الجُذَام، وقد تسبَّب له بتآكلٍ في أطرافِه، وظهور تقرُّحاتٍ، لذلك يحتاج لإجراء فحوصاتٍ، وعلاجٍ سريعٍ منعاً من تطوُّر المرض وانتشاره، ويحتاج إلى الدخول إلى تركيا للعلاج، لكنَّ إغلاق المعبر حال دون ذلك .
إذا كان الكثير من الأطفال المرضى مثل ماجد ينتظرون مصيرهم، فإن الطفلة "شام محمد عبد العزيز" توفِّيت نهاية شهر أيار/مايو الفائت، قبل التمكن من إدخالها إلى المشافي التركية لعلاجها من التهاب الكبد، والدِّماغ لعدم توفر العلاج المناسب لحالتها في مشافي إدلب.
نقص الأدوية وغلاء أسعارها
ﺍﺭﺗﻔﺎﻉ أجور ﺍﻟﻤﻌﺎﻳﻨﺎﺕ الطبِّية، ﻭغلاء ﺍﻷﺩﻭﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻭﺻﻠﺖْ ﻟﻤﺴﺘﻮﻳﺎﺕٍ ﺗﻔﻮُّﻕ ﻗﺪﺭﺓ ﺍﻟﻤﺮﺿﻰ ﻋﻠﻰ ﺩﻓﻌِﻬﺎ، ﻓﻲ ﻇِﻞِّ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﺍﻟﻤﺘﺮﺩِّﻳﺔ التي يعيشها سكان مناطق شمال غربي سوريا، بعد انهيار سعر صرف الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، وﻏﻴﺎﺏٍ ﻭﺍﺿﺢٍ ﻟﻠﻤﻨﻈﻤﺎﺕ ﺍﻹﻏﺎﺛﻴَّﺔ ﻋﻦ ﺩﻋﻢ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘِﻄَّﺎﻉ ﺍﻟﻤﺘﻬﺎﻭﻱ.
وحَول ذلك قال نائب مدير الصِّحَّة مصطفى العيدو: " يعاني أهالي إدلب من نقصٍ حادّ ﺑﻜﻞِّ ﺃﺻﻨﺎﻑ ﺍﻷﺩﻭﻳﺔ ﺑﺴﺒﺐ ﺇﻏﻼﻕ ﺍﻟﻤﻌﺎﺑﺮ ﺍﻟﺒﺮِّﻳَّﺔ ﻣﻊ ﻣﻨﺎﻃﻖ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ، ﻣﺎ ﺃﺩﻯ ﺇﻟﻰ ﺍﻧﺨﻔﺎﺽ ﻧﺴﺒﺔ ﺍﻷﺩﻭﻳﺔ ﺍﻟﺪﺍﺧِﻠﺔ ﻟﻠﺸﻤﺎﻝ، ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﺍﺭﺗﻔﺎﻉ ﺃﺳﻌﺎﺭﻫﺎ".
يتابع العيدو "ﺣﺎﻟﻴﺎً ﺗﺪﺧﻞ ﺍﻷﺩﻭﻳﺔ ﺇﻟﻴﻨﺎ من مناطق النظام السوري ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺘﻬﺮﻳﺐ ﺑﺄﺳﻌﺎﺭ ﻣﺮﺗﻔﻌﺔ، إضافة إلى الأدوية المستوردة التي يتم دفع ثمنها بالدولار، وبيعها كذلك، فضلاً عن الأدوية المجانيِّة التي تقدِّمها المنظَّمات الإنسانية، وهي غير كافية، عِلماً أنَّه ﻛﺎن ﻟﺪﻳﻨﺎ سابقاً ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻃﻘﻨﺎ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﻨﺸﺄﺓ ﻟﺘﺼﻨﻴﻊ ﺍﻷﺩﻭﻳﺔ، ﻭﻛﺎﻧﺖ ﺗﻐﻄّﻲ ﺣﺎﺟﺔ ﺍﻟﺴﻮﻕ ﺍﻟﻤﺤﻠِّﻲ ﺑﻨﺴﺒﺔ ﻛﺒﻴﺮﺓ، لكنَّ نظام الأسد سيطرَ خلال الحملة العسكرية الأخيرة على معامل الأدوية الموجودة في ريف حلب، وهذا الأمر أثَّر على المنطقة بشكلٍ كبير".
من جهته يُرجِعُ الصيدلاني علي اليوسف من مدينة إدلب السَّبَبَ الرئيسي في غلاء الأدوية إلى احتكارها، والتحكُّم بأسعارِها، إضافةً إلى الضَّرائبِ التي تفرِض على العاملين في استيراد الأدوية من قِبل الحواجز العسكرية التي تتْبع لجهاتٍ تسيطر على المنطقة، ويساهم ذلك في ارتفاع أسعار الأدوية بشكلٍ مضاعفٍ.
يبيِّن اليوسف أن أبرزَ الأدوية التي فُقدَت من الصيدليات، هي أدوية الأمراض القلبية، ناهيك عن نقصٍ في أدوية الضّغط، والسُّكَّريّ، والربو، والمضادَّات الحيَوية، ما يجبرُ المرضى على استبدال الدواء المعتاد بأصناف من صناعة تركيَة، أو تأمين بديلٍ عنه من المراكز، والمشافي المجانيّة.
ارتفاع أسعار الأدوية باتَ يفوقُ قدرةَ فئاتٍ واسعةٍ من سُكَّان المنطقة للحصول عليها خاصّة فئة العمال المياوِمة، حيث يشتكي أحمد العكل من مدينة أرْمَناز، وهو عاملٌ مُياوِم من ارتفاع أسعار الدواء الذي يحتاجه ابنه المريض بالربو، وعن ذلك يقول: "الحصول على الأدوية أصبح عبءٌ جديدٌ يضافُ إلى معاناتنا اليومية، عند ذهابي لشراء الدواء الذي وصفه الطبيب تفاجأت بأنَّ سعرعلبة دواء واحدة تبلغ 15 ألف ليرة سوريَّة (أي ما يقارب 5 دولارات)، مع العلم أنني لا أحصل من عملي سوى على مبلغ 5 آلاف ليرة سورية (أي دولارين في اليوم)".
أﺯﻣﺔ ﻭﻣﻌﺎﻧﺎﺓ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﻳﻮﺍجهها آلاف المرضى في شمال غربي سوريا ﻣﻊ ﺍﺭﺗﻔﺎﻉ أﺳﻌﺎﺭﺍﻷﺩﻭﻳﺔ، ﻭﺗﻜﺎﻟﻴﻒ ﺍﻟﺮﻋﺎﻳﺔ ﺍﻟﺼﺤِّﻴﺔ ﺍﻟﻼَّﺯﻣﺔ، نتيجة ما خلَّفته سنوات الحرب من تأثيرٍ، وﺗﺮﺍﺟﻊٍ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ ﺍﻟﺼﺤّﻴَّﺔ.