info@suwar-magazine.org

سوريا.. تجنيد الأطفال في حروب الكبار

سوريا.. تجنيد الأطفال في حروب الكبار
Whatsapp
Facebook Share

 

 

لأطفال سوريا نصيبٌ كبيرٌ من المعاناة والاستغلال في الحرب المستمرّة في البلاد منذ قرابة عشر سنوات، تجسّدت في صورٍ عدّة أبرزها عمليات التجنيد المستمر وزجِّهم في مقدِّمة الصراعات بين الأطراف المتناحرة على الأرض السورية.

 

يعرِّف القانون الدولي تجنيد الأطفال بـ: أيّ شخصٍ لم يبلغ الثامنة عشر من عمره ولا يزال أو كان مجنّدا لدى قوّةٍ عسكريّة بمختلف المجالات العسكرية.

 

عمليّات التجنيد الممنهج للأطفال شملت  كلّاً من تركيا والفصائل العسكرية التابعة لها، وقوات النظام، وقوات سوريا الديمقراطية، فضلاً عن التنظيمات الجهادية كجبهة النصرة وغيرها.

 

عمليّات تجنيد بالجملة لتركيا وفصائلها

 

عمدت القوات التركية، وما يعرف بفصائل "الجيش الوطني"، إلى تجنيد عشرات الأطفال وزجِّهم في المواجهات العسكرية مع قوات النظام، وفي معاركها ضد المناطق الكردية، وحتى إرسالهم للقتال إلى جانب قواتها المنتشرة في ليبيا.

 

يتمّ نقل هؤلاء الأطفال كغيرهم من المقاتلين عبر القيادة المركزية للأعمال القتالية الواقعة في بلدة حوار كلس، ضمن ما يعرف بغرفة عمليات حوار كلس، وتحويلهم عبر الخط العسكري لمعبر باب السلامة إلى مدينة كلس التركية، ومن ثمّ إلى مطار اسطنبول الدولي الذي يرسل عدة رحلات جوية تحمل المقاتلين إلى مطار طرابلس الواقع تحت سيطرة حكومة الوفاق المؤيدة لتركيا.

 

تختلف ظروف انضمام الأطفال إلى القتال، وكثيراً ما تكون ردّة فعلٍ على حدثٍ معيّن يكون مأساوياً، أو نتيجة وفاة الأهل أو المعيل. هنالك آباء يفرحون كذلك بحمل أبنائهم للسلاح، ويشجِّعونهم على ذلك من باب "خلّيه يصير رجّال". ينتج هذا غالباً عن ضعفٍ في الوعي، أو عن سوء تقديرٍ للأوضاع القائمة. لكن أبعد من ذلك، يواجه الأطفال في سوريا حملات ممنهجة للزجّ بهم في القتال، فهم يشكِّلون بديلاً فعالاً وأقل كلفة من المقاتلين الكبار، ويسهُل تلقينهم العقائد والتلاعب بعقولهم، فضلاً عن الإغراء المالي عبر الرواتب الضخمة التي تقدِّمها تركيا لمن يقاتل في ليبيا، والتي تتراوح ما بين "1200 دولار _ 2000 دولار"، أو عن طريق الندوات التي تطلقها مكاتب التوجيه المعنوي للفصائل العسكرية، بالإضافة إلى استغلال الخلافات العائلية التي تحدُث مع الطفل عند سنّ المراهقة، فقد أظهر شريط فيديو مصوَّر لطفل يهدِّد والديه بالانضمام إلى الفصائل العسكرية في حال استمرار المعاملة السيئة التي يعاملونه بها.

 

بحسب قيادي في "الجيش الوطني" رفض الكشف عن اسمه، تم نقل قرابة 350 طفلاً دون سن الثامنة عشرة للقتال في ليبيا" قُتل منهم 5 أطفال حتى لحظة إعداد التقرير خلال المعارك الدائرة في عموم ليبيا. أغلب هؤلاء الأطفال تمّ تجنيدهم بتزوير بطاقات هويّاتهم المدنية عن طريق دوائر النفوس، حتى يتمكّنوا من الدخول إلى تركيا.

 

وقد أكّدت منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدلة في تقرير منشور لها في أيار/ مايو على أنّ الحكومة التركية نقلت مقاتلين من فصائل المعارضة السورية المسلّحة، وجنّدت مدنيين وأطفالاً للقتال في ليبيا.

 

وذكر التقرير أنَّ عمليات تجنيد الأطفال تتمّ عبر تزوير الوثائق الخاصّة بهم، أي يتم التلاعب بالبيانات الشخصية لهم، لا سيما مكان وتاريخ الميلاد، ويتم تسجيلهم ضمن السجلات الذاتية التابعة للجيش الوطني المعارض وفق البيانات المزوَّرة.

 

استغلال المنابر لحثّ الأطفال على القتال

 

بدورها عمدت الفصائل الجهادية في محافظة إدلب إلى اتّباع سياسة تركيا بما يخصّ قضية تجنيد الأطفال، بل اعتبارها إحدى أهمّ اولوياتها، فمع سيطرة هذه الفصائل على محافظة إدلب، ولا سيما هيئة تحرير الشام، أوعزت إلى مندوبيها في المساجد وحلقات العلم، وحتى المدارس، بالحثّ المستمر على ما تطلق عليه الجهاد في بلاد الشام، حيث أطلقت حملتين دعويتين عمَّتا معظم مساجد محافظة إدلب، حملتا اسم "جاهد بنفسك_ انفروا خفافاً وثقالاً"، ركّزت هاتان الحملتان على استهداف الأطفال، وزرع فكرة الانضمام إلى صفوف قواتهم، والخضوع إلى دورات التأهيل العسكري التي تطلقها هيئة تحرير الشام بين الحين والآخر، بالإضافة إلى إنشاء مراكز دعوية في مختلف مناطق المحافظة، فضلاً عن الملصقات والعبارات التي تملأ شوارع المدن والبلدات التي تدعو إلى الانتساب لهم، والقتال بين صفوفهم.

 

 

تجنيد في مناطق قوات سوريا الديمقراطية

 

لم تقتصر عمليات التجنيد على مناطق إدلب ومناطق النفوذ التركي، بل كان لمناطق شرقي سوريا الخاضعة لسيطرة التحالف الدولي، وقوات سوريا الديمقراطية نصيبٌ من عمليات التجنيد، ففي 29/ حزيران / 2019 وقّعت تلك القوات على مذكّرة حظر تجنيد الأطفال في صفوفها، لكنها سرعان ما نكثتها، حيث تمّ توثيق 11 عملية تجنيد منذ توقيع المذكّرة حتى لحظة إعداد التقرير، كان آخرها في 7/9/2020 عبر تجنيد الطفلة هيفي فهد غيبي البالغة من العمر 15 عاماً من مواليد مدينة القامشلي، وذلك بعد خروجها من معهدٍ لتعليم طلاب الصف التاسع  تتلقّى دروسها فيه.

 

قامت منظمة "سوريّون من أجل الحقيقة والعدالة" بإرسال شكوى رسمية بتاريخ 18 تشرين الثاني/نوفمبر 2020، إلى "مكتب حماية الطفل في النزاعات المسلّحة"، والذي تمّ تأسيسه بقرار من المجلس التنفيذي للإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا بتاريخ 30 آب/أغسطس 2020، بناءً على الخطة الموقعة بين قوات سوريا الديمقراطية/قسد والأمم المتحدة بتاريخ 29 حزيران/يونيو 2020، والمصدّقة من قبل الإدارة الذاتية.

 

تضمّنت الشكوى المرسَلة معلومات مفصّلة عن أنشطة المجموعة التي تُطلِق على نفسها اسم "الشبيبة الثورية"، أو ما تعرف كُردياً باسم (جوانن شورشگر – Ciwanên Şoreşger))، تثبت تورّطهم بمعظم عمليات تجنيد القاصرين والقاصرات. وقد بلغ عدد الحالات التي تمّ تجنيدها من قبل هذه المجموعة (9 حالات) حسب "سوريّون من أجل الحقيقة والعدالة".

 

كما تضمنت الشكوى معلومات تفصيلية عن (5) حالات أخرى لأطفال تمّ تجنيدهم من قبل أشخاص مرتبطين بـ"وحدات حماية المرأة" و"وحدات حماية الشعب" المنضويتين  تحت لواء قوات سوريا الديمقراطية/قسد.

 

وأكّدت لجنة التحقيق الدولية الخاصة بسوريا على تسريح 51 فتاة تتراوح أعمارهنّ بين 13 و17 سنة من صفوف وحدات حماية المرأة في بداية عام 2020، وتمّ إيواؤهنّ في مراكز لإعادة التأهيل، وكان 18 طفلاً آخر في طور التسريح بحسب لجنة التحقيق الدولية في تقرير لها صدر في 15أيلول/سبتمبر، عن النصف الأول من عام 2020 بين شهري كانون الثاني وتموز.

 

ورحّبت اللجنة بالالتزامات التي قطَعَتْها قوّات سوريا الديمقراطية، وبعمليات التسريح التي قامت بها، وفي الوقت نفسه وثّقت اللجنة ستّ رواياتٍ عن قيام وحدات حماية الشعب الكردية ووحدات حماية المرأة، التابعتين لقوّات سوريا الديمقراطية، بتجنيد واستخدام عدد من الفتيان والفتاتين، وقد ذكر التقرير حدوث عدد من حالات التجنيد السابقة  قبل الفترة المشمولة بالتقرير.

وحسب تقرير لجنة التحقيق الدولية استمرّ الانتهاك في مجال تجنيد الأطفال عام 2020، حيث جنَّدت عناصر وحدات حماية الشعب الكردية فتى في سنّ الخامسة عشرة  في ريف حلب الشمالي في تشرين الاول/أكتوبر 2019،  وتلقّى الأب بعد ذلك مكالماتٍ هاتفيةً من أشخاصٍ يدّعون أنّهم من وحدات حماية الشعب الكردية طلبوا منه التوقّف عن البحث عن ابنه.

 

وفي حالةٍ أخرى جنّدت وحدات حماية المرأة فتاةً في سنّ الرابعة عشرة عام 2016، وفي نيسان /ابريل 2020 تلقَّت الأسرة مكالمةً هاتفية من عناصر وحدات حماية المرأة يدّعون فيها أنّ الفتاة انتحرت، وحصلت الأسرة على شهادة وفاة لا تكاد تذكر شيئاً عن سبب الوفاة، وطلبت الأسرة إجراء تحقيق في وفاتها لأنها تشكّ في رواية وحدات حماية المرأة للأحداث.

 

تنصّ المادّة 4 من ميثاق الأمم المتحدة لحماية الأطفال على:

 

"1_ لا يجوز أن تقوم المجموعات المسلحة المتميّزة عن القوات المسلَّحة لأيّ دولة، في أيّ ظرف من الظروف، بتجنيد أو استخدام الأشخاص دون سنّ الثامنة عشرة في الأعمال الحربية.


2 - تتّخذ الدول الأطراف جميع التدابير الممكنة عملياً لمنع هذا التجنيد والاستخدام، بما في ذلك اعتماد التدابير القانونية اللازمة لحظر، وتجريم هذه الممارسات."

 

 

انعكاسات عمليّات التجنيد على المجتمع

 

عمليّات التجنيد المستمرّة بحقّ الأطفال تحرمهم من حقوقهم الأساسية التي أقرّها المجتمع الدولي ومنظَّمات الأمم المتحدة، وتنشئ جيلاً جديداً شبه أمي لتسرّبه من مقاعد الدراسة والتعليم، وترمي بهم في أتون الحرب وهاويتها، فضلاً عن الفكر الجهادي والأيديولوجي اللذين يتم زرعهما في عقول هؤلاء الأطفال من قبل التنظيمات التي تقوم بعمليّات التجنيد، فتعرّضُ الأطفال لمظاهر العنف يؤثّر على مستقبلهم حتى بعد توقّفه.

 

ذاكرة الأطفال أقدر على الاحتفاظ بالمشاهد من الكبار، وهذا ما يؤدّي لزرع العنف في رؤوسهم، وبذلك سيصبح من شبه المستحيل نزعه من عقولهم، الأمر الذي ينذر باستمرار هذه التنظيمات، وربما ظهور تشكيلات أخرى تحمل الفكر الجهادي وترى في سيل الدماء المستمر طريقاً لاستمرارهم.

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard