info@suwar-magazine.org

الأزمة السورية.. مجموعة ملفات تفاوضية ولا حلول لها في الوقت الراهن

الأزمة السورية.. مجموعة ملفات تفاوضية ولا حلول لها في الوقت الراهن
Whatsapp
Facebook Share

 

 

على الرغم من جهود المبعوث الدولي التابع للأمم المتحدة والمفاوضات الدبلوماسية التي سعى لها، إلا أن الأزمة السورية تحولت إلى مجموعة من الملفات السياسية والإنسانية المعقدة. بسبب التداخل الكبير للمصالح الدولية والإقليمية في الصراع، والتي تسعى لتحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية مستفيدة من الأزمة السورية.

 

وعلى عكس ما صرح به المبعوث الأممي لسوريا غير بيدرسون مؤخراً بقوله "لدينا فرصة نادرة للحل في سوريا" من خلال "ضرورة التقاطع بين جميع المبادرات المطروحة من جميع الأطراف، فليس لدى أي طرف القدرة على حل الأزمة بمفرده، وهناك حاجة للدفع بالتسوية من خلال "خطوة مقابل خطوة". إلا أن الملف السوري ما زال يستخدم كأداة ضغط بين الأطراف الدولية والإقليمية، التي تستغل الأزمة لتعزيز المواقف الجيوسياسية والأمنية والاقتصادية للأطراف المتصارعة، مما يعقد الفرصة لإيجاد حل دائم وشامل للأزمة السورية.

 

في الواقع، يتناول المجتمع الدولي والإقليمي الأزمة السورية من عدة جوانب وملفات فرعية، مثل الأمن، وقف إطلاق النار، مكافحة الإرهاب، المساعدات الإنسانية، إعادة الإعمار، العدالة، والمسائل المتعلقة بالمحاسبة، وكل ملف يتم التعامل معه بشكل منفصل، ويتم استغلاله على حدة لتحقيق المصالح السياسية والاقتصادية للأطراف المشتركة في الصراع محلياً وإقليمياً ودولياً، حيث تحولت سوريا ساحة للمنافسة بين القوى العالمية والإقليمية.

 

من الواضح أن الآليات والمبادرات المتعددة، مثل وقف إطلاق النار وتجميد الصراع، ومكافحة الإرهاب، واتفاقيات منع الصدام بين القوى الدولية، تعكس تحول الملف السوري إلى ملفات فرعية تخص مناطق محددة في سوريا، هدفت هذه الاتفاقيات إلى تقسيم الأزمة إلى مجموعة من الجغرافيا السياسية المحددة والتي تسهم في تحقيق أهداف الأطراف المعنية، سواء كانت تهدف إلى ضمان الأمن الإقليمي أو حماية المصالح الوطنية للدول.

 

فما زالت اثار السياسات المتعلقة باتفاقية المدن الأربعة وملف الغوطة ومبادرات أستانة واتفاقية الجنوب بين روسيا والولايات المتحدة، واتفاقيات الأمن المتعلقة بمدينة حلب من أجل الأمن القومي التركي بين روسيا وتركيا، والآلية الأمنية بين تركيا والولايات المتحدة، لأنها تركت على الصراع السوري تأثيراً واضحاً، تجسدت هذه السياسات في محاولات "تجميد الصراع" السياسة التي طرحها المبعوث الدوي السابق دي مستورا من أجل تحقيق استقرار محدود في بعض المناطق المعنية.

 

 

ومع ذلك، فإنها لم تحل الأزمة السورية بشكل شامل في الماضي، ومع تزايد الاستقطاب الدولي وتعقيد الملف السوري فـأن هذه السياسيات تشكل تهديداً حقيقياً لمستقبل وحدة سوريا في ضوء تقاسم مناطق جغرافية متباينة.

 

وبالعودة على مبادرة خطوة مقابل خطوة التي صرح بها المبعوث الدولي الخاص لسوريا، فهناك مخاوف أيضاً من أن يتم التعامل مع الملفات الأساسية كالملفات الإنسانية التي من البديهي ألا تكون عرضة للمفاوضات وتحقيق المكاسب السياسية الثنائية فقط! على حساب حياة المواطنين والمواطنات والتي هي أول حق من حقوق الإنسان (حق الحياة!) وأمنهم/ن، ومنها السياسي والأمني والحقوقي المتعلق بتحقيق العدالة وجبر الضرر، ومن الممكن سردها على النحو التالي:

 

أولاً- ملف اللاجئين:

 

في لبنان، تواجه الحكومة تحديات هائلة في إدارة الأعباء الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة باللاجئين السوريين، وقد تم توقيف المئات من السوريين والسوريات في لبنان، وترحيلهم/ن إلى سوريا وتركهم/ن على الحدود السورية في إطار سياسة تقليص الوجود السوري في البلاد.

 

أما في تركيا، فقد أصبح ملف اللاجئين السوريين موضوعاً حساساً ومادة دسمة للتجاذبات بين الأطراف المتنافسة في الساحة السياسية، خصوصاً في فترة الانتخابات، فتركيا تستضيف أعداداً كبيرة من اللاجئين السوريين، وتواجه تحديات في توفير الإيواء والخدمات الأساسية لهم، وهذا يؤثر على الحياة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.

 

إضافة إلى ذلك، تنعكس الأزمة السورية أيضاً على الأردن التي تواجه تحديات في استيعاب وتوفير الدعم للنازحين السوريين الذين يعيشون في مخيمات ومجتمعات شبه مستقرة في البلاد.

 

بالتالي، يمكن القول إن الملف السوري له تأثيرات إقليمية، حيث يتطلب التعامل مع تدفق اللاجئين وتحمل الأعباء الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بهم على حساب القضايا المرتبطة بحقوق السوريين.

 

ثانياً- ملف إدخال المساعدات الإنسانية:

 

تتعامل الدول مع الملف الإنساني عبر قرارات لإدخال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة ومع ذلك، فإن توصيل المساعدات الإنسانية يعتبر ملف تفاوضي بين الفرقاء الدوليين، حيث يتم استغلال الملف الإنساني لكسب مكاسب سياسية ومصالح في ملفات أخرى.

 

هذا التعامل يجعل الجهود الإنسانية معرضة للتأخير والتعطيل والتلاعب بالمساعدات لأغراض سياسية حيث توجد تنافسية سياسية بين الأطراف الدولية والإقليمية فيما يتعلق بالتعامل مع الملف الإنساني في سوريا، ويستغل الفرقاء هذا الملف كأداة لتحقيق مصالحهم في ملفات أخرى، ولكسب التأييد الدولي والإقليمي، هذا يعني أن المساعدات الإنسانية وقرارات إدخالها تتأثر بالعوامل السياسية والتفاوضية بين الأطراف المعنية.

 

ثالثاً- أمن الحدود لدول الخليج العربي:

تم التعامل مع الملف الأمني الحدودي في سوريا بشكل ثنائي بين الحكومة السورية وداعميها ودول الخليج العربي، وتحققت مبادرة عودة سوريا إلى الجامعة العربية بهدف تنسيق إجراءات العودة بشكل مستقل من قبل الأطراف المعنية، تعد هذه المبادرة محاولة للتعاون والتنسيق بين الدول المعنية للتصدي للتحديات الأمنية والإنسانية المشتركة.

 

وقد زادت حدة الاستقطاب الدولي وتوتر الملف الأوكراني وصعود قوى دولية مثل روسيا والصين من تعقيدات المشهد الدولي، وازدادت التحديات المتعلقة بملف سوريا، هذا التحدي الدولي جعل لدى اللاعبين الإقليميين مجالاً أوسع لاتخاذ سياسات متنافرة مع القوى الدولية.

 

رابعاً- ملف العدالة وحقوق الإنسان:

 

بسبب الفيتو الروسي الذي منع تشكيل محكمة دولية تم التعامل مع الملف من خلال:

 

  • لجنة التحقيق الدولية التابعة لمجلس حقوق الإنسان، حيث تقتصر ولايتها فقط على تقديم تقارير لمجلس حقوق الإنسان كل ست أشهر.
  • الآليات المستقلة والمحايدة والتي أُنشئت عام ٢٠١٤، والتابعة للجمعية العامة، للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان، وجمع الأدلة لبناء قضايا في المستقبل ضد الجناة.
  • إنشاء آليات جديدة وهي آلية كشف مصير المفقودين.
  • الإجراءات الدولية المنفردة أيضاً، مثل قانون قيصر وفرض العقوبات الأمريكية والأوروبية على الأفراد والجهات المشتبه بها في ارتكاب انتهاكات.

 

ومع ذلك، يبقى ملف العدالة والمساءلة أداة ضغط، وما زالت هناك صعوبات في إيجاد آليات تنفيذية قادرة على تحقيق العدالة وجبر الضرر، حيث تواجه عمليات المحاكمة تحديات كبيرة بسبب التحديات الأمنية والسياسية والقانونية التي تواجهها الدول المعنية، قد يكون هناك ضغوط سياسية لتجاوز ملف العدالة من أجل تحقيق مصالح سياسية أو للحفاظ على الاستقرار، وفي بعض الأحيان، تكون الدول غير مستعدة لتقديم الدعم الكافي لتنفيذ العدالة بشكل فعال.

 

خامساً- ملف التسوية السياسية:

 

تعرقل تنفيذ هذا الملف بسبب التوترات الإقليمية والدولية الأخرى، وتأثير الحرب في أوكرانيا والتوترات بين القوى الأوروبية والروسية، حيث تأثرت عملية اللجنة الدستورية التي تم إنشاؤها بموجب القرار 2254، وعُلِّقت اجتماعاتها وأُجِّلت بسبب هذه التوترات، وعدم التوافق على الشروط والمسائل الرئيسية على النحو الذي ينص عليه القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والذي يقول بضرورة تشكيل هيئة حكم ذات مصداقية شاملة لجميع الأطراف، وذلك من خلال إجراء انتخابات وصياغة دستور جديد للبلاد.

 

من الواضح تماماً أن الملف السوري وتحقيق الحل السياسي المبني على المشاركة الشاملة لجميع السوريين، وتأمين سيادة القانون وإجراء الانتخابات والمشاركة الديمقراطية، أصبحت أموراً صعبة وبعيدة المنال. تبدو هذه الملفات الأقل قدرة على التحقيق، بالمقارنة مع تسوية الملفات بين القوى الإقليمية التي تستفيد من التوتر الدولي والفجوة الحاصلة.

 

وتبدو بالفعل أن المشاريع والمبادرات المطروحة بالملف السوري تهدف إلى تحقيق مصالح سياسية للقوى الدولية المعنية. وفي هذه العمليات، يكون الشعب السوري هو الخاسر الأكبر، حيث يعاني من تأثيرات سلبية على حياتهم ومعيشتهم بسبب الصراع والتوترات السياسية والتدخلات الخارجية.

 

يعاني السوريون والسوريات من تداعيات هذه المشاريع المستقبلية التي لا تضعهم في الاعتبار الأول، حيث يتم تجاوز مطالبهم الأساسية بالعدالة والديمقراطية والمشاركة السياسية الشاملة، هذا يؤكد الحاجة الماسة لجهود دولية وإقليمية متكاملة تركز بشكل فعال على تحقيق حل سياسي شامل يضمن حقوق ومصالح جميع الأطراف السورية ويعمل على إعادة بناء سوريا بشكل سلمي ومستدام.

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard