info@suwar-magazine.org

آثار سوريا تضيع.. ومحاولات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه!

آثار سوريا تضيع.. ومحاولات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه!
Whatsapp
Facebook Share

 تفتح "صوَر" في هذا العدد ملفّ الانتهاكات التي طالت الأوابد الأثرية والتراث الثقافيّ في سوريا، وأثرها على ذاكرة السوريين، والجهود المحلية والدولية لحمايتها.

 

***

 

أطرافٌ في النزاع تتقاسم المسؤولية عن أذيّة الآثار السورية

جورج.ك.ميّالة

 

يختلف الكثيرون حول الجهة المسؤولة عن تدمير التراث الثقافيّ والأثريّ السوريّ خلال السنوات الأربع الماضية، إذ يحمّل البعض هذه المسؤولية لقوّات المعارضة التي تستخدم الأنفاق والتفجيرات في حربها ضدّ قوّات النظام، وتسيطر على العديد من المواقع التي شهدت سرقةً للآثار، فيما يحمّل البعض الآخر المسؤولية لقوّات النظام التي تتخذ من هذه المباني مقرّاتٍ لها، في حين ينفرد النظام بالنصيب الأكبر من استهداف المواقع الأثرية عن طريق القصف الجوّيّ واستخدام المدفعية الثقيلة وقذائف الدبابات، ولا يمرّ شهرٌ إلا وتوثّق المنظمات الحقوقية عشرات الانتهاكات بحقّ هذه المواقع.

 

 

من جانبٍ آخر، يشنُّ تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) حملةً شعواء ضدّ جميع أشكال التراث الإنسانيّ في سوريا والعراق، كان آخرها تدميره لمتحف الموصل في العراق.

ورأى ناشطون أنّ حملات داعش تتعدّى الحركات الدعائية التي تظهر للعالم، وأنّ الأمر أكثر عمقاً؛ فتنظيم الدولة يدخل إلى المدن ويضع آثار المنطقة نصب عينيه، ليس لتكسيرها والخروج بصفة الهدّام والمدمّر للحضارة، بل ليسرق الآثار ويبيعها في السوق السوداء الدولية بغرض تمويل حربه ومشاريعه الخاصة.

 

يقول المهندس مؤيد حسن: "منذ ظهور التنظيم على الساحة، يعرف القاصي والداني أنه تنظيمٌ همجيٌّ متطرفٌ، وسياسته تجاه التراث الإنسانيّ مماثلةٌ لسياسة حركة طالبان عندما فجّرت تماثيل بوذا في أفغانستان؛ فلماذا صمت العالم طوال هذا الوقت، ويخرج علينا اليوم داعياً لانعقاد جلسةٍ مستعجلةٍ في مجلس الأمن حول الموضوع؟ مما لا شكّ فيه أن المسؤولية القانونية ستطال نظام الأسد وداعش وبعض الفصائل المعارضة، ولكن العالم شريكٌ في مأساة المنطقة بشكلٍ أو بآخر".

 

 

من جهته يقول الناشط طارق أبو الفحم: "بعد دمار البشر لا أسف على الحجر. هذا واقع الحال، ولسنا سعداء بما نقول". ويضيف: "هل من المعقول أن مجلس الأمن لا يستطيع الاتفاق على إدانة نظامٍ قتل مئات الآلاف من شعبه طوال أربعة أعوامٍ، وخلال عدّة ساعاتٍ يستطيع أن يجتمع ويتّفق على إدانة داعش لتدميرها متحف الموصل؟!".

ويقول المحامي غزوان قرنفل لمجلة "صوَر": "استهداف المناطق الأثرية والمناطق المصنّفة كإرثٍ ثقافيٍّ أو حضاريٍّ خلال الصراعات المسلحة يمثل جريمة حربٍ بحسب ميثاق روما الأساسيّ، ومعاهدة لاهاي لعام 1954، وهي المعاهدة الوحيدة المتعلقة بالإرث الثقافيّ والحضاريّ. بالتالي فإن جميع أطراف الصراع تتحمّل المسؤولية، أي أنّ كلّ من اتخذ من تلك الأماكن مستقرّاً له، أو لأدواته العسكرية، أو هدفاً خلال عملياته العسكرية، هو متهمٌ بأذية هذا الإرث الحضاري، ويتحمّل وزر تلك الجرائم والمسؤولية عنها أمام القانون الدوليّ".

 

ويضيف أنّ "جرائم تدمير الآثار تصنّف كجرائم حربٍ وجرائم إبادةٍ ضدّ الانسانية. وهي لا تسقط بالتقادم، وتمكن مساءلة مرتكبيها في أيّ وقتٍ، مهما مرّ عليها الزمن. فمرتكبوها اليوم عرضةٌ للمحاكمة في أيّ زمانٍ ومكان".

***

(2)

آثار سوريا في عين العالم

محمد همام زيادة

 

صوّت مجلس الأمن، منذ أيامٍ، على قرارٍ بتجميد جميع منابع الموارد المالية التي يحصل عليها تنظيم الدولة الإسلامية في كلٍّ من سوريا والعراق. وأتى القرار تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ما يعني فرض عقوباتٍ على الدول التي لا تلتزم بتنفيذه، دون استخدام القوّة العسكرية. وقد حاز القرار على أصوات الدول الخمس عشرة الأعضاء في مجلس الأمن.

 

 ودعت هذه الدول في قرارها إلى فرض عقوباتٍ على الأفراد والكيانات التي تتاجر بالآثار، وحظر بيع وشراء القطع الأثرية من المناطق الخاضعة لسيطرة داعش في سوريا والعراق. كما دعت أيضاً إلى تشديد الرقابة على الشاحنات والطائرات من وإلى مناطق التنظيم، والتي يستخدمها في تهريب مسروقاته، خاصّةً في المناطق الواقعة على الحدود التركية. ويلزم هذا القرار الدول بضرورة تقديم تقريرٍ حول التدابير المتخذة في هذا الشأن، خلال مدّةٍ أقصاها 120 يوماً.

 

 

إلى ذلك، ألزم القرار الدول الـ193 الأعضاء في الأمم المتحدة بمنع بيع وشراء الآثار في سوريا والعراق. علماً أنها المرّة الأولى التي يشير فيها مجلس الأمن إلى الآثار التي تُنهب من سوريا وتباع عبر السوق السوداء الدولية انطلاقاً من دول الجوار.

 

فيلمٌ وثائقيٌّ يطلق صرخةً للعالم

 

نشرت خدمة "إي جي بلاس"، التابعة لشبكة الجزيرة، فيلماً قصيراً بعنوان: "أربع سنواتٍ من الحرب الوحشية دمّرت مدينةً قديمةً كاملة". مدّة الفيلم 52 ثانيةً. وتمّ التقاط صوره من الجوّ بواسطة طائرة استطلاعٍ (طائرة بدون طيار). يُظهر الفيلم الحال الذي وصلت إليه المدينة القديمة في حلب.

 

 بدأ تداول الفيلم في 18 شباط الماضي، ونال ملايين المشاهدات. وهو يعرض في بدايته صوراً جزئيةً لمحيط قلعة حلب، ليقدّم بعدها مجموعةً من صور المواقع الأثرية المدمّرة في المدينة القديمة.

 

فيما يخصّ هذه الصور، قال منتجو الفيلم إن "تاريخ هذه الأسواق يعود إلى الألفية الثانية قبل الميلاد، كالقلاع والمساجد والمدارس والأماكن والحمّامات. وقد باتت معظمها مدمّرة".

ويقول عبد الإله، وهو مدرّسٌ للتاريخ، إنّ "حلب واحدةٌ من بين ستّة مواقع سوريّةٍ مسجّلةٍ في لائحة التراث العالميّ. وبعض المواقع الأثرية المدمّرة فيها اليوم ليست قابلةً للإصلاح، ومهدّدةٌ بالضياع إلى الأبد".

 

واعتبر اختصاصيون في التوثيق أنّ التسجيل يشكّل ما يشبه التوثيق لآثار ثلاث سنواتٍ من معارك طاحنةٍ شهدتها حلب بين قوّات النظام والمعارضة، وذاكرةً مسجّلةً للقصف المستمرّ الذي قامت به طائرات النظام على المدينة القديمة بحلب، وأن ما يعرضه الفيلم يشكّل نموذجاً لما تمرّ به جميع المحافظات السورية التي انتفضت في وجه حكم الأسد.

 

 

جهودٌ لاحتواء الموقف

 

تحاول الكثير من المنظمات غير الحكومية حول العالم المساعدة في الحفاظ على التراث الثقافيّ والآثار في سوريا. لكن صعوبة الوضع الأمنيّ، والقصف المستمرّ، والخطف الذي طال الصحفيين في بعض المناطق، خصوصاً في شمالي سوريا، يحول دون دخول ممثلي هذه المنظمات إلى البلاد لتقدير الأضرار.

 

مؤخراً، شُكّلت مجموعةٌ من الآثاريين والنشطاء المهتمّين بحماية التراث الثقافيّ السوريّ، قوامها حوالي 200 شخصٍ يعملون بسرّيةٍ تامةٍ داخل سوريا وخارجها، محاولين وقف عملية تهريب وسرقة الآثار، إضافةً إلى توثيق الانتهاكات والسرقات التي تطال هذا الجانب الأساسيّ من الذاكرة السورية، محاولين حفظ القطع الأثرية الموجودة في بعض المتاحف في أماكن آمنةٍ بعيدةٍ عن الحرب، وبدعمٍ من الفصائل العسكرية المحلية.

 

 

وكانت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية قد نشرت في وقتٍ سابقٍ تحقيقاً موسّعاً حول هذا المشروع الذي يعمل في سرّيةٍ تامة، ونقلت عن أحد القائمين عليه قوله: "تشبه هذه المجموعة مجموعة (رجال الآثار) التي تكوّنت خلال الحرب العالمية الثانية من مجموعةٍ صغيرةٍ من الأكاديميين كانوا يساعدون في إنقاذ التراث الثقافيّ في أوروبا من ألمانيا النازية، وألهمت حكايتهم سيناريو فيلمٍ من بطولة الممثل جورج كلوني، تمّ إنتاجه في هوليوود عام 2014"، وقد سمّي الفيلم بنفس اسم المجموعة: (رجال الآثار).

 

وأضافت الصحيفة نقلاً عنه أنّ "هذه التدريبات تجري في منطقةٍ تابعةٍ لمحافظة غازي عينتاب التركية القريبة من الحدود السورية التركية، حيث يتمّ تدريب المختصّين على كيفية الاستجابة السريعة لتهريب الآثار، وآلياتٍ لتوثيق وإحصاء ما هو موجودٌ وما هو مسروق."

 

كما يتعلم المتدرّبون طرق إخفاء القطع ذات القيمة العالية المعرّضة للسرقة، إضافةً إلى تسجيل مواقعها في نظام تحديد المواقع العالميّ، حتى تمكن استعادتها في وقتٍ لاحق. كما تستخدم المجموعة أساليب التخفّي والتنكّر من أجل تصوير القطع الأثرية المسروقة.

 

 

وكانت الرابطة الأمريكية لتقدّم العلوم، ومقرّها العاصمة واشنطن، قد التقطت خلال شهر كانون الأوّل الماضي صوراً بواسطة الأقمار الصناعية قالت إنها تظهر عناصر من تنظيم الدولة الإسلامية يقومون بتفكيك ونهب مبانٍ أثريةً مدرجةً على قائمة التراث العالميّ في اليونسكو، موجودةً في مدينة الرقة.

 

كما وثّقت الرابطة إقدام التنظيم على حفر أكثر من 1300 حفرةٍ خلال الأشهر الماضية بحثاً عن الآثار في مدينة ماري شرقي سوريا. ويقول باحثون في جامعة شوني ستيت في بورتسموث الأمريكية إن كثيراً من المدنيين يقومون بعمليات نهب القبور بتشجيعٍ من قادة التنظيم، الذي يفرض ضريبةً بنسبة 20% على أيّة عملية بيعٍ في الأراضي التي تخضع لسيطرته.

 

***

 

(3)

تدمر تحت فساد قوّات النظام وتهديدات داعش

سعيد خالد

 

تقع منطقة تدمر اليوم تحت سيطرة قوّات النظام، فبعد عدّة معارك بينها وبين الجيش الحرّ من أبناء المنطقة، استطاع النظام السيطرة عليها بشكلٍ كاملٍ خلال العام 2013. ومنذ تلك الفترة غابت المدينة عن الإعلام واختفت أخبارها، رغم أنها تضمّ عشرات الآلاف من المدنيين، وتعدّ واحدةً من أهمّ المدن الأثرية في العالم.

 

 

يقول الناشط الإعلاميّ سامر التدمريّ لمجلة "صوَر": "مع اشتداد المظاهرات في المدينة، وانتشار عناصر الجيش الحرّ في المناطق المحيطة بها؛ تحوّلت المدينة الأثرية إلى ثكنةٍ عسكريةٍ تابعةٍ للنظام، وأصبحت نقطة انطلاقٍ لقذائفه على بيوت المدنيين ومعاقل الجيش الحرّ، ما حوّلها إلى ساحة حربٍ مستعرة."

 

ويضيف: "طال الدمار أجزاءً من معبد (بل) الأثريّ الذي بناه الإمبراطور الرومانيّ أوغسطين في القرن الأوّل الميلاديّ، كما دُمّرت أجزاءٌ من قوس النصر الشهير، الشاهد على انتصارات ملكة تدمر زنوبيا وزوجها أذينة على الرومان".

 

كما لم تسلم من قبضة الحرب قلعة فخر الدين المعني الثاني، التي بناها صلاح الدين الأيوبيّ للدفاع عن المنطقة في وجه الحملات الصليبية. يقول محمد عزيز، وهو من أبناء المدينة، لمجلة "صوَر": "تحوّلت القلعة إلى غرفة عملياتٍ عسكريةٍ للنظام، تحيط بها العشرات من الدبابات والآليات الثقيلة."

 

 

ويضيف: "قام النظام بشقّ طريقٍ ترابيٍّ بين فرع مخابرات البادية والقلعة، بطول 300 م تقريباً، ما أدّى إلى تخريب التربة التي تحوي عدّة طبقاتٍ تحفظ تاريخ المنطقة منذ آلاف السنين، وربما تحوي قطعاً أثريةً هامة".

 

ويشرح مُفصّلاً: "لاحظتُ أنّ عناصر قوّات النظام لا يعرفون قيمة الأشياء، ولا يدركون الأهمية الأثرية والحضارية لتدمر، بل يتعاملون معها وكأنها شيءٌ عاديٌ، فيلقون الأوساخ والقمامة في شوارعها، ويكتبون ذكرياتهم وشعاراتهم على جدرانها. أكثر الشعارات انتشاراً "الأسد أو نحرق البلد"، و"من هنا مرّ جنود الأسد".

 

ويحمّل عزيز النظام المسؤولية المباشرة عن المنطقة وعمّا يحصل لها إذ يقول: "لم يسيطر الجيش الحرّ على المدينة سوى لفترةٍ محدودة، ففرع البادية وفروع حمص الأمنية مسؤولةٌ بشكلٍ مباشرٍ عن أيّ ضررٍ يلحق بها".

 

 

متحف تدمر يواجه مصيراً مجهولاً

 

متحف تدمر من أهمّ المتاحف في سوريا، نتيجة غنى محتواه، وخصوصاً المومياوات التي تعدّ من الكنوز الفريدة في العالم. وحتى اللحظة لا أحد يعرف مصير محتويات المتحف بشكلٍ دقيقٍ. ويرجّح نشطاءٌ محليون أنه لم يبقَ شيءٌ منها، فإما أنها نقلت إلى أماكن سرّيةٍ يشرف عليها النظام، أو بيعت وهرّبت إلى الخارج.

 

وكان مدير المديرية العامة للآثار والمتاحف قد صرّح في وقتٍ سابقٍ أنّ الكثير من القطع الأثرية في سوريا قد خُبئت في أماكن آمنةٍ لحمايتها. ولكن مصادر خاصّةً لمجلة "صوَر" من قلب هذه المديرية أكّدت ألا سلطة للمديرية على الموضوع، وأنه بإشرافٍ مباشرٍ من الأفرع الأمنية والقصر الجمهوريّ.

 

ويحمّل التدمريّ النظام المسؤولية ويقول: "إن كانت محتويات المتحف قد سرقت فإن فرع مخابرات البادية، بالتعاون مع الأمن العسكريّ والمخابرات الجوّية بحمص، هم من سرقوها."

 

وينوّه التدمريّ قائلاً: "قبل اندلاع الثورة كانت هناك حالة تسابقٍ وتنافسٍ بين ضباط الأمن وآل الأسد ومخلوف وشاليش للسيطرة على المنطقة ومقدّراتها، فكيف اليوم في ظلّ الفلتان الأمنيّ وعدم سيطرة النظام على أجهزته وميليشياته؟ مثلاً، العقيد محسن سعيد حسين، الملقب بـ"خضور" أو "أسد الصحراء"، والذي قُتل نهاية العام الفائت، كان رئيساً لفرع مخابرات البادية قبل اندلاع الثورة السورية، ثم قائداً لقوّات "صقور الصحراء". ويعدّ أحد أمراء المنطقة واللاعبين الكبار في آثارها، وله جماعته المختصّة والمتفرّغة للتنقيب عن الآثار."

 

ويضيف: "تنقل الآثار المهرّبة ليلاً إلى منطقتي تلكلخ والقصير، ثم تستلمها هناك مجموعاتٌ مقرّبةٌ من حزب الله اللبنانيّ، وتهرّب من لبنان إلى جميع أنحاء العالم، وخصوصاً عبر البحر."

ويتّهم التدمريّ ضباطاً من القصر الجمهوريّ بإقامة شراكاتٍ مع الضباط في تدمر. ويقول لـ"صوَر": "في السابق كان ابن عمة حافظ الأسد، اللواء ذو الهمة شاليش، مسيطراً على المنطقة اقتصادياً، وكان عناصره ينقّبون عن الآثار ويبيعونها. واليوم هناك شراكاتٌ مع المسيطرين على المنطقة، وهم يقتسمون العوائد المادية فيما بينهم."

 

فيما يقول محمد عزيز: "يقوم تجار الأزمات والحروب من أبناء المنطقة بالتنقيب عن الآثار ومحاولة الدخول في صفقاتٍ مع ضباط الأمن، خصوصاً أنّ لديهم الخبرة، فهم أبناء المنطقة ويحفظون تاريخها". ولكن عزيز يؤكّد أن "هذا الأمر محدودٌ، فالضباط يعتمدون على عناصرهم المقرّبين الذين اشتروا أجهزةً حديثةً للكشف عن المعادن والتنقيب عنها".

 

 

مخاوف مستقبليةٌ

 

تدور في ريف حمص الشرقيّ اشتباكاتٌ عنيفةٌ بين تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وقوّات النظام. وهناك مخاوف كبيرةٌ لدى أبناء المنطقة من امتداد هذه المعارك إلى تدمر، ما يعرّض المدينة الأثرية بالكامل إلى الدمار والزوال.

 

يقول محمد التدمريّ: "هناك كلامٌ قويٌّ عن خططٍ مستقبليةٍ لتنظيم الدولة للسيطرة على الطريق الصحراويّ بالكامل، من دير الزور حتى مشارف دمشق، مروراً بتدمر. ومركز صناعة القرار لدى النظام يدفع باتجاه ذلك، من أجل تعقيد الوضع في سوريا وتقاسم النفوذ."

 

ويتابع التدمريّ: "إن سيطرت داعش على المنطقة في المستقبل القريب فإنها في البداية سوف تنقّب عن الآثار وتبيعها في السوق السوداء الدولية من أجل تمويل حربها."

ولكن تخوّفاتٍ تبرز لدى المهتمين بالآثار من أن يكون مستقبل المدينة مشابهاً لما حصل في متحف الموصل، أو أن يتمّ تجريفها كما حصل في مدينة "نمرود" الأثرية في العراق.

 

 

تدمر شاغلة العالم

 

يعود أقدم ذكرٍ لتدمر، باسمها الحاليّ، إلى مطلع الألف الثاني قبل الميلاد. ولا أحد يعرف التاريخ الفعلّي للمنطقة، إذ كشفت الحفريات أن منخفض "الملاّحة"، وهو بحيرةٌ واسعةٌ عذبة المياه جنوب شرق تدمر، يعود إلى العصر الحجريّ القديم. واكتشفت الحفريات أدواتٍ حجريةً مصنوعةً من قبل الإنسان في جرف العجلة والثنية البيضا والدوارة، من النموذج "الموستيري" الذي يرقى إلى 75 ألف عام. وأدّت أعمال التنقيب إلى اكتشاف فخّارٍ سوريٍّ يعود إلى عصر البرونز القديم (في حدود 2200 ق.م).

 

لطالما كانت تدمر مصدر إلهامٍ للرحالة والمنقّبين الأوروبيين، الذين بدأت زياراتهم إليها منذ ما يزيد عن 400 عامٍ، وقاموا بالتنقيب والدراسة، كما نقلوا الكثير من اللقى الأثرية إلى متاحف العالم. ويُذكر أن تدمر وملكتها زنوبيا كانتا ملهمتين للأدباء العالميين في مسرحياتهم، وخصوصاً الفرنسيين منهم، كموليير ودوبينياك ولابرويير.

 

 تقول الباحثة الأثرية ندى المشهور لمجلة "صوَر": "أينما حفرتَ ونقّبتَ في تدمر ستجد آثاراً تعود لآلاف السنين، الأمر الذي جعلها قبلةً للمنقّبين والمستشرقين منذ زمنٍ طويلٍ، إضافةً إلى تحوّلها إلى أسطورةٍ تنسج حولها الحكايات والأفلام السينمائية في الغرب."

 

وتضيف المشهور: "أناشد العالم عبركم. لسنا قادرين، كباحثين أثريين، على تأمين الحماية. يحتاج الأمر إلى جهود حكوماتٍ، إضافةً إلى ضغوطٍ سياسيةٍ وجهود أجهزة مخابراتٍ دوليةٍ لا أشك أنّ لها علاقاتٍ مع داعش خصوصاً. وأتمنى أن يصل النداء إلى كلّ حكومات العالم، حتى لا يخرجوا علينا -كما جرت العادة- ويتباكوا على ما حصل للتراث الإنسانيّ... اللهم هل بلّغت".

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard