info@suwar-magazine.org

«داعش.. «خلافة » تغطي سوريا بالسواد »

«داعش.. «خلافة » تغطي سوريا بالسواد »
Whatsapp
Facebook Share

 

الرقة: عاصمة "الدولة الإسلامية"... مدينةٌ ترزح تحت القمع وتتّشح بالسواد

 

(1)

 

كمال شيخو

 

في وسط مدينة الرقة شمال شرقيّ سورية، رُفع علمٌ أسود على ساريةٍ هي الأطول في المدينة. إنه العلم الذي يتخذه تنظيم "الدولة الإسلامية" شعاراً له. وأصبح مبنى المحافظة المقرّ الرئيسيّ للتنظيم ومكتباً لوالي الإمارة.

 

مدينة الرقة، أو "إمارة الرقة"، أصبحت عاصمة الخلافة الإسلامية بعد إعلان ما يسمّى بتنظيم "الدولة الإسلامية" نهاية الشهر الماضي قيام "الخلافة"، ومبايعة زعيمه أبي بكرٍ البغداديّ "خليفةً للمسلمين".

 

 

على إثر ذلك ملأت لافتاتٌ وكتاباتٌ جدران شوارع "الولاية"، تدعو الأهالي إلى التقيّد بالشريعة الإسلامية حسب منظور "الدولة" المتطرّف، وتحوّلت أغلب المقرّات الحكومية سابقاً إلى مكاتب للتنظيم، وأصبحت كنيسة سيدة البشارة وسط المدينة مكتباً دعوياً له.

 

خرجت الرقة عن سيطرة النظام في الخامس من شهر آذار العام الماضي. وسيطر التنظيم على المدينة بعد انسحاب حركة أحرار الشام وجبهة النصرة منها في نهاية أيلول من العام نفسه. ولا تزال هناك ثلاثة مقرّاتٍ تابعةٌ للجيش الحكوميّ الموالي لنظام الأسد، وهي قيادة الفرقة 17 شمال المدينة بنحو كيلومترٍ واحد، ومطار الطبقة العسكريّ غرب المدينة، ويبعد حوالي 50 كيلومتراً على طريق عام الرقة ـ حلب، والمقرّ الثالث للواء 93 شمال غرب الرقة، ويبعد عنها 55 كيلومتراً في بلدة عين عيسى.

 

 

فرض "الشريعة"

 

عندما يعلو صوت الأذان، يتسارع سكان المدينة إلى أقرب جامعٍ لأداء الصلاة. أصحاب المحالّ التجارية عليهم إغلاقها والذهاب لأداء الصلاة جماعةً، بعد أن فرض التنظيم قوانين وتشريعاتٍ على السكان "تعود إلى القرون الوسطى"، حسب ناشطي المدينة. إذ "يُجلد 70 جلدةً كلّ من يتلفّظ بكلمة داعش"، و"تُمنع الفتاة من ارتداء الجينز والكنزة، وعليها باللباس الإسلامي -وفق مفهوم داعش- وهو النقاب والبرقع". كما "يمنع وضع الملابس النسائية على واجهة المحلات، ويجب أن تكون بائعة الملابس النسائية امرأة".


كما يجب أن "تغلق محالّ الخياطة النسائية في حال وجود ذكرٍ في المحل. وتمنع زيارة النساء للأطباء بقصد المعالجة، وعليهنَّ زيارة الطبيبات حصراً". ومنع التنظيم "تدخين السجائر والنرجيلة"، وأمر بإغلاق صالونات الحلاقة الرجالية، ومنع تقصير شعر الرجال والفتيان. كما أصدر تعليماتٍ تمنع الشبان من تسريح شعرهم بقصّاتٍ حديثةٍ، أو وضع أيّة مادةٍ على الشعر.

 

علّقت الناشطة سعاد نوفل(1) على هذه القوانين قائلةً: "أنا مُحجّبةٌ منذ 25 عاماً، لأنني قرّرت أن أتحجّب ولم يفرض عليّ أحدٌ الحجاب. المسألة حريةٌ شخصيةٌ وقناعةٌ، ولا تأتي بالإكراه أبداً". شرحت سعاد لمجلة (صور) أنّ "ما تفعله داعش هو نوعٌ من ممارسة السلطة الاستبدادية تحت غطاء الإسلام، ولكنها بعيدةٌ كلّ البعد عنه. هي، بذلك الفعل القسريّ والترهيب والجلد، تعمد إلى تشويه الإسلام".

 

 

غادة(2) من سكان الرقة، ولا تزال تعيش فيها، نقلت تباين آراء الناس حول قوانين التنظيم، "فبعضهم يرى أن الوضع بات أفضل، وآخرون يعتقدون أنه صار أسوأ بكثير، وبعض الناس يقولون إن وضعنا في زمن النظام كان أفضل". وعبّرت غادة عن رأيها لمجلة (صور) صراحةً بالقول: "كل شي عم يعملوه غلط بغلط. أساساً ما حدا مقتنع بكل اللي عم يعملوه باسم الدين". وأضافت: "تركوا كل شي ولحقولي المرأة وحجاب المرأة. شو الفائدة إذا لبسوا الحجاب والبرقع مكرهين، وبمجرّد ما طلعوا من الرقة شالوه؟!".

 

ويروي سكان المدينة أن كتيبة الخنساء التابعة للتنظيم قامت باعتقال عشر طالباتٍ عند قيامها بجولةٍ تفتيشيةٍ، بداية العام الدراسيّ، على إحدى المدارس الثانوية، بحجة أن النقاب الذي يرتدينه غير شرعيّ، وأنهنّ وضعن المكياج على وجوههنّ تحت النقاب. كما اعتقلت الكتيبة ذاتها فتاتين من وسط المدينة، زعمت أنهما خلعتا النقاب عن وجهيهما. وحكمت عليهما قاضيةٌ تابعةٌ للتنظيم بالجلد 30 جلدةً.

 

"الرقة تلبس ثوباً محنّىً بالسواد"

 

يروي الدكتور وليد(3) اللحظات الأخيرة قبل فراره من المدينة، بعد أن اتهمه التنظيم بالكفر والعلمانية، وأنه من أتباع الشيطان وموالٍ للغرب. وقتها أدرك أنه إما سيعتقل، أو ستتم تصفيته لا محالة كباقي النشطاء، لذلك قرّر الهرب من المدينة. طلب الدكتور وليد منّا ذكر اسمه الأوّل فقط، خوفاً على أقربائه ممن بقيوا في المدينة. ووصف الرقة بالقول: "عندما غادرتها كانت حزينة؛ وبدأت تتشح بالسواد يوماً بعد يوم. كنا نقول عنها بأنها أوّل عروسٍ للحرية، ولكنها استقبلت زفافها بثوب عرسٍ محنّىً بالسواد".

 

 

أما المعارض خلف الجربوع(4)، الذي اعتقل ثلاث مرّاتٍ كانت أخراها على يد التنظيم، وبقي حوالي شهرين في السجن على خلفية نشاطه الثوريّ في الرقة، فقد فرّ هارباً من المدينة بعد أن وُضع اسمه على قائمة التصفية.

 

يقول خلف لمجلة (صور): "لم يختلف اعتقالي الأخير، واستقبالي في السجن، عما شهدته في الاعتقالات السابقة لدى النظام". وأضاف: "أنا متشائمٌ جداً بالنسبة إلى مستقبل المدينة، فالرقة أصبحت فأر تجاربٍ للقوى الكبرى اللاعبة بالصراع السوريّ، والتنظيم فصلٌ من فصوله. فالقوى الدولية لا زالت ترى أنّ له دوراً وظيفياً في المرحلة القادمة، وتحديداً في الصراع السنيّ - الشيعيّ".

 

الدكتور وليد قال إنّ "التهديدات وصلت إلى النشطاء تباعاً. لم نأخذها على محمل الجدّ في البداية، إلى أن بدأت داعش بتقوية قبضتها الأمنية على مدينة الرقة، وبدأت بسلسلة عملياتٍ لخطف الناشطين والأطباء ووجهاء البلد". ولكن الشعرة التي قصمت ظهر البعير، حسب الدكتور وليد، كانت اغتيال التنظيم أحد نشطاء المدينة الذي كان يلقب بـ "روبن هود" لكثرة حبه لفعل الخير، وكان أصدقاؤه يسمونه "مهند حبايبنا". وقتها أدرك الدكتور وليد أنّ التهديدات يجب أن تؤخذ على محمل الجدّ، ومن يومها فرّ أغلب النشطاء من المدينة خوفاً على حياتهم.

 

ويروي خلف الجربوع: "بقيت متخفياً لحوالي الشهر في الرقة، إلى أن انتهت الاشتباكات بين حركة أحرار الشام، التي كانت تسيطر على الرقة مع جبهة النصرة من جهة، وتنظيم الدولة الإسلامية من جهةٍ ثانية"، وأضاف: "أصدقاءٌ لي أخرجوني من المدينة إلى تركيا، خوفاً عليّ بعد قرار داعش بتصفيتي".

 

ومن أبرز التشكيلات القمعية للتنظيم جهاز "الحسبة" أو المحاسبة، الذي يقوم باعتقالاتٍ عشوائيةٍ ومداهماتٍ، ويعدّ مصدر الخوف الأول بين الناشطين. ويقوم الجهاز بتسيير دورياتٍ لمراقبة الناس، والتأكد من عدم مخالفتهم لأيٍّ من القوانين، والتي تشمل اللباس الشرعيّ للنساء، ومنع التدخين والنرجيلة، وكذلك منع النساء من السير في الشوارع من دون "محرم"، وإجبار أصحاب المحالّ التجارية على إغلاق محالهم والتوجه إلى الصلاة في أوقاتها.

 

الجزية على مسيحيّي الرقة

 

لم تطل ممارسات التنظيم المسلمين فقط، إذ فرض جزيةً على مسيحيّي المدينة. وأصدر بتاريخ 23 شباط من العام الجاري عهداً سمّي بـ"أول عقد ذمةٍ في الشام بين الدولة الإسلامية ونصارى ولاية الرقة". نصّ على أن "يلتزم النصارى- أي المسيحيين- بدفع جزيةٍ على كلّ ذكرٍ منهم مقدارها أربعة دنانير من الذهب على أهل الغنى، ونصف ذلك على متوسطي الحال، ونصفه على الفقراء".

 

ويضيف "العهد" أن على المسيحيين أن "لا يحدثوا في مدينتهم ولا فيما حولها ديراً ولا كنيسةً ولا صومعة راهب، ولا يجدّدوا ما خرب منها، وألا يظهروا صليباً ولا شيئاً من كتبهم في شيءٍ من طرق المسلمين أو أسواقهم، ولا يستعملوا مكبرات الصوت عند أداء صلواتهم وكذلك سائر عباداتهم".

 

وكشف مسيحيٌّ(5) من سكان الرقة لمجلة (صور)، طلب عدم ذكر اسمه لأنه لا يزال يقيم داخل المدينة، أن "التنظيم شرع فرض جزيةٍ سنويةٍ على الذكور، بدءاً بمبلغ 25 ألف ليرةٍ سوريةٍ (حوالي 150 دولاراً أمريكياً) عن العاطل عن العمل، و50 ألفاً للعامل (حوالي 300 دولار)، ومئة ألفٍ (600 دولار) لأصحاب الأملاك والمحال التجارية". وأضاف أنّ "هذه الأتاوى المفروضة لا يستطيع الجميع تسديدها". منوهاً إلى أنّ "الكثير من العوائل المسيحية غادرت سورية، واضطرّت إلى التنازل عن ملكياتها بعقودٍ صوريّةٍ لجيرانها وأصدقائها من المسلمين، خشيةً من أطماع داعش وسعيهم للاستيلاء عليها".

 

وكان المسيحيون يشكلون ثلث سكان محافظة الرقة، في المسح الإحصائيّ لعام 1985. حوالي نصفهم من الروم الأرثوذكس، في حين تشكل سائر الطوائف المسيحية النصف الآخر. وتوجد في المحافظة أربع كنائس، اثنتان في المدينة هما سيدة البشارة والشهداء، وكنيسة القديسين الشهيدين سرجيوس وباخوس في مدينة الطبقة، وكنيسةٌ في مدينة تلّ أبيض.

 

وقام عناصر من التنظيم، في 26 من أيلول العام الماضي، بإنزال الصليب من على كنيسة سيدة البشارة وسط الرقة. إلا أن الحدث قوبل بالرفض من نشطاء المدينة، وقادت الناشطة سعاد نوفل، ومجموعةٌ من الناشطين، تظاهرةً مناهضةً لاستنكار الحدث؛ حملوا فيها الصليب ليعيدوه إلى داخل الكنيسة.

 

هوامش:

 

*سعاد نوفل: شقيقة غدير نوفل زوجة المعارض فراس الحاج صالح، المعتقل لدى الدولة الاسلامية. هربت نهاية شهر أيلول من العام الماضي إلى تركيا لرفضها ممارسات التنظيم. وكانت ترفع يومياً كرتونةً تطالب فيها الدولة الإسلامية بالكفّ عن أساليبها في إرهاب الناشطين وسكان المدينة. هاجرت إلى هولندا، وهي لاجئةٌ هناك.

*غادة: من سكان الرقة. استدرج التنظيم ابن خالتها الوحيد وأقنعه بالانضمام إلى صفوف الجهاديين، فقتل في شهر آذار في معارك التنظيم ضد قوات حماية الشعب في مدينة كوباني.

*الدكتور وليد: هرب نهاية العام الماضي بعد تهديد التنظيم بقتله. كان طبيباً يعمل في المشافي الميدانية، إلا أن انتقاداته العلنية لممارسات الدولة الإسلامية عرّضت حياته للخطر. فرّ إلى تركيا ومن بعدها سافر إلى ألمانيا طالباً اللجوء فيها.

*المعارض خلف الجربوع: تعرّض للتهديد بعد أن وضعه التنظيم على قائمة التصفية، كما هدّده بقتل ابنه البكر حسين. فرّ من المدينة أواسط شهر تشرين الثاني/نوفمبر مع ابنه. ويقيم في مدينة أورفة بتركيا.

*مسيحيٌّ من سكان الرقة يدّعي أنه دخل الدين الإسلاميّ خشيةً من التنظيم، ولعدم قدرة عائلته على دفع الجزية السنوية، وخوفها على ممتلكاتها.

 

***

 

داعش والنساء في منبج:

هوس «اللباس الشرعيّ» ينقلب تحرّشاً علنياً في الشوارع!

 

(2)

 

سلاف أسعد


بينما كانت فريال تقوم بعملها المعتاد في التدريس، وتعطي طلابها الحصّة الدراسيّة المقرّرة في إحدى مدارس منبج، دخل الصفّ شخصٌ غريبٌ دون استئذان، وسألها: «لماذا لا تضعين الخمار على وجهك؟». ردّت فريال بحزم: «أنا أعرف الشرع، ولستُ بحاجةٍ إلى من يعلّمني إيّاه». غضب الرجل من ردّها وسألها: «هل أنت متزوجة؟». وعندما أجابته بنعمٍ قال: «طلّقي زوجك وسنزوّجك أحد عناصرنا كي يعلّمك شرع الله»!

 

 

أصبح هذا المشهد من يوميّات مدينة منبج، الواقعة في ريف حلب على الحدود التركية، والمعروفة بتنوّع مكوّناتها العرقية، واعتدال أهاليها دينياً واجتماعياً.


تكنّى منبح أحياناً بمدينة البحتري، إذ ولد فيها هذا الشاعر العباسيّ الشهير. وتولى إمارتها، إبّان عهد الدولة الحمدانية، الشاعر الأمير أبو فراس الحمدانيّ. وتعاقب على حكمها العديد من الحكام منذ ذلك الحين. وعاش فيها العديد من الأقوام إلى يومنا هذا. فشكّلت لوحةً تعكس تنوّع سوريا، إذ أدّى تنوّعها العرقيّ (عرب - كرد – شركس - تركمان) إلى التنوّع في العادات والتقاليد وأنماط اللباس.

 

 

غير أن المدينة متشحةٌ بالسواد اليوم، تفتقد الألوان بقيادة حاكمها الجديد أبو لقمان الكويتيّ، بعد أن دخلت عناصر تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» إليها أواخر عام 2012، تحت اسم «الكتائب الإسلامية»، إلى جانب بعض كتائب الجيش الحرّ. وما لبثت «الدولة» أن انقلبت على شركائها، من خلال شنّ حملة اعتقالاتٍ واسعةٍ ضدّ قادة الجيش الحرّ وعناصره وبقية الكتائب الإسلامية، إلى أن تمّ لها التفرّد بالسيطرة على المدينة وريفها.

 

منذ أن خضعت المدينة لحكم تنظيم الدولة فُرضت مجموعةٌ من القوانين التي تخصّ لباس المرأة وخروجها، ومسائل التعليم والاختلاط في الأماكن العامة والمدارس، دون مراعاة خصوصية المدينة وتنوّعها القوميّ.

 

 

أبو مجاهد، المسؤول التعليميّ لتنظيم الدولة في المدينة، يقوم بجولاتٍ على مدارسها بشكلٍ دوريٍّ، كي يتأكّد من تطبيق القوانين والقرارات التي تخصّ المدارس المختلطة، والتي كانت تقتصر - قبل دخول التنظيم - على المدارس الابتدائية، فقد فُرض «اللباس الشرعيّ» على البنات.

 

 تقول سهى، وهي طالبةٌ في المرحلة الإعدادية: «يقف بعض عناصر الدولة أمام باب المدرسة ويقومون بتوجيه كلماتٍ قاسيةٍ للفتيات أثناء دخولهنّ إلى المدرسة، مثل (فاسقة، مرتدة). ويهدّدونهنّ بأنهم سيقومون بتزويجهنّ لعناصر التنظيم في حال عدم التزامهنّ باللباس الشرعيّ».

 

غير أن غطاء الرأس واللباس الشرعيّ قد لا ينفع أحياناً مع هؤلاء العناصر، إذ باتوا يتدخّلون حتى في التفاصيل الصغيرة. كما حدث مع منى، الطالبة في الصفّ التاسع (14 سنة)، أثناء خروجها من المدرسة. فقد كانت تضع الغطاء الشرعيّ، ولكنها رفعت عباءتها قليلاً كي لا تتعثر وتقع على الأرض، فقام أحد عناصر تنظيم الدولة بتهديدها بأنه سيطلق النار على قدميها إذا رآها ترفع العباءة مرةً أخرى.

 


 

ولم تقتصر مضايقات عناصر تنظيم الدولة على الطالبات، بل تعدتهنّ إلى تهديد الآنسات والأساتذة داخل الصفوف الدراسية، واعتقال البعض الآخر بحجة أنهم يسمحون للفتيات بعدم وضع الغطاء الشرعيّ ضمن الدرس. وقاموا بتخصيص غرفٍ منفصلةٍ لكلٍّ من الأساتذة والآنسات، منعاً للاختلاط بين المعلمين من الجنسين داخل المدرسة.

 

تقول منى (26 سنة)، وهي مدرّسة: «بينما كنت في الحصّة الدراسيّة دخل علينا أحد العناصر صائحاً: «ما هذا الفسق والفجور؟! سنمنعك من التدريس إذا تكرّر هذا الموقف». ويقصد بذلك عدم ارتدائي لما يرى أنه «اللباس الشرعيّ» داخل الصفّ».

 

 

دفع تكرار التهديدات التي يطلقها عناصر تنظيم الدولة بحقّ الطالبات الكثير من الأهالي إلى الامتناع عن إرسال بناتهم إلى المدارس، خوفاً عليهنّ من إرهاب عناصر «الدولة». تؤكد أمّ محمّد أنها منعت ابنتها، وهي في الصفّ التاسع، من الذهاب إلى المدرسة، خوفاً عليها من المسلحين الذين لا يستثنون أحداً من تدخلاتهم، حتى طالبات المرحلة الابتدائية. وقالت إنها لا تشعر بالاطمئنان على ابنتها وهي تمشي بين هؤلاء الرجال المسلحين، الذين لا تكفّ أعينهم عن مراقبة أجساد النساء في الشوارع!

 

ولم تقتصر تلك الإجراءات على المؤسّسات التعليميّة والمدارس، بل كانت وطأتها أشدّ -على النساء بشكلٍّ خاصٍّ- في الأسواق، حيث تتجوّل دوريات تنظيم الدولة لمراقبة حركة الناس ولباس الفتيات، ويقوم عناصرها بتوجيه الإهانات للفتيات اللواتي لا يرتدين اللباس الشرعيّ.

 

فبينما كانت فاطمة (24 سنة) وصديقتها تقومان بجولةٍ في السوق لشراء بعض الحاجيّات، اعترض أحد عناصر الدولة طريقهما، وقام بسحبهما إلى داخل أحد المحلات التجارية، وطلب من فاطمة غسل وجهها بالماء والصابون لإزالة (المكياج) الذي تضعه. ثم التفت إلى صديقتها وسألها: «لماذا لا تضعين الغطاء الشرعيّ؟». غير أن الفتاة ردّت عليه بالقول: «ليس لك علاقة بي»، فبدأ الرجل بالصراخ عليها: «لا أحد يستطيع أن يتحدّاني، فكيف تجرؤين على أن تحدثيني بهذه الطريقة؟!». وهدّدها باعتقال والدها قائلاً: «سنستضيفه لدينا بضعة أيامٍ لنعلّمه الشرع». وأجبرها على شراء غطاءٍ للوجه، بينما كان الشباب في الشارع يتفرّجون على ما يحصل، دون أن يتجرّأ أحدٌ على التدخل.

 

تسير دوريات «الدولة» في الأسواق بواسطة سياراتٍ عليها مكبّرات الصوت، وهاجسها الأساسيّ فرض اللباس الشرعيّ، المكوّن من عباءةٍ سوداء واسعةٍ وفضفاضة، وكفوفٍ لليدين، وغطاء وجهٍ (نقاب). وتعدّ العباءات الضيّقة أو الشفّافة مخالفةً صريحةً للباس الشرعيّ، كما أن أيّة زينةٍ أو عطرٍ أنثويٍّ يستفزان المسلحين إلى درجة الجنون!

 

ولا يقتصر تطبيق اللباس الشرعيّ على الفتيات، بل يحاول تنظيم الدولة فرضه حتى على النساء الكبيرات في السنّ. كما حدث مع أم أحمد، وهي امرأةٌ تجاوز عمرها الثمانين عاماً، حين طلب منها أحد عناصر «الدولة» أن تضع الخمار على وجهها، فاستغربت المرأة الثمانينية من طلبه بقولها: «لكنني امرأةٌ عجوزٌ يا بنيّ!»، فردّ الرجل: «يجب أن تطبّقي شرع الله».

 

على الرغم من كلّ هذه الإجراءات، ومحاولات تنظيم الدولة تطبيق شريعته على أسواق المدينة وسكانها، إلا أنه فشل في السيطرة الكاملة على تصرّفات الناس بشكلٍ عامٍّ والنساء بشكلً خاصّ. فقرّر تطبيق إجراءاتٍ عقابيةٍ بحقّ أصحاب المحلات التجارية، تتضمّن السجن لمدّة خمسة أيامٍ لكلّ من يقوم بالبيع لأيّة فتاةٍ لا ترتدي اللباس الشرعيّ. كما تمّ تحذير أصحاب السرافيس بأن من يسمح للفتيات اللواتي لا يرتدين اللباس الشرعيّ بالصعود إلى مركبته سيعاقب بالحجز عليها، وبالسجن لمدّة خمسة أيامٍ.

 


 

يرى بعض المتابعين أن هذا الهوس الداعشيّ باللباس الشرعيّ، وبمراقبة أجساد النساء لضمان احتشامها، يخفي كبتاً مزمناً وهوساً جنسياً شديداً. وما الملاحظات والإهانات التي يتفوّه بها عناصر التنظيم بحقّ النساء في الشوارع والمدارس، واعتراض طريقهنّ وهنّ سائراتٌ، إلا شكلٌ من أشكال التحرّش الجنسيّ المعكوس، لا تسلم منه حتى العجائز والقاصرات، بدعوى العفة وتطبيق شرع الله!

 

***

مقاتلو داعش والفتيات السوريات... حبٌ وزواج من طرف واحد!

 

(3)

 

سلاف أسعد

 

تضم صفوف تنظيم الدولة الإسلامية، التي تسيطر على مناطق  واسعة في شمال سوريا وشمال شرقها، العديد من الجنسيات الأجنبية والعربية، والتي تشكل في غالبيتها قيادات هذا التنظيم،  وتمتلك السلطة والمال، غير أن غالبية هؤلاء المقاتلين الأجانب جاؤوا  إلى سوريا بمفردهم من دون أسرهم، ما استدعى إقبالهم على الزواج، وطلب يد السوريات في المدن التي تحت حكمهم. 

 


 

وفي مدينة منبج التي باتت تعج بالمقاتلين الأجانب الباحثين عن الزواج، بعد خضوعها، لسيطرة «الدولة الإسلامية»،  وجد المقاتلون الأجانب في النازحات إلى المدينة ضالتهم، حيث يقدر عدد النازحين في المدينة بحدود 250 ألف نازح، يعيشون ظروفاً اقتصادية ومادية بالغة الصعوبة، أصبحوا معها لقمة سائغة لمقاتلي التنظيم الذين استغلوا فقرهم وحاجتهم، من خلال دفع مهور تصل في أغلب الأحيان إلى 300 ألف ليرة.


الزواج لفترات قصيرة وتعدد الزوجات

 

تقول سهام، وهي فتاة في الخامسة والعشرين من العمر، نزحت من مدينة حمص: «عندما عُرض علي الزواج من أحد عناصر داعش، شعرت بسعادة فائقة، فمهري كان 600 ألف ليرة».

ظنت سهام أنها ستعيش حياة رائعة، تمكنها من مساعدة أسرتها الفقيرة المكونة من ستة أفراد، ولكن بعد زواجها من العنصر، وهو سعودي الجنسية، قام بطردها من المنزل دون سبب واضح، دون أن يمضي أكثر من شهر على الزواج!

 

 

انتظر أهلها فترة لعل الزوج يأتي ويسترجعها، وعندما يأس الأب قام بأخذ ابنته إلى زوجها لمعرفة سبب طردها، غير أنهما فوجئا بامرأة غريبة تفتح الباب، وعندما سألتها سهام عن هويتها قالت إنها زوجة العنصر الجديدة.

 

وما حدث مع ياسمين كان أقسى، لأن الزوج السعودي استخدم معها العنف، حيث تم إسعافها إلى المشفى بحالة خطرة، ويقول الممرض محمد: «الفتاة وصلت المشفى بين الحياة والموت،  حيث كانت تعاني من رضوض ونزيف نتيجة الضرب المبرح، وعندما سئلت عمن فعل بها  ذلك، أكدت أنه الزوج».


ولا تختلف قصة وصال كثيراً عن قصة سهام، لكنها لم تكن تهتم  بالمهر، بقدر ما كانت مبهورة ومخدوعة بفكرة أن عناصر التنظيم يقومون بتطبيق شرع الله، وما إن تقدم لها أحد المقاتلين وهو تونسي الجنسية، حتى وافقت سريعاً دون تردد، وبقيت متزوجة منه لمدة لا تتجاوز الشهر، ثم طلقها دون سبب يذكر. تقول وصال: «سمعت  من الجيران أنه تزوج من فتاة أخرى بعد فترة قصيرة من طلاقي».

 

من الواضح أن عادة الزواج والطلاق السريع باتت دارجة بين مقاتلي الدولة، فضلاً عن  الجمع بين عدة زوجات في نفس الوقت، كحال المقاتل الداعشي الذي يحمل الجنسية الروسية، ويقول أنه متزوج من ثلاثة نساء، ويبحث الآن عن فتاة جديدة لتكون الزوجة الرابعة.

 

مقاومة الأهالي

 

ويحاول تنظيم الدولة من خلال خطب الجمعة تشجيع الأهل والآباء على تزويج بناتهم  لمجاهدي الدولة، من أجل إعانتهم على الجهاد، وذلك باعتبار أن أهالي مدينة منبج لا يرغبون بتزويج بناتهم من  الغرباء.

 

يقول أبو عادل وهو من أهالي المدينة: «في أحد الأيام لحق عناصر داعش ابنتيّ بينما كانتا في سوق المدينة لشراء بعض الحاجيات». ويضيف أبو عادل: «عندما فتحت الباب طلبوا ابنتي للزواج، وقالوا إنهم مستعدون لدفع مليون ليرة مهراً لكل فتاة».

 

 اضطر أبو عادل للكذب والقول بأن ابنتيه مخطوبتان، في محاولة منه  للتخلص من رجال الدولة، وهكذا  حال معظم الآباء الذين يعلمون حقيقة عناصر الدولة، وما يهدفون إليه من الزواج بالسوريات.

 

المضايقات المستمرة من قبل عناصر الدولة الإسلامية، دفعت الكثير من الأهالي إلى منع  بناتهم من الخروج من البيوت، خشية ملاحقتهم من قبل العناصر، بعدما تكررت حالات توقيف النساء في الشوارع، وعرض الزواج عليهن.

 

وتقول مريم وهي امرأة متزوجة: «كنت مع أطفالي في أحد الشوارع العامة حين اعترض طريقي أحد المقاتلين الأجانب، وعرض علي الزواج فأخبرته أنني  متزوجة، وهؤلاء أولادي برفقتي، فطلب مني أن أطلق زوجي  وأتزوجه».

 

ولا تقتصر حالات اعتراض النساء في الطريق على عناصر الدولة من الذكور، بل إن نساءً ينتمون لهذا التنظيم يجلن في الشوارع، ومهمتهن إيقاف الفتيات في الطرقات وعرض الزواج عليهن لصالح المقاتلين الأجانب، بعد تكرر حالات رفض الأهالي تزويج بناتهم من هؤلاء المقاتلين.

 

كما أن تلك النساء بدأن بتنظيم محاضرات لفتيات لا تتجاوز أعمارهن 18 سنة لتشجيعهن على الزواج من مقاتلي الدولة الإسلامية، وإقناعهن بان هذا جهاد في سبيل الله. ما يؤدي إلى تكرار القصص المروعة عن حالات الزواج من هؤلاء المقاتلين، والتي تنتهي في أفضل الأحول بالطلاق، وقد تصل أحيانا للتهديد بالقتل، اذا لم تنفذ المرأة رغبات بعض المنحرفين منهم.

يحاول عناصر الدولة الإسلامية بشتى  الطرق القضاء على مقاومة الأهلي لتزويج بناتهم من مقاتلي التنظيم، أو مقاومة الفتيات والنساء أنفسهن، وذلك عن طريق الإغراء المادي، والضغط والتهديد، غير أنهم لم يفلحوا حتى الآن بكسر إرادة الناس.

 

 

سميرة واحدة ممن رفضن وقاومن رغم الضغوط التي مارسها أخوها، الذي يعمل مقاتلاً مع تنظيم الدولة الإسلامية، في محاولة منه لإجبارها على الطلاق من زوجها والزواج من مقاتل أجنبي مقابل مبلغ مادي كبير.

أما عائشة، والتي عُرض عليها الزواج من أحد عناصر داعش، فقد هددت والدها بالانتحار في حال أصر على إجبارها على الزواج.

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard