info@suwar-magazine.org

نتائج غير متوقعةٍ للأزمة السورية

نتائج غير متوقعةٍ للأزمة السورية
Whatsapp
Facebook Share

 

مليون سوريٍّ بحاجةٍ إلى الأطراف الصناعية، والكلفة مئات الآلاف.. فما الحلّ؟

 

  آدم صوراني

 

فقدَ عمَّار إحدى رجليه بسبب حادثٍ مروريٍّ تعرّض له قبل سنوات. وجاءت الحرب الدائرة في سوريا لتقضيَ على الرجل الثانية، وتجعله طريح الفراش. رغم إعاقته القديمة، لم يتوقف عمار عن مساعدة الأهل في تأمين لقمة عيشهم، فكان يعمل على "بسطةٍ" طوال النهار للاعتماد على نفسه. لكن إصابته بشظيةٍ جرّاء سقوط قذيفةٍ بالقرب منه، في الشارع الذي يبسّط فيه، جعلت حياته أكثر صعوبة.

 

 

الحرب السورية، المندلعة منذ أربع سنواتٍ، والتي لم يكن أحدٌ يتوقع أن تصل إلى هذا الحدّ من القتل والتدمير في مختلف المحافظات؛ انعكست نتائجها على حياة المواطنين من الأعمار كافة. وتزايد الإقبال على طلب الأطراف الصناعية نتيجة الحرب الدائرة التي طالت الآلاف، مخلفةً ضحايا ممن فقدوا أطرافهم بين العلويَّة والسفلية، وأحالتهم إلى معاقين.

 

أشقاء عمّار، ورغم الكلفة الباهظة التي تجاوزت 400 ألف ليرة، ركّبوا له طرفاً صناعياً، ليكمل حياته. كانت ملامح السعادة لا تفارقه بأطرافه الصناعية، هكذا قال شقيقه، لأنه بدأ يشعر بتحسنٍ كبيرٍ في وضعه، مقارنةً بما كان عليه في الأيام الأولى بعد الإصابة، مؤمّلاً العودة إلى طبيعته والتكيُّف مع الحالة. أما عمّار فيضيف: في إصابتي الأولى لم أكن أحتاج إلى مساعدٍ في التحرّك والانتقال. أما مع الإصابة الثانية فكنت مجبراً على أن يكون لي مرافقٌ دائمٌ في كلّ تحركاتي، حتى داخل المنزل. أما اليوم، وبعد تركيبي الطرف الثانية، فقد استعادت حياتي شكلها الطبيعيّ بنسبةٍ عالية، وأتحرّك بحرّيةٍ دون مساعدة أحدٍ من إخوتي الذين تعذبوا معي كثيراً.

 

 

فليساعدوا غيرنا..

لم تفرّق الحرب والقذائف والسيارات المفخّخة والعبوات الناسفة، في اصطيادها لأرواح السوريين، بين غنيًّ وفقيرٍ، لكنها لم تستطع أن تنال من أخلاقهم وكراماتهم. وهذا ما تميّزت به عائلة الطفل "محمد"، المستورة الحال، والتي، رغم تدخّل البعض لتركيب طرفٍ صناعيّ لطفلهم على حساب جهاتٍ مانحة، رفضت الفكرة كلياً، مبرّرة ذلك بوجود من هم أكثر حاجةً منهم من المعاقين الذين ينتظرون دورهم لنيل مساعدةٍ من الجمعيات الخيرية أو لخدمات مراكز الأطراف الصناعية في بعض المشافي العامة. تقول والدة "محمد": «أغلب المصابين، وخاصةً من نزحوا من مناطقهم، يواجهون صعوباتٍ ماديةً سببها تراجع دعم الجهات المانحة بشكلٍ كبيرٍ بعد سرقة النسبة العالية من المساعدات التي كانت تأتي لهذا الغرض».

 

 

ولا تتردّد أم محمد في اتهام الجهتين معاً (النظام، المعارضة) بتهميش المصابين بإعاقاتٍ دائمة، والذين تجاوزت أعدادهم الآلاف. نافيةً أن تكون المشكلة في التمويل، وإنما في عدم إيصال الدعم المخصّص للناس المستحقين في هذا المجال، وبشكلٍ مباشرٍ ودون عقباتٍ، إلى المرضى أصحاب الاحتياج. وإذا بقي الحال هكذا سوف ينخفض عدد الأشخاص الذين يتلقون الخدمة في المراكز المعنية بالأطراف إلى النصف وربما أقلّ.

 

إحصائياتٌ غير دقيقة

 

في ظلّ غياب إحصائياتٍ دقيقةٍ عن عدد المصابين بإعاقاتٍ دائمةٍ وبترٍ للأطراف في سوريا، وبسبب صعوبة إجراء إحصاءٍ دقيقٍ للأعداد نتيجة الحرب الدائرة جرّاء الأزمة؛ تقول إحصائيات الحروب في العالم إن كل قتيلٍ يقابله خمسة جرحى. وبحسب إحصائيات الأمم المتحدة ذاتها، ومعها الإحصائيات الرسمية الحكومية التي بدأت تعترف بقتلاها في الآونة الأخيرة، فقد تجاوز عدد القتلى مائتي ألف، ما يعني أن عدد المصابين قارب مليون مصابٍ، وكلفة الطرف الواحد أضحت باهظة الثمن، لتزداد محنة السوريين أكثر فأكثر!! وهذا ما يؤكده أحد بائعي الأطراف الصناعية بأنواعها في العاصمة دمشق، عن إصابة أطفالٍ ونساءٍ وكبارٍ في السنّ جرّاء ما يحدث في سوريا.

 

يقول أبو محمد، الذي يقع محله في وسط العاصمة: «في سنوات ما قبل الأزمة كنّا ننتظر الزبون لأيامٍ حتى نبيع قطعةً أو قطعتين، وأحياناً لا نبيع لشهرٍ كامل، لأننا كنّا نعتمد على مصابي السكري الذين اضطروا إلى بتر أرجلهم أو على ضحايا الحوادث. أما الآن فلم نعد نلحّق البضاعة والزبائن بالعشرات. والغالبية منهم إما مصابو السيارات المفخخة أو القذائف التي يطلقها الإرهابيون، أو من القاطنين في المناطق الساخنة التي تشهد يومياً قصفاً وغاراتٍ جويةً لطائرات النظام التي تلاحق أوكار المسلحين».

 

اضطراباتٌ نفسية

 

ازدادت نسبة الإعاقات في سوريا خلال الأزمة، مقارنةً بما قبلها. فقد كانت أعدادها أقلّ من عاديةٍ، نتجت عن بعض الأمراض المعروفة المسبّبة للإعاقة أو بعض حوادث الطرق. ومع الأزمة اشتدّت صعوبة إيجاد حلولٍ جذريّةٍ لتنوّع أعمار المصابين، وخاصةً مع عودة آثار فيروس شلل الأطفال بين الفينة والأخرى في عددٍ من المحافظات، ولا سيما ريف دمشق ودير الزور، بينما في السابق كان أكبر عددٍ من المصابين في عمرٍ كبير. تقول "عائشة"، التي تمشي على عكازةٍ واحدةٍ في شوارع منطقة الشعلان بدمشق: عمري 12 عاماً. كنا نقطن في منطقة سيدي مقداد. بيتنا دمّر كلياً. ووالديّ اختفى ولم يعد له أثر، ولا نعرف إن كان على قيد الحياة أصلاً. فقدت رجلي اليمين أثر سقوط قذيفةٍ على الحيّ. الحلّ الوحيد الذي كان أمامي لكي أعيش، أنا وأمي وأخواتي الثلاث، هو استغلال كوني برجلٍ واحدةٍ لطلب المساعدة من المارّة في الشارع.

 

لم تخفِ عائشة سعادتها لأنها تحكي مع صحفيّ، مع موجةٍ من الضحك. ورغم ذلك رجتنا أن لا نصوَّرها حتى لا تتضرّر هي وأشقاؤها من الدولة وتحجز عليهم.

 

بينما كان عبد الله، الذي بلا رجلين ويجلس في حديقة سوق العتيق، عكس عائشة تماماً. ثيابٌ مهترئة، وطبقاتٌ من القذارة كانت على كلّ جسمه وذقنه الطويلة. رفض الحديث إلينا مكتفياً بالقول: «اتركوني بحالي وإلا ببتلي.. مشان الله يلّي فيي مكفيني. ابعدوا عني والله فيوزاتي مضروبين أحسن ما فشّ خلقي فيكم». حالة عبد الله ليست الوحيدة، بل هناك المئات من العائلات التي كان مصيرها نفس مصيره، وهذا يؤكد زيادة أعداد المصابين بالاضطرابات النفسية، سواءً بسبب الإصابة وفقدان الأطراف أو بسبب فناء عائلات بأكملها.

 

الموجود لا يلبّي الحاجة

يقول المشتغلون في هذه الصنعة إن زبائنهم من الباعة، الذين سبق أن تركوا المهنة، قد عادوا إليها مع طول الأزمة. فبعد أن نقصت مبيعاتهم إلى النصف، إذ كان زبائنهم في الغالب من معاقي حوادث الطرق، والمصابين ببعض الأمراض، كالسكري؛ تضاعف عدد زبائنهم جرّاء ما يحصل. وحسب "أمجد"، الذي يملك مشغلاً في شارع بغداد لصنع الأطراف الصناعية، تجاوز العدد المليون معاق.

 

ويضيف "أمجد" أن الأعداد زادت والكلفة معها تصاعدت، مما يعني أوتوماتيكياً ارتفاع الأسعار أضعافاً، بسبب ارتباط كامل المواد المصنّعة للأطراف بالدولار والاستيراد من الدول الأوروبية – فنحن، مثلاً، نقوم بتصنيع الأطراف الصناعية بالطريقة الألمانية - ومع ذلك نقوم بالتصنيع لأن الناس مجبرةٌ على تركيب الأطراف الصناعية، وإلا فستبقى طريحة الفراش والمنزل. وهذا هو حال الطالب الجامعيّ (س) الذي أصيب بشظايا قذيفة هاون في دمشق، فقد إثرها إحدى رجليه فتغيّر نمط حياته جرّاء نظرة الآخرين له، وعانى كثيراً حتى عاد إلى طبيعته مع تركيب رجلٍ صناعيةٍ كلفته 500 ألف ليرة سورية. الطالب، من شدّة خوفه، طلب منّا وضع الحرف الأول من اسمه فقط، وذلك بعد أن قدّم أكثر من تقريرٍ طبيٍّ وتأكيدٍ أنه أصيب في دمشق بقذيفة، وليست له أيّة علاقةٍ بالمسلحين، أو أنه كان في منطقةٍ ساخنةٍ كالرّيف حين أصيب.

 

ممنوع التصريح!!

 

حاول فريق مجلة "صور"، على مدار أسبوعين، تأمين لقاءٍ مع أحد الأطباء المقيمين أو المشرفين في أقسام الأطراف الصناعية في المشافيّ الحكومية، وخاصة مشفيي أبن النفيس وتشرين العسكريّ، فلم نتمكن من ذلك بسبب منعهم من إعطاء أيّ تصريحٍ أو أرقامٍ للوسائل الإعلامية. الجملة الوحيدة التي قالها لنا أحد الأطباء: «هؤلاء حالفهم الحظ. ووضعُهم أفضل بكثيرٍ من غيرهم، باعتبارهم ما يزالون على قيد الحياة، ولم يكونوا مشاريع شهداء بعد أن نالوا نصيبهم من التفجير والاستهداف».

 

بينما أكد لنا طبيبٌ في مشفىً خاصٍّ أن الكارثة تقع دائماً على رأس الفقراء والمحتاجين. كاشفاً أن الحكومة، وبقرارٍ وتوجيهاتٍ من وزير الدفاع، تركّب الأطراف الصناعية لمصابي ومعاقي الجيش والأجهزة الأمنية وعائلاتهم على نفقة الدولة، مهما كانت التكلفة. في حين أنه على المواطن العاديّ، المعتَّر والنازح والمهجّر من منزله، أن يشتري ويركّب على نفقته، أو يبقى كما هو. وهؤلاء، حسب تقديراتٍ طبيةٍ، يتجاوز عددهم أكثر من 20 ألفاً منذ 2011 بداية الأزمة السورية وحتى الآن بعد دخولنا العام الرابع.

 

 

مركزٌ ريفيٌّ بلا خدمات

 

دائماً هناك ضحايا أكثر تأثراً بالأزمات. وهذا هو نصيب القاطن في المحافظات والأرياف والذي يتلقى الأسوأ، خاصةً إن كان معارضاً للنظام، وليس بإمكانه الوصول إلى المدينة. وهذا حال "يوسف" والعشرات من المصابين الذين يطالبون بفتح مشافي خاصةٍ لتركيب وتصنيع الأطراف في الريف الدمشقيّ، مشيرين إلى أن ما قام به "أبو صلاح"، في الغوطة الشرقية بالقرب من دمشق، من إنتاج أطرافٍ صناعيةٍ لمن أصيبوا في الصراع السوريّ، إنجازٌ يشكر عليه أفضل من التصريحات الفارغة التي يطلقها بعض المعارضين.

 

"يوسف" وصديقه "هادي" قالا: لو كلّ معارضٍ في الخارج تبرّع بجزءٍ من راتبه لأبو صلاح لكان قدّم ما لم يقدّمه الكثيرون. فالورشة، التي خصّصها لصناعة أطرافٍ صناعيةٍ، كانت بادرةً منه رأفةً بالسوريين الذين أصيبوا في النزاع. ورغم التكلفة العالية، وبكلّ نبلٍ، يرفض أبو صلاح تقاضي أيّ مبلغٍ مقابل ما يقدّمه من خدماتٍ للمصابين، أو من أفقده النزاع أحد أعضائه. واستغرب "يوسف" من بعض المسؤولين في المعارضة والنظام معاً، وعدم تقديمهم أيّة مساعدةٍ لأبو صلاح، رغم علمهم أن الورشة، التي تصنّع معظم الأجهزة التعويضية من ألياف الكربون والبلاستيك، لزيادة صلابتها ولتكون مريحةً لمستخدميها من ذوي الإعاقة والجرحى؛ تواجه صعوباتٍ متزايدةً في الحصول على تلك المواد بسبب شحّها مع استمرار الصراع في سوريا. والمصنّع، بدوره أيضاً، يصارع من أجل البقاء.

 

 

الجرحى في الداخل والمشروع بالريحانية!!

 

على الرغم من أهمية المشروع الوطنيّ السوريّ للأطراف، الذي افتتح منذ شباط 2013، إلا أن المضحك المبكي أن الجرحى والمصابين في الداخل والمشروع في مدينة الريحانية بتركيا، رغم أنه افتتح قسماً له قبل أشهرٍ في ريف إدلب أيضاً. مما يعني الصعوبة البالغة في وصول معظم الجرحى والمعاقين من باقي المناطق والمحافظات، مع الأوضاع الأمنية الصعبة. علماً أن الأطراف تحتاج دوماً لمراجعتها خلال العام الأول لتركيبها، لأن عضلات الطرف المبتور لا تكون قد أخذت شكلها النهائيّ بعد. ولذلك تكون الأطراف خلال السنة الأولى مؤقتةً غالباً، وتحتاج إلى مراجعتها وتبديلها أحياناً.

 

السؤال الهامّ الذي يطرح نفسه: هل بإمكان القاطن في ريف دمشق ودرعا ودير الزور المراجعة الدائمة للمركز. وأكبر دليلٍ أن معظم المستفيدين من فرع ريف إدلب إناثٌ بنسبة 40%؟!

 

الأطباء المشرفون على المشروع أكدوا في أكثر من لقاءٍ أنه «خيريٌّ»، يعتمد على التبرعات ويقدّم خدماته مجاناً لأيّ مصاب، دون تمييزٍ أو تفاوت، لكن المهم أن يكون سورياً حصراً. مردفين بالقول: «لدينا مصابو حربٍ، ومرضى سكري، وأشخاصٌ يشكون من أمراضٍ وراثية، ومدمنو مخدرات. هدفنا الأبعد أن نقدّم للمريض السوريّ خدمةً متكاملة المراحل، ابتداءً بتهيئة المريض نفسياً وجسمانياً، وتركيب الطرف البديل، والتدريب على السير مجدداً، وانتهاءً بإعادة تأهيل المريض اجتماعياً ومساعدته على العودة إلى عمله السابق، والانخراط كعضوٍ فاعلٍ في المجتمع. ويضمّ المركز عيادةً للعلاج الطبيعيّ، لتدريب المرضى على التكيّف مع أطرافهم الاصطناعية. وتستغرق رحلة العلاج أشهراً عدّة». فهل لدى المواطن الإمكانية للبقاء في الريحانية كل هذه المدّة؟!

 

ماذا بعد؟

 

تقول بعض الإحصائيات إن 90% من جرحى الأزمة هم من المدنيين، أغلبهم من القذائف أو القصف الجويّ. ومن المعروف أن الحلقة الأضعف في الحروب هم دائماً الجرحى. لكن الغرابة أن جميع مراصد حقوق الإنسان والمنظمات الإنسانية تحصي القتلى، وتتحدث عن اللاجئين والمشرّدين، وتنسى هؤلاء الذين يخسرون أطرافهم. وفي سوريا، خلّفت العمليات العسكرية والقصف بالصواريخ والبراميل المتفجرة، على امتداد السنوات الأربع، عشرات الآلاف ممن فقدوا أطرافهم. وبسبب الحصار والعقوبات تكون الأطراف الصناعية غالية الثمن، والمعاق ليست لديه القدرة المادية لتوفير الحدّ الأدنى من سعر الوحدة التي تجاوزت نصف المليون ليرة. ألم يأتِ الوقت المناسب للدفاع عن حقوق هؤلاء؟ الأزمة التي تمرّ بها البلاد لم تعد حجةً كافيةً للتبرير، أنقذوا المعاقين قبل أن يصبح المجتمع عاجزاً جسداً وفكراً!!

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard