info@suwar-magazine.org

المحاكم المصرفيّة تمنع سفر رجال أعمالٍ ممتنعين عن سداد قروضهم

المحاكم المصرفيّة تمنع سفر رجال أعمالٍ ممتنعين عن سداد قروضهم
Whatsapp
Facebook Share

المصارف تلوّح بعصا غليظةٍ لاسترداد 350 مليار ليرةٍ

المحاكم المصرفيّة تمنع سفر رجال أعمالٍ ممتنعين عن سداد قروضهم

رجل أعمال: وقّعنا عقود إذعانٍ مع المصارف للحصول على القروض

معاون وزير العدل: إجراءٌ تحفظيٌّ، وسرعة البتّ لمنع تهريب الأموال

محامٍ: العقود من الأسناد التنفيذية، ومبرّرات رجال الأعمال غير كافية

 

نضال يوسف

 

وجد أحد كبار رجال الأعمال السوريين نفسه ممنوعاً من السفر. بلّغه أحد العاملين في مكتبه أنه لا يستطيع المغادرة إلى خارج البلاد مهما كانت الأسباب، لأن أحد المصارف الخاصّة التي اقترض منها طلب من المحكمة المصرفيّة بدمشق منع سفره، وفقاً لما قاله رجل الأعمال الذي فضّل عدم ذكر اسمه. حال هذا الشخص يشبه حال آلاف الفعاليات الاقتصادية التي تعثّرت عن سداد ديونها للمصارف السورية، فتقدّمت هذه المصارف إلى المحاكم المصرفيّة، المؤسّسة حديثاً، بدعاوى لتحصيل حقوقها، واستخدمت إجراء منع السفر، المنصوص عليه قانوناً، كوسيلة ضغطٍ قاسيةٍ جداً، في محاولةٍ لتحصيل مبالغ تقدّر بـ350 مليار ليرةٍ، قيمة القروض المصرفية المتعثّرة في القطاعين العام والخاصّ، حسب مصدرٍ مصرفيٍّ تحدّث لـ(صوَر).

 

اختلافٌ في الرأي

 

ينقسم الوسط التجاريّ السوريّ، حالياً، بين مؤيّدٍ لإجراء المصارف وآخر معارضٍ له. وفي الوقت الذي يرى فيه الفريق الأوّل أن هذا الإجراء يهدف إلى ضمان الحقوق، ويميّز الراغبين في السداد عن الممتنعين عنه؛ يرى الفريق الآخر أن منع السفر بدّد الثقة بين المدينين والمصارف، وهي -أي الثقة- أساس العمل الاقتصاديّ، وأظهر النوايا غير الطيبة للإدارات المصرفية. إلا أن معاون وزير العدل، تيسير الصمادي، وصف لـ(صوَر) هذا الإجراء بـ"الاحترازيّ"، الذي يحقّق "مصلحة الجميع". فيما كشف مصدرٌ قضائيٌّ أن عدد الدعاوى المرفوعة أمام محاكم البداية المصرفيّة بدمشق وريفها تجاوز 350 دعوى، والدعاوى المستعجلة 740 دعوى، إضافةً الى 30 دعوى استئناف. وينصّ القانون رقم 21، الصادر في تشرين الثاني 2014، على إحداث محاكم مصرفيةٍ بدائيةٍ واستئنافيةٍ في المحافظات، تختصّ بالنظر في القضايا المصرفية التي يكون أحد أطرافها مصرفاً أو مؤسّسةً ماليةً تقبل الودائع وتمنح التسهيلات الائتمانية الخاضعة لرقابة مجلس النقد والتسليف.

 

واجب التنفيذ

 

يروي رجل أعمالٍ آخر لـ(صوَر) أن البنك العربيّ-سوريا أقرضه 100 مليون ليرةٍ لتأسيس مشروعٍ صناعيٍّ بمدينة عدرا الصناعية بريف دمشق. إلا أن العمليات العسكرية في منطقة تأسيس المعمل أدّت إلى عدم استكمال بناء المنشأة، فضلاً عن عدم القدرة على الوصول إليها. ولكن البنك الذي قدّم القرض، وحصل على ضماناتٍ مختلفةٍ، أبرزها على الإطلاق السمعة الاقتصادية لرجل الأعمال المذكور، الذي يملك شركةً لتجارة السيارات؛ تجاهل كلّ هذه الأسباب. ولم يُدخل هذا الدين الكبير في قائمة الديون المتعثّرة أو المعدومة، نظراً لوجود ضماناتٍ يمكنه من خلالها تحصيل المبالغ المستحقّة، بعد رفض رجل الأعمال السداد. ويرى هذا المدين أن الأزمة الراهنة والحرب القائمة في البلاد حالتا دون إكمال مشروعه، دون أيّ تقصيرٍ منه. ويعتقد أن هذه الحالة تتطلّب من البنك "إعادة النظر في القروض التي قدّمها"، لا سيّما أن الظروف الراهنة هي التي أدّت إلى عدم إكمال المشروع.

 

 

إلا أن البنك لا مصلحة له في الدخول في متاهات تفسير الحالة الراهنة، وهو يستند إلى نصوصٍ قانونيةٍ واضحةٍ، وشروطٍ يتضمّنها عقد القرض المبرم، وفقاً للمحامي نزيه سرور، المتخصّص في القضايا المصرفيّة. ويشير سرور إلى أن العقد المبرم "واجب التنفيذ"، وهو من "الأسناد التنفيذية" حسب القانون 19 للعام 2014، الذي فسح المجال لكلا الجانبين لاستخدام حقوقه وألزمه بتنفيذ واجباته. وتنصّ المادة 3 من قانون المحاكم المصرفية رقم 21 أنه للمحكمة الناظرة في الدعوى اتّخاذ جميع الإجراءات والتدابير والقرارات المستعجلة، بما فيها منع السفر، وذلك بقرارٍ يُتّخذ في غرفة المذاكرة قبل دعوة الأطراف وبعد دعوتهم. وللمحكمة الحقّ في الرجوع عن إجراءاتها وتدابيرها وقراراتها المستعجلة بناءً على طلب المتضرّر في أية مرحلةٍ من مراحل الدعوى.

 

فوائد بالملايين

 

يبدي رجل الأعمال رغبةً عارمةً في سداد القرض، كما قال لـ(صوَر). إلا أن البنك فرض فوائد وغرامات تأخيرٍ تتجاوز 40 مليون ليرةٍ، بعد امتناعٍ، على مدار عامين، عن تسديد الأقساط المترتبة. ويذكر أنه حاول مراراً مع إدارة البنك إسقاط هذه الفوائد، أسوةً بما تقوم به المصارف الأخرى، ونزولاً عند ما أسماها "الحالة السورية الراهنة"، التي فرضت على كثيرٍ من رجال الأعمال إيقاف العمل في منشآتهم، إلا أن البنك المذكور "رفض طلبه".

 

 

ويتخوّف الوسط التجاريّ والصناعيّ، وكلّ العاملين في الحقل الاقتصاديّ السوريّ، من توجّه المصارف إلى المحاكم المصرفيّة، وتقديم طلبات منع السفر في حقّ الدائنين غير المسدّدين لما يترتّب عليهم من أقساط. وبذلك تكون المحاكم المصرفية، التي كانت مطلباً للفعاليات الاقتصادية، بتأسيس محاكم متخصّصةٍ للبتّ بالدعاوى ذات الصلة؛ أوّل من تناولت المطالبين بتأسيسها، واستهدفتهم بإجراءاتها. ويعبّر أحد كبار تجار السيارات، ووكيل عددٍ من الشركات العالمية، غياث الحبال، عن موقف رجال الأعمال، مؤكّداً أن هذه المحاكم صارت "سيفاً مسلطاً على رقاب هذه الشريحة الشريكة في العمل الاقتصاديّ". ولفت، خلال ندوةٍ أقيمت في غرفة تجارة دمشق في حزيران الماضي حول المحاكم المصرفية، إلى أن إجراء المحكمة بمنع سفر رجل الأعمال لا يسهم في سداد القرض، وأن المدين لا يريد التهرّب من السداد، لكن الظروف "أرغمته" على التوقف عن ذلك نتيجة توقف العمل في نهاية المطاف. ما يتطلّب من المصارف عدم اللجوء إلى هذه الحلول لأنها لن تعطي النتيجة المبتغاة، والسعي إلى إيجاد "طرقٍ تساعد" في تسديد المبالغ المترتبة على المدينين، تتناسب مع وضع كلّ واحدٍ منهم. معتبراً أن منع السفر "يسيء" إلى رجل الأعمال الذي يستحقّ التكريم لأنه استمرّ في العمل رغم الظروف القاسية، ولم يترك بلده.

 

عقلية الاستثناء

 

يحاول عددٌ كبيرٌ من رجال الأعمال الاستناد إلى الظروف الراهنة، وإلى بقائهم في البلد، والعمل في ظروفٍ غير مواتيةٍ، للتدليل على حسن نيّاتهم، ورغبتهم في التسديد. معتبرين أنهم لو أرادوا عدم السداد لغادروا البلاد، ولحظتئذٍ سيفلتون من التسديد. إلا أن المحامي سرور يدحض هذا الموقف، ويرى أن منع السفر له "وقعٌ قاسٍ" على رجال أعمالٍ حاولوا خلال سنواتٍ عديدةٍ أن يعملوا "بعقلية الاستثناء"، وعدّوا أنفسهم دائماً "فوق القانون"، بدليل أنهم طالبوا بالمحاكم المصرفيّة، التي تتخذ إجراء منع السفر في حقّ المتعثرين وغير المسدّدين، فيما كان الإجراء غير القانونيّ المتّخذ لمعالجة مثل هذه الحالات هو الحجز الاحتياطيّ على الأموال المنقولة وغير المنقولة لغير المسدّدين لالتزاماتهم. وهو الإجراء الذي كانت تتّخذه وزارة المالية "بغير وجه حقٍّ"، بينما، في حالة المحاكم المصرفية، فإن الإجراء قانونيٌّ وتتّخذه الجهة صاحبة الصلاحية دستورياً، أي القضاء.

 

خيبة أمل

 

توقعت الفعاليات الاقتصادية تدخلاً حكومياً للحدّ من منع سفر المدينين للمصارف غير القادرين على السداد. إلا أن توقعاتهم خابت بعد أن دخل مصرف سورية المركزيّ على الخطّ، واتخذ إجراءً قابله عددٌ من رجال الأعمال بكثيرٍ من الاستهجان؛ إذ صنّف المركزيّ 54 مجموعةً اقتصاديةً على أنها لا ترغب في سداد الديون المترتبة عليها، وبعض مالكيها ومؤسّسيها موجودون خارج سوريا، وقام بمراسلة بنوكٍ ومصارف عربيةٍ، منبّهاً إياها إلى أن هذه المجموعات، والأسماء التي تنضوي تحتها، لا تقوم بتسديد ما يترتب عليها. ويعدّ هذا التحذير الأوّل من نوعه في تاريخ العمل المصرفيّ السوريّ، بأن يتجاوز المصرف المركزيّ حدود البلاد ويحذّر مصارف غير عاملةٍ في نطاق سورية الجغرافيّ. وقد وصف مديرُ مجموعةٍ متضرّرة الكتابَ الذي وجّهه المركزيّ إلى تلك المصارف بأنه "إجراءٌ كيديٌّ بامتياز"، يهدف إلى إلحاق الضرر بهذه المجموعات، والتشكيك بها، وتشويه سمعتها. وهو ما ستتمّ متابعته، وقد يصل الأمر حدّ "رفع دعاوى" على المركزيّ السوريّ وحاكمه أديب ميالة.

 

إجراءٌ تحفظيٌّ

 

حاولت وزارة العدل تبديد مخاوف رجال الأعمال. وأكّد معاون وزير العدل، تيسير الصمادي، في تصريحٍ لـ(صوَر)، أن قرار منع السفر "إجراءٌ تحفظيٌّ"، وهو لصالح جميع الأطراف المتنازعة، تتّخذه المحكمة "دون تأخيرٍ" بناءً على طلب المدّعي، حتى لا يتهرّب المدين أو يقوم بتهريب أمواله إلى الخارج. ويردّ الصمادي على انتقادٍ وجّهه رجال الأعمال يتعلّق بالسرعة التي تتّخذ فيها المحاكم إجراء منع السفر بأن الغاية من ذلك أن "لا يفقد منع السفر أثره"، لا سيّما أنه، في قانون المحاكم المصرفية، يحتاج منع السفر إلى "السرعة". ويقول الصمادي إن القاضي ينظر في هذا الحقّ استناداً إلى "ظاهر الأوراق"، و"ترجيح" وجود الحقّ للمدّعي، فيما للشخص الممنوع من السفر الحقّ في "الاعتراض" مباشرةً أمام المحكمة، دون الحاجة إلى دعوى أخرى، ويمكن إلغاء منع السفر.

 

عرض الحائط

 

تتمسّك غالبية الفعاليات الاقتصادية، لا سيّما المدينة منها للمصارف، ببقائها في البلاد وولائها للعمل فيها للضغط على الجهات القضائية بعدم استخدام منع السفر ضدّها، ضاربةً عرض الحائط بقانون المحاكم المصرفية الذي ترى هذه الفعاليات أنه لا يتناسب مع المرحلة الراهنة، وأن العقود الموقّعة مع المصارف كانت عقود إذعان. إلا أن المصارف، صاحبة الدين، ترفض بشدّةٍ التخلي عن حقّها، مؤكّدةً أن هذه الخطوة هي الخطوة الأولى على صعيد تحصيل ديونها.

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard