info@suwar-magazine.org

مجلة "صوَر" تحاور الباحث الدكتور سمير العيطة

مجلة "صوَر" تحاور الباحث الدكتور سمير العيطة
Whatsapp
Facebook Share

أهميّة مبادرة دي ميستورا، التي تمّ طرح الفكرة الأوليّة لها، أنّها تقترح صيغةً واقعيّةً لوضع آليّاتٍ للحلّ وللتفاوض

 

 

حاوره: مجيد محمد

 

خمس سنواتٍ مرّت على الأزمة في سوريا، ولا تزال تشكيلات المعارضة السياسية والعسكرية تتخبّط في وصف الأزمة وتسميتها؛ بينهم من لا يزال يراها ثورةً ومنهم من يراها حرباً أهلية. كيف تقيّم المشهد العامّ في سوريا بعد كلّ هذه السنوات والضحايا والدمار؟ وهل خرج مسار الحلّ من يد السوريين فعلاً، وأمست كلٌّ من طهران وأنقرة والرياض والدوحة وواشنطن وموسكو هي الممسكة بزمام المبادرة؟ وما هي رؤيتك للخروج من هذا المأزق بعد كلّ هذه الأكلاف؟

 

في رأيي أن ما يحدث في سوريا هو ثورةٌ ومؤامرةٌ في الوقت ذاته. ثورةٌ لأنّها نتاج حراكٍ اجتماعيٍّ يشمل المنطقة العربيّة برمّتها، سمّي "الربيع العربيّ"، له جذوره السكّانيّة والاقتصادية والسياسيّة والفكريّة. ومؤامرةٌ، أيضاً، لأنّ السُلُطات القائمة في دولٍ إقليميّةٍ وأخرى بعيدةٍ انخرطت في مجريات الحراك منذ بدايته، بل حتّى قبل أن ينطلق، خوفاً على نفسها من نتائجه، أو لتأمين نفوذها في منطقةٍ ستتغيّر ملامحها بشكلٍ كبير. وفي رأيي أيضاً أنّ سوريا هي مفترق طرق الربيع العربيّ؛ إمّا أن يأتي حراكها بدولة المساواة في المواطنة والحرّيات في بلدٍ متعدّد الهويّات والمذاهب، أو ينتهي بخريفٍ يأخذها إلى التطرّف والتقسيم ونزع السيادة.

 

 

للأسف، تعيش سوريا اليوم خريفها، بل شتاءها. المسؤول الأوّل والأساس هو رئيس سُلطتها الذي حدّد رهانه، منذ خطابه الأوّل، بأنّه سيئد "الربيع العربيّ" في سوريا ليُعطي درساً لشعوب المنطقة، كي يشكره القائمون على الدول التي تناهضه لأنّه خدم مصالحهم في النهاية. إذ إنّهم، جميعهم، يرون في المساواة والحريّة خطراً على وجودهم في السلطة. كما تتحمّل النخب السياسيّة السوريّة مسؤوليّةً تاريخيّةً أيضاً، لأنّها لم تعرف كيف تحفظ للثورة نقاءها عن لعبة الأمم وكيف تُبقي الثورة لجميع السوريين وليس لجزءٍ -وإن الأكبر عدديّاً- منهم. لكنّ موقفاً وطنيّاً كهذا، كموقف الآباء المؤسّسين للدولة، أصحاب شعار "الدين لله والوطن للجميع"، يتطلّب الكثير من الشجاعة ومن الترفّع عن الرغبة في الانتقام من جرائم القمع.

 

وللأسف، وضع رأس السلطة، كما أغلب أطياف المعارضة، مصير بلادهم بيد القوى الإقليميّة والدوليّة، خاصّةً عندما تحوّل الصراع إلى حربٍ يجب تموينها باستمرار. ولن تأتي نهاية الصراع على سوريا إلا إذا توافقت هذه القوى على حلٍّ بين مصالحها المتنافرة حتّى لتلك التي تُعدّ "صديقةً" للثورة! وربّما هناك نافذةٌ الآن، لبضعة أشهرٍ، لحلٍّ كهذا انطلاقاً من التوافق الأمريكيّ الروسيّ الذي أنتج الاتفاق النوويّ الإيرانيّ، عبر ما سمّاه المبعوث الدوليّ ستافان دي ميستورا "مجموعة الاتصال الدولية". لكنّ التخوّف من أن يكون هذا الحلّ تقسيماً، خاصّة وأنّ النفوس في سوريا قد دُمّرت كما الحجر.

 

شاركتَ في العديد من المؤتمرات الدولية حول المسألة السورية، كالقاهرة وموسكو. وخرجت كلّ هذه المؤتمرات بأوراق عملٍ أو خرائط طريقٍ لم تفضِ إلى حلٍّ عمليٍّ، ولم تسهم، حتى الآن، في تقريب وجهات نظر مكوّنات المعارضة السورية المشتّتة. إلى أين يمكن أن تفضي هكذا مؤتمرات؟ وهل هي بالفعل مضيعةٌ للوقت، في ظلّ انسداد أفق الحلّ السياسيّ وتباعد الرؤى؟ وما هو الحلّ الأنجع للوصول إلى توافقٍ سياسيٍّ ما يفتح الطريق أمام المجتمع الدوليّ لوضع نهايةٍ لهذا الصراع؟

 

 

أنا لا أحبّ "السياحة السياسيّة"، ولا أشارك في نشاطاتٍ سياسيّةٍ إقليميّةٍ أو دوليّةٍ إلاّ إذا رأيت أنّها يُمكن أن تقدّم شيئاً للمصلحة العامّة. وفي الحقيقة، لم أسهم سوى في نشاطين كبيرين أعدّهما مفصليين؛ الأوّل، كعضوٍ في المنبر الديموقراطيّ السوريّ، في التحضير للمؤتمر الجامع للمعارضة السوريّة في القاهرة، في صيف 2012، وفي صياغة الوثيقتين الأساسيّتين اللتين أنتجهما، أي وثيقة العهد الوطنيّ ووثيقة المرحلة الانتقالية. ويبقى هذا المؤتمرُ اللحظةَ الوحيدة التي توحّدت فيها جميع أطياف المعارضة، والوثائق التي خرجت عنه أهمّ ما أنتجته هذه المعارضة كي يسجّل التاريخ للثورة هدفها النبيل في سعيها نحو دولة المساواة في المواطنة والحرّيات. ولم يتخطّ كلّ ما خرج من أوراقٍ بعد ذلك مضمون هذه الوثائق. إلاّ أنّ دولاً هي التي أفشلت وحدة المعارضة التي جهدنا لها حينذاك، ونزعت الأمور من يد المعارضة السياسية، وحوّلت الصراع إلى حربٍ مفتوحةٍ عند انطلاق معركة حلب وريفها.

 

وكان النشاط الثاني في لقائَي موسكو التفاوضيَّين مع ممثّلي السلطة السورية. وقد شاركت كمواطنٍ، كي لا أُحرج أحداً، وليس كممثل مجموعةٍ سياسيّة. وقد رأيت في هاتين الجولتين التفاوضيتين أوّل تحرّكٍ نحو وقف الحرب بتوافقٍ روسيٍّ أمريكيٍّ منذ فشل جولتَي جنيف 2 واحتلال داعش والنصرة لجزءٍ من الأرض السوريّة. وفي الحقيقة ذهبت هاتان الجولتان في موسكو أبعد من جنيف وأسّستا للمبادرة التي تقوم بها الأمم المتحدة الآن.

 

عدا ذلك، أبقى على اتصالٍ مستمرٍّ مع أغلب أطياف المعارضة والمجتمع، حتّى وإن اختلفت معهم في الرؤى: المعارضة السياسيّة في الائتلاف ولجنة القاهرة وهيئة التنسيق وغيرهم، كما منظّمات المجتمع المدنيّ الناشطة، وكذلك المعارضة المسلّحة التي تؤمن بالمساواة في المواطنة. وأعتبر أن واجبي أن أحاول دوماً دفع الجميع إلى التلاقي حول مشروعٍ وطنيٍّ والابتعاد عن هيمنة الدول. والمشروع الوطنيّ في رأيي هو ما يُمكن أن يتوحّد حوله جميع السوريين وليس فقط جزءاً منهم، ويخترق الانقسامات المذهبيّة والعرقيّة التي دفعت إليها السلطة كما الدول الخارجيّة.

 

والحلّ الأنجع في رأيي هو إعادة إنتاج "الكتلة الوطنيّة" التي ناضلت من أجل وحدة سوريا واستقلالها في القرن الماضي. ولم تكن حزباً ولا مجلساً وطنيّاً، بل مجموعةً من الشخصيّات السياسيّة والاجتماعيّة تشاركت في حمل هموم وطنها، وترفّعت عن ذاتيّاتها من أجله، ورفضت تدخّل الدول الخارجيّة في شؤونها، ووحّدت جهدها من أجل انتصار قضيّة شعبها. وكنت قد بذلت جهداً كبيراً لهذا الغرض عند تأسيس المنبر الديموقراطيّ في 2012، خاصّة عبر إعطاء الأولويّة للشباب الذين انطلقوا بالحراك ودفعوا ثمناً باهظاً. وما زلت أجهد اليوم عبر التواصل المستمرّ، لكنّ الأمر صعبٌ جدّاً، وربّما أصعب اليوم منه في 2012.

 

طرح دي ميستورا مبادرته للحلّ في سوريا. كيف يمكن للنظام وللمعارضة تشكيل مجموعات عملٍ مشتركةٍ في ظلّ غياب إرادة الحلّ بين الجانبين، ودون وجود ضماناتٍ ومقدّماتٍ أساسية للجلوس إلى طاولة المفاوضات؟ وهل تمثل هذه المبادرة صيغةً مناسبةً للأزمة السورية؟ وما هي المعوقات العملية أمام تطبيقها في ظلّ تشتت الموقف المعارض سياسياً وعسكرياً، وغياب سلطة المعارضة السياسية على الفصائل المسلحة الكبيرة التي تحكم المناطق الخارجة عن سيطرة النظام؟

 

 

في رأيي هناك فهمٌ خاطئٌ من جميع الأطراف السوريّة لما يُمكن أن يكون تفاوضاً من أجل حلٍّ سياسيّ. ففي ظلّ الحرب والتقسيم الفعليّ لسوريا، واحتلال داعش والنصرة لجزءٍ من أرض الوطن، وفلتان الميليشيات الأجنبيّة على الطرفين؛ لم يعد التفاوض تفاوضاً بين طرفين متماسكين؛ السلطة وجهاز الدولة الذي تسيطر عليه من طرفٍ، والمعارضة التي ذهب الحلم بتوحيدها على الطرف الآخر. التفاوض اليوم متعدّد الأطراف، يجب أن يأخذ في الاعتبار قوى الأمر الواقع وتشرذم الطرف الموالي للسلطة كما طرف ما يسمّى المعارضة، بما فيها المعارضة المسلّحة. في حين ما زالت جميع الأطراف المقاتلة تأمل بتمكين موقعها على الأرض واستمرار دعم الدول التي تساندها وترفض الحلّ السياسيّ على أنّه حلٌّ وسط.

 

الخلاف الرئيس هو حول موضوع جسم الحكم الانتقاليّ. تتحجّج السلطة بأنّها الدولة السوريّة ومؤسّساتها، ويجب أن يتوافق تفسير هذا البند في جنيف 1 مع الدستور القائم، في حين تفسّره المعارضة السياسيّة، وكذلك المسلّحة، على أنّه نقلٌ للسلطة إليها، وأنّه يجب حلّ الجيش والأجهزة الأمنيّة، بكلّ بساطة. في حين ينصّ بند جنيف 1 المعنيّ على أنّ جسم الحكم الانتقاليّ يجب أن يخلق مناخاً حيادياً، أي لا مع السلطة، وبالتالي ليس مع رئيسها، ولا مع المعارضة. والتشارك بين الاثنين في السلطة هو إمكانيّةٌ وليس حتميّاً.

 

والمقدّمات الأساسيّة للتفاوض معروفةٌ. وهي في كلّ الوثائق التي وضعت في 2012؛ وثيقة جنيف 1 كما وثائق القاهرة. والحديث عن ضماناتٍ قبل التفاوض لا معنى له سوى فرض هذا التفسير أو ذاك من قبل الدول قبل الشروع بالتفاوض بين السوريين. أي وضع نتيجة التفاوض شرطاً لهذا التفاوض، وهذا لن يحصل بحكم الواقع.

 

يبقى السؤال عن كيفيّة التفاوض في ظلّ كلّ هذا؟ أهميّة مبادرة دي ميستورا، التي تمّ طرح الفكرة الأوليّة لها بمواجهة السلطة في موسكو، أنّها تقترح صيغةً واقعيّةً لوضع آليّاتٍ للحلّ وللتفاوض. يشارك في اللجنة الإنسانيّة ممثّلون عن منظّماتٍ مدنيّةٍ معنيّةٍ بتقديم خدمات الإغاثة والصحّة أصلاً، ولا معنى لأن يخضع النقاش ضمنها للمهاترات السياسيّة. ويشارك في اللجنة العسكريّة والأمنيّة ممثلون عن المقاتلين من جميع الأطراف، ولا معنى هنا أيضاً لأن تحتكرها الأجسام السياسيّة التي لا سلطة لها على القتال على الأرض. والزمن الذي ستستغرقه هذه اللجان في عملها هو الزمن الذي سيسمح بإيجاد توافقاتٍ إقليميّةٍ ودوليّةٍ على الحلّ، خاصّة أن التفاصيل كثيرةٌ والجبهات متعدّدة ومشاكل المواطنين كثيرةٌ ومختلفةٌ حسب المناطق.

 

وأهميّة مبادرة دي ميستورا أنّها صدرت ببيانٍ حصل على الإجماع من مجلس الأمن. ما يعني أنّ رفض السلطة أو المعارضة لها يعني رفض هذه أو تلك للحلّ السياسيّ المتوافَق عليه دوليّاً والذهاب إلى حلٍّ عسكريّ.

 

 

تعيش العديد من البلدان العربية أزمةً حقيقةً في ما يتعلق بالعدالة الاجتماعية، رغم أنها تعيش حالةً من الاستقرار السياسيّ منذ آمادٍ طويلة، ولم تستطع حتى الآن مواجهة العمل غير المهيكل وتزايد أعداد الأيدي العاملة. كيف ترى مستقبل هذه العدالة لجهة العمل غير المهيكل في سوريا ما بعد الأزمة؟ هل ثمّة مؤشراتٌ اقتصاديةٌ وسياسيةٌ وأخرى توعويةٌ تدلّ على أن واقع العمل سيكون مختلفاً عما كان عليه الحال أيام النظام؟

 

هذا موضوعٌ مهمٌّ جدّاً وشائك. وكنتُ، كباحثٍ اقتصاديٍّ، قد بذلت جهداً كبيراً تجاهه ولتنمية الوعي بأهميّته.

 

يشكّل عدم قدرة البلدان العربيّة الكثيفة السكّان على مواجهة الطفرة الشبابيّة، وترك القادمين الجدد يدبّرون أحوالهم في أعمالٍ لا تُعطيهم أدنى حقوقٍ، سببين رئيسيّين في انفجار الربيع العربيّ. وهو ما يكمُن وراء شعار الكرامة الذي لازم الحرّيّة في هذا الربيع. والكرامة هي كرامة البوعزيزي الجامعيّ الذي يجرّ عربة خضارٍ ويُهان في ما يمنحه رزقه.

 

 

لذا أصررت على أن يتضمّن العهد الوطنيّ، الذي تمّت صياغته في 2012، الإشارة إلى الميثاق الدوليّ لحقوق الإنسان الاجتماعية والاقتصادية، وضمان التمتّع بها للسوريين وللمقيمين، وأغلبهم فلسطينيّو سوريا. وكذلك إلى أن تتأسّس سياسة الدولة على العدالة الاجتماعية وعلى التنمية المتوازنة بين المناطق وتضمن حقوق العاملين، بما فيها التأمين الصحيّ الشامل ومعاشات التقاعد وتعويضات البطالة.

 

ليس هناك حلٌّ سحريٌّ لهذه المشكلة الكبيرة في العقود القادمة، سوى أن يتنظّم المشتغلون غير المهيكلين ويدافعوا عن حقوقهم، وأن تقوم التنمية ضمن لامركزيّةٍ إداريّةٍ، وأن تعمل الدولة على هيكلة الاستثمار والعمل وعلى توزيع الثروة الوطنيّة بين المناطق وبين السكّان. وستكون المشكلة أساسيّةً في سوريا بعد انتهاء الحرب، إذ إنّ الاقتصاد مدمّرٌ، واقتصاد الحرب هو السائد، والكلّ يتغنّى باستثماراتٍ أغلبها ريعيٌّ وعقاريّ.

 

بالتالي فإن إعادة الإعمار ليست فقط إعادة تشييدٍ للمساكن، بل إعادة بناء ما دمّرته السلطة في الاقتصاد من خلال سياساتها في السنين العشر التي سبقت الثورة، وما خلفته الحرب من دمارٍ في الهياكل الاقتصادية والاجتماعيّة.

 

بعد فشل المعارضة السياسية في التسويق لمشاريعها وخططها المتعلقة بالحلّ، هل من الممكن أن نشهد استثماراً إيجابياً لأزمة اللاجئين الحالية، والتي تشغل الأوساط السياسية والشعبية في دول الغرب، لجهة إعادة الأولوية للقضية السورية في بعدها الإنسانيّ بعد ركود التعاطي معها رغم أنها من أكبر الكوارث البشرية منذ الحرب العالمية الثانية بحسب الأمم المتحدة؟ هل نستطيع التحدث عن نضوجٍ سياسيٍّ في هذا المنحى بعد خمس سنواتٍ من الفشل؟

 

لم يكن للمعارضة السياسيّة المعروفة إعلاميّاً، من ائتلافٍ وغير ذلك، أيّ دورٍ حقيقيٍّ في قضايا اللاجئين السوريين أصلاً، ولا حتّى في تركيا. ولم يهتمّوا أيضاً بقضايا فلسطينيّي سوريا بالرغم من الادّعاء أنّهم يمثّلون الدولة السورية. المجتمع المدنيّ السوريّ هو الذي نشط، بشكلٍ ليس له مثيلٌ في الدنيا، كي يغيث أبناء وبنات وطنه. وكذلك المجتمع المدنيّ اللبنانيّ، بجميع طوائفه، والأردنيّ والتركيّ، خاصّةً كرد تركيا. ولا علاقة للمعارضة السياسيّة بموجة اللاجئين الكبيرة التي تمشي اليوم نحو ألمانيا، وهي تلتزم الصمت حول أسباب هذه الموجة الآن، وحول سياسات الدول التي تدعم هذه المعارضة تجاه اللاجئين.

 

 

اللاجئون السوريّون هم الذين غيّروا الرأي العام الأوروبيّ عبر ما سجّلته وسائل الإعلام عن عزّة أنفسهم وتضامنهم مع بعضهم في خضمّ مأساتهم. وهذا التغيير تحوّلٌ مهمٌّ بعد أن كان الرأي العام الغربيّ قد أحجم عن التضامن مع الثورة السوريّة، كما مع بقيّة إرهاصات الربيع العربيّ، بالضبط لأنّ المعارضة السياسيّة والدول الداعمة لها سكتت عن التطرّف والإرهاب طويلاً حتّى تفاقم وجودهما.

 

أعاد اللاجئون السوريّون تحريك الرأي العام الأوروبيّ والأمريكيّ تضامناً معهم ومع بلادهم، بأنّهم بشرٌ راقون ومتعلّمون. وحقّ اللجوء تضمنه شرعة حقوق الإنسان العالميّة، بما يتخطّى القوانين الأوروبيّة والحدود المعمول بها. ما جعل الأوروبيين يُظهرون تضامناً استثنائيّاً يتخطّى الانقسامات السياسيّة في بلدانهم، بل ويحرج القائمين على الحكومات. ما يُمكن أن يدفع هذه الحكومات ليس فقط إلى استقبال اللاجئين بشكلٍ لائقٍ بالرغم من أعدادهم الكبيرة، بل أيضاً إلى التحرّك الفعليّ لحلّ الصراع في سوريا حتّى لو كلّف ذلك التحوّل عن سياساتٍ سابقة، بما في ذلك دعم أطرافٍ من المعارضة لأسبابٍ جيوسياسية.

 

اللاجئون السوريّون هم الذي أخذوا -بأجسادهم ومعاناتهم- أزمة بلادهم كي تضحى أزمةً لكلّ أوروبا، وكي تضع بلداناً أوروبيّة عبثت بالربيع العربيّ -كما حصل في ليبيا- أمام مسؤولياتها التاريخيّة اليوم، كما لإعادة الإعمار في المستقبل.

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard