info@suwar-magazine.org

النشاط الحقوقيّ في توثيق الانتهاكات وعلاقته بالعدالة الانتقالية في سوريا

النشاط الحقوقيّ في توثيق الانتهاكات وعلاقته بالعدالة الانتقالية في سوريا
Whatsapp
Facebook Share

عاصم الزعبي

 

لم يكن العمل الحقوقيّ معروفاً في سوريا قبل الثورة إلا فيما يخصّ القضاء والعمل القضائيّ وعمل المحامين. ولم يكن هناك أيّ وجودٍ للنشاط الحقوقيّ المتّصل بحقوق الإنسان، والذي كان يعدّ من الجرائم التي قد توصل إلى السجن المؤبّد.

 

تزايدت انتهاكات حقوق الإنسان بشكلٍ جسيمٍ بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011، من قتلٍ وتعذيبٍ واعتقالٍ بأنواعه، وغير ذلك من انتهاكات النظام وحتى بعض الفصائل التابعة للمعارضة المسلحة، الإسلامية منها والمعتدلة.

 

 

لذلك لا بدّ من وضع خطّةٍ منهجيةٍ لتوثيق هذه الانتهاكات وتصنيفها بالشكل المعمول به في المحافل القانونية الدولية.

في سوريا الآن العديد من المنظّمات التي تعمل في المجال الحقوقيّ، ولكنها ما تزال قاصرةً عن العمل بالشكل الدقيق والصحيح، بسبب حداثة عملها وقلة خبرتها فيه، إضافةً إلى ضعف المعلومات القانونية لدى الكثير منها.

 

حين نتحدّث عن التوثيق فهو مرحلة التسجيل الدقيق لتفاصيل الوقائع والأحداث والأدلة المخالفة لأحكام وقواعد حقوق الإنسان والقانون الدوليّ الإنسانيّ.

إذاً لا بدّ من العمل بشكلٍ صحيحٍ في هذه المرحلة من خلال معايير وأسسٍ واضحةٍ تعتمد المهنية في العمل.

 

وأهمّ هذه الأسس، والتي ما يزال هناك لبسٌ فيها لدى المنظّمات الحقوقية والإنسانية، الحياد والموضوعية؛ فما يزال هناك خلطٌ بينهما لدى الناشطين والمنظّمات. ولا بدّ من توضيح الفارق بينهما كالتالي:

الحياد: عدم انحياز الباحث لأيّ طرفٍ على الإطلاق. ويتمّ العمل بهذا المبدأ غالباً في المنظمات الإنسانية.

 

الموضوعية: وهي التزام الباحث بعدم التمييز على أيّ أساسٍ من الأسس التالية:

1: الدين أو المذهب أو العرق.

2: الجنس أو العمر.

3: الأفكار السياسية.

وغالباً ما يتمّ العمل بهذا المبدأ في المنظّمات الحقوقية العاملة في مجال حقوق الإنسان.

 

وبعد بناء العمل على هذه الأسس تأتي المرحلة اللاحقة التي تعتمد على تصنيف المواضيع التي تمّ توثيقها من خلال جمع الأدلة وتخزينها وتصنيفها إلى أدلةٍ تنطوي على شهادات الأشخاص، وأدلةٍ ماديةٍ، وسلسلة المسؤولية.

 

وتقسيم الجرائم في فترة النزاع حسب نوعها إلى جرائم حربٍ وجرائم ضد الإنسانية وجرائم عاديةٍ أو بسيطة.

 

ولا بدّ هنا من ملاحظة التكرار في الجرائم، وكونها ممنهجةً أم لا، ليكون توصيفها اللاحق صحيحاً.

في سوريا، نهدف في النتيجة إلى إحقاق العدالة بعد كلّ ما يجري. ويتمّ ذلك من خلال تطبيقٍ صحيحٍ للعدالة الانتقالية، التي تعدّ من المفاهيم الجديدة بالنسبة إلى المجتمع السوريّ الذي لم يكن يعلم عنها الكثير سابقاً.

 

العدالة الانتقالية: هي مجموعةٌ من التدابير القضائية وغير القضائية التي تقوم دولةٌ ما بتطبيقها من أجل معالجة ما ورثته من انتهاكاتٍ جسيمةٍ لحقوق الإنسان.

وتتضمّن هذه التدابير الملاحقات القضائية ولجان الحقيقة وبرامج جبر الضرر وأشكالاً متنوّعةً من إصلاح المؤسّسات.

 

فالعدالة الانتقالية مقارَبةٌ لتحقيق العدالة في فترات الانتقال من النزاع أو قمع الدولة، من خلال محاولة تحقيق المحاسبة وتعويض الضحايا. كما تقدّم العدالة الانتقالية اعترافاً بحقوق الضحايا وتشجّع الثقة المدنيّة وتقوّي سيادة القانون والديمقراطية.

 

 

أهمية العدالة الانتقالية: لأن الانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان لا تؤثر فقط على الضحايا المباشرين إنما على المجتمع ككلّ؛ فمن واجب الدول أن تضمن عدم تكرار تلك الانتهاكات. وفي ذلك واجبٌ خاصٌّ يقضي بإصلاح المؤسّسات التي إما كانت لها يدٌ في الانتهاكات أو عجزت عن تفاديها.

 

عناصر العدالة الانتقالية:

 

1: الملاحقات القضائية: والتي لا بدّ أن تطال المسؤولين عن هذه الانتهاكات.

2: جبر الضرر: وتعترف الحكومات عبره بالأضرار وتتخذ خطواتٍ لمعالجتها، كالمدفوعات النقدية مثلاً، إضافةً إلى الأمور الرمزية، كالاعتذار العلنيّ وإحياء الذكرى.

3: إصلاح المؤسّسات: ويشمل المؤسّسات القمعية في الدولة، على غرار القوى المسلحة والشرطة والمحاكم.

4: لجان الحقيقة: أو وسائل أخرى للتحقيق في أنماط الانتهاكات، والتبليغ عنها، وإجراء التعديلات للمساعدة في فهم أسباب الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان.

 

إذاً، في سوريا بعد انتهاء الأزمة، لن تكون عملية معالجة التركة القمعية للنظام، من انتهاكات حقوق الإنسان وتدمير المجتمع، بالأمر السهل. ولا بدّ من عدم تكرار الأخطاء نفسها. ويمكن تحقيق ذلك من خلال العمل الحقوقيّ الصحيح، الذي يبنى عليه تطبيق عدالةٍ انتقاليةٍ صحيحة.

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard