info@suwar-magazine.org

النظام السوريّ يسعى إلى محاربة المقاطعة الاقتصادية بالأسواق الكازاخستانية

النظام السوريّ يسعى إلى محاربة المقاطعة الاقتصادية بالأسواق الكازاخستانية
Whatsapp
Facebook Share

 

*سامر كعكرلي

 

بشّرت صحيفة البعث التابعة للنظام السوريّ، في عددها الصادر بتاريخ 18/7/2016، بأن المؤسّسات الاقتصادية التسويقية قد وجدت في كازاخستان الأمل المنشود لتوجيه الصادرات السورية إليها بعد أن تقطعت السبل بتلك المؤسّسات في البحث عن شريكٍ تجاريٍّ يرقى إلى مستوى الشركاء الذين كانوا قبل الثورة السورية، مثل الدول العربية والأوربية. وهؤلاء جميعهم، أو على الأقلّ أغلبهم، قد قاطعوا النظام السوريّ بسبب سياساته المتمثلة في استعمال العنف المفرط في قمع الحراك الشعبيّ..

 

وبنت الصحيفة بشائرها على دراسةٍ قام بها بعض اقتصاديّي النظام الذين -كما تقول الصحيفة- استقصوا حالة الأسواق الكازاخستانية، وتبيّن معهم أن هذا البلد الآسيويّ بلدٌ هامٌّ على خارطة التبادل التجاريّ الدوليّ، مستشهدين بحصول هذه الدولة على مراتب متقدمةٍ في استيراد بعض السلع. وللمفارقة فإن كافة السلع التي استشهدت بها الدراسة سلعٌ صناعية، مثل المعدّات والآلات الثقيلة والخفيفة وبعض التجهيزات التي تنتمي إلى ما يسمّى الصناعات الهندسية الثقيلة. ولا يدري أيّ متابعٍ كيف ستنافس الصادرات السورية تلك السلع التي تستوردها كازاخستان -كما أفادت الدراسة- من الصين وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية، إذ تسيطر هذه الدول على 17% من واردات كازاخستان.

 

 

وقبل الدخول في موضوع التصدير إلى كازاخستان نورد للقارئ نبذةً عن تلك الجمهورية السوفييتية السابقة:

 

تقع جمهورية كازاخستان في قارة آسيا، ويمتد قسمٌ من أراضيها في قارة أوربا. تبلغ مساحتها /2.7/ مليون كيلومتر مربع، وعدد سكانها حوالي /16/ مليون نسمة. حصلت على استقلالها عندما انفرط عقد الاتحاد السوفييتي في عام 1991.

 

يعتمد الاقتصاد الكازاخستانيّ بشكلٍ رئيسيٍّ على النفط الذي يشكل حوالي 55% من إجمالي الواردات، ويليه قطاع الزراعة، وأهم محاصيل كازاخستان هي الحبوب (قمح، شعير، رز).

 

بالعودة إلى العلاقات التجارية بين سوريا وكازاخستان فإنها -بشكلٍ إجماليّ- غير مبشّرةٍ بمستقبلٍ واعدٍ بل على العكس، فإن كازاخستان لا تعدّ من الشركاء التجاريين الهامين لسوريا.

 

وعند الاطلاع على بيانات المكتب المركزيّ للإحصاء يتبين أن الميزان التجاريّ مائلٌ لمصلحة كازاخستان. ففي عام 2011 بلغت الصادرات السورية إلى كازاخستان 2.155.900 دولارٍ أميركيّ (تمّ احتساب الدولار بسعر 50 ليرةٍ سورية) أما واردات سوريا من كازاخستان فقد بلغت، حسب الإحصاءات نفسها، 7.264.380 دولاراً. وقد شكلت السلع النسيجية المُصنّعة حوالي 61.87% من إجمالي الصادرات السورية إلى تلك الجمهورية، وخلت كافة الصادرات السورية من السلع الزراعية. وينطبق هذا على السنوات السابقة (2004 – 2009)، باستثناء استيراد كازاخستان أسمدةً مركبةً /NPK/ بقيمة 40520 دولاراً في عام 2009.

 

وعندما نطالع حجم ونوعية واردات كازاخستان من السلع الزراعية من مختلف دول العالم، والتي بلغت في عام 2013 حوالي 21 مليار دولارٍ (حسب قاعدة بيانات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة FAO)، نجد أن كازاخستان قد استوردت في عام 2013 حوالي 36 سلعةً زراعيةً بقيمةٍ تجاوزت 300 مليون دولار. وهذه السلع (ولا سيما الحمضيات) يتم إنتاجها في سوريا، وغالباً ما تعاني من اختناقاتٍ تسويقيةٍ في كلّ عام.

 

بذلك يتضح أن السلع الزراعية السورية لا تثير شهية المستوردين الكازاخستانيين، أو أن أسواق كازاخستان لا تثير شهية المصدّرين السوريين.

 

 

وهنا يبقى السؤال مشروعاً لماذا الآن -وبعد أن دمرت معظم الصناعات النسيجية، وهي السلع الرئيسية بالنسبة إلى كازاخستان- تهتم المؤسسات الاقتصادية السورية بهذا البلد؟

 

للإجابة عن هذا التساؤل لا بد من العودة إلى بداية انطلاق الثورة السورية، وحملة المقاطعة الاقتصادية التي فرضت على سوريا من الاتحاد الأوربيّ والدول العربية. عندها قرر النظام الاستعاضة عن اتفاقياته الاقتصادية الموقعة مع تلك الدول، مثل اتفاقية منطقة التجارة العربية الحرّة الكبرى GAFTA ومشروع اتفاقية الشراكة الأورومتوسطية وحتى اتفاقية منظمة التجارة العالمية، بدخول تكتلٍ اقتصاديٍّ هو الاتحاد الأوراسي الذي تقوده روسيا. وقد ظهرت تلك الفكرة أوّل مرّةٍ عندما نشرت صحيفة الثورة، في عددها الصادر بتاريخ 17/11/2014، تفاصيل الخطوات التي يتخذها النظام للانضمام إلى هذا الاتحاد المؤلف من بعض الدول من مخلفات الاتحاد السوفييتيّ، وهي روسيا الاتحادية وروسيا البيضاء (بيلاروسيا) وكازاخستان وطاجيكستان وقرغيزستان. وقد بدأ الاتحاد الاقتصاديّ بين الدول المذكورة في 1/1/2010 على شكل اتحادٍ جمركيٍّ بين روسيا الاتحادية وروسيا البيضاء وكازاخستان، وانضمّت لاحقاً كلٌّ من طاجيكستان وقرغيزستان، وذلك بفكرةٍ من رئيس وزراء روسيا حينذاك "فلاديمير بوتين"، ليكون هذا الاتحاد خطوةً أولى في طريق تشكيل تحالفٍ مشابهٍ للاتحاد الأوربيّ في جمهوريات الاتحاد السوفييتيّ السابق. ونظراً للطبيعة الدكتاتورية الموروثة من الحقبة السوفييتية وافق على الانضمام كلٌّ من دكتاتور روسيا البيضاء "ألكسندر لوكاشينكو"، المتمسك بالسلطة منذ عام 1991، أي منذ استقلال البلاد عن الاتحاد السوفييتيّ، ودكتاتور كازاخستان "نور سلطان نزارباييف"، وهو أيضاً -مثل رئيس روسيا البيضاء- الرئيس الأوحد منذ استقلال كازاخستان عن الاتحاد السوفييتي عام 1991.

 

 

وكان الغرض من هذا الاتحاد الجمركيّ -كما تصور "بوتين"- هو أن يتحول إلى اتحادٍ اقتصاديٍّ متكاملٍ عام 2015، بعد انضمام باقي دول الاتحاد السوفييتي السابق له. ولكن حسابات "بوتين" لم تجرِ كما خطط لها، فقد تلقى الاتحاد الضربة الأولى والقاضية عندما رفض الشعب الأوكرانيّ اقتراح رئيسه السابق "فيكتور يانوكوفيتش" الانضمام إلى هذا الاتحاد، وفضّل الانضمام إلى الاتحاد الأوربيّ. ولدى إصرار الرئيس الأوكرانيّ، مدعوماً من روسيا، على موقفه الرافض للانضمام إلى الاتحاد الأوربيّ، انتفض الشعب في وجهه وأسقطه لينهي بذلك حلم "بوتين" في إقامة هذا الاتحاد، الذي اقتصر على الدول الثلاث المذكورة، روسيا وروسيا البيضاء وكازاخستان.

 

وقد يقول قائلٌ: ما الضير في الاستغناء عن اتفاقياتٍ اقتصاديةٍ تمّ إبطال العمل بها بموجب العقوبات، ودخول أخرى جديدةٍ تعود بالفائدة على المواطن السوريّ؟

 

وأيضاً للإجابة عن هذا التساؤل نعود إلى الحجم الاقتصاديّ التي تشكله دول الاتحاد الأوراسيّ، ومقارنته مع الاتحاد الأوربي أو مع منطقة التجارة العربية.

 

بالنسبة إلى السوق التي يمتلكها الاتحاد الأوراسيّ فإن عدد سكان دوله يبلغ حوالي 168.8 مليون نسمة، أي ما يعادل ثلث عدد سكان الاتحاد الأوربيّ البالغ 501 مليون نسمة، وتقريباً نصف عدد سكان الدول العربية البالغ 389 مليون نسمة. أي أن سوق الاتحاد الأوراسيّ يعادل تقريباً نصف سوق الدول العربية وثلث سوق دول الاتحاد الأوربيّ.

 

أما بالنسبة إلى الناتج المحليّ الإجماليّ GDP فإنه يبلغ لدول الاتحاد الأوراسيّ -حسب تقديرات البنك الدوليّ- 2.89 ترليون دولارٍ أميركيّ (1 ترليون يساوي 1000 مليار)، وتستحوذ روسيا الاتحادية على نسبة 89.27% من إجمالي الناتج المحليّ لمجموع دول الاتحاد. وبالمقابل بلغ الناتج المحليّ الإجماليّ لدول الاتحاد الأوربيّ 18.46 ترليون دولار أميركيّ، وللدول العربية حوالي 2.7 ترليون دولار (حسب المصدر نفسه).

 

 

وبالتالي فإن الحجم الاقتصاديّ للاتحاد الأوربيّ وللدول العربية لا يمكن أن يعوَّض بالاتحاد الأوراسيّ. ومن هنا يتبين أن القرارات التي تصدرها المؤسّسات الاقتصادية التابعة للنظام السوريّ قراراتٌ ارتجاليةٌ تؤخذ فيها المصالح السياسية للنظام الذي يرغب بقوّةٍ في تثبيت حكمه الذي تزعزع بسبب الثورة، ولا تعدو تلك القرارات كونها محاولةً لإرضاء روسيا، وبالتحديد رئيسها "بوتين" صاحب فكرة الاتحاد الأوراسيّ، بهدف استمرار تدفق الأسلحة إلى سورية.

.

.

اقرأ المزيد للكاتب.. 

 

 

 

 

 

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard