info@suwar-magazine.org

"كلني : التاريخ الطبيعيّ وغير الطبيعيّ لآكل لحوم البشر"

"كلني : التاريخ الطبيعيّ وغير الطبيعيّ لآكل لحوم البشر"
Whatsapp
Facebook Share

يتميز كتاب بيل شوت بتصوير عدد قليل من المرضى النفسيّين، غير أنه يركّز على أغراض أكل لحوم البشر في المجتمعات البشريّة والحيوانيّة.

            يشير عالم الأحياء بيل شوت في كتابه الحافل بالتسلية ، رغم ميله قليلآ إلى عدم التنظيم، إلى "الجانب المستديم من الحياة" الذي لا يترك أحداً منّا "سليماً" بل يحاول القارىء عند هذه النقطة أن يتلمّس رقبته ليتأكّد من سلامتها من علامات العضّ.  لكنّ شوت يعني بوضوح أننا تعرّضاً للمسّ من قِبل أكلة لحوم البشر بطريقة ما تشمل الجميع، ولكن بالمعنى غير الحرفي للكلمة. و بدءاً من الساحرة الشرّيرة - آكلة الأطفال في قصة "هانسيل وجريتل" إلى هانيبال ليكتر، فإن أكلة لحوم البشر هي النقطة المركزية لقصص الإنسان.

            وتحاول الفقرة الأخيرة من كتاب شوت جعل قضية أكل لحوم البشر غاية في الاستخفاف. ربما تكون المفتاح لكل شيء:

"بعد أن نقول لأنفسنا كم يمثّل أكل لحوم البشر انحرافاً كابوسيّاً – فهو في الأفلام والروايات وتابلويد الإثارة – نجد هذه الفكرة قد نسجت نفسها في  خرافاتنا وأساطيرنا و شكّلت الأساس لعلاجات معجزة، قديماً وحديثاً، وساعدت في انضباط أطفالنا المعاندين و تطويعهم (أوللترفيه عن الجيّدين منهم)، وبرزت في الكتاب المقدّس ولدى علماء الأنثروبولوجيا، وفتنت، علماء الحيوان وعلماء الأحياء، و- للأسف - لعبت دوراً هامّاً في الاستعمار والغزوات والحروب." 

وبعبارة أخرى، أصبح أكل لحوم البشر هو الأفضل من سمك القدّ.

            إنه من المستغرب أن نرى شوت وكأنه يدفعنا إلى جعل موضوعه جديراً باهتمامنا. إننا نتراجع خوفاً من كتاب عن أكل لحوم البشر ليس لأن الموضوع لا يهمّنا ، بل لأنه يمضغ أحشاءنا. إنني لست على علم بأي شخص و في أي وقت مضى قام بتأنيب أكلة لحوم البشر لكون فعلهم يبدو مملاً. لقد اتّهموا بالعديد من الأشياء المرعبة – أكبرها أكل أشخاص آخرين  - ولكن إضافة إلى ذلك، فلديهم ذنوب أخرى كثيرة.

وعلى سبيل المثال، فإن أرمين مايفايس، الذي يقضي حالياً حكماً بالسجن مدى الحياة في ألمانيا لقيامه بأكل المهندس بيرند برانديس، بناءً على طلب من الأخير من إحدى غرف الدردشة حيث كان يبحث عن شخص يريد فعلا أن "يستهلكه". و بموافقة من "برانديس "، قام مايفايس بقتله وتقطيع أوصاله وعمل من لحمه سوتيه مع إضافة " الملح والفلفل والثوم وجوزة الطيب ". وقال إن طعم لحمه يشبه طعم لحم الخنزير.

            مع ذلك، فإن التركيز الرئيسي لكتاب شوت، ليس تركيزاً على أكلة لحوم البشر السيكوباتيين، وليس هو من قبيل تحبيذ الهانيبعلية في الحياة الفعلية، بل من قبيل الاهتمام بالموضوع كظاهرة بيولوجية و ثقافية.

ثم يقوم بفحص وتقصّي ظروف هذه الظاهرة و مظاهرها المختلفة الأشكال التي تبنّاها المجتمع البشري أو الحيواني من خلال سلسلة رائعة  من فصول كتابه.

            في الأنثروبولوجيا، هناك نوعان أساسيان من أكل لحوم البشر. Exocannibalism و يعني تناول شخص من خارج المجموعة الاجتماعية الخاصة بك، ربما كنوع من التحيّة في الطقوس أو الحرب. وعلى ما يبدو  فإن الكاريبيّين قد أكلوا لحوم سجناء العدوّ " لنقل الصفات المرغوبة، مثل القوة أو الشجاعة، من العدوّ المتوفّى لأنفسهم". أمّا Endocannibalism، على النقيض من ذلك، تعني تناول شخص من داخل العائلة أو المجموعة، ويمكن أن يكون ذلك من قبيل الحبّ أو الاحترام. و بالنسبة لقبيلة واري في منطقة الأمازون، كان تناول قطعة صغيرة من المتوفّى من أحد الأقارب مختلطة مع وجبة العظام والعسل يساعد في التغلّب على الحزن، حسب اعتقادهم.

            وهناك شكل أكثر تطرّفاً من endocannibalism هو أكل الأبناء الذي كان سائداً في الصين في الأزمنة الماضية. وروى كي راي تشونغ، مؤلف كتاب "أكل لحوم البشر في الصين"، أنه "كانت تقطع أجزاء من أجسام الأطفال ويصنعون منها الحساء لإرضاء أفراد الأسرة، وخاصة الوالدين". وغالباً ما كان  يحدث ذلك في العصور الوسطى بين الأبناء والآباء، حيث يقطع جزء من فخذ المرء أو الذراع وتُطهى بعناية لأحد الوالدين المريض في عصيدة الكونيغ المصنوعة من الأرز.

            و يذكّرنا الكاتب " شوت" أن أكل أجزاء من جسم الإنسان لم يكن دائماً مرتبطاً  بالعنف أو الذبح. والمثال الأكثر وضوحاً هو تقليد تتّبعه الأمهات الجدد بأكل المشيمة بعد ولادة الطفل كوسيلة لتعويض المواد الغذائية التي تفقدها الأم أثناء الولادة. في ولاية تكساس، يلتقي شوت بالسيد كلير ريمبوس، مؤسّس شركة تدعى "مشيمتك" التي تبيع مجموعة واسعة من المنتجات ذات العلاقة بالمشيمة. ويذكر "شوت" أنه شارك السيّد ريمبوس في أكل وجبة من باتشو المشيمة أوسو المطبوخة مع الطماطم والثوم والبصل، وذكّرته تلك الوجبة " بحوصلات الدجاج، التي تشبه نسيج لحم العجل: المتماسك و الطريّ".

            إن القليل من الناس الذين قد يتعرّضون لتذوّق لحم البشر. و برغم أحاديثنا الكثيرة عن أكل لحوم البشر، هناك عدد قليل جداً من الثقافات الإنسانية حيث يحدث ذلك في الواقع. وبصرف النظر عن الظروف القاسية مثل كارثة رحلة طيران أوروغواي من عام 1972، عندما قرّر 16 من الناجين على جبل ثلجيّ بعيد وبشكل جماعيّ - وعلى مضض - أن يأكلوا بعضاً من رفاقهم الموتى.

            ولكن أكل لحوم البشر لغاية لا ترتبط بالبقاء على قيد الحياة، هو أمر نادر الحدوث للغاية. يقول شوت أن ذلك يرجع جزئياً إلى وجود المحرّمات الغربية القويّة ضدّها. أمّا من حيث  فلسفة فرويد، فإن أكل لحوم البشر هو واحد من تلك الأفعال التي لا يمكن التصوّر أننا نمتنع عن  إخفاء حقيقة أن لدينا الرغبة العميقة والبدائية للقيام بذلك. ولكن هناك دلائل قوية على أن معظم البشر لديهم رغبة أكثر قوة في عدم أكل لحوم بشر آخرين. إنه  ليس  محبّذاً  أن نفكّر في أنفسنا كنوع من اللحوم.

            من ناحية أخرى ، ليس لدى العديد من الحيوانات مثل هذا التأنيب للضمير. و في الطبيعة، كما يكتب شوت، أكل لحوم النوع الحيواني يأتي مع "مناطق رمادية، لا ذنب ولا خداع". حيث تصف الأجزاء الأخرى من الكتاب بعض أشكال غير عادية من أكل لحوم الحيوانات في نفس الفصيلة مثل تلك التي تحدث في المجتمعات غير البشرية. بالنسبة للحيوانات، فإن أكل لحوم بعضها مرتبط بفطرة التطوّر للتعامل مع المشاكل التي لخّصها "شوت" بوجود "عدد كبير من الصغار، عدم توفر مساحة كافية، وجود الكثير من الذكور، عدم توفر ما يكفي من الغذاء."

            وعلى سبيل المثال قد تأكل النسور الصغيرة الأشقاء المنافسة لها، وقد تدفع قسوة الظروف أن يقوم حيوان الهمستر بأكل صغاره، ولكن ربما تعتبر العناكب الحمراء من أكثر الأنواع دموية . حيث تقضم أنثى العنكبوت الحمراء  بطن شريكها الذكر بعد التزاوج، ثم تضع ما يتبقّى من أعضائه في الشرنقة كوجبة مغذّية تتمتّع بها في وقت لاحق. وهكذا يكون دور الذكور من العناكب هو تمرير الجينات الوراثية كما يلاحظ شوت، وهذا من غرائب الطبيعة . وهكذا فإن أكل العناكب لبعضها هو أساس كل شيء في بقاء نوعها.

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard