info@suwar-magazine.org

المبادئ الدوليّة الناظمة للعلاقة بين الشّرعة الدوليّة لحقوق الإنسان والتشريعات الداخليّة للدول الأطراف

المبادئ الدوليّة الناظمة للعلاقة بين الشّرعة الدوليّة لحقوق الإنسان والتشريعات الداخليّة للدول الأطراف
Whatsapp
Facebook Share

 

 

*نائل جرجس

 

         يترتّب عن المصادقة على الاتّفاقيات الدولية مبدآن رئيسان: أن تعترف هذه الدول بسموّ القانون الدوليّ على التشريعات الداخلية، من ناحية (أولاً)، وأن يتمّ ضمان فعّالية هذه الاتّفاقيات وإدراج أحكامها في التشريعات الداخلية، بما في ذلك الدساتير، من ناحية أخرى (ثانياً).

 

أولاً- مبدأ سموّ التشريعات الدوليّة على التشريع الداخليّ  

 

إنَّ العلاقة بين القانون الدولي والوطني هي قضيةٌ تقليديةٌ وذات أهمية كبرى. فتعتمد فعّالية المعاهدات الدولية على قيمتها إزاء التشريعات الداخلية، ولاسيما تفوُّق معاييرها في حالة التعارض بينهما. ويُعدُّ مبدأ سموّ القانون الدولي على القانون الداخلي أحد أهمّ المبادئ الدولية، وهذا ما تطرّقت إليه محكمة العدل الدولية الدائمة منذ عقود؛ وذلك في أكثر من رأي استشاري، وخاصة منها المؤرّخ بالرابع من شباط/فبراير 1932 والتي أعلنت فيه بأنه لا يمكن لدولة أن تتذرّع بنصوص دستورها لتفادي تطبيق الالتزامات المفروضة عليها بمقتضى قواعد القانون الدولي أو المعاهدات السارية[1]. وعلى غرار ذلك، نصّت المادة 27 من "اتّفاقية فيينا لقانون المعاهدات"[2] على أنه: "لا يجوز لطرف في معاهدة أن يحتجّ بنصوص قانونه الداخلي كمبرّر لإخفاقه في تنفيذ المعاهدة"[3]. كما تتطّلب بعض الاتّفاقيات صراحة تعديل تشريعات الدول الأطراف أو إلغاء ما هو متعارض معها كما هو حال الاتّفاقية الدولية للقضاء علي جميع أشكال التمييز العنصري التي تنصُّ على أنّ "تتّخذ كل دولة طرف تدابير فعّالة لإعادة النظر في السياسات الحكومية القومية والمحلية، ولتعديل أو إلغاء أو إبطال أية قوانين أو أنظمة تكون مؤدّية إلي إقامة التمييز العنصري أو إلى إدامته حيثما يكون قائماً"[4]. هذا وأدركت مختلف لجان حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة أهمّية توضيح هذه المسألة من قِبَلِ الدول الأعضاء، فغالباً ما تتطرّق هذه اللجان في قائمة مسائلها وفي توصياتها إلى هذا المبدأ[5]. وفي هذا الإطار خصّصت اللجنة المعنيّة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ملفّاً يتعلّق بالالتزام المترتّب على عاتق الدول الأطراف لضمان تطبيق العهد على المستوى الوطني. فقد أشارت هذه الّلجنة إلى أنّهَ ينبغي أن تُنظَّمَ القضايا المتعلِّقة بتنفيذ العهد على المستوى الوطني بموجب المادة (27) من اتِّفاقية "فيينا" المذكورة أعلاه[6].

 

بالنتيجة، يجب أن تسود الاتِّفاقيّات الدولية على القوانين الوطنية، ومع ذلك تختلف بحسب الدول الطرق المُعتمَدة لجعل المعاهدات سائدةً على القوانين الوطنية. إنَّ بعض دساتير الدول تعترف بتفوُّق المعاهدات، بينما تتطلّب أخرى اعتماد قوانين محدَّدةٍ لإعطاء معاهدة دولية - وإنْ تمَّ المُصادقة عليها - قوَّة القانون الوطني. وهناك دولٌ أخرى لا تعترف بأولويّة الاتِّفاقيات الدولية إلّا بالنسبة للقوانين السابقة؛ في حين تظلُّ القوانين اللاحقة سائدةً على أحكام المعاهدات. ويتبيّن من الاطلاع على أغلب التشريعات الداخلية للدول العربية بأنّه يكتنف الغموض مبدأ سموّ القانون الدولي على القانون الداخلي، وتبرز أحياناً الصعوبة الأساسية في التعارض ما بين بعض ما ورد في الشريعة الإسلامية وبعض نصوص القانون الدولي، من ناحية، وغياب الإرادة السياسية لحكّام هذه الدول التي تضمن ديمومتها انتهاكات حقوق الإنسان، من ناحية أخرى.

 

ثانياً: إدراج أحكام الاتّفاقيّات في التشريعات الداخليّة وضمان فعاليّتها

 

فضلاً عن مبدأ سموّ القانون الدولي ولكي يتمّ ضمان تنفيذ الاتّفاقيات الدولية، فإنه لابدّ من أن يتمّ إدراج أحكامها في القوانين الداخلية للدول الأطراف والتي يجب أيضاً أن تتّخذ الإجراءات اللازمة لضمان هذا التنفيذ. فيتوجّب أوّلاً نشر نصّ المعاهدة في الجريدة الرسمية للدول الأطراف. كما سترشد الإعلانات والاتّفاقيات الدوليّة الدول الأطراف عند تبنّيها لتشريعاتها المحلّية وبرامجها السياسية بما ينسجم مع مضمون هذه المواثيق. يتوجّب أيضاً على هذه الدول استصدار المراسيم والتشريعات المختلفة وأيضاً تعديل القوانين القائمة بما ينسجم مع مضمون الاتّفاقيات الدولية. وبهذا يتحقّق الهدف الأساسي من وجود هذه الاتّفاقيات المتعلّقة بحقوق الإنسان أي تطبيقها على المستوى المحلّي[7]. وتؤكّد لجان حقوق الإنسان التابعة للأمم المتّحدة إلى حقّ المواطنين بالتذرّع بنصوص المعاهدات أمام الجهاز القضائي للدول الأطراف[8]، وهو ما يعطي الاتّفاقية مكانة القانون الداخلي، بل ويجعلها جزءاً منه[9]. وفي هذا الصدد تؤكّد المادة الثانية، الفقرة 3، أ من العهد الدولي الخاصّ بالحقوق السياسية والمدنية بأن تتعهّد كل دولة طرف "بتوفير سبيل فعّال للتظلّم لأي شخص انتُهِكت حقوقه أو حرّياته المعترف بها في هذا العهد، حتى لو صدر الانتهاك عن أشخاص يتصرّفون بصفتهم الرسمية". وبهذا تسهم إتاحة إمكانية اللجوء إلى المحاكم الوطنية بضمان احترام الحقوق المنصوص عليها في الاتّفاقيات وتعزّز من مبدأ إدراج هذه الحقوق في القوانين الداخلية[10].

 

هذا وتتطلّب بعض الاتّفاقيات الدولية صراحة من الدول الأطراف اتّخاذ إجراءات من أجل ضمان تطبيق أحكام الاتّفاقية وحتى تأمين نوع من التمييز الإيجابي لصالح بعض الفئات المهمّشة التي قد تكون من المنتمين للأقلّيات. فبحسب الفقرة الثانية من المادة الثانية من الاتّفاقية الدولية للقضاء علي جميع أشكال التمييز العنصري، "تقوم الدول الأطراف، عند اقتضاء الظروف ذلك، باتّخاذ التدابير الخاصّة والملموسة اللازمة، في الميدان الاجتماعي والميدان الاقتصادي والميدان الثقافي والميادين الأخرى، لتأمين النماء الكافي والحماية الكافية لبعض الجماعات العرقية أو للأفراد المنتمين إليها، على قصد ضمان تمتّعها وتمتّعهم التامّ المتساوي بحقوق الإنسان والحريات الأساسية. ولا يجوز في أية حال أن يترتّب على هذه التدابير، كنتيجة لذلك، إدامة أية حقوق متفاوته أو مستقلّة تختلف باختلاف الجماعات العرقية بعد بلوغ الأهداف التي اتّخذت من أجلها" .وتؤكّد لجان حقوق الإنسان الأمميّة أيضاً على التزام الدول الأطراف باتّخاذ التدابير اللازمة لضمان ممارسة جميع الحقوق المنصوص عليها في الاتّفاقيات[11]، حيث يبقى هذا الالتزام قائماً على الرغم من خلوّ الاتّفاقية من نصّ صريح به. فقد أكّدت محكمة العدل الدولية الدائمة في رأي استشاري يعود لــ 21 شباط/فبراير 1925 بأنه يتوجّب على الدولة التي تتعهّد بالتزامات دولية بإجراء التعديلات الضرورية على تشريعاتها بما يضمن تنفيذ هذه الالتزامات[12].

 

 


CPJI, affaire Traitement des nationaux polonais à Dantzig, avis consultatif, Série A/B, no 44, p. 24. [1]

[2] اعتمدت في إطار الأمم المتحدة ودخلت حيّز النفاذ في 27 كانون الثاني/يناير 1980. عن هذه المعاهدة وعن مواقف الدول العربية منها انظر، الصادق شعبان، "الحقوق السياسية للإنسان في الدساتير العربية"، في: حقوق الانسان: دراسات تطبيقيّة عن العالم العربي، المجلد الثالث، دار العلم للملايين، بيروت، 1989، ص 158.

[3] كما تنصّ الفقرة الأولى من المادة 46 من هذه المعاهدة والمتعلقة ببطلان المعاهدات، على التالي: "ليس للدولة أن تحتج بأن التعبير عن رضاها الالتزام بالمعاهدة قد تمّ بالمخالفة لحكم في قانونها الداخلي يتعلّق بالاختصاص بعقد المعاهدات كسبب لإبطال هـذا الرضا إلا إذا كانت المخالفة بيّنة وتعلّقت بقاعدة أساسية من قواعد القانون الداخلي".

[4] المادة الثانية، الفقرة الأولى، ج.

[5] طلبت لجنة حقوق الطفل بوضوحٍ في توجيهاتها للدول الإشارة إلى مكانة الاتِّفاقية في القانون الوطني. انظر:

Guillemett Meunier, L’application de la Convention des Nations Unies relative aux droits de l’enfant dans le droit interne des États parties, L’Harmattan, Paris, 2002, p. 115.

[6] اللجنة المَعنِيَّة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مشروع الملاحظات العامة رقم (9)، 28 كانون الأول/ديسمبر 1998، E/C 24/12/1998، الفقرة (3).

[7] Claudia Sciotti-Lam, L’applicabilité des traités internationaux relatifs aux droits de l’homme en droit interne, Bruylant, Bruxelles, 2004, p. 47.

[8] أنظر اللجنة المَعنِيَّة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الملاحظات العامة رقم (9)، مرجع سابق، الفقرة (3).

[9] تؤكد أيضاً المادة الثامنة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بأنّه "لكل شخص الحق في أن يلجأ إلى المحاكم الوطنية لإنصافه عن أعمال فيها اعتداء على الحقوق الأساسية التي يمنحها له القانون".

Claudia Sciotti-Lam, op. cit., p. 58. [10]

[11] Observation sur les Mesures d’application générale de la Convention relative aux droits de l’enfant (art. 4, 42 et 44, paragraphe 6), n° 5 (2003), CRC/GC/2003/5, 27 novembre 2003, p. 2.

[12] CPJI, affaire Echanges de populations grecques et turques, avis consultatif, Série B, no 10, p. 20.

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard