info@suwar-magazine.org

تأثير الجغرافيا على السياسة في المفاوضات السوريّة (2)

تأثير الجغرافيا على السياسة في المفاوضات السوريّة (2)
Whatsapp
Facebook Share

 

تناولت في مقالتي السابقة تأثير الجغرافيا في السياسة، أو ما يسمّى الجيوبوليتيك، فالجيوسياسية ترى المساحات الجغرافية رقعة شطرنج، كل طرف يحاول التقدّم للقضاء على الملك مع سعيها إلى إغلاق المساحات للخصم للتحرّك بحرّية وتجاوز مختلف الصعوبات والموانع باتّجاه تحقيق هدف القضاء على الملك. ومعروف أن تقديم الجنود من كلا الطرفين في رقعة الشطرنج سيزيد من تقليل المساحات، و يجعلها مكتظة بالإضافة للتغيير في التموضعات التي تستجلب اصطفافات جديدة من الطرفين، وتستدعي تحشّدات في جانب على حساب آخر، وعلى الرغم من أن الروس بارعون في لعبة الشطرنج، إلّا أنهم يخسرون دائماً في لعبة الجيوسياسيّة أمام الأمريكان، ولكن حتى الآن يبدو أن حلفاء النظام قادرون على حماية ملكهم الأسد؛ لإدراكهم أن ذهاب الملك وحده كافٍ لإنهاء اللعبة؛ لِما يشكّله من رمزية معنوية وسياسية للنظام السوري، لذا فإن تغيّر المراحل يحتاج إلى تغيير أدواتها، بحيث يلعب الزمن والمراوغة كعاملين مهمّين فيها، ونقصد هنا مرحلة الحرب الباردة السوريّة، فهذه الحرب أدواتها واضحة بالنسبة للنظام وحلفائه، وهي البناء على الأستانا بمختلف نُسَخها، واستغلال ورقة مكافحة الإرهاب، والدفع باتّجاه تحويل الملفّ إلى ملفّ إقليميّ (سوتشي)، واستغلال توتّرات المنطقة من لبنان إلى العراق إلى فلسطين وصولاً إلى مصر والخليج.

وبالمقابل لا تبدو المعارضة في موقف قوي كما كانت عليه في عام ٢٠١٣ عندما رفضت الذهاب إلى التفاوض وهي منتصرة متوهّمة أن طرح المفاوضات في ذلك الوقت كان من أجل حماية الأسد من السقوط، وهو من تأثيرات نظرية المؤامرة المتجذّرة في أذهان بعض القيادات والمجموعات المعارضة، بينما قبلت الذهاب إلى التفاوض إلى أبعد مكان، وهي مهزومة، ورغم ذلك فإنها ما زالت تمتلك أوراقاً قويّة في مختلف الملفّات، تستطيع أن تستخدمها كأدوات فاعلة لتحقيق التغيير السياسي، إذا ما تعاملت معها بذكاء براغماتي، و لعلّ في مقدّمة هذه الأدوات وأقواها، والتي قد تساعد على التغيير المطلوب:

 

أوّلاً:

بناء قضية: لم يعد موقف المعارضة قويّاً كما كان، بعد كل التغييرات في موازين القوى على الأرض، فقد أضاعوا فرصة تاريخية في ٢٠١٣ عندما رفضوا التفاوض وهم منتصرون، ولذا لم تعد كل أدوات العمل السابقة مجديةً، وهو ما يستوجب عليهم بناء قضيّة حقوقية قانونية، يتمّ من خلالها توثيق كل الانتهاكات التي ارتكبها النظام وحلفاؤه كوثائق إدانة وتجريم، والتي وُصف البعض منها بجرائم حرب، وخاصة استخدام السلاح الكيماوي، وقضية المعتقلين، والاستفادة من التقارير  الصادرة عن لجان التحقيق الدولية، وإجادة استثمارها في خدمة قضيّتهم السياسية، ويجب الإشارة إلى أن الانتهاكات لا تقتصر فقط على النظام وحده، فالأطراف الأخرى ارتكبت الكثير من الانتهاكات التي يرقى بعضها إلى جرائم حرب أيضاً.

 

ثانياً:

 بناء تحالفات جديدة: إذ لا بدّ من أن تقوم المعارضة بإعادة ترتيب ملفّاتها التحالفيّة من جديد، وأن يتمّ البحث عن قواسم عمل مشتركة مع الأطراف الأخرى المشاركة في الصراع على ذات الرقعة، فجميع تحالفات المعارضة التي سادت خلال السنوات الماضية أثبتت أنها لم تأتِ بالمرجوّ منها، وفشل معظمها، ولنفترض أن نوايا جميع أصدقاء الشعب السوري صادقة ١٠٠٪ فيما يتعلّق بدعمهم للسوريين، فلو شهدنا تحالفاً جيوسياسياً يضمّ مناطق قسد ودرع الفرات ومناطق المعارضة وتمّت استعادة المناطق الخاضعة للجماعات الجهادية، فان نسبة السيطرة سوف تكون ٥٥.٢٪ من مساحة سورية، فبناء هكذا قوّة تفاوضية كفيل ليس فقط بتغيير النظام جذرياً، إنما كفيل أيضاً بتقليص النفوذ الروسي والإيراني في المنقطة، وطبعاً هذا يبقى حلماً بعيد المنال في ظل تناقض المصالح وتنافر القوى على الأرض.

 

ثالثاً:

استثمار القرارات الأمميّة: فلا تعيد- المعارضة- تجاربها الفاشلة برفضها للقرارات الدولية، إذ يجب العمل على الاستفادة من جميع القرارات الدولية التي صدرت، وخاصة جنيف ١ والقرار ٢٢٥٤، فأي قرار يتمّ إصداره سيكون له بالغ الأثر والأهمّية على مستقبل سورية، مثل تقرير لجنة التحقيق باستخدام السلاح الكيماوي، كما يجب عليها إيجاد أطُر تنفيذية لهذه القرارات، ويمكن إيجاد هذه الأُطر من خلال ملفّي الدستور والانتخابات، فهما بجانب الإطار الأمني الأساس لتحديد مصير وشكل الدولة السوريّة المستقبليّة.

 

رابعاً:

ملفّ إعادة الإعمار: تشير التقديرات إلى أن سورية بحاجة إلى أكثر من ١٥٠ مليار دولار من أجل إعادة إعمارها، ولحسن حظّ المعارضة أن حلفاء النظام روسيا وإيران، لا تمتلكان الإمكانيات الاقتصادية، بعكس أصدقاء الشعب السوري الذين يملكون كامل الإمكانيات الاقتصادية التي تساعد على إعادة الإعمار، وعلى المعارضة الاستفادة منها سياسياً بشكل جيد، وعليها فهم معادلات المصالح الاقتصادية، وخاصة بالنسبة للاتحاد الأوروبي، وعليها بناء إستراتيجيّة واقعية لإعادة الإعمار في سورية.

 

خامساً:

ملفّ اللاجئين: فهو ملفّ ضخم لا يقلّ عن ملفّ إعادة الإعمار، وهو مرتبط بالاتّفاق السياسي، وأيضاً بإعادة الإعمار، ورغم أن تسيس الملفّ يحمل جوانب غير أخلاقية، ولكن بإمكان المعارضة أن تكون المحامي الشرعيّ للاجئين، وأن تدافع عن مطالبهم، فتكسبهم أكثر إلى صفّها، وهو بحاجة إلى الكثير من العمل مع جميع اللاجئين بدون تمييز على أساس انتماءاتهم المختلفة.

 

سادساً:

 نفوذ إيران: مع تحوّلها إلى دولة إقليمية كبيرة، فممّا لا شكّ فيه أن نفوذ إيران لا يمكن التعامي عنه أو تجاوزه، ولا يمكن التغاضي عن دورها من قِبَل المجتمع الدولي، الذي يبدو أنه يُتِمّ الاستعداد لوضع إستراتيجيّة طويلة الأمد لتحجيمها وتقليل نفوذها في الشرق الأوسط، وإعادة التوازن بينها وبين العراق والخليج، وعلى المعارضة أن تكون حذرة لكيلا تتحوّل إلى مجرّد أداة لمحاربة النفوذ الإيراني، فالأمر متعلّق بسيادة سورية، ولن تعود سيادتها بانهاء النفوذ الإيراني فقط، فهناك النفوذ الروسي والأمريكي والتركي والسعودي، وكلها تنتهك السيادة السوريّة بشكل أو بآخر، لذلك فإن أي انخراط خاطئ على أساس طائفي في محاربة النفوذ الإيراني، سيجعلها تفقد البوصلة في إعادة السيادة السورية، وستكون نسخة كربونية عن النظام السوري الذي يكرس الطائفية في حربه، وسيجعلها بمعزل عن بعض المكوّنات السوريّة على الأقلّ.

 

سابعاً:

 العمل على الحشد والمناصرة: معروف للقاصي والداني أن للنظام وحلفائه ماكينة إعلامية وماكينة للحشد في عواصم صناعة القرار، ودائماً ما كانت المعارضة ضعيفة في هذا الجانب، فهي لم تستطع خلق منصّات إعلامية مهنيّة، ولا تستطع الاستفادة من السوريين في المهجر، ولم تستطع أن تستفيد من جهود المنظّمات المدنية، ولا تستطيع بناء أي خطط مناصرة قويّة، لذلك عليها العمل بشكل حثيث للضغط في عواصم صناعة القرار، وأيضاً عليها إعادة النظر بعلاقتها ببعض هذه العواصم.

 

ثامناً:

تفعيل الحراك المدنيّ: على المعارضة العودة إلى تفعيل الحراك المدني ولكن بأدوات أكثر تطوّراً وأكثر استقطاباً للشرائح المجتمعية، وعليها النسيان نهائياً العودة إلى السلاح والقوة بعد فشلها الذريع.

 

وأخيراً.. إن جميع الصراعات في العالم مرّت بمراحل مختلفة، وكانت لكل مرحلة أدواتها، واستطاع بعضها تطوير هذه الأدوات مع مرور الوقت، وعلى المعارضة السوريّة أن تسير بذات المنحى كي تحقّق أهدافها، على أن يكون هذا التغيير عميقاً، فيطال حتى القِيَم التي تؤمن بها؛ لبناء سوريا ديمقراطية.

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard