info@suwar-magazine.org

نحو إعادة هيكلة القطاع الأمني السوري على ضوء توصيات للإصلاح الدستوري (4)

نحو إعادة هيكلة القطاع الأمني السوري على ضوء توصيات للإصلاح الدستوري (4)
Whatsapp
Facebook Share

 

 

نشرت مجلّة (صُوَر) الدراسة التي أعدّها الدكتور نائل جرجس تحت عنوان (الإصلاحُ الدستوري في سوريا وأثره على القطاع الأمني) على ثلاثة أجزاء تناولت في الجزء الأول معالجة النصوص الدستورية ذات الصلة بالقطاع الأمني، وذلك في أبرز الدساتير التي عرفتها سوريا الحديثة، بينما تناول الجزء الثاني تأثير النصوص الدستورية على الواقع التشريعي لعمل الأجهزة الأمنية، حيث كانت الأجهزة الأمنية الحاكم الفعلي والمطلق لسوريا، مستندةً بشكلٍ أساسيٍّ إلى تشريعات الطوارئ، ووجود القضاء الاستثنائي وتناول الجزء الثالث المرحلة الجديدة والمرتبطة بما يُسمى "مكافحة الإرهاب" بعد انتفاضة الشعب السوري ضد الاستبداد، والتي ضمنت استمرارية الأرضية التشريعية لهيمنة القوى الأمنية، وتصاعد دور الجيش في قمع كافة أشكال المعارضة. 

 

تبيّنَ لنا من خلال قراءة بعض النصوص الدستورية المتعلقة بقطاع الأمن، وآثارها المكرّسة للاستبداد ولانتهاك حقوق المواطنين، مدى أهمية اتّخاذ كافة الإجراءات، ولاسيما الدستوريّة، بما يسهم في تأمين قطيعة تامة مع الحقبة الماضية، والتأسيس لدولة القانون التي تخضع بها الأجهزة الأمنية، والقوى المسلحة للمساءلة والشفافية، والالتزام بمعايير حقوق الإنسان.

 

ولا نعتقد بأنّ النصوص الدستوريّة ذات العلاقة بالأمن ستكون موضع خلاف بين أطياف الشعب السوري وقوى المجتمع المدني، بخلاف قضايا هوية الدولة كدور العروبة والإسلام، إنما ستسعى القوى العسكرية والأمنية، وغيرها من الشرائح المستفيدة والمعادية لمبادئ الديمقراطية، والدولة المدنية للحفاظ على امتيازاتها السابقة في حكم سوريا.

 

فعملية إصلاح القطاع الأمنيّ تُعدّ  أمراً جوھرياً في العمليّة الانتقاليّة وفي الدستور السوري الجديد. ونقترح في هذا الإطار أن يتمّ إعمال التوصيات الواردة أدناه أثناء صياغة هذا الدستور بما يُسهم في تعديل البنية القانونية للقطاع الأمني في سوريا، وإعادة هيكلته، وتحديد وظائفه ومهامه:

 

 

أولاً -  تجنباً لإعادة إفراز أو عودة النظام الديكتاتوري المبني على ثقافة الشخصنة وقدسية الحاكم، العمل على الانتقال من نظام الحكم الرئاسي إلى البرلماني أو شبه الرئاسي وفي جميع الأحوال تحديد صلاحيات رئيس الجمهورية، وحصرها بالسلطة التنفيذية، وضمان عدم تدخله في عمل السلطات التشريعية والقضائية، خاصة فرض تقييدات على إصدار المراسيم وتعيين القضاة، والتنصيص صراحة على مبدأ الفصل بين السلطات، ومبدأ تدول السلطة، فضلاً عن تحديد شغل منصب الرئاسة لولايتين، وكل ولاية لمدة أربع سنوات على الأكثر.

 

ثانياً - التنصيص دستورياً على منع إقامة المحاكم الاستثنائية، وعدم جواز محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري الذي يتوجب تحديد اختصاصاته بوضوح في الدستور الجديد بما يضمن حصرها بمحاكمة العسكر مع ضمان شروط المحاكمة العادلة لهم. ويجب التنصيص على تفاصيل تطبيق حالة الطوارئ، وأية إجراءات استثنائية أخرى بما يضمن تناسبها مع الظروف الطارئة، وأيضاً إشراك السلطات التشريعية، والقضائية بضمان اتّساق مضمونها مع مقتضيات دولة القانون، ومعايير القانون الدولي لحقوق الإنسان.

 

ثالثاُ - التنصيص على آليات دستورية فعّالة لمراقبة أداء الأجهزة الأمنية، وضمان محاسبتها عن الانتهاكات، فضلاً عن تفعيل دور المحكمة الدستورية، وإعادة هيكلة الجهاز القضائي، وضمان استقلاليته وحياديته ونزاهته بما يُتيح أيضاً النظر بكافة القوانين ومشاريع القوانين غير الدستورية، ولاسيّما منها المكرّسة لحصانة الأجهزة الأمنية، وصلاحياتها وامتيازاتها غير المألوفة في دولة القانون، وإلغاء أو تعديل جميع هذه التشريعات، وجميع أشكال المحاكم الاستثنائية.

 

رابعاً - التنصيص دستورياً على مبدأ حياديّة الجيش وأجهزة الأمن، وحصر مهامهم ووظائفهم بحسب القواعد المعمول بها بمقتضى دولة القانون، وهذا ما سيتطلب إعادة بناء القوات المسلَّحة بشكل مهنيّ، وحلّ الأجهزة الأمنية قبل دمجها في جهازين يضمن أحدهما الأمن الداخلي للمواطنين بينما يختصّ الآخر بالاستخبارات العسكريّة، ومكافحة التجسس. ويتوجّب في هذا الإطار إلغاء الطائفية، وكافة أشكال التمييز والتحزّب السياسي في القطاع الأمني، والفصل الواضح بين المهام المنوطة بكل منهم، وضمان إخضاعهم لسلطة مدنية.

 

خامساً -  تعزيز احترام بنود الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، ولاسيّما من خلال الإقرار دستورياً بسُمُوِّ القانون الدوليّ على القانون الداخليّ في حال التعارض، فضلاً عن ضمان الانفتاح الكامل على الآليات الأممية المتعلقة باحترام حقوق الإنسان كقبول اختصاص كل من لجنة حقوق الإنسان، ولجنة مناهضة التعذيب في تلقي الشكاوى الفردية، وأيضاً المصادقة على جميع الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، لاسيما الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري.

 

سادساً -  اتخاذ الإجراءات الكفيلة، بما فيها الدورات التدريبية والتثقيفية، من أجل التوعية بمعايير حقوق الإنسان في القطاع الأمني، وبمهامه الوظيفية المتمثلة بزرع الطمأنينة في نفوس المواطنين، وضمان حرياتھم وحقوقهم، وتعزيز دور واستقلالية مؤسسات المجتمع المدني، وإشراكها بالبرامج التثقيفية والرقابية في مجال تطبيق السياسة الأمنية.

 

تنويه: هذا المقال هو الجزء الرابع والأخير من سلسلة مقالات نشرتها مجلّة (صُوَر) تباعاً من دراسة أعدّها الدكتور نائل جرجس لصالح المنظمة العربية للقانون الدستوريّ. 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard