info@suwar-magazine.org

كورونا يهدّد الاقتصاد المحليّ في كوباني

كورونا يهدّد الاقتصاد المحليّ في كوباني
Whatsapp
Facebook Share

 

المنشآت الصّغيرة والعمال المياومة الأكثر تضرّراً

قد ننجو من المرض ولكن سيفتك بنا الجوع إذا استمرّ الحظر

توقّفت 46 شركةً تجاريّةً، كما توقّف نشاط نحو 500 تاجرٍ 

 

يجلس أبو وليد مع عائلته المؤلّفة من 9 أفرادٍ أمام منزله الكائن في المنطقة الجنوبيّة من مدينة كوباني، بينما زوجته تحضّر طعام الإفطار على "الليزر الكهربائيّ" وهو جهازٌ لطهي الطّعام، يُستخدم بدلاً من الغاز داخل مطبخها الصّغير الّذي يخلو من الأثاث وحتّى من الباب.

 

قبل شهرٍ ونصف كان أبو وليد يعمل في ورشة صناعة البلاط والرّخام في أطراف المدينة، بأجرٍ يوميٍّ ما يعادل 4 دولاراتٍ، يكفيه وعائلته تأمين حاجياتهم اليوميّة، لكنّه يعاني اليوم بسبب توقّفه عن العمل من تأمين تلك الحاجيات الأساسيّة لأسرته من مأكلٍ ومشربٍ، فهو يحاول فقط أن يحافظ على ما تبقى من مدّخراته لشراء الخبز والبرغل والرّز، يقول أبو وليد " الخضار واللّحوم بات من المستحيل إدخالها إلى المنزل".

 

حال منطقة كوباني ليس أفضل من باقي المناطق الّتي تديرها الإدارة الذّاتيّة، في شمال شرق سوريا، فخلال شهرٍ من حظر التّجوال وإغلاق المداخل والمخارج وتوقّف الحركة الاقتصاديّة، وصل الحال بالسّكّان إلى انهيار القدرة الشّرائيّة لديها، وخاصّةً لدى طبقة العمالة اليوميّة والمهن البسيطة الّتي يكون دخلها يوميّ.

 

يشتكي أبو وليد حظر التّجوال المفروض في المنطقة خوفاً من انتشار مرض كورونا كحال أغلب العمال الّذين يعملون خارج المدن حيث حواجز قوى الأمن الدّاخليّ في مداخل ومخارج المدينة، تمنع الخروج والدّخول، من صعوبات الوصول إلى أماكن العمل مع الإغلاق المصاحب للحظر، ويقول أبو وليد: "ربّما تتصرّف الإدارة بعقلانيّةٍ فهي تحارب من أجل الوقاية من المرض، ولكن إن استمرّ الحال هكذا دون إيجاد حلولٍ، بالتأكيد سننجو من المرض ولكن سيفتك بنا الجوع"

 

بادرت الإدارة الذّاتيّة في شمال شرق سوريا بإرسال 1000 سلّةٍ غذائيّةٍ للتوزيع على سكّان إقليم الفرات الّتي تضمّ منطقة كوباني، ناحية صرين، ناحية قناية، ناحية جلبية، ناحية شيران، ناحية عين عيسى بالإضافة إلى ريف منطقة تلّ أبيض، وأضافت عليها هيئة الشّؤون الاجتماعيّة والعمل 700 سلّةٍ، وتمّ توزيعها على جميع المناطق على الأسر الأكثر فقراً وحاجةً، بحسب ما أكّدت هيلين حاجم رئيسة الهيئة المذكورة.

 

يقول الخبير الاقتصاديّ جلنك عمر لـ مجلّة صورٍ "إنّ اتّخاذ الإدارة قراراً بتقديم المساعدة والسّلل الغذائيّة للفئات الفقيرة والمحتاجة في المنطقة هو إجراءٌ غير كافٍ رغم أهمّيّته" ويعتقد عمر، إن ذلك سيشكّل عبئاً على الإدارة نفسها في حال استمرّ هذا الحظر، نتيجة محدوديّة مواردها، ويضيف عمر" يمكن اللّجوء إلى الإجراءات والحلول البديلة إضافة إلى تقديم هذه المساعدات المباشرة، وتقديم الدّعم غير المباشر من أجل تخفيف هذا العبء والآثار الاقتصاديّة السّلبيّة".

 

ويوضّح عمر، إن زيادة الرّقابة على الموادّ التّموينيّة من أجل كبح ارتفاع الأسعار ومنع الاحتكار من قبل بعض التّجار خاصّة الموادّ التّموينيّة الأساسيّة، بالإضافة إلى منح إعفاءات من الضّرائب والرّسوم لهذه السّلع، سيساعد على خفض أسعارها وبالتّالي يستفيد منها عموم المجتمع، وليس فقط هذه الفئات الفقيرة أو المحتاجة.

 

يشير عمر وفي إطار الحلول الإضافية من أجل تخفيف العبء الاقتصاديّ إلى أن المنطقة غنيّةٌ وتحتوي على المحروقات والبيئة الخصبة للزراعة، وموارد المياه واليد العاملة، هذه الموارد كلّها تمكّن المنطقة من "القيام بأعباء وتأمين حالة من الاكتفاء الذّاتيّ كي لا تضطّر من الاستيراد من الخارج لا سيّما مع انخفاض اللّيرة السّوريّة، ونتيجة القيود المفروضة على الحركة التّجاريّة والتّنقل وربّما في الفترة القادمة سيكون من الصّعب استيراد هذه الموادّ من الخارج".

 

يرى عمر إنّه من الواجب على الإدارة الذّاتيّة، والمجتمع المدنيّ في هذه المنطقة العمل على تقوية حالة الاكتفاء الذّاتيّ كي لا يضطّروا إلى الاستيراد من الخارج وبطبيعة الحال عندما يكون الإنتاج محليّاً يكون بتكاليف منخفضةٍ، "هذا الإجراء سيمكّن من تشغيل اليد العاملة والمنطقة في حالة حمايةٍ إذا لم يصلنا الفيروس من الخارج،  واتّخاذ إجراءاتٍ وقائيّةٍ أكثر كالتّباعد الاجتماعيّ، ويمكن البدء بفتحٍ تدريجيٍّ للمشروعات الزّراعيّة وتشجيع العمل الرّيفيّ وتوجيه العمال نتيجة إغلاق العمل في الأرياف في المشاريع الزّراعيّة فسيستطيعون تأمين قوت يومهم وبالتّالي يساعدون في تنشيط الزّراعة ليس فقط المحصول الاستراتيجي (القمح) إنما كلّ محاصيل الخضار الموسميّة الّتي تحتاجها الأسواق في هذه المنطقة وسيكون له أثرٌ إيجابيٌّ من ناحيتين خفض الأسعار وتأمين احتياجات المنطقة داخليّاً.

 

اقرأ أيضاً:

 

أزمة مستعصية.. خبز السّوريين فسادٌ وتجويعٌ على البطاقة الذّكيّة

 

بلغ عدد الفقراء والمحتاجين في مدينة كوباني وريفها بحسب إحصائيّة لهيئة العمل والشّؤون الاجتماعيّة في أقليم الفرات في العام الماضي 5000 عائلةٍ، ومع توقّف العمل وحركة النّشاط الاقتصاديّ، من المتوقّع أن يتضاعف عدد المحتاجين، ولكن بالرّغم من محاولة معدّ التّحقيق معرفة عدد العمالة اليوميّة في المنطقة، إلّا أنّنا لم نتمكّن من ذلك بسبب إغلاق المؤسّسة المعنيّة، والّتي يطلق عليها اسم "اتّحاد الكادحين" وهي مؤسّسةٌ مدنيّةٌ تتبع لحركة المجتمع الدّيمقراطي تفّ - دم.

 

بسبب إجراءات الحظر المفروضة على المنطقة توقّفت 46 شركةً تجاريّةً، كما توقّف نشاط نحو 500 تاجرٍ مسجّلٍ لدى غرفة الصّناعة والتّجارة في إقليم الفرات، بالإضافة إلى خمسة معاملٍ للبلاستيك ومصنعٍ للحديد ومعملٍ لصناعة التّيل والشّباك الحديديّة، بالإضافة إلى 10 ورشاتٍ ومعاملٍ لصناعة الألبسة، بينما استمرّت معامل الألبان والأجبان في العمل مع التّأكيد على استخدام وسائل الوقاية من المرض، بحسب ما أكّده رئيس غرفة الصّناعة والتّجارة في أقليم الفرات عثمان فرج.

 

ويبيّن فرج لـ مجلّة صورٍ أن عدد العمال في هذه المصانع والمعامل نحو 1000 عاملٍ وموظفٍ، وبتوقّفهم عن العمل بات هؤلاء العمال دون دخلٍ، ناهيك عن توقّف الإنتاج والاستيراد والتّصدير.

 

شيرو ميرال وهو صاحب ماركة ميرال لصناعة الألبسة، يعمل لديه نحو 45 عاملاً، في ورشته في قبو بنايةٍ بالطّرف الغربيّ من مدينة كوباني، يوضّح لـ "صور" إنه تعرّض لخسارةٍ كبيرةٍ في هذا الموسم، ونتيجة إغلاق طريق الاستيراد والتّصدير توقّف إنتاجه بشكلٍ كلّيٍ، فالملبوسات الّتي صنعها لفصل الصّيف خلال الشّتاء، لم يتمكّن من إرسالها إلى زبائنه في مناطق الدّاخل السّوريّ.

 

يقول شيرو "معملي أولاً خسر زبائنه، لأن الزّبائن توجّهت إلى ماركاتٍ أخرى لسدّ احتياجاتها من الألبسة الصّيفيّة، ثانياً بقي الإنتاج مكّدساً في المستودع، ولأن الطّرق مغلقة لن أتمكن من استيراد الأقمشة لصناعة ألبسةٍ شتويّةٍ".

 

شيرو أوضح إنه إلى الآن يحاول أن يبقي على عماله وموظفيه بدفع مبلغٍ زهيدٍ لهم كلّ أسبوعٍ، ولكن إن استمرّ الحظر ولم يجد أيّ حلولٍ سيضطّر إلى إغلاق معمله وتسريح الموظفين والعمال.

 

عثمان فرج رئيس غرفة التّجارة والصّناعة في إقليم الفرات، وضّح لـ مجلّة صورٍ إنّهم في محاولة لتسيير بعض الأعمال والتّقليل من الضّرر، قرّروا إعطاء بعض الصّناعيين والمحلاّت الصّناعيّة، من أجل تصليح الآليات الزّراعيّة والحصادات، وللحدّ من خطر كورونا سمحوا لمحلاّت الصّناعة أن يعملوا من السّاعة السّادسة مساءً إلى الخامسة صباحاً.. "إغلاق الشّركات والمصانع أضرّ كثيراً بالاقتصاد المحليّ، وإن توقّفت الزّراعة ستحلّ كارثةٌ اقتصاديّةٌ بالتّأكيد، فالمنطقة تعتاش على الزّراعة بالدّرجة الأولى"

 

فرج أكّد على أنه سيسمح في الأيام القادمة لكافّة الحرفيين والمهنيين والصّناعيين بمزاولة مهنهم، ولكن ستبقى التّجارة مع الدّاخل السّوريّ وإقليم الجزيرة مغلقاً إلى أن تخلو المنطقة من المرض، وسيتمكّن التّجار والمعامل من استيراد بضاعةٍ من مدينتي منبج والرّقة فقط.

 

مصطفى خليل وهو صاحب شركة سوز للعقارات والتّعهدات العامّة، وحاصلٌ على إجازةٍ في الاقتصاد من جامعة حلب، ويغطي نشاطه مدينة كوباني وحلب، أشار إلى أن توقّفهم عن الأنشطة التّجاريّة والعمرانيّة سبّب لهم خساراتٍ ضخمةٍ حتّى في الرّأسمال، وتأخرٍ في إنجاز بعض الأعمال وتسليمه للزبائن في الوقت المحدّد بسبب إغلاق الطّرقات والنّقص في الموادّ.

 

ويقول خليل " مدينة كوباني تعتمد في اقتصادها على المشاريع الصّغيرة والمتوسطة ولا توجد في المدينة معاملٌ كبيرةٌ، وأغلب العمال يعملون في قطاع البناء، إذ إنه يعمل في بناء كلّ بنايةٍ نحو 50 عاملاً، وهذا العمل هو مصدر دخل لـ 50 عائلةً، فمع توقّف قطاع البناء على سبيل المثال توقّف معه عن العمل الآلاف من العمال والمهندسين والفنيين.

 

وأشار خليل إنّ كلّ القطاعات الاقتصاديّة مرتبطةٌ ببعضها البعض، فتوقّف قطاع البناء يؤثّر على قطاع التّجارة، فالصّناعة، فالزّراعة، لأنّ ذلك يقلّل من دخل الفرد والعائلة، والاقتصاد يدور في فلكٍ واحدٍ وكلّ المجالاتٍ مرتبطةٌ ببعضها ضمن سلسلةٍ واحدةٍ وكلّ القطاعات تدعم بعضها، فالصّناعيّ لا يمكنه شراء بيتٍ إن توقّف عمله وهكذا...

 

يتوقّع خليل في حال استمرار أزمة كورونا في المنطقة وبقي الحظر مستمرّاً، ستنتشر المجاعة بين عشرات الآلاف من عمال اليوميات، وستختفي الطّبقة المتوسطة في المجتمع.

 

 ويرى خليل إنه يجب على الإدارة إيجاد حلّ للأزمة الاقتصاديّة، مع الاستمرار في الوقاية من كوفيد 19، ويتّفق مع زميله جلنك عمر على أن تخفّف الإدارة من الضّرائب، ويضيف يجب أن يعيد النّشاط الاقتصاديّ للمنطقة وتفتح الشّركات والمصانع وتساهم الإدارة في فتح طرقاتٍ لجلب الموادّ الأساسيّة للصناعة والبناء، بالإضافة إلى تشجيع قطاع الزّراعة من خلال رفع سعر شراء المحاصيل الزّراعيّة ومنح المزارعين السّماد والبذار بسعرٍ أخفض ممّا عليه الآن.

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard