المرأة السّوريّة أوّل من حصلتْ على حقّ الانتخاب.. ما زال حضورها السّياسيّ ضعيفاً
النّشاط النّسويّ حمل كلَّ عِلل وسيئاتِ النّشاطِ السّياسيّ
أقلُّ من 30% نسبة مشاركة النّساء في اللّجنة الدّستوريّة
مشاركة تزيينيّة وليست حقيقية تفرضُها ضرورة تمثيلِها كنسبة مئوية!
كيف يقيّم السّوريّون دور المرأة في الحياة السّياسيّة عموماً، ودورها في تشكيل اللّجنة الدّستوريّة خصوصاً؟
هنالك نسبةٌ لا بأس بها ممّن قالوا لنا: إنّه لا يعنيهم كلّ أمر اجتماعات اللّجنة الدّستوريّة، سواءً بمشاركة كادرٍ نسائيٍّ أو دونه، وهنالك أيضاً من يرى أنّ تمثيل النّساء يندرج ضمن الإطار الشّكليّ فقط، كحال الاهتمام بالتّلوين الطّائفيّ في الكثير من القضايا والوظائف العليا بغض النّظر عن فاعلية الأشخاص.
النّاشطة في حقوق النّساء سوسن زكزك، تأسف لعدم توافر البيئة الدّاعمة لمشاركة النساء في الحياة السّوريّة العامّة، ومنها المشاركة السّياسيّة، رغم أنّها أوّل من حصلت على حقّ الانتخاب في المنطقة منذ عام 1949، وتؤكّد زكزك، أنّ نسبة النّساء في مجلس الشّعب الجديد أقلّ من 12%، وأنّه لا يوجد أيّ امرأةٍ تَشْغَلُ منصب محافظٍ، كما تنخفض نسبة تمثيل النّساء في مجالس الإدارة المحلّيّة لأقلّ من 5% في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السّوريّة، أما في مناطق المعارضة فلا تتعدّى 2% فقط.
في حين يعدّ المترجم عبد الله ف. أنّ "النّشاط النّسويّ يحمل كلّ علل وسيئات النّشاط السّياسيّ وأكثر، فهنالك تنظيماتٌ وتجمعاتٌ وجمعياتٌ تحمل اسم العمل المدنيّ، والنّسويّ تحديداً، ولكنها؛ في الحقيقة تعمل ببرامج سياسيّةٍ، وهي تجمعاتٌ متشظّيةٌ ومنقسمةٌ جميعها، وفيها الكثير من الأمراض".
أما أستاذ العلوم السّياسيّة د. أيمن إبراهيم، فيرى إنّه في ظلّ وجود ثقافةٍ ذكوريّةٍ تصبح مشاركة المرأة إلى حدٍّ كبيرٍ تزيينيّةً وليست حقيقيةً، ولا تفرضها في كثير من الأحيان إمكانياتها الحقيقة، بل ضرورة تمثيلها كنسبةٍ مئويةٍ، وذلك بسبب انكفاء كثير ممّن لديهنّ الإمكانيات عن التّمثيل لأسبابٍ اجتماعيّةٍ وثقافيّةٍ وأيديولوجيّةٍ ودينيّةٍ وغيرها، وهذا ينطبق على كافّة تشكيلات المجتمع السّوريّ في سلطاتها التّنفيذيّة والتّشريعيّة والقضائيّة وفي أحزابها ونقاباتها ومجالسها و....الخ.
المرأة والدّستور
عن مشاركة المرأة في اجتماعات اللّجنة الدّستوريّة لوضع دستورٍ للبلاد، تضيف زكزك: "إنّ للنساء 12 مقعدًا في قائمة الوفد المدعوم من الحكومة السّوريّة، وستة مقاعدٍ في قائمة هيئة التّفاوض، و19 مقعدًا في قائمة المجتمع المدنيّ، وبالتّالي لم تصل النّسبة إلى 30%، وهو الحدّ الأدنى الذي نطمح إليه كحركةٍ نسويّةٍ".
وترى أنّ الحركة النّسويّة السّوريّة؛ كانت من أوائل من اقترح مجموعةً من المبادئ المؤسّسة للدستور، وعملت للترويج لها، انطلاقاً من الحاجة الماسّة لوجود دستورٍ حسّاسٍ لقضايا المساواة الجندريّة، وهم يعتقدون أنّ هنالك حاجةً لوجود نصوصٍ دستوريّةٍ تنصّ على المساواة التّامّة بين الرّجال والنّساء، وتجرّم العنف والتّمييز ضدّهنّ وتضمن علمانية الدّولة ..... الخ.
لذلك تعتقد أنّ المواطنين، نساءً ورجالاً، يجب أن يشاركوا بصناعة الدّستور عبر التّأثير على عضوات وأعضاء اللّجنة الدّستوريّة لتبني هذه النّصوص، ومن هنا تنبع أهمّيّة إثارة النّقاش العامّ للتوعية بالموادّ الدّستوريّة التي تضمن حقوق النّساء الإنسانيّة. وأنّه على الرّغم من وجود سيّدةٍ تَشغَلُ موقع نائب رئيس الجمهورية - د. نجاح العطار- إلّا أنّ هذا التّواجد لم ينعكس على تواجد النّساء السّوريّات في بقية مواقع صنع القرار، أو حتّى في مستويات المشاركة السّياسيّة. إنّ التّقرير الوطنيّ الأول للسكّان (2008-2009) أطلق على هذا الأمر صفة التّمثيل السّاكن للمرأة، لأنه لا يعكس تمكيناً حقيقياً للنساء السّوريّات عامّةً.
لا الرّجال ولا النّساء
وعن دور المرأة في اللّجنة الدّستوريّة، تابع المترجم عبد الله. قائلاً بأنّ ما سمعه "لا يُبشر بالخير، لا من حيث مشاركة الرّجال ولا من حيث مشاركة النّساء، فكلاهما مشاركتهما الفعليّة ضعيفةٌ وشكليّةٌ، بينما اللّاعبون الأساسيّون أو اللاعبون الكبار هم من سيقرّرون كلّ شيءٍ". وهو يعتقد أنّ "النّشاط السّياسيّ عموماً فيه الكثير من الأمراض والعلل الشّلليّة والارتباطات الخارجيّة أو الارتزاق، وغياب الهمّ الوطنيّ الحقيقي ومحسوبيات وطغيان الأيديولوجيا على التّفكير، إضافةً إلى ذلك تكاد تنعدم الشّفافيّة بين هذه التّجمعات بشقيها الرّجاليّ والنّسائيّ، ما يجعل العمل نوعاً من الضّرب بالمندل".
ويضيف عبد الله أنّه لا يعرف "إذا كانت النّساء اللواتي شاركن في "سوتشي" مثلاً، قد جرى اختيارهنّ لتميّزهنّ وفهمهنّ أو لانشغالهنّ بالهمّ السّياسيّ، أم ذهبن باعتبار ذلك فرصةً للسياحة؟ والحال ذاتها مع النّساء المنخرطات في أطرٍ مدعومةٍ من السّعودية أو غيرها من الدّول، هل جاءت مشاركتهنّ نتيجة قناعاتٍ فعليّةٍ ووعيٍ للدور الذي يقمن به، أم لأسبابٍ أخرى، ليس أقلّها المال؟" ويعتقد عبد الله. أنّ "النّساء اللواتي يمثّلن التّيار الإسلاميّ وحاملات المشروع الليبراليّ/الأمريكيّ هنّ الأكثر وعياً لدورهنّ وهدفهنّ، لأنّ هذا الصّنف الأخير من النّساء يمثّل تياراً لديه مشروعٌ متكاملٌ منسجمٌ داخليّاً، وله داعمون في الدّاخل والخارج. بغضّ النّظر عن الرّأي فيهنّ أو في المشروع. وهذا التّيار يَعرِفُ كيف يستخدم كلّ القوى والأطراف لمصلحته، بينما التّيارات الأخرى مشتّتةٌ ومجزّأةٌ وليست منسجمةً. وربّما تفتقر للمشروع الواضح، بعكس الإسلاميّين والإسلاميّات الذين لا يتنازلون عن أمورٍ أساسيّةٍ لديهم رغم ما يتمتّعون به من براغماتية".
أما التّيار الليبراليّ/الأمريكيّ، كما يقول عبد الله.، "فلديه مشروعٌ هو الرّؤية الأمريكيّة للمنطقة، وهي رؤيةٌ متكاملةٌ سياسيّاً واقتصاديّاً واجتماعيّاً وقانونيّاً، وتأتي قوّته من الدّعم والتّرويج الأمريكيّ له". أما على الجانب الحكوميّ، فيرى عبد الله. أنّ "الطّرف الحكوميّ السّوريّ يتّسم بالجمود وعدم التقاط المتغيرات وعدم الانفتاح على القوى والأصوات الحيّة المعنية بمصلحة الشّعب برمته".
سِمةٌ عامّةٌ
تتشابه الآراء بين المستطلعين عموماً، المراسل الصّحفي محمد علي يرى أن دور المرأة في دول العالم كافّة؛ هو أقلّ من دور الرّجل في الكثير من النّواحي، فكيف الحال في بلدان العالم الثّالث، ويصف هذا الدّور بالمهمّش والضّعيف، خاصّةً مع الحروب وانتشار الفساد. يضيف عليٌّ أنّ الظّروف القاسية التي تمرّ بها سورية تسبّبت في تراجعٍ إضافيٍ لدور المرأة وحضورها السّياسيّ، ويأمل ألّا يؤثّر هذا الحال على صياغة الدّستور الجديد، خاصّةً مع الاختلاف الكبير بين الأطراف المجتمعة.
لا يعكس الواقع
في حين يعتقد الدّكتور في العلوم السّياسيّة أيمن إبراهيم؛ أن تمثيل المرأة في اللّجنة الدّستوريّة، لا يعكس في بعضه إمكانيات المرأة السّوريّة الثّقافيّة، وإن كان يُعطي انطباعاً أوّليّاً عنه؛ بسبب تقدّم عدد النّساء في وفد المجتمع المدنيّ، وفي وفد الدّولة السّوريّة، وتراجعه في وفد المعارضة ليكون محدوداً جداً لأسبابٍ أيديولوجيّةٍ واجتماعيّةٍ وثقافيّةٍ، ويعتقد أنّ المرأة تظلم نفسها عندما تطالب بالمساواة مع الرّجل، وتظلمها الدّولة عندما يُنظر لها كحصّةٍ تمثيليّةٍ، ويظلمها الرّجل والمجتمع عندما يتركاها تلهث لملء فراغات التّقصير الخدميّ، وهو ما يفرض تراجعاً على كافّة المستويات في الدّولة والمجتمع. ويعتقد أيضاً أنّ أكثر ما يظلم المرأة في مجتمعاتنا هو المرأة ذاتها، لأنّها، ببساطةٍ، ثقافةٌ نفتقدها، ولأنّها موروثٌ دينيٌّ وثقافيٌّ واجتماعيٌّ.
ويرى أنّ هناك فرقاً بين حقوق المرأة وبين المساواة بين الرّجل والمرأة، فالرّجل ذكرٌ والمرأة أنثىً، وهذا ينعكس على دور كلٍّ منهما في الحياة، دون أن يعني تفوّق أحدهما على الآخر، ويعتقد أنّ تقدّم دور الرّجل على دور المرأة عبر التّاريخ، وفي كافّة المجتمعات دون استثناءٍ، كان نتيجةً لتفاوت دورهما بسبب التّحدّيات المجتمعيّة النّاتجة عن طبيعة الحياة والموروث الثّقافيّ، دون أن يعني ذلك تقدّم دور الرّجل على دور المرأة. وأنه لا زال حضور الرّجل متقدّماً على حضور المرأة في أكثر المجتمعات تقدّماً واحتراماً لحقوق المرأة والإنسان بسبب طبيعة المرأة وبنيتها الفيزيولوجيّة ودورها كأمٍّ بشكلٍ أساسيٍّ، وكزوجةٍ وابنةٍ، وأنه حتّى في الدّول الإسكندنافيّة التي تسجّل أعلى مستوىً للمساواة بين الجنسين تتقاضى النّساء راتباً أقلّ من الذّكور، ويتّسع الفارق في دورهما في دول العالم الثّالث، حيث تقلّ واجبات المجتمع، وتزيد مساحة الفكر الذّكوريّ والعادات والتّقاليد الموروثة، فتكبر مسؤوليّات المرأة وتزيد تضحياتها لملء الفراغ الحاصل.
اقرأ أيضاً:
مجلة صُوَر تحاور عضو هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة السوريّة أليس مفرج
عوامل عدّة
تحدّد النّاشطة في حقوق النّساء زكزك مجموعةً من المعيقات التي تجعل حضور المرأة ضعيفاً، وترى أن في مقدّمة تلك المعيقات:
* يُعدّ العمل ضمن الجمعيات المدنيّة بوابةَ المشاركة في الحياة العامّة، وفي سوريا لا يوجد قانونٌ عصريٌّ للجمعيات يُبيح حرّيّة التّشكيل والعمل ويعتمد الرّقابة اللّاحقة، فما يزال القانون المعمول به هو قانون عام 1958، والذي يربط تشكيل الجمعيات بالموافقات الأمنيّة، كما يسمح للوزارة بالهيمنة على عمل الجمعيات. وهذا كلّه يجعل عمل الجمعيات عملاً ضيّقاً ومحصوراً بأعدادٍ قليلةٍ من المواطنين والمواطنات، وغير مشجّعٍ على انخراط النّساء فيه.
* ضعف الحياة الحزبيّة في سوريا، فقانون الأحزاب ليس قانوناً ديمقراطيّاً، ويربط الموافقة على إنشاء أيّ حزبٍ بموافقة الحزب الحاكم في البلاد، كما أنّ العمل الحزبيّ مراقبٌ من قبل الأجهزة الأمنيّة، وهذا ما يخلق بيئةً غير آمنةٍ لانخراط النّساء في أحزابٍ غير الحزب الحاكم.
* لا يوجد في قانون الانتخاب أو في قانون الأحزاب أو قانون الجمعيات أيّ نصٍّ يضمن حصّةً للنساء في قوائم التّرشيحات أو في مواقع صنع القرار، وتُترك النّساء وحيداتٍ في غمار معارك انتخابيّةٍ غير عادلةٍ بسبب هيمنة الرّجال على الفضاء العامّ.
* البنية المجتمعيّة المنحازة للرجال والتّضييق على حرّيّة المرأة خاصّة في المشاركة في الحياة العامّة.
* الافتقار لوجود إرادةٍ سياسيّةٍ حقيقيةٍ وإحداث تغييرٍ نوعيٍ في مشاركة النّساء في الحياة العامّة والسّياسيّة.