info@suwar-magazine.org

انعدامُ الحرّيّاتِ السّياسيّةِ وسوءُ الأوضاعِ الاقتصاديّةِ في سوريا يبعدُ الشّبابَ عن السّياسةِ

انعدامُ الحرّيّاتِ السّياسيّةِ وسوءُ الأوضاعِ الاقتصاديّةِ في سوريا يبعدُ الشّبابَ عن السّياسةِ
Whatsapp
Facebook Share

 

الدّورُ السّياسيُّ للشبابِ السّوريِّ شبهُ معدومٍ داخلَ سوريا وخارجها

تهميشُ الشّبابِ والأيديولوجيّة التّقليديّة تحكمُ الموقفَ في شمالِ سوريا

جيلٌ مُنهمِكٌ بالبحثِ عن رغيفِ الخبزِ.. بعدَ تحوّلِ الأساسيّاتِ إلى كماليّاتٍ

القادةُ يعتقدونَ أنّهم السّياسيّونَ، وأصحابُ القرارِ، والخبراءُ الوحيدونَ

زعماءُ المعارضةِ يُقصونَ الجميعَ، وليسَ فقط الشّبابُ، ويصادرونَ الآراءَ

 

 

فريق صور

 

يقول كوفي عنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة "المجتمع الذي يقطع نفسه عن الشباب يقطع نفسه عن ما يمدّه بالحياة؛ ويكون مكتوباً عليه أن ينزف حتى الموت".

 

اتّسم إشراك الشّباب في العمليّات السّياسيّة على المستوى العالميّ بأهمّيّةٍ كبيرةٍ، وفي المنطقة العربيّة بيّنت الانتفاضات الشّعبيّة الّتي جرت في الدّول العربيّة، والّتي عُرِفت بانتفاضات الرّبيع العربيّ أهمّيّة مشاركة الشّباب في السّياسة وصناعة القرارات في تلك  البلدان ومدى خطورة تهميشهم، وما يمكن أن يترتّب عليه من شعورٍ بالاحباط وما قد ينشأ عنه من نزاعاتٍ وحروبٍ أهليّةٍ.

 

والواقع في سوريا لا يختلف عن مثيلاتها في البلدان العربيّة، حيث كان حراك عام 2011 مساحةً  للشباب ليخرجوا ويعلنوا عن أفكارهم وتوجّهاتهم السّياسيّة، وعدم قبولهم لاحتكار المجال العامّ والمجال السّياسيّ من قبل حزب البعث، ونخبةٍ من السّياسيّين تصدّروا المشهد السّياسيّ في سوريا لعقود من الزّمن.

 

 استخدام النّظام السّوريّ العنف ضدّ المتظاهرين الشّباب إلى أن تحوّل ذلك الحراك السّلميّ إلى حربٍ أهليّةٍ، أدخلت البلاد في دوامة العنف غير المنتهية،  وبعد مضي أكثر من 9 سنواتٍ لا زال المشهد السّياسيّ يكرّر نفسه فالوجوه والأسماء ذاتها وقلّةٌ قليلةٌ من الشّباب ممّن استطاعوا أخذ مكانٍ لهم، وإثبات ذاتهم والمشاركة في الحياة السّياسيّة.

 

مجلّة صور استطلعت آراء النّاس في خمس محافظاتٍ سوريّةٍ، وهي دمشق، وحلب وحماة وإدلب، والحسكة، كعيّنةٍ عشوائيّةٍ تعكس جزءاً من آراء المجتمع السّوريّ حول مشاركة الشّباب في الحياة السّياسيّة، وذلك من خلال المقابلات المباشرة لفريق صور، مع العيّنة المستطلعة آرائهم، حيث شمل الاستطلاع 41 شخصاً شاركت فيه 8 نساءٍ و33 شاباً، تراوحت أعمارهم بين 22 سنةً حتّى 42 سنةً. وكانت الآراء كالآتي بعد أن اتّفق جميع من استطلعت صور آراءهم على وجود ضعفٍ في مشاركة الشّباب في الحياة السّياسيّة:

 

أسباب ضعف مشاركة الشّباب السّياسيّة

 

يرى محمد أيوب (اسمٌ مستعارٌ) 28 سنةً، من إدلب، يعمل في مجال الإغاثة، أنّ العوائق التي تقف في وجه فئة الشّباب وتمنعهم من المشاركة السّياسيّة كثيرةٌ منها العوائق الأمنيّة، تتعلّق بوجود جهاتٍ ذات طابعٍ  أيديولوجيٍّ تسيطر ولا تقبل أيّ فكرٍ آخر أو نقد، ولن تتقبّل وجود حزبٍ سياسيٍّ مخالفٍ، وأخرى معيشيّةٍ، ترتبط بالواقع الاقتصاديّ للشباب، حيث يشكّل ضغطاً عليهم، كما أنّ هناك أسباباً فكريّةً تتمثّل في أنّ معظم الشّباب المثقّف ليس لديهم فكرةٌ عن كيفية ممارسة السّياسة أساساً، بالإضافة إلى عدم وجود بيئةٍ سياسيّةٍ في سوريا منذ عقودٍ بحسب تعبيره.

 

بينما تعزو فاطمة وهي طالبةٌ جامعيّةٌ من حماه ( 22 سنة)  ابتعاد الشّباب عن السّياسة  إلى إهمال وجود الشّباب أساساً، وتجاهل آرائهم وعدم تسليط الضّوء عليهم وعلى احتياجاتهم، وذلك يفقدهم حماسهم واندفاعهم للمشاركة بالإضافة إلى افتقادهم لوجود الحاضنة. ويتّفق أنس( 22 سنة) من إدلب ويعمل في إحدى منظّمات المجتمع المدنيّ مع ما ذهب إليه كلٌّ من محمد وفاطمة ويضيف إلى ذلك "انشغال الشّباب في تأمين لقمة العيش".

 

من جانبها ترى لينا (33 سنةً) من حلب، وتعمل كمدرّسة بأنّ أهمّ عائقٍ هو الخوف من وعي الشّباب من قبل بعض الجهات الّتي لها مصلحةٌ ببقاء الفوضى على وضعها الرّاهن. وتقول "أظنّ أنّ للشباب رغبةً قويّةّ للاطّلاع على العمل السّياسيّ، وخاصّةً في الوقت الحاليّ بسبب الأوضاع الصّعبة التي تمرّ بها المنطقة، وثورة الوعي لكلّ ما يحيط بنا".

 

 

 

احتكار الفضاء السّياسيّ من قبل الجيل القديم

 

يرى البعض أنّ المجال السّياسيّ تمّ احتكاره من قبل طبقةٍ سياسيّةٍ، ولا تزال تتحكّم بالنّشاط السّياسيّ ما يجعل الأبواب أمام الشّباب، ويبعدهم عن المجال السّياسيّ هذا ما اتّفق عليه كلٌّ من عمر من حماه وأحمد ( 22 سنة) من إدلب حيث يرى الشابّان؛  أنّ هناك قوىً مهيمنةً على المجال السّياسيّ والنّشاط السّياسيّ، ويعتقدان أنّ " الجيل القديم من السّياسيّين " بحسب تعبيرهم يعيق الشّباب من المشاركة السّياسيّة، ويؤيّد ذلك عبدالله ( 28 سنةً ) يعمل في منظّمة مجتمعٍ مدنيٍّ في إدلب يقول عبدالله:"نسبة المشاركة تكاد تكون معدومةً، ففي أغلب التّجمّعات السّياسيّة تجد أن أصغر مشاركٍ عمره 50 سنةً".

 

لكن الدّكتورة سامية ( 30 سنةً) طبيبةٌ نسائيّةٌ، تعمل في إدلب، لها رأيٌ مغايرٌ،  فترى أنّ الشّباب يبتعدون عن السّياسيّة عندما لا يحصلون على الفرص المناسبة التي تمكنهم من المساهمة في صنع القرارات السّياسيّة، تقول سامية: "يتمّ استبعادهم بسبب طروحاتهم الجديدة التي يقدّمونها أولاً، وبسبب سيطرة أصحاب النّفوذ على المناصب السّياسيّة  والحيويّة"

 

قلّة الخبرة السّياسيّة تحول دون مشاركتهم

 

هناك نظرةٌ نمطيةٌ خاطئةٌ حول ضعف مشاركة الشّباب في المجال السّياسيّ تتمثّل في اعتقاد البعض  أنّ الشّباب  يفتقدون إلى الخبرة الّتي تؤهّلهم للمشاركة في صنع القرارات، في حين يرى آخرون أنّ هذه النّظرة خاطئةٌ، وأيوب واحد منهم حيث يعتقد أنّ السّوريّين لم يكن لديهم حياةٌ سياسيّةٌ في البلد لذلك مسألة عدم الخبرة يمكن أن تنطبق على الجميع، ولا تتوقّف عند الشّباب وحدهم يقول أيوب: " إذا أخذنا النّخب السّياسيّة بشكلٍ عامٍّ، وخصوصاً من هم في الخارج من الكبار في السّنّ ينظرون للناس من برجٍ عاجيٍّ، وكأنّهم هم الذين يعرفون كلّ شيءٍ، وغيرهم لا يعرف".

 

في حين تختلف هبة ( 23 سنةً ) من إدلب مع أيوب فيما ذهب اليه في رأيه، حيث تعتقد أنّ استبعاد الشّباب عن المشاركة السّياسيّة  مرتبطٌ بقلّة المعرفة والخبرة بالحياة السّياسيّة، وقلّة المعرفة بالتّاريخ.

 

ويعتقد البعض أنّ مسألة الخبرة قد تشكّل حقلاً للمنافسة بين من يمتلكها فيحاول احتكار المجال، ومن يفتقدها فيبتعد من ذاته، أو يتمّ إبعاده، وهذا ما يعتقده عبدالله حيث يرى أنّ هناك أسباباً أخرى تبعد الشّباب عن السّياسة إلى جانب قلّة العلم والثّقافة؛ تتمثّل في وجود  كوادر ذات خبرة دائماً تحاول أن تسيطر، وخصوصاً كبار السّنّ ويورد مثالاً على ذلك بقوله: " تجد المجلس المحلّيّ مسيطراً عليه من قبل كبار السّنّ فقط، وقس على ذلك في كلّ شيءٍ، " ويضيف" 50% من ابتعاد الشّباب عن السّياسة سببه عدم فهمهم لها بالشّكل الصّحيح، و50% يتمّ إبعادهم من قبل الأكثر خبرةً للمحافظة على أماكنهم وكراسيهم".

 

ومسألة إبعاد الشّباب عن المشاركة السّياسيّة من عدمها شكّلت حالة خلافٍ بين العديد من الآراء التي تمّ استطلاعها، بين من يرى أنّ هناك نوعاً من التّشجيع والعمل على تثقيف الشّباب سياسيّاً من قبل العديد من الجهات السّياسيّة، وآخرون يرون أنّ هناك عدّة أطرافٍ "تحاول إبعادهم" كما يعتقد الصّحفيّ حازم (25 سنةً ) من إدلب.

 

وأجمعت كلّ الآراء أنّ مشاركة الشّباب في السّياسة بالمجمل، والعمليّة السّياسيّة والتّفاوضيّة على وجه الخصوص باتت ضرورةً يتطلّبها الواقع السّوريّ، ويجب العمل على تمكينهم وتفعيل دورهم من قبل المؤسّسات والجهات السّياسيّة وإشراكهم وإعطائهم مساحةً أكبر للمشاركة بالعمليّة السّياسيّة بشكلٍ فعليٍّ وجدّيٍّ. والاستفادة من إمكانياتهم وطموحهم وحماستهم في خلق واقعٍ جديدٍ يساهم في تغيير المسار السّياسيّ في سوريا نحو إيجاد حلٍّ سياسيٍّ سلميٍّ بدلاً من العنف والاقتتال.

 

يقول النّاشط عمر مسعود "لو تمّ إشراك الشّباب في العمليّة السّياسيّة سيتمّ تطويره في العمل السّياسيّ، بحكم أنّ الشّباب هي الفئة الأكبر في المجتمعات، وسيتمّ النّظر في الاحتياجات الرّئيسيّة في واقع الشّعب".

 

- - - - - - - - - - - - - - - - - - 

 

الدّورُ السّياسيُّ للشبابِ السّوريِّ شبهُ معدومٍ داخلَ سوريا وخارجها

جيلٌ مُنهمِكٌ بالبحثِ عن رغيفِ الخبزِ.. بعدَ تحوّلِ الأساسيّاتِ إلى كماليّاتٍ

القادةُ يعتقدونَ أنّهم السّياسيّونَ، وأصحابُ القرارِ، والخبراءُ الوحيدونَ

احتلالُ جيلٍ أو أكثرَ للعملِ السّياسيِّ والحزبيِّ ساهمَ بتغيّبِ الشّبابِ

زعماءُ المعارضةِ يُقصونَ الجميعَ، وليسَ فقط الشّبابُ، ويصادرونَ الآراءَ

التّهميشُ السّياسيُّ أطالَ أمدَ الصّراعِ، وشجّع الانضمامَ إلى الفصائلِ العسكريّةِ

 

يسرى يونس

 

لا يوجد في سورية مشاركةٌ سياسيّةٌ بالمعنى السّياسيّ الحقيقيّ؛ لا من الشّباب، ولا من غيرهم، فالأحزاب في معظمها مُلحقةٌ بالحزب الحاكم، حتّى وإن تمايزت عنه قليلاً بالفكر والتّوجّهات، كما أنّ معظمها يفتَقِد القاعدة الحزبيّة العريضة، وأيضاً القاعدة الشّعبيّة، لهذا يمكن القول: إنّه لا يوجد في سورية حياةٌ حزبيّةٌ حقيقيّةٌ ناضجةٌ وفاعلةٌ، سواءً لفئة الشّباب أم غيرهم. هكذا يصف واقعَ العمل الحزبيّ الصّحفيُّ أسامة يونس، وهو أحد المعتقلين السّابقين بتهمة الانتماء لحزب العمل الشّيوعيّ.

 

يُضيف يونس: إنّ المشاركة السّياسية بمعناها الحزبيّ التّنظيميّ، والتي تُعدّ من أكثر أنواع الممارسة السّياسيّة جدوىً وفائدةً؛ تكاد تكون شبهَ معدومةٍ في سورية طوال عقودٍ ماضيّةٍ، وأنّ التّجارب التي كانت بعيدةً عن المباركة السّلطويّة حملت مساوئ العمل خارج الضّوء، ومن أهمّها التّطرّف، وزيادة سيطرة رأي الفرد في الحزب، والانغلاق على الأفكار، وربّما يكون تنظيم الإخوان المسلمين هو أبرز مثالٍ على ذلك، رغم أنه كان الأكثر تنظيماً.

 

في هذا الملف نستعرض آراءً متباينةً من داخل سورية وخارجها؛ حول مشاركة الشّباب في الحياة السّياسيّة، وكان اللافت تشابه الحال في تهميش وتراجع دور الشّباب السّياسيّ سواءً داخل سورية، أو من قادة المعارضة في الخارج.

 

الصّفّ الثّاني

 

يقول الصّحفيُّ يونس: إنّ كلّ الأحزاب تعتمد بالدّرجة الأولى على الشّباب، ففي هذا العمر يكون لدى الإنسان طاقاتٍ كبيرةٍ وآمالٍ كبيرةٍ في التّغيير، لذا هم دائماً الصّفّ الثّاني في جيل أيّ حزبٍ، وهم حاملو فكره ومطوّروه، بسبب خصائص فئة الشّباب؛ التي غالباً لا تستقرّ على فكرٍ ناجِزٍ ودائمٍ، فهي في طور تغييرٍ دائمٍ، إضافةً لطاقة العمل الكبيرة لديهم.

 

وبما أنّ الحياة السّياسيّة؛ لا تقتصر فقط على الممارسة الحزبيّة يمكن القول: إن ثمّة منافذ عدّةٍ للممارسة السّياسيّة البديلة، وأبرز تلك المنافذ هو ما أتاحه التّطوّر التّكنولوجيّ، ومواقع التّواصل الاجتماعيّ؛ والتي ورغم كلّ مساوئها هي بالنّهاية شكلٌ من أشكال التّعبير عن الموقف السّياسيّ المتمايز عن موقف السّلطة، والذي لم يكن يظهر سابقاً في سوريا.

 

ضعيفةٌ جداً

 

أمين حزب الإرادة الشّعبيّة، وعضو اللّجنة الدّستوريّة السّوريّة عن منصّة موسكو للمعارضة السّوريّة؛ الشّابّ مهند دليقان، وصف نسبة مشاركة الشّباب في المفاوضات العمليّة السّياسيّة بالضّعيفةِ جداً، وأقلّ من الآمال بكثيرٍ، وقال: إنه ليس هنالك حسابٌ دقيقٌ لها، ولكن يقدّرها بأقلّ من 10% إذا اعتمدنا تعريفاً لعمر الشّباب دون 35 عاماً، بالنّسبة لهم كجهةٍ سياسيّةٍ، فنسبة تمثيل الشّباب في الأطر السّياسيّة المختلفة للعمليّة التّفاوضيّة تتراوح بين 40 و60%.

 

أضاف دليقان؛ إنه في النّصف الثّاني من القرن العشرين كان يمكن الحديث عن ابتعاد الشّباب عن السّياسة، لأنّ الجدوى من العمل السّياسيّ لم تكن واضحةً، وهذا انعكاسٌ لتراجع الحركة الشّعبيّة في تلك الفترة، لكن منذ مطلع هذا القرن عادت الحركة الشّعبيّة ليس في سورية فقط، بل وفي العالم بأسره، ولذا نرى عودة الشّباب إلى الاهتمام بالعمل السّياسيّ... بالمحصلة هنالك قانونٌ واضحٌ، حين ينخرط الشّباب في العمل السّياسيّ بشكلٍ واسعٍ، فتلك إشارةٌ واضحةٌ أنّنا نعيش عصراً سِمَتُه الأساسيّة هي التّغيير والانتقال نحو فضاءٍ سياسيٍّ جديدٍ، وحين يبتعد الشّباب عن السّياسة، فالعمل السّياسيّ ككلٍّ يكون عملاً راكداً وفوقيّاً ومعزولاً عن النّاس.

 

 

وأكّد وجود عوائق تمنع فئة الشّباب من المشاركة في السّياسة والأحزاب ذكر منها ثلاثة عوائق أساسيّةٍ: الأوّل هو بِنية الأحزاب التّقليديّة وعقليتها، والتي تتعامل مع الشّباب على أنهم قليلو خبرةٍ ومعرفةٍ، ولا يمكن الاعتماد عليهم، العائق الثّاني هو العمل الممنّهج على دفع الشّباب باتّجاه العمل المدنيّ (على أهمّيّته) وتصويره كمضادٍ للعمل السّياسيّ، وإسباغ قيمةٍ إيجابيّةٍ على العمل المدنيّ بمقابل قيمةٍ سلبيّةٍ على العمل السّياسيّ، الثّالث هو مستوى الحرّيّات السّياسيّة شبه المعدوم في الدّاخل السّوريّ، ويرى أنّ العمل السّياسيّ لا يمكن أن يكون فاعلاً دون أن يكوّن في نواته الشّباب، ليس بوصفهم أدواتٍ لترديد الهتاف، بل بوصفهم جزءاً في صُنع سياسات الأحزاب وأفكارها وتوجّهاتها، دون ذلك لا يمكن الحديث عن عملٍ سياسيٍّ ذي جدوى. ويعتقد أنه من الصّعب تحقيق نسبٍ أعلى من المحقّقة حالياً في مشاركة الشّباب في العمليّة السّياسيّة والتّفاوضيّة بسبب عقليّة وبِنية القوى المنخرطة في العمليّة التّفاوضيّة حالياً، ولكن هذا لا يمنع أنّ العمليّة السّياسيّة بامتداداتها اللاحقة، وليس التّفاوضيّة فحسب، ستفتح مجالاً أوسع للشباب الذين سيحتلون مكانهم ضمن بناء سورية المستقبل بكلّ الاتّجاهات.

 

تنقصهم الحُنكة والدّهاء

 

بعد تجربتها في العمل السّياسيّ ضمن فصيل من الحزب القوميّ السّوريّ تقدّم خريجة علم الاجتماع، رانيا قاسم، رؤيةً مختلفةً لدور الشّباب في الحياة السّياسيّة، وترى أنّ الشّباب غير قادرين على فهم الحُنكة السّياسيّة ودهائها، وبأنّ العمل السّياسيّ يحتاج إلى باعٍ طويلٍ من الخبرات المتراكمة، ولا ترى أنّ العنصر الشّبابيّ يمتلك هذه المواصفات، ويحوّل حماسهم دون فهمهم للكثير من السّلوكيّات.

 

وعن نسبة مشاركة الشّباب في المفاوضات والعمليّة السّياسيّة، ترى أنّها قليلةٌ جداً إذا لم تكن معدومةً، وتصف هذا الواقع بالحالة غير الصّحّيّة، لأنّ الإنسان السّياسيّ يجب أن يكون لديه خبرةٌ عميقةٌ وحنكةٌ وباعٌ طويلٌ في المجال السّياسيّ لكي يكون قادراً على الدّخول في مجال المفاوضات السّياسيّة بقدمٍ ثابتةٍ وواثقةٍ، وتعتقد أنّ ابتعاد الشّباب عن السّياسيّة يساهم فيه أمران، هو استبعادهم من جهةٍ، وابتعادهم  من جهةٍ ثانيةٍ، وتؤكّد أن من عاش تجربةٍ حزبيّةٍ  يكتشف أنّ الواقع يختلف كثيراً عن الطّروحات والشّعارات التي يردّدها قادة الأحزاب.

 

تعتقد قاسم أنه لا يوجد عوائق تعيق العمل السّياسيّ، لأنّ هنالك عدّة أحزابٍ، تتيح للشباب ممارسة دورهم الحزبيّ، وإنّ كانت مؤطّرةً، وقد يكون تأطير الأحزاب أمرٌ صحّيٌّ، لأنه لو تمّ فتح المجال أمام كلّ حزبٍ بشكلٍ كبيرٍ لأصبحنا أمام مشكلةٍ أُخرى إضافةً للطوائف، وهي التّيّارات الحزبيّة المتعدّدة التي تريد كلّاً منها تسيير رأيها كما في لبنان مثلاً، فتعدّد الأحزاب لديهم أدّى إلى نتائج عكسيّةٍ وتخبّطٍ على مستوى الدّولة.

 

وعن رأيها فيما إذا كان الشّباب سيحدثون فرقاً في العمل السّياسيّ إذا حصلوا على دورٍ أكبر قالت قاسم: إنّها لا ترى اختلافاً، لأنّ السّياسة تحتاج إلى عقليّةٍ مختلفةٍ تتّصف بالعمق والخبرة ومرونةٍ في التّعامل مع القيم لا يمكن للشباب استيعابها في عمرٍ محدّدٍ، وأنّ البلد تحتاج في هذه المرحلة إلى سياسيّين كبار لهم باعٌ وخبرةٌ في المجال السّياسيّ، للخروج ممّا نحن فيه، وليس هذا تقليلاً من دور الشّباب كما تقول، ولكن يحتاجون إلى التّدرّج في العمل السّياسيّ لفهمه أكثر.

 

الكراسي محجوزةٌ

 

في حين يرى عضوٌ قياديٌّ  في حزب حركة الاشتراكيّين العرب، سامر العبد الله 32 عاماً، أنّ نسبة مشاركة الشّباب في العمل السّياسيّ  معدومةٌ تقريباً، وأنه لا يتمّ فتح الباب للشباب، فالكراسي محجوزةٌ مسبقاً بأسماء مخصّصة لشرفية الحضور في أي شيءٍ دون أيّ اهتمام لأسباب الحضور، ممّا أدّى لعزوفهم عن أيّ واقعٍ سياسيٍّ حقيقيٍّ، ويعتقد أن من أهمّ العوائق في وجه النّشاط السّياسيّ للشباب هو  غياب الأحزاب الحقيقيّة والسّياسة المتاحة للنقاش، وكلّ ما يخصّ هذا الجانب هو حكرٌ على أشخاصٍ محدّدين، وليس من المسموح الخوض أو مجرّد التّفكير بالتّواجد في هذه الرّقعة، فهم السّياسيّون وهم أصحاب القرار، وهم الوحيدون الذين يفهمون بالسّياسة، فالشّعب في نظرهم إن كان من الشّباب أو المخضرمين لا يفهم بالسّياسة. ويرى أنّ الاختلاف الذي تُحدثه مشاركة الشّباب في العمل السّياسيّ؛ هو في جعل السّياسة أكثر ملامسة للواقع السّوريّ، وليست مجرّد شعاراتٍ، فالشّباب يمكنهم أن ينقلوا بشكلٍ أو بآخر ما يعيشونه إذا فتحت لهم إمكانية التّواجد على السّاحة السّياسيّة، وغير ذلك ستبقى السّياسة بعيدةً كلّ البعد عن واقع المواطن، كما حالنا منذ سنواتٍ طويلةٍ.

 

ويعتقد أن تفعيل دور الشّباب يتمّ بسهولةٍ كبيرةٍ، عندما تكون هذه الفئة المسيطرة على هذا القطاع قد آمنت بأنّ هنالك مواطنين غيرهم، وأن تقرّر وقتها بأنّ الوطن للجميع، وليس "لعبقريتهم السّياسيّة" فقط، فنحن لا نملك سياسةً حيّةً، حتّى الآن إنّما منهجٌ متّبعٌ، وهو مبهمٌ، وغير نافعٍ؛ كونه لا يلامس الواقع، بل مجرّد شكلٍ دعائيٍّ، فمثلاً تمّ مسح أوروبا من الخريطة بداية الأزمة السّوريّة بالتّصاريح، بينما الواقع تمّ مسح سوريا والسّوريّين من الوجود تقريباً، ولكن يكفينا أنّنا صرّحنا تصريحاً ناريّاً "هذا برأيهم الإنجاز والسّياسة بعينها".

 

 

مشاركةٌ انتقائيّةٌ

 

مشرف تحريرٍ في تلفزيونٍ خاصٍّ في سوريا جاد كريم ( 35) عاماً، وخريج إعلام يصف نسبة مشاركة الشّباب في العمل السّياسيّ بالضّعيفة جداً، وتكاد تكون معدومةً، وطريقة المشاركة انتقائيّةٌ وتتأثّر بالانتماء الحزبيّ وربّما بعلاقات القربى، وأنّ الشّباب السّوريّ لم يكن قريباً من الحياة السّياسيّة منذ فترةٍ طويلةٍ، وبرأيه يتمّ استبعادهم ولو بطرقٍ غير مباشرةٍ، فواقع العمل السّياسيّ في سوريا إضافةً إلى واقع الحياة اليوميّة الضّاغطة؛ تضع الشّباب في مكانٍ بعيدٍ عن المشاركة في الأحزاب سواءً كانت منخرطةً في السّلطة أو معارضةٍ لها، والنّظرة العامّة هي عدم الثّقة لدى قطاعٍ واسعٍ من الشّباب بهذه الأحزاب باعتبارها مرآةٌ للمال السّياسيّ والأيدولوجيّات الجاهزة وليست انعكاساً لتطلعات الشّباب وأحلامهم، ويرى أنّ هناك عوائق تمنع فئة الشّباب من المشاركة في السّياسة والأحزاب منها الرّيبة والخوف من العمل السّياسيّ، وعدم الثّقة بالأحزاب، وكذلك  الوضع الاقتصاديّ الذي يدفع الشّباب للبحث عن لقمة العيش. أنّ الاختلاف الذي سيحصل لو كان للشباب دورٌ أكبر في العمل السّياسيّ يكمن في ترجمةٍ أوسع لمتطلبات التّنمية السّياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والتّكنولوجيّة، وانعكاسٍ أكبر لحاجات المجتمع، وخلق منافسةٍ وحركة نموٍ داخل الأحزاب، وبالتّالي إنعاش الحياة السّياسيّة العامّة، وأنه يمكن تفعيل دور الشّباب في العمليّة التّفاوضيّة والسّياسيّة في سوريا من خلال إتاحة الفرصة للناشطين الحقوقيّين والإعلاميّين الشّباب المستقلين المشاركة في العمليّة السّياسيّة، وذلك بناءً على وعيهم السّياسيّ ونضجهم الفكريّ وحسّهم الوطنيّ وليس بناء على انتمائهم الحزبيّ.

 

طريقٌ مغلقٌ

 

محرّرٌ صحفيٌّ في الشّؤون السّياسيّة لوسيلة إعلامٍ محلّيّة رضوان محمد 34 (عاماً)، وصف نسبة مشاركة الشّباب في المفاوضات والعمليّة السّياسيّة بالمعدومة، وبأنّها مجرّد شعاراتٍ على وسائل الإعلام عن ضرورة مشاركتهم وفقط، وبخاصّةٍ في المناسبات الانتخابيّة، وفي الأوقات العادية هم طيّ النّسيان، وطريق العمل السّياسيّ مغلقٌ أمامهم، فلا يمكن للشباب العمل في السّياسة، ومن يظنّ أنه يمكن وصف عمل الشّباب في المنظّمات التّطوعيّة بالعمل السّياسيّ ما هو إلا غشاوةٌ سياسيّةٌ، وأستطيع وضعهم في قائمة "الصّفّيقة" أو الهتّيفة". 

 

أضاف محمد أنّ الشّباب اليوم غير مشاركٍ في الحياة السّياسيّة بسبب احتلال جيلٍ أو أكثر للعمل السّياسيّ، وحتّى الحزبيّ سابقاً، والأسماء التي كان يسمعها في أعوامه الأوّلى هي نفسها، ومن غاب منها إما لمشيئة القدر أو انحرفٍ عن المسار، وسببٌ آخر لقناعتهم بأنّ طريق العمل السّياسيّ مغلقٌ بإحكام، وأخر حدثٍ جرى في البلد هو انتخابات مجلس الشّعب، وهو المكان الأكثر مناسبةً لممارسة العمل السّياسيّ، لكن قبل الانتخابات شيءٌ، وبعدها يتمّ الحديث عن الذين "قلوبهم شباب"! في مراوغةٍ للحقائق والشّعارات السّابقة، وعند إعداد القوائم الانتخابيّة يُستبعد الشّباب، ومن أجل التّمويه يتمّ إضافة بعض الأسماء في آخر ذيل القائمة، وأيّ شابٍّ يُرشح كمستقلٍّ من المستحيل أن يصل إلى مجلس الشّعب.

 

وذكر محمد أنّ هنالك عوائق تمنع فئة الشّباب من المشاركة في السّياسة والأحزاب، فالخطوط الحمراء هي أوّلها، ويكفي أن يعلم ويعتقد أيّ شخصٍ إنه سيُحاسب على كلّ كلمةٍ يقولها أو يكتبها حتّى يستبعد نفسه من طريق العمل السّياسيّ، فالخطوط الحمراء كثيرةٌ، وجيل اليوم يعلم بها قبل أن يمارس حقوقه السّياسيّة على أرض الواقع، بعد أن اطّلع عليها من وسائل الإعلام أو من الدّستور أو من مناهجه الدّراسيّة، فالخوف من الوقوع بالمحظور يُبعد الشّباب عن العمل السّياسيّ.

 

وثانيها: أنّ الأحزاب وهي بطبيعة الحال مرخّصةٌ، لكنّ الجديد منها نسخةٌ عن القديم، ويجامله في شعاراته القوميّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، وربّما هو مضطرّ لذلك من أجل أن يحصل على التّرخيص، والشّباب يبحثون عن الجديد وما يحقّق تطلّعاتهم التي تتغيّر من جيلٍ لآخر، وهذا الجديد غير متوافرٍ.

 

أما العائق الثّالث فهو العامل الاقتصاديّ الذي تحوّل إلى عبءٍ يستحيل التّخلص منه، ومن ثمّ التّفكير بالعمل السّياسيّ، فنحن جيلٌ منهمكٌ بالبحث عن رغيف الخبر، وعن مسكنٍ وعن حاجياتٍ للأسف هي أساسيّةٌ لكن تحوّلت إلى كماليّاتٍ، وفي المحصلة هذا الشّاب المنشغل سيبتعد عن العمل السّياسيّ، وما نقص قادة الرّأي في المجتمع إلا نتيجةً لمحاربة الشّباب بكلّ مرحلةٍ و"تدجينه" في آراءٍ ومواقفٍ جامدةٍ لا تلبي متطلبات المرحلة.

 

ويعتقد أنّ الاختلاف الذي سيحصل فيما لو كان للشباب دورٌ أكبر في العمل السّياسيّ هو طرح أفكارٍ اقتصاديّةٍ واجتماعيّةٍ جديدةٍ تناسب العصر، بدلاً من هذا الرّكود الذي نعيشه وانتظار اللاشيء، فمشاكل البلد اليوم هي مشاكل الشّباب قبل غيرهم، وهم أدرى بمعالجتها ويملكون الكثير من الحلول للمشاكل، وهي بسيطةٌ على عكس الأجيال السّابقة التي تبحث عن تعقيد الحلول وإطالة عمر المشاكل، وفي الجهة المقابلة إذا استمرّ الوضع على حاله، فإنّ الشّباب لن يتوقّفوا عن الهجرة للبحث عن حياة تليق بهم، وهذا حقّهم. وأنّ تفعيل دور الشّباب في العمليّة التّفاوضيّة والسّياسيّة غيرُ ممكنٍ قبل تطوير الدّستور ووضع جميع فئات الشّعب تحت سقفه، وكلّ منْ في هذا البلد يلتزم بعمله كما ينصّ الدّستور، فالشّباب يُعانون من الذين يتمدّدون خارج وظائفهم ويتصدّون لاختصاصات ليست لهم من خلال وظائفهم.

 

 

معارضون ومتسلّطون

 

لرئيسة الحزب الليبراليّ السّوريّ_ أحرار ياسمين مرعي نشاطٌ يقوم على تشكيل حزبٍ يعتمد على الشّباب، ويعمل بطريقةٍ مختلفةٍ كما تقول، وتضيف أنّ مشاركة الشّباب في المشهد السّياسيّ وضمن أحزاب المعارضة قليلةٌ، لأنه من الطّبيعيّ أن يبتعد الشّباب عن المجال السّياسيّ عندما لا يجدون لهم مساحةً أو مكاناً، ولكن من الجيّد أنه في الآونة الأخيرة أصبح هنالك عددٌ أكبر من الشّباب المنخرطين في العمل السّياسيّ، وترى مرعي أنّ المشكلة الأساسيّة تكمن في طريقة عمل زعماء المعارضة السّياسيّين الذين يُقصون الجميع، ويُصادرون وجود مكوّناتٍ أخرى بنسبٍ منصفةٍ كالنّساء مثلاً، وليس فقط الشّباب، وترى أنه من المُؤسِف أن ترى استمرار الوجوه والأسماء ذاتها وهذا أمرٌ يدفع  للتساؤل عن مصير الوجوه الجديدة والدّماء الشّابّة والجديدة، والتّيّارات المختلفة من النّسيج السّوريّ المعارض.

 

وتعتقد مرعي أنّ العوائق التي تواجه الشّباب السّوريّ لنشاطٍ أوسعٍ في العمل السّياسيّ متعدّدةٌ، فهي في داخل سورية تنتج عن وجود سلطاتٍ مختلفةٍ على الجغرافيا السّوريّة، وتعاطيها بطرقٍ متشابهةٍ من حيث مصادرة الآراء والقمع وتهديد الحياة، أما في الخارج السّوريّ؛ فالشّباب مُجبرون على البحث عن فرصٍ لتأمين مستقبلهم، وهذا يشغلهم عن العمل السّياسيّ، كما أنّهم مضطرّون في بلدان اللّجوء للانخراط في مسار الاندماج وتعلّم اللّغة الدّراسة وغير ذلك، ممّا لا يتيح لهم التّفرّغ للعمل السّياسيّ. فضلاً عن ضعف الجهود المبذولة من المعارضة للحفاظ على ارتباط الشّباب السّوريّ في الشّتات بعملٍ سياسيٍّ.

 

وتحدّثت مرعي عن أهمّيّة مشاركة الشّباب في الحياة السّياسيّة؛ لأنها تعني رؤيةً سياسيّةً جديدةً، وخطاباتٍ أقلّ خشبيةً وتكراراً؛ بعدما سئمنا من الوجوه القديمة المتكرّرة باستمرار، وأكّدت أنّهم في مرحلة الإعداد لحزبٍ سياسيٍّ يضمن مشاركةً سياسيّةً فعّالةً للشباب السّوريّ، فالشّباب يحتاجون إلى امتلاك خبرات ومهارات العمل السّياسيّ للحصول على فرصٍ أكبر، فليس هنالك أيّ مؤسّسةٍ سياسيّةٍ تعمل على تدريب الشّباب الطّامح إلى العمل السّياسيّ.

 

لم يشاركوا أساساً

 

يشارك النّاشط السّياسيّ أيهم صقر أسلافه الرّأي بنقاطٍ عدّةٍ حول ضعف مشاركة الشّباب بالعمل السّياسيّ، وغياب دورهم عن الحياة السّياسيّة، وأيضاً تهميشهم في المشاركة بالعمل التّفاوضيّ على مستوى جميع الأطراف السّوريّة المتنازعة حول المكاسب والسّلطة، بغضّ النّظر عن المصلحة العامّة لعموم المجتمعات السّوريّة التي تقع تحت سيطرة تلك الأطراف المشاركة بالعمليّة التّفاوضيّة والسّياسيّة، حيث انحصر دور الشّباب في السّياق الاستشاريّ المتعلّق بمشاركة منظّمات المجتمع المدنيّ في (التّأثير) على العمليّة التّفاوضيّة ضمن المسار الأمميّ المرتبط بجنيف فقط، بعيداً عن المشاركة المباشرة والفاعلة على الطّاولات الدّوليّة وضمن الوفود التي تعمل على الحلّ السّياسيّ.

 

 وفي المُحصِّلة يؤكّد صقر أنّ الدّور الشّبابيّ وخصوصاً النّسائيّ ضعيفٌ جداً وغير فاعلٍ أو مؤثّرٍ في المشهد العامّ للعمل السّياسيّ والتّفاوضيّ، ولا يرقى للدور المناط به كفئةٍ تمثّل شريحةً واسعةً من عموم المجتمع السّوريّ. ويرى أنّ الشّباب لم ينخرطوا بالعمل السّياسيّ الحقيقيّ، ولم يؤمنوا بجدواه أقلّها على المدى المنظور، وذلك لعدّة عوامل منها: تاريخيّةٌ تعود لسياسات العقود الخمس الماضية للسلطة الحالية، ومنها مستجدٌّ ومرتبطٌ بالظّروف الرّاهنة لسوريا غير المستقرّة، والصّراعات العنيفة التي يغيب عنها أدنى متطلبات وشروط العمل السّياسيّ والنّشاط المدنيّ. وفي النّهاية لم ينسحب الشّباب من الحياة السّياسيّة لأنهم بالأساس لم يشاركوا فيها بسبب إفلاس العمل السّياسيّ، وضعف الأحزاب الرّاديكاليّة المغلقة؛ والرّافضة لفكرة التّجديد والتّحوّل، وعدم الإيمان بفاعليّة دور الشّباب، واستحواذ فئةً قليلةٍ من الأفراد أغلبهم مستقلٌ أو منشقٌّ عن البعث والمؤسّسة العسكريّة، وتصدّرهم للمشهد السّياسيّ والعمل التّفاوضيّ، وإقصاء جميع فئات المجتمع السّوريّ وخصوصاً الشّباب وخاصّةً النّساء.

 

ويؤكّد أنّ هنالك مجموعةَ تحدّياتٍ تُعرقِل عمل الفئات الشّابّة،  أوّلها العقل الجمعيّ السّلبيّ لدى عموم القيادات الحزبيّة، والتّجمّعات السّياسيّة، وتقليلها من قدرة الشّباب وإمكانياتهم على اعتبار أنهم يفتقرون للخبرة والحكمة السّياسيّة، ويحتاجون لسنواتٍ من العمل التّراكميّ للوصل لدرجة المشاركة الفاعلة، ممّا يُفقد الثّقة بين تلك الفئات العمريّة، وطبعاً على حساب فئة  الشّباب، حيث تسبّب بالحدّ من اهتماماتهم وتفاعلهم وخلق حالةٍ من اللامبالاة في المشاركة بالعمل السّياسيّ أطالت أمد الصّراع السّوريّ، وتحوّل الشّباب للانضمام إلى الفصائل العسكريّة المتناحرة على النّفوذ والسّلطة ممّا أفقد العملين السّياسيّ والمدنيّ قيمتهما الحقيقيّة، وغيّب أهمّ شروط النّشاط السّياسيّ الاستقرار والبيئة المناسبة.

 

وكذلك الأحزاب الشّموليّة الإقصائيّة والذّهنيّة التّكفيريّة في بعض المناطق التي حرّمت العمل الوضعي السّياسيّ والمدنيّ، بل وحاربته عبر التّصفية والاعتقال وعدم السّماح بالانزياح عن المورث الدّينيّ السّائد.

 

أيضاً تركيز المجتمع الدّوليّ على دعم العمليّة التّفاوضيّة ومنظّمات المجتمع المدنيّ على حساب العمل السّياسيّ وقيام الأحزاب والتّجمّعات والتّأسيس لحياةٍ سياسيّةٍ حقيقيّةٍ عبر تقديم الدّعم الكافي الذي يوفّر الإمكانيات اللازمة للتمكين السّياسيّ.

 

ظروف الشّباب الاقتصاديّة الصّعبة التي لا توفّر أدنى متطلبات التّجمع والنّشاط السّياسيّ، وتحدّث صقر عن عوامل تاريخيّةٍ مرتبطةٍ بالفترة العقديّة السّابقة حول سياساتٍ السّلطة والحزب الحاكم في سوريا منذ سبعينيّات القرن الماضي المرتبطة بحزمة قوانين وإجراءاتٍ متشدّدةٍ حول العمل السّياسيّ وحالة الطّوارئ والحملة المتشدّدة على الأحزاب والمواطنين المهتمين في العمل السّياسيّ، وإغلاق أفق العمل ممّا ترك هاجساً سلبيّاً، وعدم اكتراثٍ، وخوف شديدٍ أبعد الشّباب عن الشّأن العامّ والسّياسيّ.

 

- - - - - - - - - - - - - - - - - - 

 

 

تهميشُ الشّبابِ والأيديولوجيّة التّقليديّة تحكمُ الموقفَ في شمالِ سوريا

 

 

 

أحمد الأحمد

 

دائماً ما تحمل الثّورات التي تقوم في الدّول المختلفة، آمالاً بتغيير واقع المجتمع السّياسيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ، في تلك البلدان، ولم تكن الثّورة التي قامت في سوريا بمختلفةٍ عن سابقاتها، تلك الثّورة التي دخلت عامها العاشر، حملت معها أملاً كبيراً لكلّ فئات المجتمع السّوريّ سيّما للشباب بولادة واقعٍ جديدٍ ينهي حالة التّهميش الأزليّ التي كانوا يعيشونها، وفتحت أمامهم آفاق المشاركة السّياسيّة الفاعلة في صناعة واقعهم وتقرير مصير مجتمعاتهم بعد عقودٍ طويلةٍ نُزعت فيها السّياسة من المجتمع، فقد ساهمت الثّورة السّوريّة التي كانت ذات طابعٍ شبابيٍّ بامتيازٍ في عودة جيل الشّباب بقوّةٍ إلى الانخراط في السّياسة وقضايا الشّأن العامّ في عموم المناطق السّوريّة.

 

أحلام الشّباب السّوريّ في تغيير الواقع، اصطدم بعوائق عدّةٍ، جعلت تلك الأحلام في مهبّ الرّيح، وأسهمت في عزوف قسمٍ كبيرٍ منهم عن المشاركة السّياسيّة وتحوّلت إلى لعب الدّور المشاهد فقط، كما كانت في سابق عهدها، تختلف الأسباب وتعدّد التّفسيرات حول ما آلت إليه الأمور من تغييبٍ للفئات الشّبابيّة قسراً أو طوعاً، فقد وجد الشّباب نفسه محاصراً بواقعٍ أشبه بتابوتٍ يُضيّق خِناقهُ عليه أكثر فأكثر، فالنّظام السّوريّ لم يدّخر جُهداً ولا حتّى وسيلةً في قمعه وتحطيم آماله، والمعارضة معظمهم ينتمي إلى الجيل القديم، والتي أخفقت في تحقيق أيّ مُنجزٍ سياسيٍّ أو مجتمعيٍّ يذكر حتّى الآن، نتيجة ضعف إمكانياتهم وأدواتهم، وحتّى اختلافات التّفكير والمنهج، وسيطرة التّفكير التّقليديّ عليهم، وفشلهم في  التّصدّي للمهامّ والاستحقاقات التي تفرضها مجريات الأحداث التي تتغيّر يوماً إثر يومٍ.

 

وقد أجمعت معظم الآراء التي تمّ رصدها في هذا التّقرير على أنّ مشاركة الشّباب في ميدان السّياسة هزيلٌ، إن لم يكن معدوماً، فضلاً عن ضعف الثّقافة والوعي السّياسيّ الذي ينتشر بين أروقة الشّباب نتيجةً لنقص الخبرات وضعف المورثات الفكريّة والثّقافيّة التي يجب أن تُزرع في هذه الفئات لترقى للعمل في ميدان السّياسيّة، ويبدو ذلك جليّاً وعملاً ممنهجاً ومنظّماً لجعل تلك الفئات تتخبّط أكثر فأكثر، وتسهم في ضياعهم وتخبّطهم الفكريّ والأيديولوجيّ، ولذلك ينذر باستمرار عمليّة استغلال الشّباب؛ عبر جعلهم بيادق تخدم فقط العديد من التّنظيمات الرّاديكاليّة المحافظة (الإسلاميّة منها والعلمانيّة) المتنفذة الآن في عموم الجغرافية السّوريّة.

 

مبادراتٌ محدودةٌ لدعم الشّباب الواعد

 

العمليّات الممنهجة لعزل الفئات الشّبابيّة عن أبسط استحقاقاتهم لم تمنع قيام مبادراتٍ أشبهُ بالفرديّة لدعم وتمكين الشّباب الثّائر، وإطلاق تجمّعاتٍ سياسيّةٍ تسعى للمِّ شتاتهم ورفع الوعي الثّقافيّ لتلك الفئة، حيث تمّ إطلاق أكثر من 10 تجمّعات سياسيّةٍ تنصّ جميعها في أنظمتها الدّاخليّة على دعم الشّباب وتمكينهم في المجتمع أبرزها الهيئة السّياسيّة في محافظة إدلب، وتُعدّ من أبرز الحالات التي تمّ رصدها في عمليّة تداول السّلطة، والمشاركة في اتّخاذ القرار، وذلك عبر صناديق الاقتراع التي تطبقها في كلّ دورةٍ، ولكنّ هذه التّكتّلات والتّجمّعات السّياسيّة لم ترقَ إلى العمل السّياسيّ الموحّد القادر على مواجهة التّحدّيات التي تظهر بين الحين والآخر، وعدم قدرتها على بناء جسمٍ سياسيٍّ موحّدٍ يضمّ مختلف الأطياف السّياسيّة في محافظتي إدلب وحلب.

 

مؤسّسة شباب التّغيير التي تُعرّف عن نفسها بأنها تجمّعٌ مجتمعيٌّ بحتٌ يهدف إلى تطوير الشّباب وتنظيمه وتدريبه للارتقاء به إلى أعلى المستويات ورفع مستوى الوعي ليكون قادراً على صُنع القرار، وتركّز هذه المؤسّسة على البنى المجتمعيّة من خلال تنظيمها في لجانٍ محلّيّةٍ، وبناء قدرات المجتمع، والفِرق التي تعمل على الأرض، وتمكين المجتمع عبر مشاريع الاكتفاء الذّاتيّ، وتضمّ 275 عاملاً موزعين على 24 وحدةً ضمن 7 فرقٍ، و 30 مدرّباً بمختلف الاختصاصات، ويتوجّب على الأعضاء العاملين في المؤسّسة الخضوع لدوراتٍ عدّةٍ أبرزها دورات تنظيم المجتمع ودمجه حسب ما أفاد به زهير الرحال مدير شباب التّغيير.

 

ابتعاد الشّباب عن الميادين السّياسيّة

 

وحول عزوف الشّباب عن ميدان السّياسة يُضيف الرحال" بأن كبار السّنّ تفرّدوا في السّلطة وفي اتّخاذ القرار، لذلك نسعى لبناء جسمٍ سياسيٍّ جديدٍ وذلك عبر فريقٍ مختصٍّ في الأبحاث، واستطلاعات الرّأي، وبناء القدرات، ودعم الشّباب عبر المشاركات في المحافل الدّوليّة، ومن بينها ندوة الحوار التي أُطلقت في بروكسل.

 

ويكمل:" إنّ ضعف الثّقة في الشّباب لها الدّور الأكبر في تهميشه وإبعاده عن ميدان السّياسة، ورغم تواجد عدّة تجمّعاتٍ سياسيّةٍ لا أحد يسمع أصوات تلك الفئات الواعدة، لذلك لم يجد الألية القادرة على التّأثير، ما أجبر غالبية الشّباب للتوجّه إلى سوق العمل وطلب الرّزق، لذلك نحاول من خلال التّدريبات التي نجريها على تعزيز الانتماء للوطن ليكون من المشاركين في صُنع القرار، ودورنا لتمثيل هذه الفئة المهمّشة، وتفتقر التّجمّعات السّياسيّة إلى ألية التّأثير الحقيقيّة في الشّارع.

 

ويعتقد الرحال أنّ هناك أسباباً أخرى دفعت الشّباب للابتعاد عن السّياسة منها السّعي المستمرّ لكسب قوت اليوم نظراً للأوضاع الاقتصاديّة السّيّئة في المناطق سيطرة المعارضة، فضلاً عن التّخوّف من عمليّات الملاحقة والاعتقال من قبل الفصائل الإسلاميّة في إدلب وعلى رأسها الأجهزة الأمنيّة التّابعة لهيئة تحرير الشّام والتي تُعتبر في قناعاتها أنّ السّياسة والعمليّات الدّيمقراطيّة هي تقليدٌ للمجتمع الغربيّ، ويعتبر من الكبائر لدى هذه التّنظيمات.

 

تواصل مُعدّ التّقرير مع أكثر من 7 أشخاصٍ؛ عزوا جميعهم الابتعاد إلى خوف التّواجد داخل سجن العقاب على حدّ قولهم " هو سجنٌ يتبع لهيئة تحرير الشّام، ذو سمعةٍ سيّئةٍ؛ نتيجة عمليّات التّعذيب والتّغييب القسريّ لكلّ من يدخل إليه".

 

مُعدّ التّقرير أجرى استطلاعاً للرأي مع أكثر من 20 شاباً من مختلف الفئات العمريّة، حيث تباينت وجهات النّظر حول المشاركة الشّبابيّة، وتمثيل الشّباب في ميدان العمل السّياسيّ، حيث يرى عبد الرزاق الصبيح مراسل حلب اليوم تمثيل الشّباب في الكتل السّياسيّة شمال سوريا بأنّه ضعيفٌ، وأنّ التّجربة السّياسيّة جديدةٌ على السّوريّين، حيث بدأت أفكارٌ لتشكيل تجمّعات أو تكتّلات بعد الثّورة.

 

 

يقول الصبيح " بالنّسبة للشباب؛ قسمٌ منهم انخرط في تلك التّجمّعات والكتل السّياسيّة ووجدها مقبولةً وجاهزةً، ولم يجدوا فيها طموحه أو مجال لطرح أفكارهم، لذلك انصرف معظم الشّباب عنها" ويتابع قائلاً "للأسف استمرار وجود ذات السّياسيّين في نفس المشهد السّوريّ وعدم إتاحة الفرصة للشباب الجدد ساهم في ضياع قضية السّوريّين، وعدم طرح مشكلتهم بالشّكل الصّحيح"، ويعتقد الصبيح أنّ قسماً كبيراً من هؤلاء السّياسيّين؛ لازالوا متمسكين بذات الأطروحات وذات الحلول لمشاكل متجدّدة، والقسم الأكبر لا يعلم تفاصيل الواقع الجديد ولا حتّى طريقة الحلّ.

 

ويختم الصبيح حديثه بالقول: "هذا الأمر" تمثيل الفئات القديمة نفسها" يُعبّر عن خيبة أملٍ بسبب عدم إتاحة الفرصة لمختلف الفئات ولا سيّما الشّباب الذين يمتلكون طاقةً متجدّدةً، وهذا الأمر مقصود ويتمّ العمل عليه من قبل بعض السّياسيّين، لذلك يُعتبر زيادة التّمثيل الشّبابيّ، وتمثيل فئات لامست الواقع وتلامسه بشكلٍ مستمرٍّ من شأنه أن يُغيّر في الواقع السّياسيّ، وحتّى في القرار الدّوليّ، لأنّ الشّباب لديهم قوّةٌ وقناعةٌ وفكرٌ بالضّرورة يتناسبُ مع لغة التّخاطب والحوار مع الغير، ولا سّيما في مسائل جوهريّةٍ تمسّ مستقبلهم.

 

فيما يرى حسام السلطان أنّ عزوف الشّباب عن التّواجد في التّجمّعات السّياسيّة يُعزى لكون معظم الشّعب في الدّاخل السّوريّ دون خطّ الفقر، والجميع يبحث عن الاستقرار، وتأمين قوت يومه ومأوىً لعائلته جراء عمليّات التّهجير المستمرّة التي تتجدّد من يومٍ لآخر، فضلاً عن ضعف الإمكانيات المتوافرة من ندواتٍ تثقيفيّةٍ ودوراتٍ تأهيليّةٍ لرفع مستوى الوعي وتصحيح المسار من جديد.

 

من جهتها تُعتبر النّاشطة السّياسيّة فاطمة الحجي أنّ التّمثيل الشّبابيّ غير كافٍ نحتاج لأن نرى أناساً وأشخاصاً جدداً يحملون روح الشّباب، ويحملون أيضاً أفكاراً وآراءً مختلفةً ومتجدّدةً، ونظرياتٍ تحرّريةً، وتطلّعاتٍ لمجتمعٍ مختلف تماماً عن المجتمع القديم، ومناقشة الآراء المختلفة، وتعتقد فاطمة أنّ ضعف التّمثيل هذا يعود لسببين أساسيّين:

 

- أولهما الاحتكار السّياسيّ من ذوي التّجارب السّياسيّة القديمة والمستمرّين حتّى الآن على احتكار العمل السّياسيّ بهم فقط وتهميش باقي الفئات الأخرى.

 

- أما السّبب الآخر فيلقى اللّوم على الشّباب أنفسهم حيث لم نجد حتّى اليوم أيّ شابٍّ أظهر تميّزه ولمعَ نجمهُ وأثبت جدارتهُ ولديهِ القدر الكافي من الوعي السّياسيّ حتّى تستطيع التّجمّعات السّياسيّة أن تعطي الثّقة لهذا الشّخص ويجعله يمثّل هذا التّجمّع، لذلك اللّوم لا يقع بالكامل على التّجمّعات بل على الشّباب أنفسهم، وهم أيضاً من يجبرون أنفسهم عن العزوف عن هذا المجال.

 

وعن الثّميل النّسائيّ تُضيف الحجي أنّ القضية هنا تكون معكوسةً تماماً عن التّمثيل الذّكوريّ، حيث تجد العائق الأكبر بممانعة المجتمع، ورغبة الرّجال، وفئات المجتمع الأخرى صاحبة القرار، هو المؤثّر الأكبر على مشاركة النّساء في العمل وصُنع القرار، فضلاً عن ارتباط المانع الآخر بالمرأة نفسها، وذلك عبر عدم وجود رغبةٍ لدى المرأة في الدّخول بهذا العمل أو هذا المجال، لذلك يقع اللّوم الأكبر على النّساء، ويتوجّب عليهنّ رفع الوعي لديهنّ وإيجاد الرّغبة القويّة التي تدفعهنّ للعمل في هذا المجال، كما لا بدّ من التّركيز على نقطةٍ هامّةٍ في عمليّة تمثيل النّساء، كون وجود المرأة في المحافل أو في مراكز العمل، حيث لا تجد من يصغي لصوتها، حيث يمكن اعتبار هذا التّمثيل رمزيٌّ أو صوريٌّ ليس إلا وتعتبر دائماً مهمّشةً.

 

فيما ترى إسراء عطار أنّ الشّباب السّوريّ كان ومازال يحاول بكلّ ثقله العودة إلى مسار العمل السّياسيّ وتصحيح أخطاء الماضي، التّمثيل الشّبابيّ اليوم في مختلف الأصعدة السّياسيّة منها والمدنيّة؛ ليس سيّءٌ إلى القدر الذي نراه، هناك شبابٌ يعملون على تمكين المجتمع، ورفع مستوى الوعي وتثبيت لبنةٍ أساسيّةٍ للعمل عليها، ومن ثمّ الانطلاق إلى الميادين الأخرى لتكون هذه اللّبنة هي من تمدّهم بالقوّة، وثابتةً دائماً معهم.

 

وتكمل أعتقد أنّ الشّباب اليوم لن ينجرَّ خلف أخطاء الماضي من تهميش دوره، والسّماح بدخول العسكر، وفرض هيمنتهم على السّلطة بمختلف مجالاتها، وتهميش كافّة الفئات الأخرى، لذلك الشّباب اليوم في تحدٍّ صعبٍ جداً على عدّة محاور؛ منها بناء الّثقة لدى المجتمع به وبقدراته من جديد، وتثبيت مبادئ الثّورة التي عمل عليها منذ البداية.

 

تمثيلاتٌ وهميّةٌ وواقعٌ مفروضٌ

 

العمليّات السّياسيّة التي تجري في أروقة السّياسيّة التّابعة للمعارضة السّوريّة لا ترقى إلى تطلّعات الشّارع السّوريّ، حيث يرى بلال مرعي من مدينة إعزاز بريف حلب الشّماليّ:" إنّ كلّ ما يُطرح من عمليّاتٍ سياسيّةٍ وبعض العمليّات المحدودة لدعم الشّباب؛ ما هي إلى مجرّد حُقنٍ مخدّرةٍ لتهميش الفئات الشّبابيّة، وذلك من عدّة جهاتٍ ما بين النّظام الحاكم ومعارضة الخارج التي فرضت نفسها على المجتمع السّوريّ الذي طالب بتغييرٍ شاملٍ وحتّى من دولٍ فاعلةٍ في المجتمع الدّوليّ، فالجميع يبحث عن مصالحه وفي حال تغيير السّياسيّة القائمة لدى المعارضة لن يحدث ذلك.

 

فيما تذهب آراءٌ أخرى

 

حيث يرى عاطف زريق مدير الهيئة السّياسيّة في إدلب؛ أنّ الثّورة أعطت تطوّراً كبيراً وانفتاحاً لجيل الشّباب، ولكن عدم قدرة المعارضة لتشكيل جسمٍ حقيقيٍّ يمثّل الشّعب كان سبباً بعدم الاهتمام، وعدم الإيمان بالملفّ السّياسيّ بشكلٍ عامٍّ، يقول عاطف: " الشّابّ السّوريّ؛ بل الشّعب السّوريّ من أرقى الشّعوب وأكثرها تحمّلاً وأكثرها تعايشاً مع أيّ ظرفٍ، بل بأصعب الظّروف؛ ولا سيّما بعد عشر سنواتٍ من الحرب، ولكن مازال الشّعب السّوريّ والشّاب السّوريّ يقاوم بكافّة السّبل للنهوض بالمجتمع والتّخلّص من الظّلم، وإذا ما انتهت الحرب أرى أنّ الشّابّ السّوريّ يستطيع ببضع سنواتٍ النّهوض بكلّ المجالات على مستوى الوطن ".

 

ويتابع "في بداية الثّورة كان الفكر السّائد؛ هو فكر الثّورة بجميع المناطق المحرّرة ولكن خروج بعض المناطق عن سيطرة المعارضة في الآونة الأخيرة؛ كان سبباً بارزاً لإحجام الشّابّ السّوريّ عن العمل الخدميّ، كما أنّ تدخل العسكر بشكلٍ عامٍّ بالعمل المدنيّ كان سبباً آخر لإحجام الشّابّ السّوريّ والكوادر المدنيّة على العمل الخدميّ ومنها المجالس المحلّيّة.

 

وتبقى اليوم أحلام الشّباب السّوريّ الذي نادى منذ قرابة ال 10 سنواتٍ بالتّعدّديّة السّياسيّة؛ تقتصر أحلامه على رؤية واقعٍ جديدٍ متغيّرٍ على يد أيّ طرفٍ يُعيد لهذا الشّباب طموحاته وأحلامه، أو حتّى إعادته إلى المسار الذي ابتدأه بيده، ويرغب بإنهائه وفقاً للتضحيات التي قدّمها ولازال يقدّمها.

 

 

 

 

 

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard