info@suwar-magazine.org

الهلوجرام الدَّولي في السّويداء

الهلوجرام الدَّولي في السّويداء
Whatsapp
Facebook Share

 

تتميّز تقنية الهلوجرام لاستعراض الصور، بإمكانيّة عرض الصورة كاملة بتسليط ضوء الليزر على جزء منها فقط، أي أنّ كلّ جزء في الهلوجرام يتضمن الكل أو ينطوي عليه.

 

وإذ نلحظ اليوم تضمُّن الشأن الدولي في الشأن الأوكراني، فهو مُتضمَّن في الشأن السوري أيضاً، بل ويمكننا التماس تكراره في محافظة السويداء ضمن الشأن السوري، بحيث يستطيع المراقب لها أن يعيد قراءة الخارطة الدولية وتأثيرها ضمن هذه المحافظة الصغيرة، وصولاً إلى تضمُّن الخارطة الدولية وتأثيرها في الحياة النفسية لأيّ فردٍ في المحافظة، قد يرى في اكتئابه وضياعه قضيةً شخصية، دون الانتباه لمدى انعكاس الواقع العالمي وصولاً إلى المحلي ضمن وعيه وصراعاته النفسية.

 

في سوريا لا زالت القضايا والمطالب التي تأمَّلت الناس حلّها مع مطلع الألفية من دون حل بعد، تلك القضايا المتعلقة بالفساد والنهب والقمع والعدالة الاجتماعية وتوزيع الثروة، والمرتبطة بضرورة إطلاق الحريات السياسية في ظل دستور جديد، وقضاء مستقل يضمن الحقوق وتطبيق القانون على الجميع دون استثناء.

 

وفي حين خرجت الاحتجاجات عام 2011 نتيجة غياب الحلول، وتفاقم الأزمة، وتداخل القضايا العربية، فإن دراماتيكية الأحداث والتدخلات الدولية والإقليمية أوصلت السوريين إلى وضعٍ أعقد من سابقه، فارضاً قضايا ومشكلات طارئة تعيق العودة لنقاش المطالب القديمة الجديدة، وذلك بعد أن انحرف المسار السياسي من كونه داخليّاً ضمن الدولة ولا يخرج على التوازن الدولي فيها، إلى انزلاقه وتزليقه لمواقع الاصطفاف الدولي بشكلٍ قارب أن ينهي الدولة ومؤسساتها، مما حدا بتراجع مطالب السوريين بوصفها الصراع الرئيسي من المشهد، بعد تسيُّد المعركة العسكرية والصراعات الثانوية للمشهد.

 

وعليه لا زالت القضايا الملحَّة التي كان حلّها ضرورياً لإنقاذ البلاد من الحتمية الذاهبة إليها، لا زالت تنخر في واقع الناس المتضررين المباشرين من غياب حلها، وفوقها ما أضافته الحرب والعقوبات من ضررٍ جديد. الأمر الذي يجعل من إمكانية إعادة الانفجار واقعة لا محالة، وهو ما حصل في السويداء في أكثر من مناسبة مؤخراً، حيث أعادت إبراز أزمة البلاد القديمة إلى الواجهة.

 

اقرأ أيضاً:

 

(بدنا نعيش) الحملة التي لم تنتهِ

 

وهنا يرى فريق أن الحل السياسي هو المنقذ للبلاد، ويرتكز برؤيته على عودة الاستقرار الأمني بشكلٍ كبير، ووجود أزمة في معيشة الناس وفي الاستقرار السياسي تحتاج إلى حل، إلى جانب قرار دولي يفتح الأفق أمام التغيير السياسي، ويعزز من إمكانيّة عودة العمل السياسي وتوسيع المشاركة في الشأن العام. وعليه يرى ذلك الفريق أن الدفع باتجاه الحلّ السياسي، يشكِّل فرصةً للسوريين في إعادة إحياء القضايا غير المحلولة والعمل عليها، وذلك بظل القرار 2254 المتفق عليه دولياً. مع لحظ أن تطبيق القرار الدولي بغياب حضور الناس وحقوقها ومطالبها عبر العمل السياسي، قد يفرغ القرار من جزء من معناه، بحيث يغدو إجراءً شكلياً بلا مضمون.

 

في حين يرى فريق الحلّ العسكري في المعارضة أن ضعف السلطة وابتعادها عن الناس، يمكن استغلاله بإعادة إحياء العمل العسكري ضد السلطة من جديد، أو استغلاله لطرح مشاريع جانبية تسمح للناس بالانفلات من المركز وتحكُّمه، وهو ما سيسمح بنظرهم تقرير الناس لمصيرها وحلّ قضاياها. مع لحظ أنّ الفريق الثاني يضع ثقله في معاداة السلطة السياسية بشكلٍ ينحّي جانباً القضايا الاقتصادية والاجتماعية، بل يأتي على حسابها بالضرورة، وقد أثبتت السنوات العشر الماضية ذلك، ودون تحقيق الهدف السياسي.

 

أمّا فريق الحل العسكري الأمني في السلطة فيرى أنّ المشكلة في سوريا حديثة العهد، وهي نتيجة الإرهاب وعملائه والعقوبات الخارجية، والحلٍ يكون بالتوحُّد السياسي والعسكري خلف السلطة بوجههم.

 

بين فريقي الحل السياسي والحل العسكري، لنسأل ماذا يريد الناس، علَّ ذلك السؤال يكون نبراساً لمعايرة الطروحات السائدة.

 

في سوريا اليوم تتمسّك أقليّة موجودة في السلطة والمعارضة باللا حل، بمن خلفهم من دول داعمة لذلك، وبعض المستفيدين من استمرار الأزمة، في حين تعيش الغالبيّة الساحقة من الشعب السوري تحت رحمة اللا حل واستمرار المعاناة –في الداخل والخارج- واستنزاف مقدرات البلاد ومقدراتهم.

 

حيث يعيش السوريون اليوم في وضعٍ أمني ومعيشي كارثي، تندر فيه الخدمات والطاقة وضروريات الحياة الأساسية بما في ذلك الغذائية والدوائية، مع وجود شبه توقف في عجلة الصناعة والزراعة، إلى جانب عقوبات قانون قيصر، وانتشار السلاح العشوائي. وإذ بالكاد يعيشون أيامهم على مضض، وبطريقة إسعافية، فما هو الحلّ المنتظر من قبلهم وكيف يناسبهم شكله؟

 

لطالما كانت السياسة والعمل في الشأن العام، تعني العمل بما يخدم مصلحة ومعيشة الناس ونقلها للأفضل، أي التفكير بماذا يريد العامل والفلاح والمهني والصناعي وأصحاب رؤوس الأموال الوطنيين، والتفكير بالتعاقد الاجتماعي الأمثل لازدهار البلاد، وما تحتاجه بنيتها التحتية للتطوير، وكيف يمكن للناس أن تشارك في نهوض ذلك كله. من هنا ومن واقع الناس اليوم يمكننا أن نصل إلى جواب أيُّ الطريقين أسلم وماذا ينقصه، فهل يكون الجواب بإعادة النفخ في رماد المعركة العسكرية أو الحفاظ على خنادقها، أم يكون بالانطلاق من الواقع القائم وتفكيكه ونفيه جدلياً وتطويره؟

 

يعني الحل العسكري اليوم -أو عدم الخوض في الحل السياسي- إطالة أمد ما حملته السنوات الإحدى عشر الماضية من دمارٍ واستقطابٍ وتعاركٍ بين السوريين بما يودي بما تبقى لهم من رمق، وسيعني الدخول في سيناريو أشبه بالعراق أو ليبيا إن سقطت مؤسّسات الدولة جراء أزماتها أو المعارك، ودون أن يحقّق ذلك أيّاً من مطالب الناس والقضايا العالقة منذ عقود بطبيعة الحال، بل ابتعاد إمكانيّة حلّها أكثر، وتهجير قسم جديد وتحويلهم لسكّان مخيّمات جديدة. وكذلك فإنّ البحث عن تشكيل كياناتٍ انفصالية لن يوفِّر مقومات الحياة المتكاملة لأيّ كيانٍ منها، ولا يعني سوى تفتيت طاقة السوريين وتذرير مقدراتهم، وربطهم بالمساعدات والإملاءات الخارجية.

 

أي أنّ دعاة الحلّ العسكري ينطلقون من قراءة ميتافيزيقة للواقع، وكأنّه معزول وثابت لا يتغير إلّا من الخارج، ويجب الحفاظ على ثباته كما ترى السلطة وتتهم بالعمالة للخارج كلّ من يحاول التغيير وتكتفي بحماية نفسها من ذلك الخارج، وبما يوازي ذلك ترى المعارضة الداعمة للحلّ العسكري بضرورة تدمير الواقع من الخارج والبناء على جثته، بدل الانطلاق منه نظراً لاستحالة تغييره من الداخل حسب رؤيتها.

 

في حين أن الحلّ السياسي، سيدفع بالقضايا إلى حلبة السياسة وجدلها، وستعمل الناس على ربطه بالجانب الاقتصادي والاجتماعي، والدفع بهم سويّةً، إن ترافق بإحياء العمل السياسي، وانخراط الناس في الشأن العام، بحيث يشكِّلوا بعملهم المضمون المتناغم مع شكل القرار. وسيعني كذلك استعادة تماسك البلاد وجزء كبير من ثرواتها الباطنية والغذائية وبالتالي إبعاد شبح المجاعة وتحسُّن واقع الخدمات والكهرباء والمحروقات، وما يعنيه ذلك من إمكانية عودة جزئية للزراعة ولبعض المعامل والمهن، وتخفيف الضغط المعيشي على المجتمع، وزيادة تحصين البلاد والمجتمع في الوقوف بوجه الإرهاب. وإن كان نهوض البلاد من كارثتها يحتاج مساراً طويلاً، لكنه لن يبدأ دون وضعها على السكة الصحيحة، ودون الخروج من مسار الهبوط الحالي.

 

وإذ تشكِّل تلك الحلول إنقاذاً إسعافياً لتدهور وضع السوريين حالياً، فلا مناص لهم من البدء بنقاش قضاياهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية العالقة منذ عقود، والتي لا يمكن حلّ جانب منها دون الجوانب الأخرى، ولا يمكن ذلك دون استعادة المجتمع للشأن العام والعمل السياسي، والتشارك في رسم مستقبل البلاد، عبر دفة الدولة الوطنية، شكل الوجود السياسي للمجتمع، والتي عبرها فقط يمكنه بلورة إرادته العامة.

 

أي أنّ الحل السياسي عبر القرار الدولي وحده قد لا يعبِّر عن مصلحة الناس إن لم يكونوا حاضرين فيه، وذلك عبر استنهاض العمل السياسي بمختلف أشكاله، فالحقوق لا تُمنح بل تُصاغ وتُؤخذ، وقد يهدّد غياب العمل السياسي بإفراغ الحلّ من مضمونه بالنسبة للسوريين بجعله شكلاً بلا مضمون، إن لم يجعلوا قضاياهم في صلبه. لكنّه سيفتح المجال بطبيعة الحال نحو إمكانية استكمال عناصره.

 

دون استنهاض العمل السياسي لن يتمكن السوريون من وضع قدمهم على طريق النهوض، مهما قدّموا من تضحيات، وها هي أوكرانيا اليوم تجتذب تعاطف العالم أجمع مع شعبها، لكن أيّ فردٍ فيها يدرك عبثية التعاطف بعد وقوع الواقعة، كما يدرك شابٌ يجلس في سوريا اليوم عبثية التعاطف معه طالما الضياع والضبابية تحكم مستقبله.

 

ولطالما أرانا الهلوجرام انعكاس الواقع الدولي في سوريا والسويداء ضمناً. فقد بات جلياً للجميع إمكانية العبور عبر الواقع الدولي أيضاً، وما يمكن أن يستجلبه تسليم ساحة سوريا لإحياء صراعه عليها، أو استمرار ضعف تماسكها أمامه. وقد بات جليّاً أيضاً ما يلوح في أفق الواقع الدولي اليوم من حلٍ يتيح للسوريين فرصةً للخروج من أزمتهم عبره، ويبقى عليهم التقاطها وملاقاتها إلى منتصف الطريق، أو رميها وإطلاق العنان للتدهور، وإبعاد الخلاص أكثر فأكثر.

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard