info@suwar-magazine.org

 عن ماذا يكتب أطفال سوريا اليوم حين يمتلكون بيتاً للحكايا؟

 عن ماذا يكتب أطفال سوريا اليوم حين يمتلكون بيتاً للحكايا؟
Whatsapp
Facebook Share

 

 

"صنعوا له عربة، ونسوا أنّ الطفولة ليس لها عضلات" بهذه العبارة اختتمت لمار (11 عام) قصتها (سلال بلاستيكية)، التي تناولت فيها بأسلوب أدبي شيّق موضوع عمالة الأطفال، مُشيرة بحسّ طفولي إلى معاناة الأطفال المجبرين على العمل في ظلّ الحرب.

 

سلال بلاستيكية واحدة من ثلاثة وعشرين حكاية خطتها أيدي أطفال بأعمار ما بين الست سنوات وحتى عمر الثامنة عشرة، ضمن مشروع بيت الحكايا.

 

المشروع المقام في مدينة شهبا - السويداء، هو ورشة عمل تُعنى بمواهب الأطفال الأدبية، ويضمّ قرابة 50 طفلاً من الجنسين، منذ إعلانه عام 2018،  ويقدّم مساحة صديقة للطفل، تسمح له بالكتابة والتعبير، ثم سرد نتاجه الأدبي عبر الإلقاء المباشر والمسرح أو الـ (ستاند أب كوميدي)، لإيصال أصوات الأطفال لمجتمعهم.

 

الحكاية كأداة للتعبير

 

تجيبنا كلّ من سهام عامر ومنتهى ناصيف المسؤولتان عن بيت الحكايا عن سؤال (لمَ الحكاية كأداة للتعبير؟): لأنّ كل أنواع الفن من أفلام ومسرح ومسرح دمى أساسها هو الحكاية. وتضيف منتهى: "وقع اختيارنا على القصة القصيرة والقصة المصورة كي تصل إلى كل طفل وكل بيت، والأهم من ذلك قدرة الأطفال على تحويل قصصهم لمسرح عادي أو مسرح عرائس (ماريونيت)، حيث يجمع بيتنا المهتمين بكتابة القصة، المهتمين بمجال المسرح من الأطفال".

 

كما يجد المشاركون/ات من الأطفال في الكتابة أداة للتفريغ وإيصال ما في داخلهم للآخرين، وإن كانت نسبة القراء اليوم بحسب رأيهم/ن قليلة.

 

 تتناول الحكايات المكتوبة قضايا معقّدة تصب في عمق الواقع السوري، كالهجرة القسرية، السفر، قضايا الانتماء الضيّق للعائلة والشغف نحو الانتماء الأكبر للإنسانية، عمالة الأطفال، رفض العنف وقضايا أخرى بمعالجة أدبية من منظور طفولي لواقع حال سوريا اليوم.

 

 

سرد الأطفال للواقع المعقّد

 

توضّح كلّ من سهام عامر ومنتهى ناصيف إلى أنّ الطفل السوري اليوم كبر قبل أوانه بكثير، وبات للكثيرين منهم/ن القدرة على المحاكمة العقلية المذهلة والمعرفة المكتسبة من التجارب الصعبة والمروعة التي قاسوها وعاشوها، ولأنّ الأطفال حقيقيون وصادقون، فهم يكتبون ما يشعرون به، وما يفكرون فيه، وما يحلمون بتحققيه.

 

اختيار الأطفال لقضايا إنسانية جاء تعبيرا عن معانتهم اليومية ومعاناة أسرهم، بشكل بوح بعيد عن المثالية - التي يرفضها عقل الطفل دائما – حيث كنا دائما نجد أنفسنا أمام موضوعات تفرض نفسها بسبب الواقع الصعب الذي فرضته الحرب.

 

عندما تمتلك الحكاية بيتا يصبح للأطفال مساحة للتعبير عن أنفسهم بعيدا عن الجو التقليدي للمدرسة، حيث يؤمّن بيت الحكايا بحسب القائمين/ات عليه حيزا لطرح الأفكار، وتنظيم المناقشة، الإصغاء، والحوار الفعّال، يتقبّل  فيه الأطفال ملاحظات زملائهم، وتسعى المُشرفات للتنبيه إلى المفردات التي تكرس العنف، والتركيز على المحتوى الذي يعزّز السلام ويساعد الأطفال على التفريغ النفسي وتقبل الآخر. وفي نهاية كل موسم ينتج الأطفال مجموعة قصصية جاهزة ليسمعها الأهالي، وبعض المهتمين من أدباء محليين ومعارف. ثم يتم تنقيح القصص لتصبح جاهزة للنشر.

 

مجموعة (صرخة)

 

تناولت هذه المجموعة القصصية مواضيع جريئة، حيث كتبت يارا (12 عام) في حكايتها بعنوان: كيفك؟ "وما أهمية الأسماء يا جدة؟ أن أكون ابنة يامن أو أيمن أو علاء، كلها أسماء لا نختارها نحن الأبناء" بوعي مبكر لانتماء أكبر من الانتماء العائلي، وسعي نحو التفرد والنظر إلى الطفل بخصوصية، بعيدا عن المألوف في مجتمعاتنا.

 

 

 

كما تسألت إنانا (6 أعوام) في قصتها (لماذا) "لماذا يصطادون العصافير؟ ستكون السماء جميلة والعصافير سعيدة عندما لا تُرعبها البنادق"  لتضيف مدركة قدرة الإنسان على افتعال العنف: "قرّرت أن أحدّث أمي عما حدث معي، ثم لذت بالصمت، فأمي كانت مشغولة بتجهيز أغراض والدي، الذي خرج حاملا زوادته وبندقية الصيد" بهذه الكلمات البسيطة نشدت الطفلة ذات الستة أعوام السلام وأعلنت رفضها للعنف.

 

وعن رهاب الامتحانات حدثنا حيان (13 عام) بأسلوب ممتع، كيف تحول كل ما حوله إلى الرقم تسعة، مشيرا إلى الضغط الهائل الذي يتعرّض له الطفل في امتحانات الشهادة الإعدادية من قبل المدرسة والأهل والمحيط، وكيف عليه أن يُقاوم مخاوفه ويتصالح مع ذاته لتخفيف الضغط في قصة بعنوان: (انت تاسع.. اقرا مليح.. لا تلتهي).

 

 

هل الأطفال أكثر قدرة على كتابة أدبهم؟

 

يجيبنا الأستاذ بيان الصفدي – أديب وشاعر الأطفال السوري: "الكبار هم الأقدر، لأنّ عملية الكتابة الأدبية تغتني وتتكامل مع نضوج الإنسان عمريا وثقافيا، وهذا النوع من الأدب يحتاج لأدباء مختصين بهذا الجنس الأدبي، وفي سوريا حركة متقدّمة عربيا". لكنه يثق أيضا بتجربة بيت الحكايا وأنها ستكون منطلقا لعدد من المبدعين مستقبلا. نظرا لمستوى الأطفال الممتاز، وقدرتهم على التعبير الأدبي المدهشة، من حيث الخيال والحدث والحوار والعمق والجمال.

 

يُشاطره الرأي الروائي والكاتب السوري خالد خليفة الذي شارك على صفحته على فيسبوك صورا من فعالية بيت الحكايا وعلّق قائلا: "من هنا البداية الصحيحة. أحب بيت الحكايا في شهبا - السويدا. أحب ما تفعله منتهى ناصيف وسهام عامر بكل شغف وهدوء".

 

أخيراً عن تأثير الكتابة على المجتمع يرى الأستاذ بيان الصفدي أن تغيير الواقع وقيم المجتمع عملية معقدة وطويلة الأمد، وتأثير الأدب في ذلك لا تظهر نتائجه بسهولة وسرعة، لكن بلا شك أنّ دور الكلمة ضروري، من دون أن ننتظر تغييرا سريعا.

وترى كل من سهام عامر ومنتهى ناصيف أنّ التغيير ممكن، لأنهن يؤمنّ بطاقة الجماعة وخاصة الأطفال، وتضيفان: "في ورشة بيت الحكايا نحن نحث الأطفال على الكتابة، ليفرغوا ما في جعبتهم من مخاوف، وليكونوا اكثر توازنا في المستقبل، وفي الحقيقة فإنّ أحد أهم أهدافنا: أن نساعدهم. فالكتابة فعل نجاة بالنسبة لنا ولهم. لعلنا ننجح يوما ما."

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard