info@suwar-magazine.org

زلزال جنديرس الجيولوجي يتطلب افتحاصاً سياسياً

زلزال جنديرس الجيولوجي يتطلب افتحاصاً سياسياً
Whatsapp
Facebook Share
 

مضي أكثر من عام على الزلزال الذي ضرب شمالي سوريا وجنوب تركيا 6 فبراير/ شباط  عام 2023 بلغت قوته  7.8 درجات على مقياس ريختر والذي أدّى إلى خلط أوراق سوريا السياسية آنذاك ووضعها ضمن الأولويات بعد سنوات من الحرب على أراضيها، وبموجب ذلك أعيد النظر في جميع السياسات داخل سوريا وخارجها بما يتواءم مع الوضع في المناطق المتضررة جراء الزلزال.

 

لا تزال وإلى الآن بلدة جنديرس/جندريسه الواقعة جنوب غرب مدينة عفرين الكردية أكثر المناطق تضرراّ من الزلزال المدمّر، وما كان يزيد المشهد سوءاً في جنديرس هو عدم إيصال ما يلزمها من مستلزمات لوجستية وإغاثية مع غياب المقوّمات الأساسية الضرورية للحياة، حيث التدخّل فيها لم يكن كما المطلوب خلاف المناطق السورية الأخرى/ إدلب – اللاذقية – حلب- حماه/ والتي اعتبرت مناطق منكوبة حسب القرار الدي أصدره مجلس الوزراء السوري بعد مرور 5 أيام على وقوع الزلزال.

 

بفعل كارثة الزلزال باتت بلدة جنديرس الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية وتركيا مدمرة بشكل شبه كامل حيث عدد الضحايا الكبير والمقدر بأكثر من 700 قتيل والأبنية السكنية المهدمة ما تقارب 250 مبنى وكذلك المتضررة بنحو أكثر من 1000 مبنى كانت تحوي عدداً هائلاً من  الجثث، والأكثر إيلاماً هو وجود العديد من الأحياء تحت الأنقاض وركام الأبنية المنهارة ولم يكن من الممكن الوصول إليهم ومساعدتهم للخروج وقد فارقوا الحياة بسبب ضعف وقلة الفرق المتخصصة لإنقاذهم إلى جانب انعدام المعدّات اللازمة لإخراجهم وفقاً لمنظمات حقوقية ومدنية.

 

التعمّد في إقصاء الكرد من المساعدات

 

وفي هذا السياق أوضح الصحفي روج موسى: "أنّ الإحصائيات تشير إلى أن منطقة عفرين هي المنطقة الوحيدة في سوريا تتجاوز نسبة الكرد فيها 95% وهم السكّان الأصليون في تلك المنطقة ومن الممكن القول بأنّ النسبة قد تصل ل98% مع وجود عائلتين من المكوّن العربي فيها" منوهاً :" أنه وخلال فترة الزلزال لم تقدم أيّة مساعدات إغاثية أو طبيّة أو مالية بشكل مناقض لِما انتشر على معرفات وسائل التواصل الاجتماعي أخبار مفبركة ومضللة بالإضافة لفيديوهات توثق توزيع المساعدات على الكرد في بلدة جنديرس، إلا أنّه قد كُذب الخبر من قبل المستوطنين فيها وأكّدوا أنّ الكرد لم يتلقّوا مساعدات من أيّة جهة حسب تواصلنا مع الأهالي هناك".

 

كان من الممكن تخفيف وطأة الألم على الكرد بجنديرس إلّا أنّ مشاعر الغضب والمرارة زادت وخاصّة في إحياء الذكرى الأولى لتلك الفاجعة حيث حكومة النظام السوري لم تولهم أيّ اهتمام ولم تمدّ لهم يد العون بل وغابت عن الساحة الكردية كليّاً، مما أجّجت الصراع أكثر مما هو عليه من حالة التشرذم والانقسام التي تعيشها البلاد منذ أكثر من عقد من الزمن تزامناً مع بدء الثورة السورية.

 

يعقّب موسى على التمييز الحاصل بين جنديرس والمناطق السورية الأخرى المتضررة من الزلزال قائلاً: "بكلّ تأكيد كان هناك تمييز بفعل الزلزال الذي ضرب بشكل كبير شمال غرب سوريا، أي على طول الخط الممتد من الباب إلى إدلب وخلال تلك الفترة كانت توجد في إدلب آليات تعود للدفاع المدني التابع للخوذ البيضاء تسمح بشكل قوي بإنقاذ الضحايا، إلّا أنّها لم تتوجه إلى عفرين، مثلاً بلدة سلقين كانت مدمّرة بشكل شبه كامل.

 

وأشار موسى إلى أنّه كان يوجد فائض بالآليات في مناطق تبعد عن جنديرس بحدود 30 أو 40 كم وبعضها كانت متوقّفة عن العمل بحكم أنّها ضمن الاحتياط، والآليات التي كانت تنقِّب في جنديرس كانت تابعة للدفاع المدني وتركَّز عملها وبشكل أساسي ضمن الحارات والأماكن التي يقيم فيها المستوطنون أكثر من السكّان الكرد الأصليين.

 

وأكّد موسى: "بأنّ الفصائل كانت توجّه الآليات الخاصة بالبحث والتنقيب والإنقاذ إلى حي الصناعة حيث تمركز المستوطنين التابعين لعوائل الفصائل المسلحة من حي الوعر وبدؤوا التنقيب فيها على عكس الأحياء الكردية الأخرى، حيث الأهالي الكرد كانوا يقومون بعمليات التنقيب بشكل ذاتي بالأدوات البدائية والأدوات الزراعية الموجودة وأيضاً بالأيادي، وكان هناك تمييز واضح ليس فقط بآليات الإنقاذ وإنّما بالمساعدات أيضاً رغم أن المساعدات كانت تدخل عن طريق معبر حمام البعيد عن جنديرس 10 كم وكانت هذه المساعدات تتوجه للمخيمات التي بنتها الفصائل في إعزاز وإدلب ولكن دون تقديم جزء منها للأهالي في جنديرس".

 

اقرأ أيضاً:

 

            كل شي بقوة السلاح في مناطق شمال سوريا التي تحتلها تركيا

 

إقران القول بالفعل..ولكن؟

 

استغل النظام السوري كارثة الزلزال لصالحه من الجانبين الاقتصادي والسياسي في سبيل ترسيخ مكانته عربياً ودولياً وسمح بمرور المساعدات الإنسانية المحلية والإقليمية والدولية إلى شمال غرب البلاد الذي تسيطر عليه المعارضة السورية، إلّا أنّه استولى على كافة المساعدات الخارجية عوضاً عن توزيعها وإيصالها إلى المتضررين من الزلزال في بلدة جنديرس الكردية واستمر في معاندته لتقديم الدعم للكرد المتضررين بمنطقة عفرين حتى باتت طي النسيان في سبيل سحقهم وقمعهم بالأسلوب المتّبع من ذي قبل حسب ناشطين وحقوقيين وشهود عيان.

 

كان الوضع الطبي في جنديرس أُثناء الزلزال سيئاً ومتفاقماً للغاية، حيث نقص في المعدات الطبية بنسبة كبيرة جداً والإهمال المتعمد من قبل الأطباء وجهات طبية أخرى أدى إلى وفاة الكثير من المصابين وحتى ذي الإصابات الخفيفة أيضاً والتي كان من الممكن علاجها من المواطنين الكرد الأصليين ومن المستوطنين أيضاً.

 

ويُذكر أنّه تم توطين ما يقارب ال 500 ألف من مهجري حلب وحمص وإدلب وريف دمشق ودير الزور وأغلبهم من عوائل المسلحين أثناء عملية غصن الزيتون في مدينة عفرين سنة 2018  وتهجير أكثر من 75% من السكان الأصليين من الكرد بهدف التغيير الديموغرافي بالمنطقة الكردية و تحويل المنطقة الكردية إلى منطقة تابعة للاحتلال التركي وخاصّة خلال الحرب والصراعات العسكرية والسياسية الدائرة في سوريا وقتذاك والتي بسببها نزح ما يقارب ال200 ألف شخص إلى مدينة عفرين .

 

وقال موسى في هذا الصدد: "أنّه كان يوجد هناك فصيل العمشات بقيادة أبو عمشة أقام ثلاث مخيمات حول جنديرس  واستوطن فيها عوائل المسلّحين والعوائل الموالية لهم الذين سبق واستولوا على بيوت أهالي عفرين المهجّرين منها عام 2018 أثناء عملية غصن الزيتون على المدينة واحتلالها، إلّا أنّ أهالي عفرين هذه المرة بقوا في منازلهم خوفاً من الاستيلاء عليها وهدمها، ورصدت حالات عدّة في جنديرس حيث البيوت كانت قابلة للإصلاح ولكنهم هدموها بحجّة أنّها غير قابلة للإصلاح والسكن".

 

مردفاً: "أنّ النقطة الأهم هي أنّ المساعدات كانت تتجه لتلك المخيمات التي نصبت من قبل الفصائل ولم توزّع المساعدات عن طريق المنظمات  أو الجمعيات، بل بإشراف الفصائل المسلحة وعناصرها المسلحة المصنّفة ضمن قائمة العقوبات الأمريكية لدى الخزانة الأمريكية وبحماية عسكرية وليست أمنية"، مؤكّداً : "أنّه قد سُمح لجمعية البرزاني الخيرية الكردية للدخول إلى جنديرس خلال أيام بعد الزلزال، إلّا أن المساعدات لم تقدَّم للأهالي خلال الأيام الأولى من مرحلة الإنقاذ وانتشال الجثث".

 

و بالنسبة لتعامل حكومة النظام السوري مع تقديم المساعدات للسكان الكرد الأصليين في جنديرس خصوصاً وفي عموم عفرين أفصح موسى بأنّه لم يكن الأمر بالنسبة لهم ذات أهمية، وتمّ تقديم مساعدات بسيطة للمناطق المتضررة في حلب ولكنّها لم تقدّم أيّة مساعدة تذكر على اعتبار أن المنطقة واقعة تحت سيطرة الحكومة التركية وبالتالي تركيا هي المسؤولة عنها بالدرجة الأولى (الدولة المحتلة للأراضي السورية)في تقديم كافة الخدمات لها وعلى كافة المستويات.

 

مضيفاً: "كلّنا يعلم أنّ تركيا خلال الأيام الخمسة الأولى منعت دخول المنظمات الدولية والإقليمية والمحلية على اعتبار أنّها أولى بالمساعدات وآليات الإنقاذ، وباعتبار تركيا هي الدولة المحتلّة للأراضي السورية حسب القانون الدولي فمن المفترض أن تفرض شروطها على المجالس المحلية التي هي أنشأتها أساساً بعد 18 آذار 2018، ولهذا السبب لم تتعاون حكومة النظام السوري في تقديم المساعدات، وأظنّ أنّ المرحلة القادمة ستكون كرت دخول لحكومة النظام في مسألة ضمان حقوق المهجّرين، فالكثير من البيوت انهارت في جنديرس ومناطق أخرى في عفرين بشكل عام كان ملّاكها وسكانها الأصليين من الكرد مهجّرين منها أي بمعنى آخر ستقوم الفصائل ببناء مبان جديدة على الأرض التي تثبت الملكية للمستوطنين الجدد لذلك يتوجّب على حكومة النظام السوري القيام بخطوات جديّة وعمليّة حيال هذا الأمر، حيث كامل السجلّات القانونية العقارية موجودة عند الحكومة، لكنني أعتقد أنّ هذا الأمر غير وارد بحكم أنّ النظام منشغل بشؤونه الداخلية والأوضاع الاقتصادية السيئة والتدخّلات الإيرانية والروسية وأمور أخرى نحن بغنى عن ذكرها حالياً".

 

المشهد الإعلامي على محكّ الكارثة

 

من الطبيعي أن تقوم الصحافة محلياً وإقليمياً ودولياً بإخبار الجمهور بوقوع أيّة كارثة وأن تكون في الجبهات الأمامية، وأن تساهم في إذكاء العقل بمأساتهم ومعاناتهم اللامحدودة إلّا أنها أخفقت وخاصة الإقليمية والدولية هذه المرة في نقل أصوات المتضررين من هذا الزلزال الكارثي وبصورة خاصة في منطقة عفرين وتحديداً في بلدة جنديرس.

 

سعى الإعلام المحلي في بادئ الأمر إلى نقل حقيقة الأوضاع في جنديرس وتناولها والتعاطي معها كما هي حسب الإمكانات المتوفرة سواءً الإعلام المستقل أو الإعلام التابع للإدارة الذاتية أو حتّى تلك التابعة للمعارضة وأوصلت صوت جنديرس الإنساني إلى الجهات الدولية ولكن حالت دون أن تقوم أيّة جهة بتقديم المساعدات للكرد هناك إلّا بجزء بسيط جداً، وكان الصحفيون العاملون في الوسائل الإعلامية المحلية  يقومون بالتغطية رغم الظروف المناخية السيئة و تواجد أهالي الكثير منهم تحت الأنقاض وحالة الفقدان التي يعيشونها.

 

وبالمقابل وتزامناً مع تقاعسها في تقديم المساعدات للكرد في جنديرس غاب الإعلام التابع لحكومة النظام عن تغطية تلك الكارثة بذات المنطقة بعد تعتيم كلّي لدور الإعلام ذاته في نقل الصورة الحقيقية للعالم خلال السنوات الخمس الأخيرة من احتلال مدينة عفرين من قبل الدولة التركية، الأمر الذي طرح العديد من التساؤلات وحسب بعض المحلّلين فإنّ الإعلام المركزي من خلال الاستهداف الذي كان موضوعاً بطريقة ممنهجة ابتعد عن نقل صورة الوضع الكارثي لما حصل لجنديرس وسعى لخلق حالة من التوتر وتفاقم الأزمة أكثر من كونها متأزمة ومعقّدة بما فيه الكفاية.

 

وخلال الزلزال دخلت العديد من الوسائل الإعلامية العالمية إلى جنديرس وفي سياق تغطيتها الإنسانية تغافلت بل وتعمّدت أن تخفي الحقيقة وقامت بتغيير حقائق قائمة سواءً بخصوص أصحاب المنازل وأهليّة ملكيتهم لتلك البيوت أم أنها عائدة للمستوطنين داخلها، وكذلك بالنسبة للانتهاكات التي تعرّض لها السُكّان الكرد الأصليين.

 

الزلزال الجيولوجي وخسائره

 

الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا كان من أشدّ أنواع الزلازل ضرراً على البنى التحتية والبشرية جمعاء على عمق عميق نسبياً خلال القرن العشرين مقارنةً بصدع سان أندرياس في كاليفورنيا مسببةً صدعاً كبيراً امتد على طول ال100كم ما بين الصفيحتين العربية والأناضولية، هذا الزلزال كان يملك قدراً كبيراً من الطاقة المنبعثة و قُدِّرت أنّها تزيد بمعدل 250 مرة عن الزلزال الذي ضرب وسط إيطاليا عام 2016 ذات القوة 6.2 درجة حسب جوانا فور والكر رئيسة كلية لندن الجامعية للحد من المخاطر والكوارث.

 

وحسب علماء الجيولوجيا فإنّ المباني التي تهدمت وانهارت لم تكن ممتثلة للمعايير المقاومة للزلازل وخاصّةً في سوريا وهذا هو العامل الرئيسي في حدوث الكمّ الهائل من الانهيارات والتي أدّت بدورها إلى فقدان نسبة كبيرة من الأرواح.

 

والجدير ذكره وبحسب الأمم المتحدة، فقد توفي أكثر من 6000 سوري في الزلزال، إلّا أن العديد من المنظمات قدّرت الحصيلة النهائية بأكثر من 8000 ضحية، بالإضافة إلى أن الشبكة السورية لحقوق الإنسان وثقت الحصيلة النهائية بأكثر من 10 آلاف.

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard