info@suwar-magazine.org

فيلم Crash اصطدام

فيلم Crash اصطدام
Whatsapp
Facebook Share

 

( جدلٌ غنيٌّ في أزمة العنصرية في العالم المعاصر)

عمار عكاش

 

يعرّج الفيلم على مشكلةٍ تقضّ مضجع العالم الحديث، وهي صدام الثقافات والإثنيات المختلفة، أو ما يسمّى أحياناً بحروب الثقافات وصدام الحضارات. تجري أحداث الفيلم في لوس أنجلوس التي تبدو مسرحاً ملائماً لمثل هذا الجدل السينمائيّ الذي يقدّمه المخرج Paul Haggis؛ أفرادٌ مبعثرون في خضمّ محيطٍ بشريٍّ هائل، يهيمن فيه الخوف من الآخر ذي الثقافة المختلفة، وتستحوذهُ التحيّزات والأفكار المسبقة المبنية على أسسٍ عرقيّةٍ واجتماعيّة. يختار المخرج تقديم شخصياتٍ متنوّعةٍ تتقاطع أقدارها في مشاهد مبعثرةٍ يغلب عليها الطابع العنفيّ، تتصادم، كما يقترح عنوان الفيلم. ولا تقتصر رمزيّة التصادم على العنوان بل تظهر في الترميز للسلطة والموقع الاجتماعيّ من خلال وسائط النقل، فباصات النقل العام تعبّر عن السود المهمّشين، والسيارات الفارهة تمثّل صناعة السينما ورجالات السياسة، حتى أنّ الفيلم يبدأ وينتهي بحادثة تصادم سيارتين.

 

في اللقاءات العَرَضية بين أناسٍ مختلفين تتكشّف تناقضات الشخصيّات النفسيّة، فنجد شخصيّة الشرطيّ الأبيض العنصريّ الذي يتحرّش جنسيّاً بامرأةٍ سوداء أثناء تفتيشها أمام أعين زوجها المخرج السينمائيّ. ثم لا يلبث الشرطيّ الأبيض أن يظهر في موقفٍ إنسانيٍّ يرعى فيه والده المسنّ المريض، الذي فقد عمله بسبب السود. ويعود الشرطيّ نفسه، في مشهدٍ آخر، وينقذ المرأة ذاتها التي تحرّش بها من الموت حين ينتزعها من قلب سيارتها المقلوبة بعد حادث سير، بل ويخاطر بحياته في سبيلها. التناقض نفسه نجده في شخصية المرأة البيضاء الثريّة (تؤدي دورها ساندرا بولوك)، المتزوّجة من أحد رجالات السياسة. في بداية الفيلم تشعر بالخوف لرؤيتها رجلين أسودين يمرّان قربها، ثم لا نلبث أن نكتشف أن خوفها مبرّرٌ حين لا يخيّب الرجلان الأسودان توقّعاتها العنصريّة ويسرقان سيارتها. وفي مشهدٍ لاحقٍ تبدي عدم ثقتها بصانع الأقفال لمجرّد كونه لاتينيّاً. وكما يحدث مع شخصية الشرطيّ نجد أن هذه المرأة الثريّة معذورة، فهي تعاني من الإحباط والوحدة. فحين تتعرّض لإصابةٍ في قدمها لا تكترث لها جميع صديقاتها الغنيّات، لكن خادمتها اللاتينية الطيّبة تعاملها بحنانٍ وصدق، فتخاطبها باكيةً: "أنت صديقتي الوحيدة".

 

ورغم أن الموقف الذي يتبنّاه المخرج بعدم وجود بشرٍ أشرار أو خيّرين بالمطلق موقفٌ مقبولٌ من حيث المبدأ، لكنه يغالي في مناقشة العنصريّة على مستوى الفرد ودوافعه الشخصيّة المحضة، وكأنّه يتبنى موقفاً يقول إن البشر لا يقبضون على مصائرهم. لا يوجد إيحاءٌ بوجود أسبابٍ بنيويّةٍ أو سياسيّةٍ للمشكلة العنصريّة، وكأنّ هذه الصدامات من الطبائع الحتميّة للبشر لمجرّد وجودهم في مكانٍ واحد. وخطورة طرح المخرج أنه يلتمس الأعذار للشخصيّات البيضاء وكأنّ المسألة مجرّدةٌ من أية قدرةٍ على اتخاذ قرارٍ شخصيٍّ بمعاداة العنصريّة، ومبنيةٌ على مجرّد سوءٍ في الفهم. حتى في المشاهد الأخيرة نجد الفيلم ينتهي بحادثة قتلِ شرطيٍّ أبيض (معادٍ للعنصرية) لرجلٍ أسود (بدوره لا يحمل تشنّجَ السودِ ضدّ البيض)، لمجرّد سوء تفاهمٍ ظنّ بسببه الشرطيّ الأبيض أن الرجل الأسود سيهاجمه.

 

يُسجَّل للفيلم غوصه في النواحي النفسيّة للشخصيّات ببراعةٍ محبّبةٍ، رغم تقزيمه لأزمة العنصريّة. إضافةً إلى سلاسة السيناريو ورشاقة الانتقال من شخصيّةٍ إلى شخصيّةٍ ومن مشهدٍ إلى مشهدٍ بطريقةٍ تشبه السكيتش. والحوارات متقنةٌ لا يوجد فيها أيّ إسهابٍ أو مجانيّة، ولذلك نشعر أن الفيلم يستحقّ متابعة كلّ ثانيةٍ فيه. وفي اعتقادي أن أهمّ ما في الفيلم هو الجدل الغنيّ. لكن المخيّب للآمال ذاك الاحتفاء المبالغ به بالفيلم، مما يذهب بقيمته الفنيّة وعلاجه لإحدى أهم مشكلات عالمنا المعاصر.

 

 

 

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard