info@suwar-magazine.org

التنظيم والنظام يحاصران دير الزور، ومطالب بإبعاد المدنيّين عن الحرب

التنظيم والنظام يحاصران دير الزور، ومطالب بإبعاد المدنيّين عن الحرب
Whatsapp
Facebook Share

 

أحمد العلي

 

يمرّ الجزء الخاضع لسيطرة النظام من  مدينة دير الزور بظروفٍ إنسانيةٍ صعبةٍ، وسط حصارٍ خانقٍ يفرضه تنظيم الدولة الإسلامية.

وتعيش هذه الأحياء من المدينة في عزلةٍ شبه تامةٍ في ظلّ انعدام الاتصالات، نتيجة إقدام التنظيم على قطع خدمة الإنترنيت عن المدينة، بعد ضرب الكبل الضوئيّ في منطقة "الشولا" بريف المحافظة، ما أدّى إلى عزل المدينة عن باقي أجزاء سوريا والعالم، وسط انقطاع شبه مستمرٍّ في الاتصالات الأرضية والهواتف النقالة.

يقول محمّد المحمّد، وهو أحد أبناء المنطقة، لـ"صوَر": "أرسلت مديرية الاتصالات التابعة للنظام ورشةً لصيانة الكبل الضوئيّ، ولكن تنظيم الدولة قام بمصادرة سياراتهم واعتقلهم لمدة 24 ساعةً، ثم أجبرهم على العودة سيراً على الأقدام لمسافة 30 كم."

 

ويضيف المحمّد: "نتج عن ذلك توقف جميع أشكال الاتصالات مع سوريا، وكأنّ أهالي المدينة يعيشون في جزيرةٍ معزولةٍ عن العالم. ونتيجة توقف الإنترنت عُزلت المديريات الحكومية، كدائرة النفوس والخدمات الفنية، كما توقفت رواتب الكثير من الموظفين، وهي مصدر العيش الوحيد لهم، بسبب عدم وصول أوامر الصرف من دمشق، ما أوقع الكثير منهم في ضائقةٍ ماديةٍ مضاعفةٍ يعانون منها منذ أكثر من عامٍ بسبب غلاء الأسعار."

تزامناً مع الحصار المفروض، قام التنظيم بإغلاق جميع الطرقات البرّية والمعابر النهرية الواصلة بين الجزء الواقع تحت سيطرة النظام والجزء الواقع تحت سيطرة داعش، ما أدّى إلى منع دخول أو خروج أيّ شخصٍ من الجزء الواقع تحت سيطرة النظام. وأدّت هذه السياسة إلى منع دخول المواد الغذائية والمحروقات من الريف إلى المدينة، ما نتج عنه ارتفاعٌ غير مسبوقٍ في الأسعار. كما زاد احتكار تجار الأزمات للموادّ من تفاقم الوضع الإنسانيّ.

يقول أحمد عروق، وهو أحد سكان المدينة، لمجلة "صوَر": "لديّ خمسة أولادٍ، أكبرهم عمره 14 عاماً. لتر المازوت وصل إلى حوالي 500 ليرةٍ، ولم أقبض راتبي هذا الشهر. كيف أستطيع في هذه الظروف تأمين التدفئة لأطفالي الصغار؟ حتى الطحين من أجل تحضير الخبز في المدينة أصبح مفقوداً."

ويضيف: "يبلغ والدي الخامسة والسبعين من العمر، ويعاني من مرض ارتفاع ضغط الدم والسكري، والأدوية شبه مفقودةٍ. يضطرّ الأطباء إلى تغيير نوع الدواء عدّة مرّاتٍ خلال شهرٍ واحدٍ نتيجة قلّة الدواء."

حملةٌ إلكترونيةٌ لإيصال صوت المدينة

أطلق نشطاء على شبكة الإنترنت حملةً بعنوان "ارفعوا الحصار عن دير الزور"، بهدف تسليط الضوء على معاناة حوالي 400 ألف مدنيٍّ يسكنون الأحياء الخاضعة لسيطرة النظام.

وقال القائمون على الحملة في دعوتهم: "دخل حصار المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام في دير الزور يومه الـ44، واستمرّ معه تنظيم الدولة في منع وصول الغذاء والدواء إلى نحو 400 ألف مدنيٍّ أغلبهم من أبناء المحافظة النازحين. يأتي ذلك في الوقت الذي لم يتوان فيه النظام عن توفير كلّ المستلزمات المعيشية لقوّاته المتواجدة في تلك المناطق، عبر مخزونه الاستراتيجيّ أو مطاره العسكري، ليبقى المدنيّ وقوداً لحربٍ بين طرفين لم يتردّدا في قتله أو حصاره وتجويعه."

 

 

وتهدف الحملة، التي دعت إليها مجموعةٌ من الناشطين والإعلاميين والحقوقيين، إلى إبعاد المدنيين عن دائرة الحرب في المدينة والتجاذبات والتحالفات السياسية، وعدم استخدامهم كورقة ضغطٍ سياسيةٍ أو دروعاً بشرية.

يقول عمران الفراتيّ، الناشط في الحملة، لـ"صوَر": "يحاصر التنظيم حيّي الجورة والقصور الخاضعين لسيطرة النظام، في حين يحاصر النظام مدن وقرى دير الزور الأخرى، ويمنع وصول المواد الغذائية والأدوية إليها."

ويعقب: "باختصار، حصار غوطة دمشق يتكرّر في دير الزور، وأبطاله النظام وداعش. النظام يتهم المدنيين بأنهم إرهابيون، والتنظيم يتهمنا بأننا مرتدّون".

شبابٌ يُدفعون إلى أحضان الدفاع الوطنيّ

يضطرّ شباب المدينة، بسبب قلّة فرص العمل، إلى التطوّع في جيش الدفاع الوطنيّ والقتال إلى جانب النظام ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

يقول الشاب الثلاثينيّ (محمد.ع) لمجلة "صوَر": "بعد سرقة سيارة التكسي التي كنت أعيش منها، على يد عناصر من فرع المخابرات الجوّية؛ عرض عليّ أصدقائي أن أذهب وأتطوّع مع جيش الدفاع الوطنيّ. ولكني رفضت الفكرة، فكيف أعمل مع من سرق سيارتي وقطع مصدر عيشي؟."

ويضطرّ الكثير من الشباب، ممن هم في سنّ الاحتياط، إلى التطوّع مع جيش الدفاع الوطنيّ، أو الشبيّحة، بدلاً من الالتحاق بالجيش في مناطق أخرى من سوريا.

يقول الناشط عمران الديريّ لمجلة "صور": "يضطرّ الكثير من الشباب إلى هذه الخطوة، لأنهم يعتبرونها أقلّ الضررين. فعندما يلتحق الشابّ المطلوب لخدمة الاحتياط بالجيش النظاميّ يتمّ نقله إلى جبهاتٍ أخرى، ربما في حلب أو درعا أو دمشق، بينما مع جيش الدفاع الوطنيّ يبقى ضمن المدينة، يداوم على حواجز النظام، أو على جبهات القتال ضدّ داعش."

ويضيف: "بعض هؤلاء الشباب يفضّلون جيش الدفاع الوطنيّ لأنهم يحاربون داعش بدلاً من مقاتلة الثوّار في مناطق أخرى، مبرّرين تصرّفهم بأنّ داعش تحارب الثورة."

ويكمل الفراتيّ حديثه: "يحصل من يتطوّع مع الشبّيحة على امتيازاتٍ من قبل محافظ دير الزور، فللعناصر أولويةٌ في الحصول على مساعدات الأمم المتحدة الموزّعة من قبل الهلال الأحمر، كما لهم أولويةٌ في الحصول على المحروقات التي تصل إلى المحافظة".

ويتابع قائلاً: "في ظلّ الحصار الخانق الذي تعيشه المحافظة أتوقع أن يتضاعف عدد الشباب المتطوّعين معهم. ولا نستطيع فعل أيّ شيءٍ، فالجوع كافرٌ يدفع الإنسان إلى أيّ عملٍ لتأمين قوته اليوميّ."

 

 

على الضفّة الأخرى

يعيش عشرات الألوف من المدنيين، على الضفة الأخرى من المدينة، تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، في ظروفٍ ليست أقلّ صعوبةً من ظروف مناطق النظام، وخصوصاً بعد إغلاق المطابخ والجمعيات الخيرية التي كانت تؤمّن لهم الطعام اليوميّ. وقد أمضت الكثير من هذه العائلات شتاءها في بيوتٍ مدمّرةٍ نتيجة قصف قوّات النظام وطيرانه على أحياء الجورة والصناعة، دون وسائل تدفئةٍ سوى بعض الأخشاب التي يجمعونها من مكبّات القمامة.

يقول أحد الناشطين في حيّ الجورة، رفض ذكر اسمه للضرورات الأمنية: "حتى المنظمات التي افتتحت مراكز طبيةً لعلاج المدنيين أغلقها التنظيم بحجة تعاملها مع بلاد الغرب الكافرة."

ويضيف: "قام التنظيم، منذ الأيام الأولى لسيطرته على المنطقة، بفرض سياسةٍ أمنيةٍ، عن طريق قطع رؤوس المعارضين وكلّ من تثبت علاقته مع الجيش الحرّ. كما قام بمنع التدخين وإغلاق المدارس بحجّة تدريسها لمناهج كافرة. كلّ ذلك وسط شبه انعدامٍ في الكهرباء والمياه الصالحة للشرب".

ويعلّق الناشط المذكور: "الحياة صعبةٌ جداً وشبه مستحيلة، ولكن الكثير من السكان لا يملكون المال للسفر والعيش في تركيا أو دول الجوار. يبدو أن تنظيم الدولة يعوّض فشله بصبّ جام غضبه على المدنيين؛ فالتنظيم فشل في الفترة الماضية في السيطرة على مطار دير الزور العسكريّ، وعلى الفوج 137 دفاع جويّ بريف المحافظة الغربيّ، وتكبّد الكثير من الخسائر، ما أدّى إلى تفريغ غضبه في المدنيين، إذ طال الجلد أيّ شخصٍ يدخّن سيجارةً أو يخالف تعاليم الدين حسب شريعتهم."

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard