info@suwar-magazine.org

جدولة القروض والحلقة المفرغة

جدولة القروض والحلقة المفرغة
Whatsapp
Facebook Share

أحمد إلياس 

 

يقصد بالقرض الخارجي في معناه العام أنـــــه الدين الذي تحصل عليه الدولة من الدول "ديون رسمية" أو المصارف الأجــنبية "ديون خاصة" أومن المؤسسات الدولـية مـثل صندوق النقد "ديون متعددة الاطراف"، ويرتبط الاقتراض الخارجي ارتباطاً مباشراً بفجوة الموارد المحلية في محاولة من البلد المقترض لسد الثغرة بين حجم الادخار المتاح والاستثمارات المطلوبة، وبذلك فإن الاقتراض الخارجي مسألة طبيعية في ظروف البلدان النامية وحاجتها إلى تطوير هياكلها الاقتصادية وتحقيق معدلات عالية من النمو الاقتصادي.

 

ومما لا شك فيه أن استخدام القرض في مجالات إنتاجية سيساعد البلد المقترض على خدمتها، والمقصود بذلك دفع أقساطها إلى جانب الفوائد المترتبة مع تحقيق نمو مستديم يمكّن البلد من الاعتماد على مدخراته الوطنية في المديَيْن المتوسط والطويل، شرط أن تكون القروض بفوائد معتدلة وآجال طويلة. أما إذا كان أجل القرض قصير السداد وفائدته متقلبة، وكذلك في حال رفض الجهات المُقرِضة تقديم تمويلات جديدة تساعد على استكمال أغراض القرض الأصلي، أو استخدام البلد المُقترِض ذاته للقرض في أغراض استهلاكية، فإن من شأن ذلك أن يعيق عملية التنمية ويزيد من مصاعب خدمة القرض إلى درجة تدفع بالبلد المقترض إلى إعلان عدم قدرته على السداد أو إفلاسه.

 

تعود بوادر أزمة القروض الخارجية إلى الفترة اللاحقة لاستقلال البلدان النامية، وقد ارتبط تدفق القروض الخارجية إليها باكتمال مرحلة إعادة إعمار البلدان الأوربية، والموقف السلبي لحركات التحرر الوطني من الاستثمارات الخارجية. حيث تعرضت الكثير من الاستثمارات للتأميم والمصادرة ونزع الملكية. إلا أن حجم القروض وتكاليفها خلال تلك الفترة ظل عند مستويات معقولة بسبب ثبات أسعار الفائدة التي حررت بها وطول مدة الدفع، ولم توجد سوى حالات منعزلة لعدم قدرة البلدان المقترضة على خدمة قروضها.

 

بيد أن الوضع تغير في بداية عقد السبعينات عندما قررت البلدان المصدرة للنفط "بلدان منظمة الأوبك" رفع الأسعار بشكل جماعي، لتقفز الأسعار من 1,69 دولار للبرميل الواحد إلى 11,65 دولاراً للبرميل في كانون الأول عام 1973. وهو ما أطلق عليه الصدمة النفطية الأولى، وتكرر الأمر ذاته في الصدمة النفطية الثانية عامي 1979-1980، حيث وصل سعر برميل النفط إلى 26 دولاراً للبرميل، ، وأطلق على هذه الفوائض مصطلح البترودولار.

 

 

وإلى جانب توافر الفوائض البترودولارية المتاحة للإقراض، فإن انخفاض أسعار الفائدة العالمية شكل عاملاً إضافياً دفع البلدان النامية إلى الإفراط في اللجوء إلى أسواق المال العالمية، وذلك إذا علمنا أن معدل الفائدة الحقيقي على القروض بين عامي 1961-1970 كان معدل سالب -معدل متوسط سعر الفائدة الاسمي على القروض كان أقل من معدل التضخم-، وبالنتيجة إن عقد السبعينات كان العقد الذهبي للإقراض، بحيث ان البلدان النامية دخلت مرحلة ادمان الاقتراض بسبب أعباء عملية التنمية وعدم مرونة سياساتها الاقتصادية، إلى جانب حلول مواعيد استحقاق قروضها التي كانت خدمتها تستغرق جزءاً كبيراً من حصيلة صادراتها، وهو مما استدعى سلوك آليات جديدة لمساعدتهاـ ومن ذلك اللجوء الى اعادة جدولة القروض في نادي باريس.

 

نادي باريس هو نادي دول حيث إنه يختص بعمليات جدولة القروض الرسمية فحسب، كما أنه نادٍ غير رسمي ليس له عضوية ثابتة أو هيكل تنظيمي محدد، بل إن نظامه أقرب ما يكون إلى مجموعة من الإجراءات والممارسات المتعارف عليها عبر عمليات جدولة القروض منذ بداياتها في عام 1956 لإعادة جدولة قروض الأرجنتين.

 

ونقطة البداية في عملية إعادة الجدولة تكون بإعلان البلد المقترض عن رغبته في إعادة جدولة قروضه، إلا أن مجرد الإعلان لا يعني أن البلدان المقرضة ستستجيب للطلب وتوافق على إعادة الجدولة، فمن أولى الخطوات السابقة للاجتماع عقد مشاورات بين البلد المقترض وصندوق النقد لإجراء تقويم للوضع المالي للبلد، وهذه الخطوة شرط ضروري لا بد منه للإسراع في عقد الاجتماع.

 

وفي مرحلة تالية يتم تقديم طلب رسمي من البلد المعني إلى الحكومة الفرنسية للتفاوض حول تأجيل القروض، ولصندوق النقد والبنك الدوليين دور هام في المرحلة السابقة لعقد الاجتماعات، حيث تقوم المنظمتان بتقديم مساعدات لكل الأطراف فيما يتعلق بوضع البلد الطالب لإعادة جدولة قروضه.

 

تعقد اجتماعات النادي في مركز المؤتمرات الدولي في باريس بحضور البلدان المقرضة والبلد المقترض، ويحضر اجتماعات النادي بصفة مراقبين مندوبون عن المنظمات الاقتصادية الدولية، وغالباً ما تعقد الاجتماعات برئاسة فرنسا، كما يمكن أن تترأسها إحدى البلدان المقرضة الأخرى.

 

ويقوم ممثلو البلد المقترض بتقديم تقرير مفصل عن الوضع الاقتصادي ومؤشراته ومقدار التخفيف الذي يرونه ملائماً لقدرته على السداد، كما يعرض مراقبو الصندوق تقويمهم للوضع الاقتصادي للبلد المقترض ووضع ميزان مدفوعاته وآفاقه المستقبلية، وتعرض المنظمات الدولية الأخرى رؤيتها بهذا الصدد، وأخيراً يتوجه المقرضون بأسئلتهم واستفساراتهم إلى ممثلي البلد المقترض والمراقبين.

 

 

تتداول البلدان المقرضة فيما بينها الخطوط العريضة لعملية إعادة الجدولة، ويقوم رئيس المؤتمر بعرض مسودة أولية على ممثلي البلد المقترض، ومن النادر الموافقة على هذا العرض الأولي نظراً لتباين الآراء ورغبة البلد المقترض في الحصول على أكبر قدر من التخفيض لقروضه أو مد آجال الاستحقاق، ولذلك تعقد جلسة مسائية أو تؤجل المفاوضات إلى اليوم التالي ليتم الاتفاق على حزمة من الشروط العامة لعملية إعادة الجدولة، وتعقد اتفاقيات ثنائية بين البلد المقترض والبلدان المقرضة بشكل منفرد، وهذه الاتفاقيات تشكل الأساس القانوني لعملية إعادة الجدولة.

 

ومن أهم القواعد التي تحكم أعمال نادي باريس:

 

  • لا يقبل النادي إعادة الجدولة ما لم يكن التقصير في السداد حتمياً، أي أن البلد استنفد جميع الوسائل والسبل التي تمكنه من خدمة قروضه الخارجية، وصندوق النقد هو الجهة الموكل إليها تقدير حجم فجوة الموارد المحلية في البلد المقترض، فإذا وجد أن الاستخدامات تزيد على الموارد عد ذلك دليلاً للمقرضين على عدم قدرة البلد على الوفاء الحتمي لقروضه.
  • لا يقبل النادي إعادة جدولة القروض ما لم يعقد البلد المقترض برنامجاً للتكيُّف الهيكلي مع صندوق النقد، وفي حال لم يكن البلد المقترض عضواً في الصندوق فإن إعادة الجدولة ترتبط بتعهده والتزامه باتخاذ إجراءات لتصحيح أوضاع اقتصاده.

 

وتعد هذه القاعد الأخيرة جوهر إعادة الجدولة؛ لأنها تشكل معيار نجاح العملية أو فشلها، كما أن لتقيد البلد المقترض ببرامج صندوق النقد بالغ الأثر في تقدير حجم التخفيض أو التخفيضات اللاحقة. ولا يتم تخفيض حجم القرض دفعة واحدة، وإنما وفق نسب محددة وعلى شرائح متتالية، ويرتبط تخفيض كل شريحة بالتزام البلد المقترض ببرامج التكيُّف الهيكلي.

 

إن الجدولة كإحدى الآليات المستحدثة لحل أزمة القروض الخارجية عديمة الجدوى في تحقيق أهدافها المعلنة، حيث تشير الارقام ان مديونية البلدان النامية سجلت في مطلع الالفية الثالثة 2,2 تريليون دولار، ووصلت الى 3,3 تريليون في عام 2007، وفي هذه السنة المذكورة فقط دفعت البلدان النامية 372 مليار دولار كأقساط للقرض، و150 مليار كفوائد. وبعبارة اخرى اكثر تعبيرا عن هذه الحلقة المفرغة فأن البلدان النامية قد دفعت حتى الان 7,5 دولار مقابل كل دولار اقترضته عام 1980، ومع ذلك ما تزال مدينة بأربعة دولارات ، كما أن معدل اقتراضاتها ينمو بمعدل سنوي يقارب 8%، وهو معدل يزيد عن معدل نمو صادراتها.

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard