info@suwar-magazine.org

التعليم في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة

التعليم في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة
Whatsapp
Facebook Share

 

 الدراسة تحت القصف والحصار... وفوضى المناهج

 

جورج.ك.ميالة

 

ذكرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) أن آلاف الأطفال قُتلوا في سوريا، وأكّدت أن الإصابات التي لحقت بالسوريين الصغار تعدّ الأعلى في أيّ صراعٍ وقع في المنطقة في الآونة الأخيرة.

 

وذكر تقريرٌ سابقٌ لليونيسيف، صدر تحت عنوان "الحصار: الأثر المدمّر للأطفال"، أنه، وبعد ثلاث سنواتٍ من بدء الأزمة في سوريا، فقد آلاف الأطفال حياتهم. وفي حين تؤكد إحصائيات الأمم المتحدة مقتل ما لا يقلّ عن عشرة آلاف طفلٍ في الحرب السورية، إلا أن العدد الحقيقيّ للضحايا ربما يكون أعلى من ذلك بكثير.

وأوضح التقرير أن عدد الأطفال الذين أثرت عليهم الحرب الأهلية في سوريا زاد أكثر من الضعفين خلال العام الأخير، وأشار إلى أن الأزمة أثرت على نحو 5.5 مليون طفلٍ سوريٍّ، بينهم نحو ثلاثة ملايين نازحٍ داخل البلاد، ومليون وثلاثمائة ألف لاجئٍ في دول الجوار.

 

وتقول اليونيسيف في تقريرها إن نحو ثلاثة ملايين طفلٍ في سوريا والدول المجاورة غير قادرين على الذهاب إلى المدارس بانتظام، وأوضحت أن هذا الرقم يشكل نحو نصف سكان سوريا ممن هم في مرحلة الدراسة. وأن ما يقدّر بمليون طفلٍ سوريٍّ محاصرون أو في مناطق يصعب الوصول إليها، وأن الملايين مهدّدون بأن يكونوا جيلاً ضائعاً.

 

وأكدت أن الظروف الحالية أرغمت الأطفال على دخول سوق العمل مبكراً، وقالت إن طفلاً من بين عشرة أطفالٍ سوريين في مخيمات اللاجئين اضطرّوا إلى العمل المبكر، في حين أُرغمت طفلةٌ من بين خمسٍ على الزواج المبكر.

 

 

وأشارت المنظمة إلى أن الحرب حرمت صغار سوريا من كل أوجه طفولتهم، فقد جاء في التقرير: "لقد فقدوا فصولهم الدراسية ومدرّسيهم وأشقاءهم وشقيقاتهم وأصدقاءهم ومن يقدّمون لهم الرعاية ومنازلهم واستقرارهم".

 

استهدافٌ ممنهجٌ للمدارس من قبل قوّات النظام:

 

رصد فريق الشبكة السورية لحقوق الإنسان اتساع استهداف البنى التعليمية من قبل قوّات النظام السوريّ، عبر القصف العشوائيّ بالبراميل المتفجرة، والقصف المتعمّد بالصواريخ الموجّهة. وقد رصدت الشبكة ووثقت استهداف ما يزيد عن 3878 مبنىً تعليميّاً خلال الأعوام الثلاثة الماضية.

 

وفي حادثةٍ ذات دلالة، قامت طائرة سوخوي تابعة للنظام، يوم الأربعاء 30-4-2014، باستهداف مدرسة "عين جالوت"، في حيّ الأنصاري الشرقيّ بحلب، بصاروخٍ موجّه، مما يعطي إشارةً إلى أن القصف لم يكن عشوائياً، إذ استهدف تجمعاً فيه 400 طالبٍ وطالبةٍ كانوا مشاركين بمعرضٍ لرسومات الأطفال تحت عنوان "بصمة أمل". وتسبّب القصف بمقتل 20 شخصاً بينهم 17 طفلاً وسيدةً واثنين من الكادر التعليمي، حسب مركز توثيق الضحايا في الشبكة السورية لحقوق الإنسان.

 

 

وأشارت الشبكة إلى أن هذه هي المرة الثانية التي تتعرّض فيها هذه المدرسة للقصف، فقد قام طيران النظام باستهدافها سابقاً بصاروخٍ في 21 آب 2013، حين كان يُنظَّم فيها "سوق الأبرار" الخيريّ. وأدى القصف وقتها إلى مقتل تسعة مدنيين، حسب مركز توثيق الضحايا.

 

ويُذكر أنه لا وجود لأيّة نقطةٍ أو تجمّعٍ عسكريٍّ تابعٍ لقوّات المعارضة بالقرب من المدرسة، الأمر الذي يدلّ على أن استهدافها في المرّتين كان عن سابق إصرارٍ وترصّد، وليس قصفاً عشوائياً. مع العلم بأن المدارس من الأعيان التي يحظر القانون الدوليّ الإنسانيّ استهدافها في أوقات الحرب.

 

صورٌ من التعليم في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة:

وادي بردى:

 

تمّ مؤخراً عقد اتفاقيات هدنةٍ مع النظام في بعض قرى الوادي، في حين بقيت قرى أخرى تحت سيطرة المعارضة. أغلب المدارس هناك ما زالت تمارس العملية التعليمية، بالرغم من تعرّض العديد منها لقصفٍ متكرّرٍ من قبل النظام، ما أدّى إلى امتناع الكثير من الأهالي عن إرسال أولادهم إلى المدارس خوفاً عليهم من القصف، خاصةً أن المدراس غير مجهّزةٍ بملاجئ، وفي حال وجد قبوٌ فيها فهو غير جاهزٍ للاستعمال. ورغم كلّ الظروف الصعبة استمرّ الدوام المدرسيّ لكن دون أدنى اهتمامٍ من قبل المدرّسين أو مديرية التربية، رغم أنه تمّ التعاون مع اليونيسيف لتوزيع كلّ ما يحتاجه الطلاب في بداية العام.

 

 

تمّ تهجير معظم سكان قرية "أفره" في بداية الفصل الدراسيّ الثاني، بسبب القصف المستمرّ. وقبل أن تدمّر القرية صدر قرارٌ من مديرية التربية في ريف دمشق بنقل مدرّسي المدرسة الوحيدة فيها إلى القرى البعيدة عنها، وكأنّ المديرية على علمٍ بأن القرية ستدمّر تماماً. ولم يتمّ قبول طلاب هذه القرية في مدارس القرى الأخرى. ولتجاوز هذا الإشكال قام المجلس المحليّ في وادي بردى، معتمداً على قدراته الذاتية، بإنشاء مركزٍ تعليميٍّ يعمل على مساعدة ورفع سوية الطلاب وكافة فئات المجتمع، لتعويض النقص والضعف في العملية التعليمية والثقافية.

 

ورغم كلّ الظروف القاسية، المتمثلة بالقصف المستمرّ وانقطاع التيار الكهربائيّ، إلا أن الطلاب أصرّوا على التقدّم لامتحان الشهادة الإعدادية. يقول أحمد، وهو طالبٌ في مرحلة الشهادة الإعدادية: "قضيت الليالي وأنا أدرس على ضوء الشمعة تحت أصوات القصف، متنقلاً من منزلٍ إلى آخر، لأجد مكاناً آمناً للدراسة. واعتمدت على جهودي الذاتية، فالمدرّسون لم يستطيعوا تدريسنا كامل المنهاج، بسبب الظروف الصعبة".

 

 

ويضيف أحمد: "كانت قوانين مديرية التربية واضحةً بعدم حمل السلاح أثناء الامتحان، إلا أن العديد من عناصر اللجان الشعبية دخلوا قاعات الامتحان مع أسلحتهم، مما أدّى إلى الفوضى وقيام البعض بفتح الكتب والملخصات أثناء الامتحان. حدث ذلك خاصةً في منطقة "جديّدة الوادي"، باعتبار أن حوالي نصف الطلاب الذي تقدّموا للامتحان فيها من المنطقة التي تعرف باسم (الحرس الجمهوريّ)".

 

معضّمية الشام:

 

عاد إلى المعضّمية بريف دمشق، بعد اتفاقية الهدنة الأخيرة، حوالي الـ25 ألف مدنيّ، يحاولون لملمة ما تبقى من منازلهم، وإيجاد مصادر لاستمرار الحياة.

 تعتمد حياة الناس في المعضمية الآن على السلل الغذائية. ولا توجد في المدينة أيّة مدرسةٍ تعمل، فالأهالي بالكاد يستطيعون تأمين قوت يومهم.

 

وعن هذا الموضوع يقول الناشط خالد حمود، من معضّمية الشام: "لا يجد أهالي المدينة ما يأكلونه، فكيف سيرسلون أبناءهم إلى المدارس؟ طلاب الشهادة الإعدادية يتوجّهون إلى دمشق، مروراً بالحاجز التابع للفرقة الرابعة في مدخل المدينة، ويتعرّضون للضرب والشتم لدى الخروج إلى الامتحانات ولدى العودة. طالبنا الحكومة السورية المؤقتة بدعم قطاع التعليم ولكن لم نجد أيّة استجابة".

 

ويضيف الناشط: "اليوم نحاول، وبجهودٍ ذاتية، استكمال تعليم الأطفال في البيوت، عن طريق إنشاء حلقات تعليمٍ منزليةٍ، من أجل الحفاظ على ما تعلّمه الأطفال في السنوات الماضية".

 

ريف اللاذقية:

 

يقدّر عدد المدارس في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات المعارضة في ريف اللاذقية بحوالي الـ45 مدرسةً معظمها دون دعمٍ مادّيّ، وأغلب المدرسين فيها يعملون بشكلٍ تطوعيّ.

 

 

تقول الآنسة جهان الحاج بكري، الطالبة في جامعة تشرين والتي هجرت دراستها وانضمّت إلى المعارضة في جبلي الأكراد والتركمان: "افتتحنا مدرسةً في مخيم الزيتونية بالقرب من الحدود التركية بريف اللاذقية، والذي تتوزّع خيمه في الجبل. والمدرسة عبارةٌ عن خيامٍ عدد الطلاب فيها، من الصف الأوّل إلى السادس الابتدائيّ، يبلغ 90 طالباً. عندما كانت داعش في المنطقة كانت تدخل إلى المدرسة وتجبرنا على الفصل بين الجنسين، كما اتهمونا بتدريس مناهج الكفرة. استطعنا تأمين القرطاسية مجاناً من أحد المتبرّعين. لا توجد كهرباءٌ في المدرسة ولا دورات مياه. وكثيراً ما تتمزّق الخيام نتيجة هطول الأمطار الشديد في الشتاء".

 

وعن المناهج التي يتمّ تدريسها تقول جهان: "المنهاج المعتمد هو منهاج وزارة التربية في حكومة النظام. وقامت هيئة "علم" الإسلامية بإلغاء كتاب التربية القومية، واستبدلت بكتاب التربية الدينية كتاباً آخر".

 

أما عن الوضع النفسيّ للأطفال فتقول: "غالباً ما يهرب طلاب الصفّين الخامس والسادس من المدرسة للعمل في تهريب المازوت إلى تركيا. وقد تحوّل الأطفال إلى الألعاب العنيفة، فلعبة طلابي المفضلة هي لعبة الجيش الحرّ والنظاميّ، إذ ينقسم الأطفال إلى فريقين، فريقٍ يمثل مقاتلي المعارضة وفريقٍ يمثل مقاتلي النظام، ويصنعون أسلحتهم من الأخشاب التي يجمعونها من الغابات المجاورة للمخيم".

 

درعا:

 

افتتحت في مدينة درعا أربع مدارس في منطقتي درعا البلد وطريق السدّ. وبسبب العدد الكبير للطلاب، قسّم الدوام إلى قسمين، طول كل قسمٍ ثلاث ساعات.

أغلب المدرّسين العاملين في هذه المدارس من ملاك مديرية التربية بمحافظة درعا، وتعاني المدارس من نقصٍ في مدرّسي اللغتين الفرنسية والإنكليزية. وقد تمّ اعتماد المنهاج الحكوميّ في المدارس، بعد حذف مادة التربية القومية. ويعاني الأهالي من صعوبة تأمين المستلزمات والكتب الدراسية .

 

وقد تمّ تأهيل العديد من المدارس في ريف درعا، لكنها ما زالت تعاني من نقص الكوادر التعليمية، نظراً لعمليات اللجوء والنزوح والاعتقال وانتساب العديد من المدرسين إلى الجيش الحرّ. أما المعاناة الكبرى فتكمن في النزوح من منطقةٍ إلى أخرى، واستقرار بعض النازحين في المدارس، إضافةً إلى الدمار الكبير الذي أصاب المنشآت التعليمية.

 

 يتعرّض الطلاب للقصف خلال وجودهم في المدارس، ويتمّ صرفهم لدى اشتداده. وتعاني المدارس من نقصٍ في المرافق الصحية، إضافةً إلى عدم توفر المياه الصالحة للشرب.

 

حلب:

 

أعيد في حلب افتتاح حوالي 150 مدرسةً في المدينة والريف، تقوم بتدريس الطلاب من الصف الأوّل الابتدائيّ حتى الثالث الثانويّ. وعدد المدرّسين العاملين فيها يبلغ 1750 مدرّساً ومدرّسةً حسب إحصائياتٍ غير رسمية، بعضهم يعمل بشكلٍ تطوعيٍّ والبعض الآخر يتقاضى راتباً كاملاً أو نصف راتب.

 

وتشهد محافظة حلب، الواقعة بمعظمها تحت سيطرة المعارضة، حالة انقسامٍ في السلطات الحاكمة، فالسلطة المطلقة في بعض المناطق للهيئات الشرعية، وفي مناطق أخرى للمجالس المحلية، وهناك اختلاطٌ وخلافٌ واسعٌ بين هذه السلطات، وكثيراً ما تحصل خلافاتٌ ومنازعاتٌ بين الفصائل العسكرية المسيطرة على المنطقة. والتعليم ليس بمنأىً عن هذه التجاذبات السياسية والعسكرية.

 

 

ففي المدينة استطاع الكثير من النشطاء إعادة فتح بعض المدارس، وقاموا بتدريس المنهاج القديم فيها، مع حذف مادة التربية القومية وكلّ ما يشير إلى النظام السوريّ. في حين ينحصر التعليم المدرسيّ في ريف حلب بحلقات التعليم الشرعيّ التي تعقد في المساجد، والتي تدرّس القرآن، وتخصّص مكافآتٍ ماديةٍ كبيرةٍ لمن يحفظ أجزاء كاملةً منه.

 

تقول المعلمة رنا الحلبي لمجلة "صور": "استطاع أحد النشطاء، بالتعاون مع بعض المغتربين السوريين في الخليج، تأمين تمويلٍ لإعادة افتتاح مدرسة خولة بنت الأزور بحلب القديمة. يقوم المتبرّعون بدفع رواتب شهريةٍ للمعلمين، وكذلك مصاريف المدرسة. ولكن القصف المستمرّ للمدينة بالبراميل المتفجرة جعل الأهالي يمتنعون عن إرسال أولادهم إلى المدرسة، الأمر الذي دفعنا إلى نقل الصفوف إلى أقبية البنايات، لاستكمال عملية التعليم".

 

وتضيف رنا: "تدخّل، في بداية العام الدراسيّ الفائت، بعض رجال الهيئة الشرعية لزيادة عدد حصص التربية الدينية، ولكننا لم نطبّق ما طالبوا به. برأيي أن المنهاج الذي كان مقرّراً أيام النظام هو منهاجٌ جيد، وينبغي علينا الاستمرار بتدريسه، مع حذف مادة التربية القومية وكلّ الإشارات إلى رموز النظام".

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard