info@suwar-magazine.org

العَرض المسرحيّ السوريّ "اختطاف".. ابتعاد عن البحث وسخرية سوداء تقف عند البديهيّات

العَرض المسرحيّ السوريّ "اختطاف".. ابتعاد عن البحث وسخرية سوداء تقف عند البديهيّات
Whatsapp
Facebook Share

 

تستمرّ عروض المسرح السورية تحت رعاية مديرية المسارح والموسيقى، فنّياً وفكرياً، فيلعب النادر من المسرحيين السوريين في هذه الحالة، لعبتهم الرمزية المواربة، ويقيمون عروضاً يمكن أن تندرج تحت إطار العروض المسرحية الجيّدة، كي لا يندرجوا تحت ظلٍّ لا رغبة لهم به، أمّا باقي العروض فتقدّم أغلبها لتحقيق أهداف تزيد وباء هذه المديرية بكل المقاييس الفنية والفكرية وخاصة السياسية.

"اختطاف" عرضٌ، انطلق مؤخّراً بمناسبة يوم المسرح العالمي 27/3/2017م، على خشبة مسرح الحمراء بدمشق، وتستمرّ عروضه في بعض المحافظات السورية حتى الآن (حمص، اللاذقية، طرطوس). "اختطاف" ممثّلينَ غالبيّتهم من خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية، للعمل ضمن إطار ربما يدركه بعضهم أو لا، خاصة مع ظروف عملهم السيّئة كخريجين جدد في الوضع الصعب في الداخل السوري حيّاتياً وفنياً (لوريس قزق، نجاح مختار، لجين إسماعيل، توليب حمودة، انطوان شهيد، خوشناف ظاظا). أخرج العمل "أيمن زيدان" وأعدّه المخرج بالاشتراك مع "محمود الجعفوري" عن نصّ للإيطالي (داريوفو 1926-2016م).

قصّة العرض: مستندة على حادثة واقعية، وهي اختطاف مجموعة إرهابية لرئيس وزراء إيطاليا والتصريح عن تسليمه مقابل ثلاثة إرهابيين، وعدم استجابة الحكومة لطلب الإرهاب وإعدام رئيس الوزراء من قبل الإرهابيين نتيجة لذلك. إلا أن العرض يبدّل شخصية المُختطَف إلى رجل أعمال واقتصاد، فتتغيّر النهاية بالطبع! وينقذ رجل الأعمال ثلاثون إرهابياً بدلاً عن الثلاثة، وينتصر الاقتصاد في التحكّم بالسياسة بجدارة.

هذه الحقيقة المرّة تسنح للكوميديا السوداء أن تسخر من الواقع، فيتجلّى العرض مشبعاً بالكوميديا، وتلعب الشخصيات دور المهرّج عن طريق الإضحاك من خلال المبالغة في الأداء بالحركة أو الكلام ومن خلال إبراز صفات معيّنة مثل البلاهة والغباء والخداع، إضافة إلى ارتداء الشخصيات لأقنعة وإبراز أدائها الجسدي والابتعاد عن العالم النفسي الواقعي الذي تعبّر عنه ملامح الوجه، لتشكّل أنماطاً مختلفة من المجتمع، فلا تغيب ملامح كوميديا ديلارتيه عن العرض، بالمقابل لا يكتفي المخرج بذلك بل يلجأ إلى التغريب البريشتي عبر هذا القناع نفسه، وعبر دخول بعض الشخصيات حيّز الفرجة من حيّز الجمهور، ورواية الشخصيات للحكاية بشكل سرديّ يتغيّر فيه نوع الخطاب من أداء الممثل لدوره إلى رواية ومخاطبة الجمهور فينقطع التسلسل برواية الحكاية، ويتخلّلها موسيقى وأغاني، بهدف كسر إيهام الجمهور.

التغريب هو تقنية تقوم على إبعاد الواقع المصوّر بحيث يتبدّى الموضوع من خلال منظار جديد، يُظهر ما كان خفيّاً أو يلفت النظر إلى ما صار مألوفاً فيه لكثرة استعماله. استخدم شكلوفسكي الذي أطلق مصطلح التغريب هذا التعبير كمبدأ جمالي ينطبق على الفن والأدب، وهو يهدف إلى تعديل استقبال المتلقّي للصورة الفنية من خلال إبراز "الصنعة" وتحقيق تفرّد معيّن للمادة الأولية بحيث لا يتمّ التعرّف عليها مباشرة بشكل عفوي وإنما من خلال إدراك واع. وهو في المسرح يتحقّق من خلال التقنيات التي تكسر الإيهام وتكشف آلية البناء الدرامي، مما يجعل المتفرجّ يركّز انتباهه على كيفية صنع الإيهام بدلاً من الاستغراق فيه.

بينما عند بريشت لم يكن التغريب مبدأ جمالياً فقط، وإنما موقفاً أيديولوجياً وسياسياً، من خلال ربط التغريب بمقاومة الاستلاب الاجتماعي. وبالتالي ربط هذا المفهوم بمعنى أكثر شمولية وفعالية، وعليه فهناك مسؤولية أيديولوجية حملها بريشت وحاول نقلها لمتلقيه. وإن هدف التكنيك ذا التأثير التغريبي يتلخّص في الإيحاء للمشاهد بعلاقة تحليلية انتقادية تجاه الأحداث المصورة أمّا الوسائل فتكون فنية.

على الصعيد النظري اعتمد العرض على  أغلب وسائل التغريب، كما ذكرنا سابقاً، لكن هل استُخدمت عناصر التغريب هذه فعلياً في إطار متكامل له بعد أيديولوجي ؟

لا بد أن استخدام عناصر التغريب له أهميته في التحريض الفكري والسياسي، واستخدام الكوميديا الساخرة لها أهميتها أيضاً في السخرية السوداء من كل ما يحدث بعالم السياسة، وإن خيار المخرج في إدخال المنهجين في عرض واحد، في طرحه لموضوعة واحدة استند عليها العرض، ألا وهي "تحكّم الاقتصاد بالسياسة"، ومجرّد طرح حدث استبدال رئيس الوزراء برجل أعمال عن طريق السرد في بداية العرض، رسم توقّع نهاية مختلفة، وفي نهاية العرض قدّمت النتيجة المتوقّعة على لسان بطل المسرحية. فما من غموض انتظر المتلقي أن يفسر الوضوح التام ليكتشف النهاية، ووسائل كسر الإيهام المستخدمة لم تولّد تغريباً للأحداث اليومية العادية، ولم تجعلها غريبة ومثيرة للدهشة، وباعثة على التأمّل والتفكير، فيخرج المتلقي من العرض المسرحي، حاملاً في جعبته الفكرية فكرة واحدة لا غير وهي تحكّم رأس المال بالسياسة، فما من تحريض لأي أفكار تثير الأسئلة في ذهن المتلقي وتحثّ فكره على إيجاد أجوبة بعد سدل الستار أبعد من الجواب الذي بدأ و ختم به المخرج زيدان.

وأمام هذه النتيجة المطروحة، المتلازمة مع سخرية مُرّة من تفاصيل يومية في الحياة السورية (الدولاب، نفخوه، بطاقة حزبية، دفتر التجنيد....الخ) ونكات محلية ومنها جنسية للإضحاك، ومفردات عامية بين الحين والآخر! هل يقترب العرض في الإيحاء للمشاهد بعلاقة تحليلية انتقادية سياسية أبعد من اليومية البديهية؟ وهل يقترب في التحليل من عمق أكبر مما يدركه المشاهد في الواقع؟ أو في مسبّبات هذا الواقع؟ سواء أفكار جديدة حول الوضع السوري، أو حتى إعادة التفكير بالمألوف والبحث فيه؟ خاصة وإن إضافة تفاصيل من الشارع السوري يعني مقاطعة الحكاية الإيطالية مع الحياة السورية.

تبرز هنا أسئلة عديدة: هل نجح المخرج باختيار مناهج العرض المسرحي التي استخدمها في عرضه ليثبت فكرة باتت بديهية في الوقت الحالي، وخاصة أن العرض يقام على خشبة سورية تعاني من الحرب مدة 7 أعوام؟ أم إن الإعداد كان يجب أن ينحو منحىً دراماتورجي أكبر في البحث عن المعنى المراد تقديمه في العرض؟  أم إن المخرج اختار افتتاح عرض مسرحي له في يوم المسرح العالمي دون التفكير في تقديم ما هو أبعد مما عمل عليه كاستمرار لعروض المسرح دون الاهتمام بما تضيفه هذه العروض؟

هناك إصرار بتكرار محاولات الاستمرار بتقديم العروض المسرحية السورية، وتسطيح ما تقدّمه من الناحية الفكرية، وخاصة ضمن إطار الحرب السورية وتحليل مضامينها، على الرغم من المحاولة الجاهدة للحديث بالسياسية، ولكن بهذا الشكل الهشّ! في أغلب عروض مديرية المسارح والموسيقى.

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard