info@suwar-magazine.org

من لا يعرف هذا الرجل لا يعرف بهجة الحياة .. برهان بخاري يترجل

من لا يعرف هذا الرجل لا يعرف بهجة الحياة .. برهان بخاري يترجل
Whatsapp
Facebook Share

 

 ولأنّ فقد الأحبّة غربة، ها أنا اليوم أعيد ما كتبته عنك، لكنك اليوم -وبعد المغادرة-  سوف تخاطبني عبر كل شيء، ما عدا الهاتف.
تعلّمت منه أنّ ثلاث "كشتبانات" تكفي للدهشة وصناعة فن الحياة: أولها الخيال وثانيها المعرفة، ثالثها التواصل والذكاء الاجتماعي... أما الكشتبان الرابع الذي لا ندري ما يخفي.. فهو اللاعب.
كأنه الرجل الذي تاه عن قوافل الحج عبر"شام شريف" وآخر المتبقّين من طريق الحرير.
صهر في كتاباته أكثر من ثقافة دون عقد، تماماً كما تصاهر مع آل الحمزاوي في دمشق وامتدّت جذوره بشكل أفقي .
تعلّمت منه أنّ الرزّ البخاري قصيدة تخاطب القلوب قبل البطون وقد صنعها "الأوزبك" من الطيبة والصفاء تحت ذات النار التي طهت الخناجر والسكاكين -سكاكين المطابخ طبعاً-... عذراً أبا عرفان لأني كتبت يوماً –ومجازاً- عن الخنجر الذي سافر عبر طريق الحرير إلى البندقية بعد أن صنعه حدّاد فقير في بخارى ليستقرّ أخيراً في صدر دزدمونة على يد عطيل... لقد كان ذاك الحدّاد الفقير ضحيّة أخرى من ضحايا (ياغو) على كل حال.
يرطن لسانه بأكثر من لغة وتحطّ على رأسه ملايين الأفكار، وتنظر عيناه الضيقتان ورؤيته الواسعة إلى مئات المشاريع، إنه رجل بطول نابليون، طموح الإسكندر وجنون كاليغولا.
جعلني أعشق الشام بعد أن كنت أحبها، ولا أنكر أني قد (تفهّدت)منه بغريب الأحاديث والأمثال والطرائف.
يعرف دمشق أكثر من جيبه، حارة حارة، حكاية حكاية، وفوق ذلك كلّه يعرف شخوصها ويجالس علية القوم كما يجالس السوقة والدهماء: شارع شيكاغو كما أبو رمانة، لقد رسّخ لدي فكرة ازدراء الوسطيين والفاترين والبلهاء.
تزوّجت في فكره الحداثة بالتراث دون خطف أو اغتصاب، جمع في بيته وعلى وليمة الرزّ البخاري مختلف الملل والنحل... يغادر الجميع إلى بيوتهم، ويبقى برهان بخاري في شرفته مثل عمر الخيام يتأمّل الكواكب والنجوم أو في مكتبته التي لم أر أكبر منها في بيت دمشقي.
أعاتبه عن مشاريعه التي لم يكملها فيهمس قائلاً: (دعني يا صديقي)، أخجل وأقول لنفسي: أنت أيضاً مثله فلما تهرب منك إليه؟!.
أزعم أنّي تعلّمت منه مواجهة الحاجة بالعطاء، والانكسار بالوقوف، والغضب بالكتابة .
وصفه زكريا تامر بالمؤذّن في المدن الصمّاء، لكنّه ظلّ يصرّ على الفكرة بحماسة، والغريب أنّه يدير لها ظهره بذات الحماسة، لا ينكر من يعرفه بأنّه الذاكرة الباسمة لدمشق .
أردت أن أكتب هذا البورتريه عن رجل من معدن نفيس، بل من مجموعة معادن، قدّم مشاريع موسوعيّة كثيرة، أغلبها لم يكتب لها الاكتمال، لكنه أراد أن ينسى نفسه فنسيه بعض الذين فضّل عليهم.
أبو عرفان الذي عرفه وأحبّه حسيب كيالي وجان جنيه ويوسف شويري وأمير البزق ورفيق سبيعي وفاتح المدرّس وبندر عبد الحميد .
أبو عرفان الذي أثنى على تجربتي الكتابية في أكثر من زاوية صحفيّة، ليس لنا إلاّ أن نحييك, نرفع لك كأس المحبّة وأنت الذي كتبت في صديقك عدنان بغجاتي المقطع التالي:
يا صديقي ونحن خطّان من الدمع واضحان كالوشم، لماذا لم تكن صريحاً في البكاء... الآن نعلن أنّ الحزن كان فضّاحاً.

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard