info@suwar-magazine.org

الاقتصاد السّوريّ المُنهار وتحدّيات أزمة كورونا

الاقتصاد السّوريّ المُنهار وتحدّيات أزمة كورونا
Whatsapp
Facebook Share

 

 

يصف فيليب لو بيلون اقتصاد الحرب بأنّه "نظام إنتاج الموارد وتعبئتها وتخصيصها لدعم المجهود الحربيّ". وجاء في مقدمة ورقة اقتصاد الحرب في الصّراع السّوريّ: تكتيك "دَبِّر راسك"  مركز كارنيغي للشرق الأوسط.

 

"استمرار الاقتصاد بوسائل أخرى"، بهذه الكلمات عرّف أحد الباحثين اقتصاد الحرب.1  ويعتبر معهد Berghof Research Center  أن ما يميّز اقتصاد الحرب، وخاصّةً في الحروب الأهليّة حيث تكون الحكومة والمتمردون طرفَي النّزاع، "أنها تنطوي على التّحايل على الاقتصاد النّظاميّ وتدميره، ونمو الأسواق غير النّظاميّة والسّوداء، وسيادة السّلب، والابتزاز، والعنف المتعمّد ضدّ المدنيين من قبل المقاتلين لاكتساب السّيطرة على الأصول المربحة، واستغلال اليد العاملة. كما أنّه اقتصادٌ يتّسم باللامركزية، ويزدهر فيه الاعتماد على التّهريب، واستغلال الأقليّات من السّكّان".2 

 

في سوريا؛ وبعد قرابة 10 سنواتٍ من حربٍ مدمّرةٍ لم يعدّ بالإمكان الحديث عن اقتصادٍ مستقرٍّ أو عن قوةٍ شرائيّةٍ للمواطن السّوريّ، فاقتصادها فقد جميع إمكانياته وبُناه التّحتيّة، فقد أدّت الحرب إلى إغلاق المعابر الحدوديّة، وتوقّف التّجارة الاعتياديّة، ونشاط السّوق السّوداء، وكثرة الابتزاز والفساد.

 

 ونتيجةً لتحوّل سوريا إلى بؤرةٍ عالميّةٍ للإرهاب، وتوزعها إلى مناطق نفوذٍ خاضعةٍ لأطراف الصّراع المحليّة والدّوليّة، تحوّلت سوريا إلى سجنٍ كبيرٍ للسورين خاصّةً بعد إغلاق جميع المعابر.

 

 هنالك نوعان من المعابر الأول  هي المعابر الحدوديّة؛ والّتي تخدم غرضين  أساسين الأول دخول المساعدات الإنسانيّة بموجب قرار مجلس الأمن ٢١٦٥ والخاصّ  بإدخال المساعدات الإنسانيّة إلى مناطق النّزاع والّتي تأثّرت  - أيّ المعابر - بعد الفيتو الرّوسيّ الصّينيّ، وأدّى إلى إغلاق بعضها مثل معبر اليعربية في الشّمال الشّرقيّ، والثّاني هو عمليات  التّبادل التّجاريّ، والّتي يتمّ تخصيص أرباحها لدعم الأطراف المسيطرة؛ فمثلاً معبر باب السّلام في كلس الواقع  تحت سيطرة الحكومة المؤقتة، ويتمّ توزيع أرباحها - حسب المعلومات المتداولة -على الشّكل التّالي " قرابة ٧٠٪ تذهب  إلى الحكومة التّركيّة لتمويل الجيش الوطنيّ، و٢٠٪ لتمويل تكاليف إداريّةٍ  كالرّواتب وغيرها لتمويل الحكومة المؤقتة، و١٠٪ لتمويل المجالس المحليّة في كلٍّ من "إعزاز، وعفرين، وجرابلس، وتلّ أبيض".

 

اقرأ أيضاً:

 

6 إصابات جديدة بفيروس كورونا في سوريا

 

والنّوع الثّاني؛ هي المعابر الدّاخليّة، والّتي تفصل بين مناطق النّفوذ " مناطق سيطرة النّظام، وقسد، والجيش الوطنيّ، وجبهة النّصرة" وهي تعتمد بشكلٍ كبيرٍ على قدرة الأطراف المحليّة على إبرام صفقاتٍ تجاريّةٍ بمعزلٍ عن حالة الصّراع، وهي أيضاً لم تسلم من سطوة أمراء الحرب والفساد. وفي جميع الأحوال تمّ استخدام هذه المعابر لتمويل الحرب، وإدخال المساعدات العسكريّة. وتعتبر سلوكيات الفساد والابتزاز وانتشار المحسوبيات واستخدام المعابر كأداة حربٍ هي قواسم مشتركةٌ بين جميع هذه المعابر.

 

أما قِطاع الصّناعة والّذي يُعتبر من القطاعات الضّعيفة في سوريا، فقد أصبح مشلولاً بشكلٍ كبيرٍ وتحوّل إلى قطاعٍ لتمويل آلة الحرب بدلاً من توفير بنيةٍ اقتصاديّةٍ، وتأمين فرص عملٍ للمواطنين في بلد يُعاني بالأساس من انتشار البطالة، كما فعل النّظام السّوريّ الّذي حوّل المعامل المدنيّة لصُنع براميل متفجّرةٍ دمّر بها مُدناً وقرًى كاملةً.

 

وعلى مستوى الزّراعة؛ ورغم أنها مازالت تشكّل المصدر الأساسيّ للاقتصاد المحليّ إلا أنّها تضرّرت بشكلٍ كبيرٍ نتيجة تدمير شبكات الرّيّ، ونقصٍ في الموادّ والأدوات الزّراعيّة، مثل السّماد - الّذي تمّ استخدامه لصُنع قنابل محليّة الصّنع - بالإضافة إلى عدم القدرة على إيجاد أسواقٍ لتصريف المحاصيل والمنتجات الزّراعيّة.

 

كلّ ذلك أدّى إلى فقدان السّوريين لفرص العمل، كما فقدت الكثير من العائلات معيلها الوحيد نتيجة العنف. وكنتيجةٍ لتضرّر الاقتصاد انتشر الغلاء، وحدث انهيارٌ كبيرٌ للعملة السّوريّة، وباتت القوة الشّرائيّة للمواطنين ضعيفةً. وأمام هذا الوضع المأساوي؛ وفي ظلّ أزمة كورونا العالميّة، أصبحت خيارات الشّعب السّوريّ معدومةً، فالدّول الّتي كانت تمدّ النّظام والمعارضة بالمساعدات، هي ذاتها تُعاني من وضعٍ اقتصاديٍّ سيئٍ؛ نتيجة توقّف عجلة اقتصادها عن الدّوران، كما أن إجراءات العزل والحظر وإغلاق الحدود من شأنها أن تزيد مأساة السّوريين سوءاً.

 

انهيار الاقتصادات العالميّة كما هو متوقعٌ، نتيجةٌ لاستمرار أزمة كورونا من شأنها أن تؤدّي إلى خفض المساعدات الإنسانيّة لتوقّف الإنتاج المحليّ الزّراعي وتوقّف حركة التّجارة والصّناعة المتبقيّة، وسوف ينتج ما يمكن أن نطلق عليه (كورونا الجوع)، لذلك اليوم نحن أحوج إلى الحكمة وأن تتمتّع الأطراف المحليّة بالوعي السّياسيّ والإنسانيّ لمواجهة هذه الأزمة لذلك عليها:

 

  • إيقاف جميع أشكال القتال وأعمال العنف والدّخول في هدنةٍ مفتوحةٍ ليتسنّى لها تحويل الأموال الّتي تموّل آلة الحرب إلى تمويل معيشة السّوريين.
  • إلغاء الجمارك وفتح المعابر المحليّة الّتي تفصل بين مناطق النّفوذ ليتسنّى للموادّ والاحتياجات الإنسانيّة بالتّنقل بينها دون قيودٍ.
  • من شأن وقف المعارك إيجاد أليةٍ مناسبةٍ لتفعيل عجلة الزّراعة في سوريا من خلال السّماح للمزارعين بممارسة أعمالهم مع وضع إجراءاتٍ محدّدةٍ.
  • من شأن الهدنة أن تساعد في عودة بعض قطاعات الصّناعة المحليّة للعمل، وأن تكون موجّهةً لتمويل الاحتياجات الأساسيّة للسوريين وليس لتمويل آلة الحرب.
  • مواجهة تجار الحرب وإيقاف الاستغلال ورفع الأسعار ومواجهة الفساد المُستشري.
  • على الدّول الدّاعمة لأطراف الصّراع إيقاف تزويد حلفائها بالسّلاح وتحويل هذه الأموال لتقديم المساعدات الإنسانيّة.
  • على الأمم المتّحدة ومنظّمة الصّحة العالميّة إعادة توزيع جهودها على الدّول الأكثر ضعفاً وليس الأكثر قوةً.

 

وأخيراً؛ أريد التّنويه إلى أن من يعتقد أن هذه الأزمة سوف يكون تأثيرها حكراً على المواطن العاديّ، فهو مخطئٌ جداً، فالكورونا لا يفرّق بين مواطنٍ ومسؤولٍ، أو بين مدنيٍّ وعسكريٍّ، أو بين العامل في الشّأن العامّ وغيره، فالجوع وانهيار الاقتصاد بشكلٍ تامٍّ سوف يؤدي إلى انتشار الفوضى، وتدمير الأمان النّسبي المتبقي في بعض المجتمعات المحليّة. لذلك فوجود جميع أطراف الصّراع وشرعيّتها - والّتي فرضها واقع الحرب - مرهونٌ بمدى قدرتها على الاستجابة لاحتياجات مواطنيها وإعادة ترتيب أولوياتها.

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard