info@suwar-magazine.org

التّأثيرات المستقبليّة لأزمة كورونا "صفر نزاعاتٍ وسلطةٌ أكبر للحكم المحليّ"

التّأثيرات المستقبليّة لأزمة كورونا "صفر نزاعاتٍ وسلطةٌ أكبر للحكم المحليّ"
Whatsapp
Facebook Share

 

 

جميع التّحليلات والآراء تتّفق على أنه سيكون لفايروس كورونا آثارٌ اقتصاديّةٌ وسياسيّةٌ أكثر بكثيرٍ مما هو ظاهرٌ الآن، وستكون نتائجه مدمّرةً على الحكومات والشّعوب؛ وخاصّة في الدّول النّامية مثل دول الشّرق الأوسط وأفريقيا.

 

 شخصيّاً لا اختلف كثيراً مع هذه الآراء واعتقد أنّ الاقتصاد العالميّ سوف يحتاج من عشرين إلى ثلاثين عاماً للتعافي من آثار أزمة كورونا، إذا ما اعتبرنا أنّ هذه الأزمة؛ هي أقلّ بدرجاتٍ قليلةٍ من الأزمة الاقتصاديّة الّتي خلّفتها الحرب العالميّة الثّانية، وقد نشهد تراجعاً لدور الشّركات العابرة للقارات، وصعوداً للشركات المحليّة والوطنيّة في عالم كان بالأساس متوجّهاً نحو العزلة ما قبل كورونا بسبب صعود اليمين الشّعبيّ، ولكن ماذا عن تأثيرات أزمة الكورونا الجيوسياسية؛ كيف سيكون هياكل وشكل الحكم في العالم؟ وخاصّة أنّنا نتجه إلى عالمٍ أقلّ انفتاحاً وأقلّ انفاقاً.

 

ففي سوريا يتمّ الحديث الآن عن اثنين من السّيناريوهات؛ الأول هو العودة إلى تطبيق قرار ٢٢٥٤، وتشكيل حكومةٍ انتقاليّةٍ، ومجلسٍ عسكريٍّ مشتركٍ مؤلفٍ من قوّات النّظام السّوريّ، وقوّات قسد والجيش الوطنيّ، بعد أن تتمّ هيكلته وحلق ذقون أفراده ثم الذّهاب إلى انتخاباتٍ ليس لبشار دورٌ فيها بضمانة روسيا؛ على أن يضمن كلّ طرفٍ حلفاءه المحليين (التّحالف الدّوليّ يضمن قسد، روسيا وإيران تضمن النّظام السّوريّ، تركيا تضمن الجيش الوطنيّ وهيئة تحرير الشّام (هتش) جبهة النّصرة سابقاً. هذا السّيناريو يحظى بتأييد الأمم المتّحدة وغالبية الأسرة الدّوليّة مثل الأوربيين والبريطانيين.

 

 السّيناريو الثّاني هو إبقاء الوضع على ما هو عليه؛ أي ثلاث مناطق نفوذٍ، وتقوم كلّ دولٍ بدعم حلفائها المحليين مع ضمان استمرار تدفق المساعدات الإنسانيّة عن طريق الأمم المتّحدة إلى حين التّعافي من أزمة كورونا، هذا السّيناريو هو الأكثر واقعيّةً وتقبلًا من جميع الأطراف الأساسيّة في سوريا.

 

اقرأ أيضاً:

 

ماذا تخفي أزمة كورونا للعالم؟.. أسئلة كبرى يُعاد طرحها

 

الخلافات في كلّ السيناريوين هي بالكاد تكون نفسها، وهي تتعلّق بحدود الجغرافية لكلّ منطقة نفوذٍ، فهناك تحركاتٌ جديّةٌ لإخراج كلٍّ من إيران وتركيا من سوريا، وإبقاء الملف بيد الدّولتين روسيا والنّظام، بالإضافة إلى شكل الحكم المحليّ وتوزيع الثّروات، وتتوقف هذه السّناريوهات بشكلٍ أساسيٍّ على قدرة مجلس الأمن؛ وعلى رأسها الولايات المتّحدة وروسيا على إيجاد أليات عملٍ مشتركةٍ للعامين المقبلين، وقد يقول البعض أن  هذه النّقاشات ليست جديدةً؛ وهذا صحيحٌ، ولكن أهمّيّتها اليوم تكمن في الظّروف الّتي ترافقها وهي أزمة كورونا وتأثيراتها الاقتصاديّة العنيفة على الدّول الأربع الأكثر فعاليّة في سوريا والمنطقة وهي أمريكا، وروسيا، وإيران، وتركيا، وعلى الأسرة الدّوليّة برمتها.

 

تأثيرات الجيوسياسية لن تقتصر على العمليّة السّياسيّة في سوريا وحدها، بل إنها ستمتد إلى شكل أنظمة الحكم في كلّ الدّول، وحتّى على شكل العلاقات بين الدّول؛ إذا ما استمرت أزمة كورونا إلى نهاية ٢٠٢١، وواحد من آثارها الفورية ظهرت في الدّول الدّيمقراطية  مباشرةً سواءً الدّول المركزيّة أو الاتحاديّة،  ففي فرنسا ذات النّظام المركزيّ؛ أصدرت الحكومة مجموعةً من الإجراءات للتصدي لانتشار الكورونا، مع إعطاء البلديات سلطاتٍ واسعةٍ في اختيار ما تراه مناسباً لتطبيقه، وكذلك الحال للدول الاتحاديّة، وهو ما حدث في ألمانيا من خلال توسيعٍ ومرونةٍ غير مسبوقةٍ بتوزيع السّلطات الوطنيّة على الأقاليم.

 

الأنظمة الّتي تتقاسم كوردستان ( المناطق الّتي تسكنها الكرد)، وبغض النّظر عن موقفها من قضايا الحكم المحليّ، فهي مجّبرةٌ على التّنازل عن سلطات دول المركز لصالح المجتمعات المحليّة، فالأزمة الاقتصاديّة والعزلة الشّديدة حتّى داخل الدّولة الواحدة بين المحافظة والأخرى شأنه أن يخفّف من القبضة الأمنيّة وسوف تفتقد هذه الأنظمة قدرتها على الاستمرار في السّيطرة، ويمكن أن نشهد تراجع نفوذ الأنظمة للتحصن داخل عواصمها للحفاظ على السّلطة، ستكون مجبرةً على الاعتماد على الحكم المحليّ  وقدراتها الأكبر والأسرع لاتّخاذ القرارات والاستجابة للأزمات الصّحيّة والمعيشيّة وخاصّة أنّنا نفتقد إلى أنظمة رعايةٍ قويةٍ .

 

التّحدّي الأساس؛ هو أنّ دول المركز في الأنظمة الدّكتاتوريّة غير مستعدةٍ للتنازل عن سلطاتها بمحض إرادتها، كما يحدث في الدّول الدّيمقراطية وقد تلجأ إلى أساليب عنيفةٍ أو عصاباتيّةٍ، كما فعلت حكومة بغداد عندما قطعت رواتب إقليم كردستان، ولكن بالنّظر إلى سوريا والعراق فهما دولتان فاشلتان مفككتان تعتمدان على دعم حلفائهم "إيران وروسيا والجيش الوطنيّ على تركيا" الّذين لن يكون بمقدورهم تقديم أيّ دعمٍ لهما، أما إيران فهي بالأساس ترزح تحت وطأة العقوبات الاقتصاديّة، وما أزمة كورونا إلا عبارةٌ عن الضّربة القاضية لاقتصادها، وتركيا هي بالأساس تعاني من تآكلٍ داخليٍّ سياسيٍّ واقتصاديٍّ، ولن يكون لديها القدرة على الاستمرار في  مغامرتها في سوريا وليبيا، ولا حتّى الحفاظ على سيطرتها على كوردستان ( مناطق الكردية ) داخل أراضيها، والّتي تبلغ أكثر من مساحة سوريا، فأمريكا وروسيا وأوروبا والصين أيضاً من أكثر المتضررين، ولكن الاقتصاد الرّوسيّ ليس لديه قدراتٍ تخوّله من الاستمرار في منازعة الغرب؛ فشعار المرحلة المقبلة، هو "صفر نزاعاتٍ ومساحةٌ أكبر للحكم المحليّ من أجل التّعافي للاقتصاد العالميّ والمحليّ".

 

نجاح الحكم المحليّ مرهونٌ بمدى قدر الفرقاء المحليين على الوصول إلى اتّفاقياتٍ تضمن حكماً محليّاً قوياً، وسيكون لأكراد سوريا وقدرتهم على تجاوز خلافاتهم مفتاح الحلّ لجميع مكونات شمال شرق سوريا، ولبقية أجزاء كوردستان في كلٍّ من تركيا وإيران والعراق، فهم اليوم بمثابة بيضة القبان؛ اتّفاقهم يعني اتّفاق المحاور الكوردية الثلاث " أربيل، السليمانية، قنديل".

 

وعلى الرّغم من مخاطر الأزمة فقد تكون نتائجها عكسيةً إلّا أنها تشكل بذات الوقت فرصةً كبيرةً لتحقيق حلم طال انتظاره، إذا ما تمّ التّعامل معه بشكلٍ صحيحٍ وفق استراتيجيةٍ محكمةٍ وشجاعةٍ.

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard