info@suwar-magazine.org

 فيلم (Loving) انتصارٌ لشرعيّةِ الحبّ وكسر الاختلافات العرقيّة والدّينيّة

 فيلم (Loving) انتصارٌ لشرعيّةِ الحبّ وكسر الاختلافات العرقيّة والدّينيّة
Whatsapp
Facebook Share

 

لم يكن الحبّ يوماً إلا تلك القوّة الإعجازيّة الّتي تنهار على النّفوس برونقها، وتلفّ العقول بإرادتها، وتحتضن العزيمة بإصرارها على تحطيم أيّ عائقٍ، يحول دون طهرها، وتجسيده أمناً يخلق في القلب الفرح وفي الحياة السّكينة، مجتازاً كلّ أنواع التّصنيفات والشّرائع والقوانين والضّوابط الّتي يسيجها البشر وحكوماتهم ومجتمعاتهم، ضمن حيّز المسموح والمحرّم، والانتماء لعرقٍ أو ديانةٍ، ليصير هو الحقيقة ذاتها، يشرّع لنفسه تطبيقه في كلّ مكانٍ وزمانٍ، بصلاحية تتخطّى حكم المحاكم وفساد قوانينها النّاظمة للناس وعلاقاتهم ببعضهم البعض.

 

هذا فعلاً ما استطاع أن ينقله فيلم (Loving)الّذي قام بكتابته المخرج جيف نيكولاس بنفسه مرتكزاً على قصّةٍ حقيقيّةٍ لزوجين عاشقين مناضلين ضدّ العنصريّة، والتّفرقة العرقيّة، جرت أحداثها عام 1958 في ولاية فرجينيا الأمريكيّة في الخمسينيّات من القرن الماضي، في مرحلةٍ ما قبل حركات المطالبات بالحقوق المدنيّة، الّتي كانت تُحرّم سابقاً الزّواج بين البيض والسّود، لأسبابٍ عنصريّةٍ وسياسيّةٍ بحتة.

 

 تحكي قصّة الفيلم المسيرة الحقيقيّة لكفاح ونضال رجلٍ أبيض متزوجٍ من سيّدةٍ من أصول أفريقيّة بشكلٍ سرّيٍّ، قبل أن تكتشف السّلطات في الولاية ذلك الزّواج، فترسل الزّوجين إلى سجنٍ في ولاية فيرجينيا، ويحكم عليهما بترك الولاية لمدّة 25 عاماً، فلا تجد هذه العائلة الصّغيرة سبيلاً سوى ترك الأهل والوطن، واللّجوء إلى ولاية واشنطن.

 

استمرّت المحاولات من قبل الزّوجين من أجل الحصول على حكمٍ يُلغى الحكم السّابق، الّذي أصدرته المحكمة، وهيمنة القوانين العنصريّة، وقلّة التّعاطف مع قضيتهما، عمل كلّ ذلك على تجميد وتوقّف حياتهما الاجتماعيّة، وجعلهما يعيشان متخفّين بعيداً عن الأسرة والأصدقاء، الأمر الّذي خلق ضغطاً نفسيّاً وتحدّيّاً جديداً لهما، لمتابعة النّضال للفوز بحكمٍ مناقضٍ  يُلغي القانون الجائر الّذي اتّخذ بحقّيهما، وحقّ كلّ اثنين ينتميان لعرقين مختلفين، ويعترف بهذا الزّواج وهذا النّضال، الّذي تطوّر كثيراً من قبليهما في ظلّ التّظاهرات المناهضة للعنصريّة التي بدأت تحصل في ولاية واشنطن؛ الّتي كانا يقيمان فيها بذلك الوقت.

 

 

فالشّابّ كان يقضى جلّ وقته لتأمين لقمة العيش الكريم لزوجته الّتي يُحبّها وأطفاله الّذين يعيشون بعيدين عن وطنهم الأصلي بالعمل في بناء المنازل.

 

  استمرّ هذا التّحدّي وهذا النّضال برحلته من منتصف الخمسينيّات إلى أن بلغ ذروته عام 1967،  حيث تقوم الزّوجة بإرسال رسالةٍ إلى المرشّح الأميركيّ روبرت كينيدي لطلب مساعدته والّذي قام بدوره بتحويل الرّسالة إلى أحد المحامين الشّباب ضمن فريقه، وسرعان ما تطوّر الأمر، حيث صدرت العديد من الأحكام الّتي كانت دائماً ضدّ ذلك الزّواج بل أن بعض تلك المحاكم كانت تعتبر الأطفال نتيجة هذه العلاقة هم  أطفالٌ غير شرعيّين، الأمر الّذي زاد من غضب الزّوجين وإصرارهما أكثر للحصول على قانونٍ وتشريعٍ صريحٍ للاعتراف بهذا الحبّ والزّواج.

 

ومع المبادرات من قبليهما لخوض المعركة القانونيّة مع محكمة فيرجينيا وبمساعدة المحامي تصل القضية إلى المحكمة العليا؛ المحكمة الاتّحاديّة العالية، والّتي سبقها الكثير من الحملات الإعلاميّة، والدّعم الإعلاميّ الكبير من كُبريات الصّحف، ومن بينها مجلّة لايف، والعديد من القنوات التّلفزيونيّة والإذاعيّة؛ التي طوّرت حملةً مكثّفةً كان نتيجتها المساهمة في صدور الحكم عام 1967 بالاعتراف بالزّواج والأطفال.  بل ومباركة الزّواج باعتباره أحد الحقوق الأساسيّة لهم، والسّماح لهذه العائلة وأطفالها بالعودة لوطنهم منتصرين بالحبّ والإيمان بقضيتهم وحقّهم بعيداً عن كلّ أشكال التّفرقة والعنصريّة، الّتي طبّقت تشريعاتها الجائرة بحقيهما، متغلبين بذلك على أكثر القوانين عنصريّةً في الولايات المتّحدة الأمريكيّة.

 

خاض الزّوجان معركةً أخرى؛ بالتّوازي مع معركتهم القانونيّة، واستطاعا الانتصار فيها أيضاً، وهي العوائق الاجتماعية الّتي رفضت إتمام هذه العلاقة كوالدة الشّابّ الّتي عارضت الزّواج وبعدها رضيت بتوليد زوجة ابنها، وكذلك أخت الشّابّة الّتي رفضت نمط هذا الزّواج؛ لأنّه برأيها سيؤثّر على زواجها مستقبلاً، وعلاقات العائلة الاجتماعيّة، وأنّها بحكم القوانين الجائرة قد تخسر أختها، الّتي ستُسجن تنفيذاً لقرارٍ مخالفٍ لقرار وقانون المحكمة.

 

 

 تناول الفيلم قضيةً من أهمّ القضايا؛ الّتي عصفت سنواتٍ طويلةً بالمجتمع الأميركيّ عبر حكايةٍ تعبّر عن الإرادة والتّضحية والتّحمّل في مواجهة القدر؛ حكاية حبٍّ كبيرٍ، وعلاقةٍ زوجيّةٍ ثريّةٍ بالمضامين والدّلالات الّتي تسقط على كلّ المجتمعات والفئات لتُعلي من شأن الحبّ والحقّ الإنسانيّ على رتبة ومقامات الأحكام التّعسفيّة القاسية التي قد تفككّ وتقتل تطوّر المجتمع.

 

ويقدّم الفيلم نفسه كواحدٍ من أكثر الأفلام أهمّيّةً من ناحية المضمون، إلّا أنّ مستوى السّرد والحوارات كانت أقلّ من قوّة الموضوع، ولعلّ جانب التّمثيل كان النّقطة الأكثر ضعفاً في الفيلم، لبرود طاقم التّمثيل في التّفاعل مع المضمون، على الرّغم من الأداء العميق الّذي قدّمته (روث نييجا) ذات الأصول السّوداء الأمريكيّة في دور الزّوجة الّتي تحدّت طوال الفيلم قانون الزّواج ذا العرق الأبيض إلى جانب ريتشارد (إيدغارتون جويل) ــ الّذي ترشّح لجائزة الأوسكار عن هذا الدّور.

 

جاءت الموسيقى متناغمةً مع المشاهد، وطول الفترات الزّمنيّة من الكفاح والصّبر الّذي بدأ جليّاً في مشهد عمل الزّوج واحتضانه لزوجته.

 

يشدّ الفيلم الجمهور بطريقةٍ ذكيةٍ، بعيداً عن الملل لمتابعة قصّة العائلة وأحلامها وتحدّياتها وانتصارها ومخاوفها، ليصبح مثالاً سينمائيّاً جميلاً يُضاف لرصيد الأفلام المهتمة بحقوق الإنسان، وكرامته المناهضة لأشكال العنصريّة، والتّفرقة على أساس الجنس والمذهب، مندّداً بالعنف من هذا النّوع، متّخذاً الحبّ رسالته وغايته للوصول لقلوب وعقول المشاهدين.

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard