info@suwar-magazine.org

مشروعاتٌ سياحية ومَعارض في سوريا مع انعدام أبسط مقوِّمات الحياة

مشروعاتٌ سياحية ومَعارض في سوريا مع انعدام أبسط مقوِّمات الحياة
Whatsapp
Facebook Share

 

عندما يكون اهتمام الحكومة السورية، بعقد اجتماع "للمجلس الأعلى للسياحة"، أو إقرار "مشاريع سياحية"، أو تدشين معارض وتنظيم مسابقات رياضية، يخيل إليك لوهلة أنّ وضع البلد، بات على ما يرام، وها هي السياحة التي يفترض منطقياً أنها أول المتضررين من الحرب وآخر المتعافين، "تُقلع" ولم يَعُد ينقص المواطنين في الداخل شيءٌ من مقوِّمات التعافي!

 

وعندما تسمع أنّ وزارة السياحة السورية، توافق على تنفيذ مشاريع بمئات المليارات في مختلف المحافظات، غالبية هذه المشاريع من سوية الخمس نجوم، يغدو كل ما يقال عن سوريا (حرب ودمار وجوع وتهجير) محض "افتراءات" أو "حملات" مضادة.

 

 بل من البديهي أن تعتقد أنّ ما يواجهه السوريون يومياً من أزمات متلاحقة في بعض جوانبه، هو نتيجة سياسةٍ ما، وفي بعضه الآخر يخفي شيئاً ما، كي لا يقال إنه فسادٌ وتبيض أموال!

 

إعادة الروح لقطّاعٍ مُنهك

 

وزارة السياحة السورية تستعجل إعادة بثّ الروح والحياة في القطّاع السياحي، رغم الدمار الهائل الذي أصابه، وتترجم نتائج ملتقى الاستثمار السياحي، الذي عُقد في تشرين أول الماضي في طرطوس، على الأرض، بالتصديق على عقود 9 مشاريع استثمارية سياحية في مختلف المحافظات، شملت مجمّع المدينة السياحي، والقلعة بحلب، وموقع الكرنك برأس البسيط، ومطاعم كورنيش جبلة 4,3,2 في محافظة اللاذقية، ومشروع المارينا في طرطوس، وموقع العقار 748 في حي الحجاز، وفندق مدينة الشباب بدمشق، إضافة إلى مشاريع في درعا والسويداء.

أمام هذا الإصرار الرسمي، على بثّ الروح في قطاع السياحة، ومع توفّر كلّ العوامل المعيقة للنشاط الاقتصادي والسياحي، يُطرح سؤالٌ يتعلّق بالواقع الاقتصادي للغالبية العظمى من السوريين المستهدفين، بمشاريع الحكومة "سياحة شعبية". وهو هل باستطاعة الشرائح الواسعة من السوريين الفقراء، القيام بالسياحة، أم أنهم بوادٍ آخر اليوم؟

 

 سياحة مزيَّفة

 

قد يقول قائل إنّ الحدائق والمنتزهات وحتى المساحات الخضراء تمتلئ في فصل الصيف، وهذا مؤشِّرٌ على إصرار السوريين على العودة الى طقس "السيران"، وهذا في جانب منه صحيح، فربّما تبدو الحياة على النحو الذي سبق في ظاهرها طبيعية  للناظر من بعيد، لكن الحقيقة ليست فقط ما يُرى، فالمدن والأرياف مرهقة، تعبق فيها رائحة الجوع والفقر والفاقة، أهاليها بالكاد يرشفون طعم الحياة،  يهربون إلى الشوارع  والساحات  ليس سياحة ولا "سيرانات" بل هربا من البيوت الحارة، المعتمة بفعل تقنين الكهرباء، وفي الأيام المشمسة كما هو حال هذا الوقت، طلباً للدفء بسبب البرد، فضلا عن كون البيوت أصبحت خانقة بمسؤولياتها، وطلبات أهلها مقابل أيدٍ عاجزة.

 

 في الشوارع تسمع الأحاديث التي باتت تقتصر على غلاء المعيشة وصعوبة الحال والعجز أمام متطلبات الحياة، والأزمات المتلاحقة (غذاء وخبز ومحروقات وليرة وأدوية)، أثقلت كاهل أغناهم.

 

تحت خطّ الفقر

 

من يودّ السياحة، عليه أن يفتح محفظته، لكن نسبةً كبيرةً من السوريين المقيمين في البلد تعدّ حقائب ثيابها على شفا الهروب من البلد.

 

وللعلم فإن متوسط راتب موظَّف سوري جامعي في مناطق سيطرة الحكومة، في أحسن أحواله 60 ألف ليرة، (أي ما يعادل ثمن 3 كيلوغرامات لحم غنم فقط)، ما يعني تحت خط الفقر إذا تمّ قياس هذا الراتب إلى سعر صرف الدولار في السوق السورية السوداء.

 

وللعلم أيضاً، خط الفقر الدولي، محدد عند مبلغ 1.90 دولار للشخص الواحد في اليوم، وهو أدنى مستوى دخل يحتاج إليه المرء أو الأسرة، لتوفير مستوى معيشة ملائم.

 

وحسب برنامج الأغذية العالمي في تقرير له نُشر في 6 حزيران/يونيو 2020: "سوريا تواجه أزمة غذاء غير مسبوقة، حيث يفتقر أكثر من 9٫3 مليون شخص إلى الغذاء الكافي، ما يعاني انعدام الأمن الغذائي في وقت يتسارع فيه تفشي فيروس كورونا".

 

النفخ في قربة مقطوعة

 

رئيس الحكومة السورية، حسين عرنوس أكد خلال اجتماع  للمجلس الأعلى للسياحة مؤخراً على " تنشيط السياحة الشعبية، وتهيئة مواقع مخصصة لذلك، في المحافظات، و إعداد الكوادر الأكاديمية المؤهّلة والمدرّبة والمتخصصة التي تحتاجها المنشآت السياحية، السعي المستمر لتوفير الدعم اللازم للقطاع السياحي للنهوض به من جديد.

 

 

من حق القارئ، وهو يقرأ، هذا أن يقول ( كيف؟ ولماذا؟ ومن أين؟ ولمن هذا؟ وو) لكنه قبل أن يجد إجابات، ولن يجد، من الواجب أن نخبره أنّ سوريا قبل الحرب، وفي زمن "الرخاء" لا يوجد فيها أكثر من عشرة فنادق مصنّفة أربع نجوم وما فوق؛ أربعة منها في العاصمة دمشق، فيما تتوزع ستة فنادق على ثلاث عشرة محافظة، وقد عانى قطّاعها السياحي قبل الحرب من ضياع الاستراتيجيات وغياب الخطط، وعدم التفكير الجدّي بالاستفادة مما تملكه سوريا من مقوِّمات سياحية. ونخبره أيضاً إنّ رحى المعارك دارت في المناطق السياحية، كما تعرّضت متاحف ومواقع أثرية للسرقة، وتم تدمير كنائس وأديرة ومساجد ومدافن لأسباب أيديولوجية دينية، أو نتيجةً للقصف بالمدافع والصواريخ.

 

السياحة الشعبية مطلب

 

للسياحة الشعبية أنصارها، وروّادها أيضاً، وقد  كان لها دورٌ كبير بلا شكّ في تحريك عجلة الحركة الاقتصادية في أوقاتٍ سابقة.

 

مصدر في غرفة سياحة دمشق، تحفّظ عن ذكر اسمه اعتبر "إنّ السياحة الداخلية شهدت خلال الفترة الماضية، نشاطاً جيداً، حيث تمّ تسيير رحلات أسبوعية لعشرات الحافلات لمعظم المواقع في سوريا، لكن جائحة كورونا أثَّرت كثيراً، إذ تخوّف الناس من السفر والمرض بالإضافة إلى الوضع الاقتصادي والغلاء".

 

بدوره ياسر المصري، صاحب مكتب سياحة وسفر من محافظة درعا، وعضو مجلس ادارة غرفة سياحة المنطقة الجنوبية، وردّاً على سؤال حول واقع السياحة في المحافظة في ظلّ الأوضاع الأمنية والاقتصادية قال: " توجد سياحة، وهذا ما لمسناه على أرض الواقع في الصيف الماضي، حيث تم تسيير أكثر من ٦٥ رحلة سياحة داخلية."

 

أضاف "نحن بدورنا كمكاتب سياحية سيّرنا رحلاتٍ إلى الساحل السوري وبلودان و بصرى الشام، وإلى بعض المناطق الأثرية في سوريا، والمشاريع السياحية في المحافظة تُقَدَّر بحوالي خمسين مليار ليرة سورية، ويوجد مستثمرون قادرون على إنجاز هذه المشاريع خلال عام ٢٠٢١".

 

 

وقلّل المصري من تأثير الظروف الاقتصادية "لكلّ وعاءٍ واعى" فعند الإعلان عن أي رحلة سياحية داخلية كنا نجد إقبالاً جيداً لأننا وضعنا أسعاراً مقبولة جداً مناسبة للجميع، معتبراً أنّ العائق أمام السياحة الوافدة يعود إلى تفشي كورونا فقط!

 

يذكر أنّه سيتم المباشرة بمشروع سياحي متكامل في منطقة الصنمين تُقَدَّر كلفته المبدئية ب ٤٠ مليار بسوية ٤ نجوم.. وهناك مشاريع استثمارية متفرقة تُقَدَّر بقيمة ٥٠ مليار.

 

 وختم المصري بالتأكيد على أنّ "المشهد السياحي بدرعا مبشّر، وفي غضون شهور قليلة سوف تظهر النتائج  للعيان.

 

بدوره يزن الشيخ مدير سياحة طرطوس قال: "وزارة السياحة تركِّز اهتمامها حالياً على موضوع السياحة الشعبية، وسياحة المنتزهات، والسياحة حول المصادر المائية والبحيرات، وتجلّى ذلك في إقامة مواقع للسياحة الشعبية الشاطئية في محافظتي طرطوس واللاذقية، وقد لاقت هذه المواقع والمشاريع إقبالاً كبيراً من المصطافين.

 

وحسب الشيخ فقد تنوّعت هذه المشاريع من حيث الخدمات المقدَّمة، فمنها ما كان شبه مجاني أو بأسعار رمزية (١٠٠ ليرة سورية للشخص الواحد والأطفال دون السابعة وذوي الشهداء دخولهم مجاني)، و بأجور أكبر قليلاً مع خدمات، كراسي وطاولات، ما بين ٥٠٠ ليرة سورية، وحتى ١٥٠٠ ليرة للشخص.

 

وهم ... تبييض أموال

 

لكنّ عضو هيئة تدريسية في جامعة دمشق، تحفّظ عن ذكر اسمه أرجع موضوع الشركات التي لا تفتأ الحكومة السورية الإعلان عنها (الإنتاجية أو الخدمية بما فيها السياحية ) لعدة معطيات.

 

هذه الشركات مجرّد وهم إعلامي لتأكيد الانطباع العام أنّ الأمور في البلد تسير على خير ما يرام. وهذا يصبّ في المحصلة بمقولة الانتصار ودحر العدوان والقضاء على الإرهاب. حيث مارست الحكومة في الفترة السابقة العديد من هذه الأعمال لتأكيد هذه الفكرة (معرض دمشق الدولي وبعض المؤتمرات وآخرها مؤتمر عودة المهجّرين).

 

 أضاف: قد تكون هذه الشركات بدأت فعلاً بالظهور على الورق أو التأسيس، "ففي حياة السوريين أوقات تسمى الغفلة، كثير من الناس يستغلّونها لإقامة مشروعات خاصة، أو سرقة أراضي الدولة أو ممتلكات الاخرين، ونهب المال العام بغفلة عن سيادة القانون".

 

وأردف: لو نظرنا إلى المؤسسين أو أصحاب هذه الشركات لن نجد بينهم واحداً من الأسماء الاقتصادية المعروفة، كثير منهم كانوا مدراء مكاتب أو مخازن أو في مرافق أمنية ثانوية، وغيرها من أعمال لا تؤهلّهم لحيازة أموال تغطي نفقات أو ميزانيات هذه الشركات. وخلص المصدر إلى اعتبار أنّ هؤلاء "إمّا من تجار الأزمة، وجمعوا أموالاً يريدون غسيلها. أو أنّهم واجهات لتبييض أموال الكبار من تجار الأزمات الذين لم يظهروا للعلن بعد، ولا يزالون يرتدون عباءة الوطنية وقفّازات نظافة اليد"، وثمّة احتمال آخر من وجهة نظر الأكاديمي نفسه، هو أنّ سوريا الموعودة أو سوريا المستقبل لن تشبه سوريا الحاضر أو الماضي، ستكون مختلفة، ولها دور وظيفي في تبييض الأموال العالمية القذرة. ومرتعاً لصناعة وتجارة وتوريد المخدرات.

 

 

"السياحة ستكون ركناً من أركان نجاح هذا المشروع، سيأتي السائح من أي بلد بأقلّ من 500 دولار سيقضي أسبوعاً على الأقل سيكون فيها كالملوك تماماً، فكيف إذا جاء من ينفق 5000 أو 50000 دولار؟

 

سيتسابق  شبابنا للعمل كنادل في المطاعم، وربما يترك كثيرٌ منهم جامعته بحثاً عن - إكرامية - وستنتظر فتياتنا على أبواب الفنادق علّها تحظى بفرصة دخول.. فالإكراميات (التبس) بالدولار.

 

متحف بالة

 

في الوقت الذي يعاني فيه ملايين السوريين من أزمة اقتصادية خانقة، ووقوفهم في طوابير طويلة للحصول على أساسيات الحياة من خبز وطحين وسكر، وطوابير أخرى على محطات الوقود، افتتح في مدينة اللاذقية متحف باسل الأسد بعد إعادة تجديده بتكاليف مالية كبيرة، وقد جاء الافتتاح في ختام سباق تشرين للسباحة بالمياه المفتوحة.

 

 ضمّ المحتف ثياب باسل التي كان يرتديها، لدى ركوبه الخيل، و سروج الخيل، بالإضافة إلى 60 صورة وكأساً وميدالية.

 

وقد أثار هذا، استياء واسعاً على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي لسوريين موالين، لجهة كلفته العالية، والتي تُقدَّر بمئات الملايين من الليرات، في وقت يعاني فيه السوريون من غلاء المعيشة وتدني اﻷجور وفقدان أبسط مقومات الحياة.

وفي هذا السياق يقول الصحافي السوري المقيم في تركيا عدنان عبد الرزاق " استقبل السوريون، على خلافهم واختلافاتهم، بالداخل والخارج، خبر افتتاح المتحف المذكور، كصفعة رمل على عيونهم".

 

الوجع حسب عبد الرزاق جاء من أمرين؛ الأول أنّ الشعب السوري الذي لا يزيد متوسط دخل الأسرة منه عن 60 ألف ليرة، وتكاليف معيشته، وفق مراكز بحثية بدمشق، تزيد عن 650 ألف ليرة، ويعاني الفاقة والعوز والإذلال بتأمين قوت يومه، تنفق حكومته، بهذا التوقيت، مئات الملايين على افتتاح متحف، هو بالأساس غير ضروري إن لم نقل مستفِزّ...

 

وتساءل عبد الرزاق كما الكثير من السوريين: ماذا لدى باسل الأسد من موجودات ليتم افتتاح متحف لها؟ أيعقل أنّ ألبستة وبعض مستلزمات حياته  تستحق متحفاً..؟

 

السبب الثاني المؤلم حسب عبد الرزاق، أنّ افتتاح المتحف جاء غداة تهديم متاحف سوريا بمدن إدلب والرقة ودير الزور والحسكة.. وضياع جُلّ ما فيها من آثار مهمة، أو سرقتها وتهريبها إلى خارج سوريا، بحسب ما نقرأ من تقارير عن مزادات علانية للقى وتحف وآثار سورية.

 

و تتمة الاستفزاز، كما يرى عبد الرزاق، تجلّت "بإيثار رئيس النظام، على تذكير السوريين أنّ حكمهم من أسرة، وليس من مؤسسات أو دولة، فافتتاح متحف يذكّرهم بانتشار الصور للأسرة الحاكمة منذ عهد حافظ الأسد إلى اليوم، وهذا السلوك لا يمت لسلوك الدولة بأي صلة".

 

نبني بواقعية

 

" رامي وهبة" اسم مستعار لأستاذ في جامعة حلب يرى أنّ بعد عشر سنوات من الحرب يجب أن نفكر بواقعية، جوانب الحياة كافّةً ومساراتها تضررت، الأمر الذي يتطلب من الفريق الحكومي التشاركية، والتكاملية حتى يتم الخروج بتصورات واضحة حول ما هو ملِحّ، للعمل به كأولوية".

 

 

 وشدد المصدر على أنّ الفريق الحكومي الحالي والسابق لم يقدِّرا جيداً الواقع المرّ الذي يعيشه غالبية السوريين، داعياً إلى الاهتمام بالقضايا الحياتية الصغيرة، وحلِّها بشكلٍ صحيح، لنخرج من عنق الزجاجة.

 

 المشروعات السياحية الكبيرة، غير مجدية حالياً، لا بدّ أن نرى العالم حولنا، مشدِّداً على أهمية الانطلاق من الأولويات الزراعية والصناعية. 

 

وقال: ثمّة مقولةٌ شعبية شائعة "الجار قبل الدار" بمعنى أنّ التعاطف واللطف مطلوبان، لذلك لا بدّ من العمل على الوئام الاجتماعي، والأمن الداخلي.

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard