info@suwar-magazine.org

سوريا الاحتلالات في2020 تُشابه سوريا الجنرال غورو

سوريا الاحتلالات في2020 تُشابه سوريا الجنرال غورو
Whatsapp
Facebook Share

 

تزامنت مئوية اتفاقيّة "سايكس- بيكو" المُؤرّخة بالعام 1916، وذكرى مئوية إعلان بلفور في العام 1917، مع احتلال داعش لمدينة الموصل، وتدفّق مسلّحيه عبر الحدود العراقيّة-السوريّة لاحتلال مواقع عديدة داخل سوريا، حينها أعلن أبو بكر البغدادي أنّ تنظيم داعش قد " كسر" حدود اتفاقيّة سايكس-بيكو، ووحّد العراق والشام، ما استوجب الانتقال من الدولة إلى الخلافة، واعداً بكسر المزيد من الحدود. تضافرت المناسبات الثلاثة على إطلاق فيض الكتابات الاسترجاعيّة عن اتفاقية سايكس-بيكو، مُترافقة مع توقّعات بشأن مصيرها ومصير المنطقة.

 

دارت التوقعات الكارثيّة مدار الأفدح، عادت "لعنة سايكس-بيكو" كما سماها وليد جنبلاط، بينما بهجت سليمان المدير السابق لأحد أجهزة المخابرات السوريّة الذي هاجم المدافعين عن الاتفاقيّة، ويريدون المحافظة عليها، واصفاً العالم العربي بأنّه مصاب بالكُساح، جرّاء تقطيع أوصاله، والمطلوب معالجته "ليعود بشراً سويّاً". بهذه الكلمات يرصد الكاتب فوّاز طرابلسي في كتابه "سايكس-بيكو-بلفور( ما وراء الخرائط)"، الصادر عن دار الريس في (كانون الثاني- يناير)2019, ويعالج كيفيّة عمل الاستعمار في أعلى تجليّاته على إعادة توزيع المنطقة العربيّة الشرقيّة وفق مصالحه الخاصّة، والخاصّة فقط، دون أيّة مراعاة لمصالح السكّان المحلييّن في بداية القرن العشرين في البلدان الرئيسة في المنطقة خصيصاً ما يعرف بسوريا الطبيعيّة التامّة التي كانت تحت سيطرة السلطنة العثمانيّة حتى تحرير العاصمة السوريّة دمشق على يد القوّات الإنكليزيّة بقيادة إدموند آللنبي، الذي بدأ الهجوم نحو دمشق بتاريخ (16 أيلول/سبتمبر,1918) بنحو ألف من الخيّالة العرب، فيما توّلى فريق لورنس نسف خطوط سكّة الحديد لمسافات واسعة، وقطع أسلاك التلغراف، في الآن ذاته، كانت القوّات البريطانيّة تحتل بيسان والعفولة، وتتقدم لاحتلال طولكرم والناصرة، ولمّا وصلت إلى درعا كانت القوّات العربيّة قد سبقتها.

 

وبدأ الجيش التركي انسحابه من دمشق في (13 تموز/يوليو1918)، بإشراف جمال باشا الذي كلّف حفيديّ الأمير عبد القادر الجزائري سعيد، وعبد القادر المحافظة على الأمن في المدينة، بايع عدد من وجهاء المدينة الأمير سعيد على ولاية الشام، وكان أخوه عبد القادر قد والى حسين الذي أنقده مالاً لشراء ولاء زعماء الدروز، لكنّه ما لبث أن غادر معسكر الثورة العربيّة، وعاد إلى دمشق والتحق بالأتراك. وفي المقابل عيّن الشريف حسين شكري الأيّوبي رئيساً للحكومة، ورضا الركابي وزيراً للدفاع، وكان هذا الأخير قائد الكليّة العسكريّة في دمشق، اعتقله الأتراك وعذّبوه بتهمة الانتماء إلى جمعيّة "العربيّة الفتاة"، وأُطلق سراحه بعد خروج الأتراك عندما اقتحم متظاهرون سجنه في دمشق بقيادة الشيخ أحمد مريود، زعيم المقاومة في الجولان، وأطلقوا سراحه.

 

ويسلّط الضوء الكاتب فوّاز طرابلسي على رفع العلم العربي في سماء دمشق في نهاية (أيلول/سبتمبر) من العام 1918، وتعالت الهتافات بحياة حسين وفيصل وسعيد، وألقى بهذه المناسبة المحامي الشاب فارس الخوري خطبة استقلاليّة. وحصل بعدها هرج ومرج وأعمال نهب وسرقة إثر دخول البدو المسلّحين، والخيّالة الدروز، ما استدعى إطلاق نار من القوّات العربيّة، وسقوط مئتي قتيل، وعدة مئات من الجرحى، على ما يروي صبحي العمري.

 

 

استطاع الأمير سعيد إخراج المسلّحين من دمشق، وتقبُّل بيعة الزعيم الدرزي الشاب سلطان باشا الأطرش، وعيّن سعيد حكومة من خمسة وزراء هم" فارس الخوري، عطا الأيّوبي، شاكر الحنبلي، جميل الألشي، بديع مؤيّد العظم".

 

ويعيد طرابلسي سرد حكاية اللقاءات التي حصلت في دمشق بعد أن دخلها لورنس، واتّخذ من فندق فكتوريا مقرّاً له، إذ استدعى الأمير سعيد، فلم يأت إليه، فهدّده بالاعتقال، فجاءه مع أخيه عبد القادر، وبادر إلى تسليم السلطة لعطا الأيّوبي، ثم دخل آللنبي المدينة، وتلاه فيصل يوم (3 تشرين الأول/أكتوبر)، وحصل اللقاء بينهما في فندق فكتوريا، إذ أبلغ الجنرال البريطاني الأمير الحجازي أن فرنسا تحمي سوريا، وفيصل يدير شؤونها، باستثناء لبنان وفلسطين، والساحل السوري من فلسطين إلى خليج اسكندرون.

 

وطالب آللنبي من الأمير نزع الأعلام العربية من بيروت، وكان فيصل قد عيّن شكري الأيّوبي حاكماً عسكريّاً على ولاية بيروت، فرفع العلم العربي على سرايا بيروت، وعيّن حبيب باشا السعد حاكماً مدنيّاً على جبل لبنان، بعد أن أقسم السعد الولاء للشريف حسين، وهكذا انتهت الفترة الوجيزة من الحكم العربي على ولاية بيروت وجبل لبنان، وسُلّم الحكم المدني فيهما إلى فرانسوا جورج بيكو بصفته المفوّض السامي الفرنسي في الشرق، والمستشار السياسي للجنرال آللنبي "القائد العام لقوّات الحلفاء في الشرق".

 

ويٌفصّل الباحث طرابلسي في احتلال دمشق التي كانت آخر العمليّات العسكريّة التي خاضها الحلفاء في الشرق العربي وأكبرها، وإدارة فيصل لشؤون سوريا كما تسلّمها من آللنبي على اعتباره قائد "جيش الشمال" التابع لجيوش الحلفاء، ويحكم ولايات "دمشق، حلب، ديرالزور"، ويتقاضى ميزانيّة شهريّة من الخزانة البريطانيّة قدرها (150) ألف إسترليني شهريّاً، وكان أول إجراءات السلطة الجديدة إلغاء جيش الثورة العربيّة المُكّون معظمه من قوّات بدويّة، لأجل بناء جيش نظامي بإمرة ضبّاط وجنود عرب من الجيش التركيّ.

 

إعلان المملكة العربيّة السوريّة وزوالها:

 

يؤرّخ الكاتب فوّاز طرابلسي لإعلان المملكة العربيّة السوريّة في (8 آذار/ مارس من العام 1920)، في اجتماع مشترك مع بلديّة دمشق، استقلال سوريا، وبُويع فيصل ملكاً عليها "في حدودها الطبيعيّة".

 

رفضت قيادة الحلفاء الاعتراف بفيصل ملكاً، لأنّها لا تزال تعتبره "قائداً (عسكريّاً) من قادة الحلفاء يحتل قسماً من بلاد العدو التي لم يعقد الصلح معها بعد"، على ما أبلغه لويد جورج باسم حكومتيّ بريطانيا وفرنسا في (18 آذار/ مارس من العام 1920).

 

ويصف طرابلسي وضعيّة فيصل الذي كان لا يزال يتقاضى، بتلك الصفة، مرتباً شهريّاً من الحكومة البريطانية يبلغ (150 ألف جنيه إسترليني). وفي الآن ذاته، عقد ممثلو العراق في دمشق مؤتمراً أعلنوا فيه استقلال العراق، واتحاده سياسيّاً واقتصاديّاً مع سوريا، وبايعوا الأمير عبد الله بن الحسين ملكاً على العراق.

 

 

شكّل الاعتراف الدوليّ بالانتداب الفرنسيّ على سوريا الضوء الأخضر للقوات الفرنسيّة كي تتحرك لاحتلال دمشق في (تموز/ يوليو من العام 1920)، والقضاء على المملكة السوريّة العربيّة، وهذا ما شجّع بريطانيا على أخذ حصتها مما بقي من سوريا، بعد أن استحوذت على فلسطين، إذ قرّرت ربط شرقي الأردن (الذي يضم معظم جنوب سوريا) إلى انتدابها على فلسطين، دون أن تضيف أراضيه إلى منطقة الموطن القومي اليهودي غربي نهر الأردن.

 

ويوثّق طرابلسي سقوط حكومة كليمنصو مطلع العام 1920 بسبب الانتخابات النيابيّة، ومجيء حكومة بوانكارية اليمينيّة الاستعماريّة التي قررت احتلال سوريا.

 

وعيّن فيصل في ( 3آذار/مارس) حكومة دفاع وطني برئاسة هاشم الأتاسي، وفي الشمال كانت كيليكيا والشمال السوري مسرحاً لعمليّات مسلّحة ضدّ الانتداب الفرنسي من وحدات من الجنود الأتراك بإشراف مصطفى كمال، وأعلن إبراهيم هنانو حركته المسلّحة في شمالي حلب، وحذا حذوه صالح العلي في جبال العلوييّن. وردّت السلطات الفرنسيّة بالإسراع لتوقيع اتفاق هدنة مع الأتراك للتفرّغ لسوريا، وتنازلوا لهم لاحقاً عن كيليكيا، وعن عدد من القرى السوريّة.

 

ويُورد طرابلسي إنذار الجنرال غورو بتاريخ (14تموز/ يوليو1920) قائد القوّات الفرنسيّة في الشرق إلى حكومة دمشق بقبول الانتداب الفرنسي على سوريا، وإلغاء التجنيد الإجباري وتسريح المجنّدين، واستخدام الأوراق النقديّة التي يصدرها البنك السوري (مركزه بيروت)، والاعتراف بحق الجيش الفرنسي في استعمال خط سكّة حديد رياق حلب، على أن تنتهي مهلة الإنذار في 18 تموز.

 

ويظهر طرابلسي تسجيل صبحي العمريّ الضابط في الجيش العربي أبرز فيه وقائع تلك الأيّام الحرجة من البلبلة في التعامل مع الإنذار، والمراوحة بين الارتجال والفوضى ومواجهة عسكريّة حين تقرّر اعتماد الأخيرة، وبتاريخ (20 تموز/ يوليو)، نفّذ فيصل أبرز مطالب غورو بتسريح الجيش العربي. وقد قدّر عدده، بعد حملة التطويع، بما لا يزيد على ستّة آلاف ضابط وجندي مُوّزعين بين مشاة وخيّالة وهجّانة من البدو، وقوّات نظاميّة من متطوعين ومُجنّدين وجنود وضبّاط عرب من الجيش التركي. إلا أن ذاك الجيش كان يملك من الذخيرة ما يسمح بقتال لا يزيد عن ساعتين، على ما أبلغ رئيس أركانه إلى فيصل.  

 

ويصف طرابلسي موقعة خان ميسلون آخر المحطّات في طريق بيروت-دمشق في الأرض السوريّة حيث يشهد بقايا من الجيش العربي من هجّانة وخيّالة وحرس ملكي (من اليمانييّن) ومتطوعين، قدّرهم قادة ميدانيون بما ليس أكثر من (250) جنديّاً نظاميّاً، و(150) متطوعاً، بقيادة وزير الدفاع يوسف العظمة، بعد انسحاب عدد كبير من الجنود والمتطوعين ممّن جرى تجميعهم على عجل، دخلت هذه القوّة المُزوّدة بأسلحة فرديّة متوسطة وبعدد من بطاريّات المدفعيّة، في مواجهة يائسة مع طليعة قوّات فرنسيّة من(35 ألف) جندي بينهم (9000 خيّال)، معزّزة بالدروع والطيران. حُسمت المعركة في ساعات، وقتل خلالها وزير الدفاع يوسف العظمة على الأرجح بشظيّة قذيفة مدفعيّة.

 

ويُؤّرخ طرابلسي دخول القوات الفرنسيّة العاصمة دمشق يوم (25 تموز/يوليو) من العام 1920، وتوزّعت على ثكناتها بعد أن استعرضها قائدها الجنرال ماريانو غويبيه، ثمّ دخل غورو فاتحاً يوم (7 آب/أغسطس)، ونُسب إليه القول الشائع: "ها نحن عدنا يا صلاح الدين".

 

مع أنّ جايمس بار يُرجّح أنّ صاحب القول هو غويبيه، بناءً على مقالة صحافيّة فرنسيّة رافقت الحملة العسكريّة الفرنسيّة.

 

ويعزّز طرابلسي تفاصيله من خلال انسحاب فيصل مع وزرائه وعدد من الشخصيّات الاستقلاليّة إلى الكسوة في غوطة دمشق الغربيّة. وعندما سمع عن وساطة تولّاها القنصل الإيطالي مع السلطات الفرنسيّة لعودته إلى دمشق، وتشكيل حكومة جديدة، تمهيداً للعودة المأمولة، أرسل فيصل إلى علاء الدين الدروبي المعروف بولائه للفرنسيين، رسالة عيّنه فيها رئيساً للحكومة، وترك له ورقة بيضاء ليملأها بأسماء الوزراء الذين يختارهم، وبتاريخ (27 تموز/يوليو) عاد فيصل إلى دمشق، فورده في المساء طلب من غورو أن يغادر إلى الحجاز، فتوجّه إلى حيفا، ومنها إلى أوروبا.

 

هكذا انتهت "الثورة العربيّة الكبرى"، وأَفِلَتْ "المملكة العربيّة السوريّة".

 

دستور مدني برلماني في عهد فيصل:

 

ويسرد طرابلسي حكاية دستور المملكة العربيّة السوريّة الذي أنتجه "المؤتمر العربيّ السوريّ" "مملكة مدنيّة برلمانيّة" عاصمتها دمشق، ولغتها الرسمية اللغة العربية، دين الملك الإسلام، والملك الذي يُنتخب بأكثريّة أعضاء المؤتمر، يتعهد باحترام "شرع الله وثقة الأمّة، والدستور".

 

وهكذا يأتي هذا الدستور خلافاً لمعظم الدساتير اللاحقة، لا يأتي الدستور العربي على ذكر الشريعة نصاً بما هي مصدر للتشريع، بل يُوجب على الملك احترام "شرع الله"، والدستور(المدني)، والسيادة الشعبية (ثقة الأمّة) في آن واحد.

 

ويقوم النظام البرلماني على مجلسين: مجلس نيابي مُنتخب بالاقتراع العام، لكنّه يُخصّص مقاعد لتمثيل الأقليات فيه بمقعد واحد لكل (40 ألف نسمة) من كل أقليّة، بحيث يتأمّن التوازن بين "حكم مدني تمثيلي" (أي أكثري) و "حماية حقوق الأقليّات"، ومجلس شيوخ تكون فيه كوتا مقطوعة للأقليّات.

 

 

وقد كفل الدستور حريّة المعتقد الديني المطلق كما حريّة التعليم الديني. ومع أنّ المؤتمرين اختاروا النظام الملكي، ألا أنّهم توافقوا على اعتبار الملكيّة المدنيّة البرلمانيّة مرحلة انتقاليّة نحو الجمهوريّة.

 

ويشير طرابلسي إلى تقييد الدستور صلاحيّات الملك في أكثر من مجال، منها إلزامه بالعودة إلى المؤتمر لإعلان الحرب، والتفاوض على المعاهدات وتوقيعها، واشترط الدستور أن تنال الوزارة ثقة المؤتمر الذي يناط به التصديق على إجراء تعديل وزاري أو إقالة الوزارة.

 

لم تمر المداولات عن صلاحيات الملك دون أخذ ورد، أصرّ فيصل على أن يطيعه المؤتمر، لأنّه هو من أنشأه، فانبرى له رشيد رضا قائلاً: "إنّ المؤتمر هو الذي جعلك ملكاً على سوريا!" وقد مارس المؤتمر صلاحيّاته على الملك فوراً عندما صوّت ضدّ سفره إلى أوروبا للمفاوضات، وحين أصدر قرار التجنيد الإلزامي.

 

 ويوضح طرابلسي أنّه خلال البحث في حقّ الاقتراع نشب خلاف على حصره بالذكور فوق سن العشرين. ورد اقتراح بمنح حقّ الاقتراع أيضاً للنساء المتعلمات، أثار انقساماً في المؤتمر خرج عدة نوّاب من القاعة احتجاجاً على الاقتراح، لكنّ رئيس الجلسة رشيد رضا، نجح في تأجيل البت في الأمر باسم الحرص على وحدة المؤتمر، فانعقد التوافق على حق المرأة في التعليم بديلاً من حقّها في الاقتراع.

 

من الاتحاد السوري إلى دولة سوريا:

 

يصف الكاتب طرابلسي اتفاقيّة سان ريمو بأنّها رسمت حدود سوريا بعد أن انتزعت منها كيليكيا والموصل شرقاً، وفلسطين جنوباً، و"لبنان الكبير" غرباً، وتحوّلت اسكندرون إلى سنجق يتمتّع بحكم ذاتي تابع لحلب (ستتخلى عنه فرنسا للدولة التركيّة في العام 1939 لقاء ضمان حيادها في الحرب العالميّة الثانية).

 

وتولّد انطباع لدى القائد غورو عند تسليم المفوضية على سوريا من فرانسوا جورج بيكو في العام 1919، أنّه يمكن السيطرة على سوريا بتقسيمها إلى أربعة أو خمسة كيانات، فأُنشأت تلك الكيانات خلال (آب/أغسطس) على التوالي: "دولة دمشق المستقلّة" و"دولة العلوييّن" و"حكومة حلب" يتبع لها لواء إسكندرون وديرالزور" و"جبل الدروز" أو" دولة السويداء", و"دولة لبنان الكبير" التي فصلت عن سائر الدويلات السوريّة في (31 آب/ أغسطس)، وأعلنت سوريا دولة اتحاديّة.

 

ما لبث غورو أن وحدّ دولتي دمشق وحلب في "دولة سوريا" في نهاية العام 1924، ولم تضم إليها دولتي "العلوييّن، والسويداء"، إلّا بعد معاهدة الاستقلال في العام 1936، لتنشأ "الجمهوريّة السوريّة"، وقد تكرّست الحدود بين لبنان وسوريا بموجب تلك المفاوضات أيضاً. وفي العام 1923، تولّت بعثة من جمعيّة الأمم ترسيم الحدود بين سوريا والعراق، وبقيت الحدود مفتوحة للقبائل البدويّة تعبرها في الاتجاهين، وظلّ الاتفاق ساري المفعول إلى الثمانينيّات، بعد تسلّم حزب البعث الحكم بين البلدين.

 

إنّ العمل التوثيقي الكبير الذي قام به الباحث فوّاز طرابلسي في كتابه "سايكس-بيكو- بلفور، ما وراء الخرائط"، والبحث في مصير منطقة شرق المتوسّط في بداية القرن العشرين يشابه وضع سوريا، مع استمرار النظام الحاكم في دمشق الذي أخضع سوريا إلى مناطق نفوذ واحتلالات متعدّدة، فهذه الكيانيّة التركية في إدلب، والكيانيّة الفارسيّة والروسيّة تظهر في مناطق سيطرة النظام، والدعم الأمريكي والكيانيّة الكرديّة في الشمال الشرقي من البلاد، وهذا التاريخ المعاصر والمُحدَث يشابه إلى حد بعيد مشروع غورو في سوريا في حقبة العشريّة الثالثة من القرن العشرين.

 

وهذا يُؤكّد أنّه لا خوف على الدولة والكيانيّة السوريّة رغم وجود الاحتلالات، لكن الخوف على سوريا، وشعبها من الديكتاتوريّة والاستبداد والقتل الذي لا يرحم فيه السورييّن بعضهم بعضاً أولاً، وثانياً الخوف على السوريين من الجوع بوجود النظام الديكتاتوريّ المستبد المتمسّك بكرسي الحكم مُعرّضاً الشعب السوري إلى الجوع والعقوبات التي تحاصر الشعب السوري أكثر مما تحاصر النظام وداعميه، فهل تستطيع المعارضة، والقوى الداعمة تفصيل العقوبات وفق قانون قيصر على مقاس النظام وداعميه بعيداً عن الشعب السوري، أم سيجوع الشعب السوري، ويبقى النظام كما حدث في العقوبات أيّام "صدام حسين" في العراق حيث جاع العراق، وبقي صدام حسين إلى أن جاء التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، واحتلّ بغداد بتاريخ 9/4/2003، وأنهى حكم البعث في العراق.

 

أخيراً، إنّ كتاب الباحث فوّاز طرابلسي ممتع وشيّق ويستحقّ القراءة والكتابة عنه في أكثر من مادة صحفيّة.

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard