info@suwar-magazine.org

عن زيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق

عن زيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق
Whatsapp
Facebook Share

 

إن عدنا إلى مرجعيات التاريخ بعد عقود فربما ستظهر الصورة التي جمعت بين وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان والرئيس السوري بشار الأسد في دمشق يوم 9 تشرين الثاني 2021 كنقطة تحوّل في التاريخ السوري، ولكنّها إن أُخذت في سياقها الطبيعي، فستبدو خطوةً متوّقعة بعد سلسلة من الإجراءات الإماراتية التي مهّدت لهذه اللحظة، وخاصّةً إعادة افتتاح سفارتها في دمشق بكانون الأول عام 2018.

 

وراهنت أطرافاً كثيرة من المعارضة السوريّة على مدى أكثر من 10 أعوام على أنّ صورة كهذه يستحيل أن تُلتقط، فأين أخطأت المعارضة لتكون خارج هذه اللقطة وغيرها تماماً، وتكتفي ببعض المقالات والتصريحات التي لا يرغب أيّاً من الرجلين في الصورة بسماعها في لحظتهما التي يريان أنّها قد تكون نقطة تحوّل في بداية مرحلة سوريّة يعيد فيها النظام ترتيب بعضاً من الأوراق المتبقية لديه، واستمراراً لدور إماراتي قيادي في المنطقة يتصدّر المشهد السياسي فجأةً، على غرار الدور القطري بالمنطقة في الأعوام الأولى من العقد المنصرم.

 

بالتأكيد ليست أخطاء المعارضة وحدها هي من أوصلتنا إلى هذه النقطة، بل العديد من الظروف الإقليميّة والتغيرات الدوليّة أيضاً، إلّا أنّ المعارضة السوريّة لا تستطيع التنصّل من مسؤوليتها عن لحظة كهذه، ولن تتمكّن من أن يكون لها مكاناً حقيقيّاً في هذه اللقطة أو غيرها دون أن تطرح على نفسها سؤال: كيف وصلنا إلى هنا؟

 

فالمعارضة السوريّة لم تستطع على مدى سنوات الأزمة تكوين هيئة تقوم بدوراً ملموساً، أو مؤثّراً بما يكفي على سياق الأحداث في سوريا لتمثّل قيادة للحراك أو لتطرح هموم السوريّين بعيداً عن سباقات قصيرة المدى على مناصب لن تستطيع من خلالها أن تغيّر شيئاً فعلاً، لتمنح من يدافعون عن النظام أساساً متيناً لسؤال كثيراً ما يطرحونه في وجه المعارضين: "ومن البديل؟"، وإن كان في ذلك السؤال اختزالاً لجزء كبير من الآليّات السياسيّة السوريّة منذ بداية حكم آل الأسد لسوريا، ويفتح الباب لسجال يمكننا أن نشرح فيه لم ليس هناك بديل واضح حتّى بعد أكثر من 10 سنوات على بداية الأزمة السوريّة، وكيف حرص النظام طوال فترة حكمه على القضاء على كلّ فرص تكوّن أيّ مشروع لذلك البديل، وسجون النظام على امتداد عقود من الزمن خير شاهد على ذلك.

 

 

لكن علينا القول اليوم إنّ الصراعات الداخليّة التي انخرطت فيها أقطاب المعارضة، وإصرار البعض في استنادهم على دول قد يكرّر مسؤولوها لقطة بن زايد في دمشق في القادم من الأيام أو الأعوام لم يفيد أيّاً من السوريّين سواءً من في الداخل، أو من يقبعون في صقيع مخيّمات اللجوء، أو الذين يخشون أيّ تغيّرات دوليّة قد تعيدهم إلى سوريا في أسوأ حالاتها، ولم تشكّل أيّ بديل سياسي واضح يمكن المراهنة عليه دون أيّ شعور بالقلق أو التوّجس نحوه. فالمعارضة لم تستطع حتّى الاتفاق على خطوط عريضة وطنيّة تهيئ المناخ السوري في الداخل والخارج لخارطة طريق سياسيّة إلى دولة ديمقراطيّة تعدّدية أو لهويّة سوريّة بديلة تستطيع أن تجمع أطيافاً واسعة تحت مظلّتها بشكل فعّال وحقيقي.

 

ومهما كانت درجة أهميّة زيارة وزير الخارجيّة الإماراتي إلى دمشق بعد أعوام من الانقطاع فهي لا تعكس تغيراً في موقف لاعب إقليمي رئيسي يمثّل مؤشراً على السياسات الدوليّة تجاه النظام السوري فقط، بل هي صعود لاتجاه جديد قد نراه أقوى وأكثر وضوحاً مع استمرار النظام كأمر واقع، ممّا سيحتّم على قوى المعارضة التعامل مع الواقع الجديد، لكي لا تتحوّل إلى معارضة أشبه بـ"ظاهرة صوتيّة" تعيش في عالمٍ موازٍ على شاكلة العديد من "المعارضات" الخارجيّة في بلاد عربيّة أخرى، التي قد تكون محقّة في مطالبها لكنّها تحوّلت بمنطق الصورة نفسه إلى رسومات كاريكاتورية عن معارضة حشدت عشرات الآلاف في الشوارع يوماً.

 

وبالعودة إلى الصورة، فهي ربما تبدو في ذاتها سرياليّة لو عدنا إلى الأعوام الأولى من الأزمة السوريّة والخطاب الإعلامي الذي ارتفعت وتيرته من الطرفين وإن كان بشكل غير رسمي، حيث كان يرى الطرف السوري في الدول العربيّة جزءاً من مؤامرة "كونيّة" تموّل المجموعات الإرهابيّة على امتداد أعوام، فيما كان يرى الطرف الثاني أنّ النظام السوري جزءاً من المشكلة ويستحيل أن يكون جزءاً من الحلّ.

 

ولا شيء يدلّ على اهتراء النظام الذي بنى جزءاً من هويّته لأعوام طويلة على خطابات العداء لـ"إسرائيل" من سعادة مؤيّديه بلقطة تجمع رئيسه بوزير خارجية الدولة التي تقود موجةً جديدةً من الجهود الحثيثة باتجاه التطبيع مع العدو. وحتّى إن تراءى للبعض من مؤيدي النظام أنّ هذه الزيارة ستكون بمثابة حركة بيدق على رقعة شطرنج سوريّة سيتوّج فيها النظام نفسه منتصراً، لكن إن نظروا جيداً في ما بعد الصورة كرمزيّة خارج سياقها فسيرون أنّ رقعة الشطرنج لم تعد سوريّةً، وأنّ البيدق قد عُلّقت صورته على جدار منزله، في معركة عليهم الاعتراف أنّ كلّ السوريّين هُزموا.

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard