info@suwar-magazine.org

خطّ الغاز العربي-الإسرائيلي ينقذ لبنان وسوريا

خطّ الغاز العربي-الإسرائيلي ينقذ لبنان وسوريا
Whatsapp
Facebook Share

 

مصر مكتفية ذاتيّاً وإسرائيل أكبر مُصدِّر للغاز بالمنطقة

مقابل 5 ساعات إنارة، الغاز الإسرائيلي في لبنان وسوريا

 

 

ليست معركة غاز، فهذه المرّة سيرسم الغاز ملامح العلاقات الدوليّة القادمة، ويدفع باتجاه استدارة كاملة، وسيكون لهذه الكلمة المفتاحيّة "الغاز" الشأن الأكبر في تشكيل التحالفات الجديدة، والتي أولى بوادرها قبول دمشق وبيروت العلني بالغاز، المسمّى مصريّاًـ القادم عبر خطّ الغاز العربي، لكنّه سيكون غازاً إسرائيليّاً في الحقيقة، ليس لإنقاذ لبنان من عتمته، وسدّ جزء من النقص بالمادّة لدى سوريا، بل للتأكيد أنّ الغاز الإسرائيلي في بيت المقاومة اللبناني وقلعة الصمود السوريّة.

 

هدف إسرائيلي

 

أخفى التهليل المبالغ فيه بما اتفق عليه وزراء النفط والطاقة في الأردن ولبنان وسوريا ومصر بعمّان مطلع أيلول الماضي، لمدّ لبنان بالغاز وتزويده بالكهرباء، بمباركة أمريكيّة تضمن النجاح، أخفى وراءه هدفاً إسرائيليّاً صرفاً يرمي إلى تسويق الغاز الإسرائيلي، وتمكين تل أبيب من السيطرة على إمدادات الغاز في المثلّث الذي ضلعاه مشتعلان، أي سوريا ولبنان، فيما ضلعه الأخير-أي إسرائيل- يقطف النتائج. وفي المعطيات التي حصلت (صور) عليها تبيّن أنّ مصر لا تمتلك فائضاً كافياً من الغاز لتصدير 1.6 مليون متر مكعّب يوميّاً إلى لبنان، وهي بالكاد لديها اكتفاء ذاتي مؤقّت، فإجمالي صادرات مصر من الغاز الطبيعي 2020، وفقاً للتقارير الدوليّة المتخصّصة، بلغت 1.8  مليار متر مكعب، فيما الفائض المنتج مصريّاً، والقابل للتصدير لا يتجاوز 700 مليون متر مكعّب، وأنّ الكميّة المتبقيّة 1.1 ملياراً قادمة من إسرائيل. بمعنى أنّ الغاز الإسرائيلي الذي يصعب تصديره إلى أوروبا، كأكبر سوق مستهلك، لاعتبارات فنيّة وتنافسيّة، وجد لنفسه السوق الأقرب والمتعطّش لمصدر طاقي نظيف وبكلفة أقلّ من البترول. وكانت إسرائيل أعلنت في 2010 عن اكتشافات غاز طبيعي كبيرة في مياه البحر المتوسط باحتياطات تبلغ 11 ترليون قدم مكعّب في حقل متّار، و 22 ترليون قدم مكعّب في حقل ليفياثان.

 

هذا ليس المشهد إطلاقاً، إنّه النتيجة الحتميّة التي توصّلت إليها (صور)، في بحثها بالاتفاق العربي الذي أخفى معطيات إنتاج الغاز، والسرعة الهائلة التي استجابت بها مصر والأردن لحلّ معضلة لبنان الطاقيّة.

 

دائرة محكمة الإغلاق

 

رفض فريق لبناني النفط الإيراني الذي استقدمه حزب الله، بالمقابل طفا الترحيب بالغاز القادم عبر خطّ الغاز العربي، رغم اليقين أنّه غاز إسرائيلي. هذا الانقسام مردّه إلى المأزق السياسي والاجتماعي المهول الذي يعيشه لبنان، والذي بالمسطرة ذاتها يُمكن القياس عليه لبقيّة الدول العربيّة الأخرى وبخاصّة سوريا. هي دائرة محكمة الإغلاق، إمّا البقاء بلا غاز وكهرباء، أو القبول بالخيار الوحيد وهو الغاز الإسرائيلي تحت عباءة الغاز المصري.

 

 

بالنهاية القضيّة ليست مجرّد كميّات من الغاز قادرة في أحسن الأحوال تأمين إنارة كهربائيّة ما بين خمس إلى ست ساعات يوميّاً، هي تعاون اقتصادي، سينجم عنه لاحقاً تعاونات أخرى، أبرزها التعاون السياسي. إذ هنا غير ممكن أن تكون متعاون اقتصاديّاً، وتتمسّك بحالة عداء سياسيّة علنيّة. الشرط الدولي هو تهيئة المناخات المناسبة سياسيّاً لعملية سلام عربيّة اسرائيليّة بشروط جديدة، تستند إلى معطيات العقد الأخير، والنتائج المترتّبة على الربيع العربي.

 

مصر تستورد الغاز

 

تمتلك مصر محطّات إسالة الغاز الطبيعي، وتضطلع بدور حيوي في مجال تصدير الغاز الإسرائيلي، إذ أنّها تنظر إلى المردود الاقتصادي القادم إليها من تسييل الغاز الطبيعي الإسرائيلي المستورد وفق الاتفاقيّة الموقعة بين الجانبين، والتي بموجبها بدأت إسرائيل مطلع العام الماضي بتصدير غازها إلى مصر بكمية مقدارها 85 مليار متر مكعب لغاية 2035. والواضح أنّ النظام المصري ينظر إلى المسألة بعين اقتصاديّة بحتة، وألّا يُستثنى من الترتيب الاقتصادي الجديد في المنطقة، وأن يمارس دوراً مهمّاً في مجال الطاقة.

 

تنتج مصر 7 مليارات قدم مكعّبة يوميّاً من الغاز، حصّة الحكومة منها 4.5 مليارات قدم مكعّبة، وتشير الإحصاءات الرسميّة أنّ الاستهلاك المحلي يبلغ 6 مليارات قدم مكعّبة يوميّاً، وتشتري الحكومة 1.5 مليار قدم مكعّب يوميّاً من شركائها الأجانب المالكين لحصص انتاجيّة في الحقول. ووفقاً لوزارة البترول والثروة المعدنيّة حقّقت مصر اكتفاء ذاتيّاً بالغاز منذ 2018، لكن ارتفع استهلاك الغاز الطبيعي لديها بنسبة تتجاوز 27% ووصل إلى 60 مليار متر مكعب في 2020 | 2021 مقارنة ب 47 ملياراً عام 2014 | 2015.

 

ومع الأخذ بعين الاعتبار، المشروعات الحكوميّة الطموحة الرامية لإيصال الغاز إلى المنازل وتحويل وسائط النقل إلى استهلاك الغاز، دفع بالقاهرة إلى استيراد الغاز الإسرائيلي، وإعادة إصلاح محطّات تسييل الغاز، التي تؤمّن موارد إضافيّة لها، وتخلق فرص عمل، وتبقي ميزانها التجاري الطاقي رابحاً، خاصّة أمام زيادة سنويّة باستهلاك الغاز تصل إلى 8%، فيما تقدّر احتياجات مصر من الغاز العام القادم، وهي الفترة الزمنيّة التي ستبدأ فيها عمليّة تزويد لبنان بالغاز مطلع 2022، بنحو 9 مليارات قدم مكعّبة يوميّاً.

 

مفتاح المشروع

 

سيصل الغاز الإسرائيلي إلى لبنان، وسيمرّ من الأراضي السوريّة، في أول تعاون اقتصادي مباشر برضا محور المقاومة الرافض الوهمي تاريخيّاً للكيان الصهيوني. إذ لا يمكن نكران أنّ إسرائيل هي الآن في قلب خطّ الغاز العربي، وهي دولة مُصدِّرة وذات وزن في المشروع، وإن كان ذلك من تحت عباءة التعاون الإسرائيلي-المصري. هذه حقيقة مجرّدة، بل أنّ مفتاح المشروع سيكون بيد إسرائيل، فهي الدولة الوحيدة وفقاً للمعطيات الحاليّة التي تمتلك فائضاً بالغاز، منذ أن تحولت مصر من مُصدِّر إلى إسرائيل إلى مستورد منها 2019، برغم أنّ استراتيجية إسرائيل الطاقيّة هي الالتزام باستهلاك 60% من احتياطياتها فقط لغاية 2040، للمحافظة على أمنها الطاقي.

 

 

وبذلك تستفيد إسرائيل من البنى التحتيّة لخط الغاز العربي الذي تم تنفيذه على ثلاث مراحل، الأولى من العريش إلى العقبة بطول 265 كيلومتر وباستطاعة 10 مليارات متر مكعّب سنويّاً، وتمّ البدء بتوريد الغاز الطبيعي من مصر إلى الأردن 2003، وامتدت المرحلة الثانية من العقبة إلى منطقة رحاب شمالي الأردن وبطول 393 كيلومتر، وبدأ تزويد الغاز لمحطّات توليد الكهرباء في 2006، واستكملت هذه المرحلة من رحاب، ولغاية الحدود الأردنيّة السوريّة 2008 بطول 30 كيلومتر، وأُنجز الجزء الجنوبي من المرحلة الثالثة 2008 من الحدود الأردنيّة السوريّة إلى مدينة حمص بطول 320 كيلو متر، وتم البدء بتصدير الغاز الطبيعي المصري إلى لبنان عبر الأردن في تشرين الثاني 2009.

 

جرعة إنعاش للنظام

 

السؤال: ماذا يعني مرور الغاز المصري-الإسرائيلي في الأراضي السوريّة سياسيّاً واقتصاديّاً؟

بادئ ذي بدء، هي جرعة إنعاش على غاية من الأهميّة للنظام السوري، لسدّ النقص في مستلزمات الغاز، واستثمار جيوبوليتيكي سوري، إذ تبقى سوريا البوّابة الوحيدة للبنان، والممر البري الإجباري لبيروت عبر دمشق، وهذه المرّة تحوّلت الخاصرة الرخوة لسوريا إلى حلّ اقتصادي وسياسي. وقد تكون هذه الخطوة هي انفراجة لحلّ أزمة المحروقات المتراكمة في البلاد، ولأوّل مرة شعر السوري بالطمأنينة، بعد عقد من الوعود الكاذبة لتعويض النقص في الغاز والمحروقات بالدرجة الأولى، وفشل الحكومات السوريّة المتعاقبة في إدارة النقص بالموارد لا سيما بعد خروج مصادر الطاقة عن سيطرة النظام.

 

سياسيّاً، بدأت دمشق من خلال هذا المشروع بفكّ عزلتها الخانقة عربيّاً ودوليّاً، كما أنّ الاتفاق يوحي برغبة دوليّة في أن تستعيد دمشق جزءاً من دورها ونفوذها اللذين فقدتهما خلال سنين الحرب العجاف 2011 – 2021، كما يعيد السوريّين إلى المربّع الأول، بأنّ النظام الحالي باقٍ بشروط وتوافقات دوليّة، تضمن مصالح الدول النافذة.

 

اقتصاديّاً، ستحصل دمشق على حصة وازنة من الغاز الذي سيمر بأراضيها متجهاً إلى لبنان، وهنا يصنع الاقتصاد ما عجزت عن صنعه سنوات المواجهة الطويلة مع اسرائيل، وتبريد المواقف السياسيّة الساخنة التي لم تستطع عمليّة السلام منذ مؤتمر مدريد 1991 أن تجعلها قابلة للحل وتتّسم بالمرونة. يكسر الغاز التابوه السوري-الإسرائيلي، فالنظام الذي وجد نفسه محاصراً وغير مرغوب فيه، يتمسّك حاليّاً بتلك القشة الوحيدة التي ستحميه من الغرق. وفي المقلب الآخر، تستكمل إسرائيل مشروعها التطبيعي مع العرب بأداة جديدة تناسب فكّ العقدة مع محور المقاومة.

 

لا تستطيع دمشق رفض المشروع، هي أضعف اليوم بكثير من أن تمتلك قرار الموافقة من عدمه، بل لا يوجد سيناريو بديل لديها، وربما يشكّل مناقشة عدم موافقتها تضييع للوقت.

 

الممرّ الإجباري

 

لا يمكن الجزم بقدرة الغاز على التطبيع، كما لا يمكن نفي ذلك، لكن الثابت أنّه لا يمكن محاربة دولة تستورد منها مصادر الطاقة، هذا عبث. ويدرك الحكّام ذلك وأبعد منه أيضاً، إنّهم يسهّلون وقع الصدمة على الناس. ولذلك تنتهي المشاريع العربيّة الخالصة كما هو مخطّط لها، لا كما يرغب الشارع العربي، ولا يخرج خطّ الغاز العربي عن هذه القاعدة، هنا الاستثناءات ممنوعة، والممر الإجباري لا بدّ من أن يضمن مصالح الجارة-العدوّة. ومن المناسب في الأيام القادمة تغيير اسم خط الغاز العربي المتوقّف منذ 2011، وتصحيح مساره اللغوي في الحدّ الأدنى، ليكون خطّ الغاز العربي-الإسرائيلي.

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard