info@suwar-magazine.org

الإصرار الرّسميّ على فتح المدارس أثناء الكورونا.. ماذا في الخفاء؟

الإصرار الرّسميّ على فتح المدارس أثناء الكورونا.. ماذا في الخفاء؟
Whatsapp
Facebook Share

 

 

بالرّقص والأغاني الحماسيّة والكلمات الرّنّانة أطلقت وزارة التّربية في 9 أيلول الجاري حملة العودة إلى المدرسة، بتعاونٍ مزعومٍ مع اليونيسيف، وذلك عبر مؤتمرٍ صحفيٍ (مسرحي) أقيم في مدرسة جودت الهاشمي (للسيّد وزير التّربية)، أكّدت فيه وزارة التّربية إصرارها- والأصح عنادها- على افتتاح المدارس في 13 أيلول/سبتمبر 2020 رغم كلّ الاعتراضات الشّعبيّة والتّحذيرات الأخصائية من عواقب ذلك.

 

وزير التّربية دارم طباع، الذي سبق أن أثار موجة من التّهكّم والسّخرية بعد تعينيه بسبب كونه (طبيباً بيطرياً)، أكّد بما يقطع الشّكّ أنه يستحق تلك السّخرية، وليس بالطبع بسبب اختصاصه، ولكن بسبب كلامه العجائبيّ، الذي لا يمكن أن يصدر إلا عن شخصيّةٍ ساذجةٍ أو مستهترةٍ بالعقول إلى أبعد الحدود في كلتا الحالتين.

 

 في ذلك اللّقاء قال (سيادته) أنه وبعد "تدريسه للصحة العامّة" لمدة أربعين عاماً، وهو الطّبيب البيطريّ، "لم يرَ ارتفاعاً في الوعي الصّحّيّ كما رآه عند المواطنين خلال هذا العام، حيث ارتفع لديهم الوعي الصّحّيّ بشكلٍ نوعيٍ، ولاسيّما الأطفال، بما فيهم أطفال المرحلة الابتدائيّة، الذين بدورهم ارتفع لديهم هذا الوعي أكثر من الكبار، والدليل -حسب كلامه- على تفوّق الأطفال في الوعي الصّحّيّ؛ هو أنّ أغلب الإصابات كانت في الأعمار المتقدّمة وخصوصاً بين الأطبّاء لأنّهم أهملوا في إجراءات الوقاية بينما الأطفال كانوا خائفين جدّاً واتّبعوا كلّ الإجراءات"! ولكن عدا عن هذا الكلام العاري تماماً من أيّ مسؤوليّة، فمن خلال ذلك اللقاء الدّعائيّ المنقول تلفزيونيّاً ضرب لنا السيّد الوزير وضيوفه من إعلاميّين ومعلمين وسواهم مثالاً نموذجيّاً مباشراً على مستوى "الوعي الصّحّيّ" المزعوم عند المواطنين، فهم الذين يفترض فيهم أن يكونوا "النّخبة الانضباطية" بين هؤلاء المواطنين، كان مستوى التزامهم الصّحّيّ في هذا اللقاء الدّعائيّ أقلّ من ضعيف، إذ أن الكمامات -مثلاً- كانت فيه تكاد لا تلحظ، والتّباعد غير محقّقٍ بتاتاً، فالكراسي متلاصقة، والحضور يجلسون عليها دون ترك أيّ فراغاتٍ بينهم، وهذا يعطينا مثالاً جليّاً وواضحاً عن وضع مدارسنا التي نحتفل ونتغنّى بالعودة إليها!!!

 

 

في لقائه ذاك (السيّد الوزير) أعلن أن مدارسنا جاهزةً لعودة الطّلاب إليها، وهذا ما يكّذبه وبمنتهى البساطة الواقع، فالمدارس قد تمّ افتتاحها في الموعد الذي أصرت عليه وزارة التّربية، ومن خلال التّواصل المباشر مع العديد من المدرّسين والعاملين في المدارس والطّلاب وذويهم في عدّة مدارس، تأكّد ما كان منتظراً تماماً، وهو أن مدراسنا (الجاهزة) تستقبل الطّلاب بإجراءات إن لم تكن معدومة فهي تكاد تكون معدومةً لمواجهة فيروس كورونا، وتتصرّف وكأن هذا الفيروس ليس له وجود! فالقاعات الصّفيّة -مثلاً- هي مثل العادة مكتظةً بطلاب يقاربون أو يتجاوزون الأربعين طالباً في القاعة الواحدة، أيّ دون أيّ إمكانيةٍ أو نيةٍ لتحقيق أيّ تباعدٍ بينهم، وارتداء الكمامات قليلٌ وكيفيٌّ، أي يرتديها من يشاء ولا يرتديها من يشاء، وليس هناك أيّ تعقيمٍ أو مراقبةٍ لدرجات حرارة التّلاميذ أو غير ذلك من هذه الإجراءات الصّحّيّة الوقائيّة التي تشكّل أدنى حدود الضّرورات الوقائيّة، و في حقيقة الأمر هذا ما يجري عموماً في معظم المؤسّسات الرّسميّة والمرافق المجتمعية الأخرى، وقد قال (سيادته) "إنّ العودة إلى المدرسة ستكون آمنةً ولن يتعرّض الطّلاب للخطر وفي حال ظهور أيّ أعراضٍ سيرسل الطّالب لدائرة الصّحّة المدرسيّة"، ومن يسمع مثل هذا الكلام يهيء له أنّ "دائرة الصّحّة المدرسيّة" لدينا لديها مستوىً من الكفاءة والجاهزية مثل وزارة الصّحّة اليابانيّة، في حين أنّها في وضع أقلّ ما يقال عنه أنه "يرثى له" كباقي المؤسّسات الحكوميّة، وهي ليست جاهزةً للتعامل مع مرض من مستوى "الزّكام"، وليس مع وباء مثل "الكورونا"، فدوائر الصّحّة المدرسيّة –مثلاً-  لا وجود لها في القرى، وحيث تتواجد في المدن الصغيرة، جلّ ما تقوم به هذه "الصّحّة المدرسيّة" هو إعطاء بعض التّقارير الطّبّيّة الرّوتينيّة أو تسجيل الإجازات المرضيّة، ولكن حتّى بفرض أنّ هذه الدائرة كفؤةٌ، فما الفائدة من إرسال من تظهر عليه الأعراض إليها بعد أن يكون قد أصيب هو نفسه بالوباء ونقل العدوى إلى زملائه في الصّف الذين سينقلون بدورهم العدوى إلى أهلهم وسواهم؟!

 

ومعنى ذلك أن "العودة الآمنة المزعومة" هي ليست من الأمان في شيءٍ، فلا وقايةٌ مدرسيّةٌ موجودةً ولا صحّةٌ مدرسيّةٌ كفؤةً، وهكذا تفتح هذه العودة أوسع أبواب إمكانية إطلاق سلسلة عدوى تضاعفية متسارعة متنامية!

 

واقعياً كلّ ما تمّ الحديث عنه أعلاه من تدابير وقائية تقلّل فقط من احتمال الإصابة بالمرض، ولكن هذا الاحتمال يبقى عالياً حتّى عندما يتمّ الالتزام بها بأفضل أشكالها، وكلما كان الاختلاط أكبر، كبر معه احتمال الإصابة، الذي يصبح عالياً جداً في حالة اكتظاظ كحالة مدارسنا، ولاسيّما أنّ المكتظين كلّهم قاصرين، والقسم الأكبر منهم حتّى تحت سنّ البلوغ البيولوجيّ.

 

هذا كلّه.. لا يلقي عليه وزير التّربية بالاً، وهو عمليّاً يطبق ما سبق أن صرح -أو أنذر به- به قبل أسبوع من افتتاح المدارس حين قال: "لا تأجيل للمدارس، اليوم الدّوام للإداريين والأسبوع القادم للطلاب، على الأولياء تعليم أولادهم الصّحّة الشّخصيّة"!

 

وبذلك تمّ تماماً تنصيل وزارة التّربية بل والحكومة كلّها معها من أيّ مسؤوليّةٍ رسميّة عن مواجهة الكورونا في المدارس، وألقي كامل العبء على الأهل، وتمّ تسطيح هذا العبء إلى درجة جعله مجرد بضع تعليمات صحيّةٍ شخصيّةٍ من قبيل "لا تصافح.. لا تعانق.. لا تلمس الآخرين.. لا تلمس وجهك.. إغسل يديك جيدا بعد المرحاض، وارتد دوماً كمامتك، وهلم جرى.."!

 

يعني.. وزيرنا الجهبذ يريد مواجهة فيروساً عالميّاً قتل حتّى اليوم أكثر من 900 ألف شخصٍ وأصاب قرابة الـ 30 مليوناً وما يزال يصيب يوميّاً عشرات الآلاف، وما تزال حتّى أكثر الدّول تقدّماً غير قادرةٍ على وقف انتشاره، وهو يزاد انتشاراً في سوريا! ببضعة تعليمات صحّيّةٍ من مستوى التّعليمات التي تعلمناها في الصّف الأول الابتدائيّ مع "باسم ورباب، ونوري وبوران"، وهو يتوقّع أن ينفّذ طلبة وتلاميذ المدارس هذه التّعليمات بحذافيرها، بما في ذلك من هم في المستويين الابتدائيّ والإعداديّ وكأنّهم روبوتات! مع أنّ هذه التّعليمات حتّى لو طبقت تماماً وكليّاً فدورها سيبقى ثانويّاً، لأنّ مصادر التقاط الفيروس من الوسط المحيط كثيرةٌ، ولأنّ أكثر الرّاشدين حذراً لا يمكنه أن يتوقّف بشكلٍ كاملٍ عن لمس وجه، الذي يتمّ غالباً بشكلٍ لا شعوري، فمبالك بطفلٍ صغيرٍ لا يستطيع أن يكون بمثل هذا الحذر، وكم يستطيع هذا الطّفل أن يتحمّل الكمامة، التي لا يستطيع حتّى الشّخص البالغ تحملها طويلاً؟ وماذا عن تعقيم المقاعد والأدوات الدّراسيّة؟ هذا ناهيك عن غلاء الكمامات وموادّ التّعقيم، وكيف سيكون الحال في قاعاتٍ مكتظةٍ لا يتمّ فيها الالتزام أو الإلزام، إن سعل أو عطس فيها شخصٌ مصابٌ، فيمكنه أن ينقل العدوى إلى نصف الموجودين في القاعة؟!

 

اقرأ أيضاً:

 

 

سياسة (إبادة القطيع) .. النّظامُ يرفضُ طلبَ المساعداتِ وكورونا يحصدُ السّوريّينَ

 

في مواجهة كلّ ذلك، اعتمد وزيرنا ووزارته وحكومته مبدأ يوعزون فيه للشعب "اذهب أنت وربك فقاتلا. إنّا ها هنا قاعدون، وإن لم تفعل ذلك.. فعلى نفسها جنت براقش"!

 

ما تقدّم لا يستنفد أعاجيب وغرائب وزيرنا، الذي يقدّم لنا صورةً كاريكاتوريةً نموذجيّةً عن مدى الدركة المزّريّة التي سقط إليها الخطاب الرّسميّ في سوريا، فمن أعجب بهلوانيات وزير تربيتنا رده الفلهوي على عميد كلّيّة الطّبّ البشريّ في جامعة دمشق الدكتور نبوغ العوا الذي طالب بتأخير فتح المدارس، قول وزيرنا "نحترم عميد كلية الطب البشري بآرائه المطروحة بما يتعلق بتأجيل المدارس، لكنه لم يغلق المشافي ولا الجامعة المشرف عليها"!

 

هذا الكلام يعاب عليه أصغر مستخدمٍ في قطاع التّربية، فتصوّروا أن يصدر عن وزير تربيةٍ، يحمل بدوره دكتوراه في الطّبّ وإن كان في "الطّبّ البيطريّ"! سيادته لن يغلق المدارس "أسوة" بعميد كلّيّة الطّبّ الذي لم يغلق "المشافي" والجامعة، فهل هناك عاقلٌ في العالم يفكّر بإغلاق المشافي كإجراءٍ وقائيٍّ في مواجهة وباء؟! وهذا بالطبع ليس غريباً من شخص يجبر الطّلاب على العودة إلى مدارس لم يتّخذ فيها قطعاً أيّ إجراءاتٍ وقائيّةٍ داعمةٍ ومبرّرةٍ لهذا القرار التّعسفيّ، وفوق ذلك يريد -كما قال-أن يكون قدوةً ليس فقط لدول عربيّةٍ ونامية أخرى بل ولدولٍ متقدّمةٍ، وهذا فعل لا يفعله إلا أحمق، لا يميّز بسبب حماقته بين الحماقة والمأثرة، فيظنّ أنّ حماقته "مأثرة" سيقتدي الناس بها.

 

ممّا تقدّم يمكننا القول أنّنا أمام شخصيةٍ سيكوباتية مضطربة تلقي الكلام على عواهنه ولا تحسب أيّ حسابٍ للسامعين، وقد يبدو هنا وكأنّ المشكلة شخصيةٌ ومرتبطةٌ حصرياً بشخصية هذا (الوزير)، وهكذا تعاملت مع الأمر معظم الانتقادات المختلفة التي انتقدته، وهذا ما يحدث عادةً كلما صدرت قرارتٌ أو بدرت مواقف عجابيّةٌ من مسؤولٍ حكوميٍّ سوريٍّ؛ فهذا ما جرى مثلاً ردّاً على التّصريح المنسوب إلى وزير الماليّة السّابق مأمون حمدان في أواسط أيّار الماضي الذي قال فيه أن رواتب الموظفين يمكن أن تكفي، وأنّ المواطن قادرٌ على أن يعيش من راتبه إذا تدبر أمره بالشّكل الصّحيح، والذي نفته لاحقاً وزارة الماليّة، وهو نفيٌ وإنّ ثبتت صحته، فهو لا ينفي باقي "عجائب" مأمون حمدان المثبتة، ومنها مثلاً قوله في النّدوة التّلفزيونيّة التي أقيمت بمناسبة زيادة الرّواتب الأخيرة في 21112019، أن إضافة تعويض المعيشة -المعفى سابقاً من الضّرائب- إلى الرّاتب المقطوع وإخضاعه للضرائب التّصاعديّة هو لصالح الموظف الذي سيحصل بذلك على نسبة الزّيادة الدّوريّة في الرّاتب على هذا المبلغ المضاف، علماً أنّ هذه النّسبة تبلغ 9%، ولا يحصل عليها الموظفون القدماء الذين بلغوا سقف الرّاتب، في حين أنّ الضّرائب التّصاعديّة "التهمت" بين نصف أو ثلثي تلك الزّيادة البائسة، والأغرب من ذلك أن وزير ماليتنا يومها خلط بين "فتح سقف الرّاتب" وإزاحة سقف الرّاتب" إذا قال يومها أن "من لم يكن سيحصل على ترفيعة بسبب بلوغه سقف الرّاتب سيحصل عليها بعد هذه الزّيادة"، وهذا خطأ لا يرتكبه طالب مدرسةٍ، فالرّواتب بقيت مسقوفةً ولم يفتح سقفها أو يرتفع، ولكن سقفها أزيح بمقدار زيادة الراّتب المعلنة؛ ونفس الأمر تكرّر مع تصريحات بثينة شعبان المستشارة الإعلاميّة في القصر الجمهوريّ حالياً ووزيرة المغتربين سابقاً، على قناة الميادين في 25/12/2019 حيث قالت بأنّ الاقتصاد السّوريّ اليوم أقوى بخمسين مرّةً وأنّ "سعر الدّولار" مجرد كلامٍ على ورق! والأمثلة على تلك التّصريحات الخرافية اللامسوؤلة للمسؤولين السّوريّين كثيرة.

 

وتلك الأمثلة وما يشبهها تنفي بالدّليل القاطع "شخصانية" تلك السّيكوباتيّة التي يعاني منها المسؤولون الحكوميّون والرّسميّون في سوريا إلا فيما ندر، وهي مثل غيرها من مشاكل هؤلاء المسؤولين كمشكلة تدني أو انعدام الكفاءة التّخصصية أو الضّمير المهنيّ أو الأخلاقيّة العامّة وسواها، وكلّها مشكلاتٌ مرتبطةٌ بشكلٍ جوهريٍ بالمشكلة الرّئيسة المتمثّلة بمنظومة الاستبداد والفساد الحاكمة.

 

وإذا ما عدنا إلى "وزير تربيتنا" و"حكايته" الرّاهنة، فمن يتابع الحملة النّاقدة الموجّهة ضدّه، سيبدو له وكأنّ هذا الوزير عبارةٌ عن "فرعونٍ" متسلّطٍ، يتفرّد بقراراته مهما كانت غير مسؤولة ولا يبالي بأحدٍ!

 

فهل الأمر في حقيقته كذلك؟

 

حتّى إذا افترضنا أنه كذلك، وأنّ هذا الوزير أو أيّ وزيرٍ أو مسؤولٍ آخر يتصرّف مثله هو المسؤول الكامل عمّا يفعله، فهذا يضعنا في حالة دولةٍ فاشلةٍ تختار "متفرعنين سيكوباتيين" لمواقع مسؤولياتها، وتضع بين أيديهم سلطاتٍ مطلقةٍ دون أيّ ضبطٍ ورقابةٍ وحسابٍ، في حين تقوم أبسط معايير عمل الدّولة الحقيقية على الالتزام بالقانون والتّنسيق بين مؤسّسات الدّولة ومحاسبة المسيئين ومخالفي القوانين.

 

لكنّ الأمر في حقيقته معكوسٌ تماماً في الحالة السّوريّة، فتلك "السّلطة المطلقة" لا يوجد منها شيء يذكر فعليّاً لا في أيدي الوزراء ولا سواهم من المسؤولين، وما هم في حقيقة الأمر سوى دمىً تحركهم السّلطة المستبدّة الحاكمة كيفما تشاء!

 

في ذلك اللّقاء الصّحفيّ الاستعراضيّ، لم يطرح أيّ صحفيٍ أيّ سؤالٍ يتعرّض بشكلٍ صريحٍ لجوهر المشكلة المتعلّق بعدم جاهزية مدارسنا للدوام في مواجهة أزمة كورونا، ومدى كبر خطورة فتحها في وضع كهذا، وهذا ليس مستغرباً، فتمثيلية أسئلة الصّحفيّين تكون عادةً كلّها مقرّرةً مسبقاً في مثل هذه الاستعراضات المسرحيّة، وكذلك ليس غريباً ذلك الثّناء على قرار الوزير بالعودة إلى المدرسة وكأنه فتحٌ مبينٌ، الذي أبداه الحاضرون والمشاركون في تلك المسرحية، وتحدّثوا فيه أيضاً عن شوقهم وحماستهم العاليين للعودة إلى المدرسة  بنفس الأسلوب استكمالاً للعبة دعم  قرار الوزير!

 

 

لكن هل كان ذلك القرار هو قرار الوزير فعلاً؟

 

إنّ كان ذلك، فمع ذلك هذا لا يمثّل حالةً فرديةً، كما يبرّر المدافعين الموالين في سورية عندما يقوم أحد رجالاتهم بفعلٍ جللٍ أو ينكشف فعله هذا! فإن كان هذا القرار المزري هو قرار الوزير، فمع ذلك فكلّ المنظومة التي ينتمي إليها هي شريكته في ذلك، لأنها تمكّن مثل هذه الشّخصيات غير السّويّة من أن تصل إلى موقع المسؤوليّة والقرار.. وتعطيها الّسلطة الكافية للقيام بذلك، ولا تفعل شيء لردعها عن خطئها أو غيها، فوزيرنا ضرب عرض الحائط بكلّ الأصوات الرّافضة للعودة إلى المدارسة أو المنذرة منها، ولم يُتّخذ أيّ إجراءٍ رسميٍ ضدّه!

 

لكن كما نعلم جيّداً فحتّى الوزير في سوريا هو ليس بصاحب قرارٍ فعليٍّ ولكنه منفّذ قرارٍ، ومركز السّلطة ليس بيد الحكومة" التي لا يكون دورها إلا تنفيذاً في أحسن الأحوال، ما يعني أن قرار وزير التّربية بالعودة للمدرسة هو في حقيقة الأمر ليس قراره، وهذا القرار هو سلطويٌّ وليس حكوميٌّ، والسّلطة التي اتّخذته.. اتّخذته لحساباتٍ خاصّةٍ بها، ربّما يكون أحدها تسجيل المواقف، وهذه مقامرةٌ خطيرةٌ ومستهترةٌ بسلامة الطّلاب والمعلمين والعاملين في قطاع التّربية، وهي لا تقتصر عليهم وحدهم قطعاً، لأن خطرها يمتدّ إلى كافّة ما تبقى من الشّعب!

 

 تسجيل المواقف والغاية الحقيقية

 

"عودة الطّلاب إلى المدراس ستشجع دولاً عربيّةً وناميةً، بل ومتقدّمةً أخرى على إعادة طلابها إلى المدارس.."، هذا ما أعلنه دارم طباع، الذي أيضاً يريد كما قال توجيه "رسالة للعالم أنّ سورية رغم انتشار فيروس كورونا قادرةٌ على تأمين بيئةٍ صحّيّةٍ وآمنةٍ للطلاب والمدرسين"!

 

وما تقدّم هو اعترافٌ بأن تلك الدّول العربيّة والنّامية والمتقدّمة لم تفعل ذلك، أي المخاطرة بفتح مدارسها أثناء تفشي الفيروس...

 

لدينا تمّ فعل ذلك، ولم تتّخذ فعليّاً أيّ إجراءاتٍ رسميّةٍ بناءةٍ لضمان سلامة الطّلاب والمدرسين في المدارس، وما يتواجد من هذه الإجراءات أحياناً ما هو إلا نتيجة التزامٍ ذاتيٍ عند بعض الطّلاب والمدرسين والعاملين، أما غاية تلك "المنظومة المتحكّمة" المفلسة، التي تحرّك "دميتها الوزاريّة التّربويّة" تلك، التي ربّما لا تكون الغاية الوحيدة، فهي تسجيل المواقف وإظهار "السّلطة السّوريّة" وكأنّها انتصرت على الكورونا، وأنها أيضاً تتّخذ قراراتٍ جريئةٍ وتتحكّم بالأمور في سوريا بشكلٍ جيّدٍ، وأنّ الأوضاع في سورية تتحسّن وتتطبع، وهذا ما تعتقده تلك المنظومة تحقيقاً لبعض المكسب في زمن إفلاسها!

 

بالطبع يمكن ويحقّ لكلّ من يقوم بإنجازٍ إيجابيٍّ مميّزٍ أن يطمح بأن يغدو قدوةً لسواه في بلدان أخرى عربيّةٍ أو ناميةٍ أو متقدّمةٍ! فهل أنجزت لدينا الجهات المسؤولية المعنية شيئاً من هذا القبيل على مستوى مواجهة الكورونا؟

 

نعم... إنجازهم الذي لا يقوم على أيّ إجراءاتٍ بناءةٍ على أرض الواقع هو إنجازٌ إما في الحماقة أو في الاستهتار أو خبث النّوايا، والمثل الرّوسيّ يقول: "الأحمق لا يصلح قدوةً"، وكذلك بالطّبع المستهتر وخبيث النية.

 

وعندما يحلم من يتّصف بمثل هذه الصّفات ويفعل أفعالها بأن يصبح مثلا ًيقتدى به، فصفاته تلك تكون مضاعفةً بالحدّ الأدنى!

 

إذاً المسألة واضحةٌ على الأقل على هذا المستوى الدّعائيّ (الادّعائيّ)، الذي يرجّح ألّا يكون وحيداً بدوره على المستوى الغائيّ، فمن أجل توجيه "تلك الرّسالة" الاستعراضيّة الهوجاء للعالم، لا بأس من تعريض كلّ ما تبقى من الشّعب السّوريّ لخطر كارثةٍ صحّيّةٍ كبرى، وكأنّ ما في البلاد من كوراث مدمّرةٍ لا يكفي.

 

وماذا سيحصل بعد.. إن تفشىت الجائحة نتيجة هذه المقامرة البائسة؟!

 

الردّ ليس صعباً، فعندها سيكون دارم طباع هو كبش المحرقة، وستثار ضدّه حملةٌ شعواء، ولكنّها لن تتعدّى حدّ "الخازوق الإعلاميّ الدّعائيّ" كالعادة، وستستمرّ الكارثة، ويبقى صانعوها الحقيقيون فيها في مواقعهم وفي عملهم كالعادة!

"وعلى الشّعب السّلام".. لكن فقط في العبارات والكلام!

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard