info@suwar-magazine.org

 سياسة (إبادة القطيع) .. النّظامُ يرفضُ طلبَ المساعداتِ وكورونا يحصدُ السّوريّينَ

 سياسة (إبادة القطيع) .. النّظامُ يرفضُ طلبَ المساعداتِ وكورونا يحصدُ السّوريّينَ
Whatsapp
Facebook Share

 

دراسةٌ: أسلوبُ التّعاملِ مع الوباءِ سيؤدّي إلى وفاةِ 20 ألفاً وإصابةِ 300 ألف

 

الموتُ بالفيروس خيارُ السّوريّ بعدَ الحربِ والتّجويعِ

 

النّظامُ أضاعَ الفرصَ وخشي من تسييسِ المساعداتِ وتغييرِ صورتهِ النّمطيةِ

 

 

يرفض النّظام السّوريّ طلب المساعدة الأمميّة، أو من الدّول التي لها تجربةٌ في مواجهة فيروس كورونا، ويَترك مواطنيه بلا حمايةٍ وقائيّةٍ جدّيّةٍ، ويكتفي على لسان مسؤوليه باتّهام النّاس بوعيهم الصّحّيّ، ويربط أولئك المسؤولون طلب المساعدات برفع العقوبات الاقتصاديّة المفروضة عليه. وهذا النّهج المسمّى بـ "إبادة القطيع" هو أخطر من سياسة "مناعة القطيع" غير الإنسانيّة، التي فاقت جراءها الخسائر البشريّة أكثر من 2% من عدد سكّان الدّول التي طبقتها. فيما يُجمع أطباء سوريا على أنّ النّظام الصّحّيّ للبلاد غير قادرٍ على مواجهة تزايد عدد الإصابات بالفيروس، وافتقار المستشفيات للمنافس والتّجهيزات المخبريّة اللّازمة. يُنبئ هذا الواقع المأساوي بخطورة موت أكثر من 20 ألف مواطنٍ لغاية نهاية الشّهر الجاري، إذا لم يغيّر النّظام نهجه، ويتخلّى عن تحويله ملف الجائحة الصّحّيّة إلى ملفٍ سياسيٍّ.

 

"عنطزة" في غير محلّها

 

سعى النّظام إلى ربط طلب المساعدات برفع العقوبات الاقتصاديّة المفروضة على البلاد أوربيّاً وأمريكيّاً، في محاولةٍ منه للاستفادة من الضّغوط الهائلة المتولّدة عن انتشار الفيروس لرفع العقوبات عنه. إلّا أنّ هذا الطّلب لم يُعلنه النّظام مباشرةً، ولم يتقدّم بطلبٍ عبر الخارجيّة السّوريّة إلى الدّول والمنظّمات ذات الصّلة، بل كان مجرد آراءٍ ومواقفَ طُرحت في وسائل إعلامه، في حين أنه لا يمكن لدولةٍ ما أو منظّمةٍ الاستجابة إلى هذه الرّغبة، لعدم وجود طلبٍ بالأساس من النّظام يوضّح رغبته بذلك، ويشرح واقع الحال لديه.

 

بالمقابل، طُرحت في هذا الصّدد، عدّة مبادراتٍ تدعو النّظام إلى السّير قُدُماً في طلب المساعدات، إذ دعا السّفير السّوريّ السّابق في لندن سامي الخيمي إلى "عدم التّأخر" في طلب المساعدة متسائلاً: "إذا كان وضع الكورونا في سوريا كما تسرّبه المعلومات، فماذا ننتظر لكي نستغيث؟ وهل يعتقد أغرار السّياسة، أنّ الاعتراف بواقع الحال، يُضعف قدرة البلد على مواجهة أعداء منظومة الحكم فيه"؟

 

ورأى الخيمي المقيم في بيروت فيما وصفه "المحدوديّة الذّهنيّة" التي تمنعنا من الاستغاثة بأنّها "الطّامة الكبرى"، مدلّلاً على رأيه بالقول: "نحن لسنا بحاجةٍ فقط إلى تجهيزات العلاج والأدوية، وهي دون أيّ حدٍّ مقبولٍ، ولكنّنا بحاجةٍ أيضاً إلى تنظيمٍ صحّيٍّ متطوّرٍ لا نملكه".

 

ويشرح الخيمي أهمّيّة "الاعتراف بالعجز واعتماد شفافيّة المعلومة"، كون ذلك "يجعل المنظّمات والدّول شبه مجبرةٍ على تقديم العون". منتقداً "التّباهي بالمقدرة" على مواجهة الوباء "والادّعاء" بعدم الحاجة إلى المساعدة، لأنّ ذلك "سيُخلي الخارج من مسؤولياته تجاه شعبنا." ويفنّد الخيمي وجهتي نظر "أصدقاء منظومة الحكم" الذين يقولون في الخفاء: "كلما ساء وضعهم وزاد يأسهم، فسيصبحون مجبرين على الإنصات لما نمليه عليهم." أما أعداؤها فيصرحون في الخفاء أيضاً: "هؤلاء المتعجرفون لا يهتمون حتّى بإنقاذ شعبهم، استمرّوا في إيهامهم بأنّهم أقوياءٌ حتّى ينهاروا تماماً." وهذا ما اعتبره الخيمي داء "العنطزة" وهو "أشدّ فتكاً من الكورونا".

 

وكتب الخيمي على صفحته على الفيس بوك، إنّ الدّول التي تملك نظاماً صحّيّاً متهالكاً، ووعياً صحّيّاً مُتدنّيّاً، وإعلامَ توعيةٍ صحّيّةٍ مصابٍ بكتامٍ معرفيٍ مذهلٍ، فإن " تنطحها لتطبيق مناعة القطيع يؤدّي إلى إبادة القطيع". وكشف الخيمي عن دراسة نموذجٍ لتفشي الوباء في سوريا، أعدّه باحثان سوريان في كلّيّة لندن للاقتصاد، أشارت إلى أنّ "الأسلوب الحالي" للتعامل مع الوباء سيؤدّي إلى 300 ألف مصابٍ وأكثر من 20 ألف ضحيةٍ في نهاية شهر آب الجاري، أما اعتماد سياسة "توعيةٍ وحجرٍ وعنايةٍ صحّيّةٍ" فقد يخفض هذه الأعداد إلى 100 ألف إصابةٍ و6 آلاف ضحيةٍ.

 

 

التقاط الفرصة

 

لم يلتقط النّظام بعض الدّعوات الدّوليّة للاستفادة من المساعدات لمواجهة كورونا، ففي 26 آذار الماضي وجّه الأمين العامّ للأمم المتّحدة رسالةً لقادة الدّول العشرين أثناء اجتماعٍ لهم عبر الفيديو، وطلب منهم التّنازل عن العقوبات المفروضة على الدّول لضمان الحصول على الغذاء والإمدادات الصّحّيّة الأساسيّة، والدّعم الطّبّيّ لمواجهة الفيروس، وقال: إنّ هذا الوقت هو وقت التّضامن وليس الإقصاء". إنّ هذه الدّعوة لمجموعة العشرين، التي تستحوذ على 85% من الاقتصاد العالميّ، كانت فرصةً ثمينةً للنظام السّوريّ لتحقّق هدفه المعلن، الذي ربط فيه طلب المساعدات برفع العقوبات المفروضة عليه.

 

بدّد النّظام تلك الفرصة، ولم يستثمر فيها، ولم يهيّئ الظّروف المناسبة للاستفادة منها، ولم يتحرك دبلوماسيّاً وإنسانيّاً في هذا الصّدد. والسّؤال: لماذا هذا الرّفض؟ وما هي خفاياه؟

 

تقوقع النّظام

 

يتعلّق رفض طلب المساعدات، بالصّورة الذّهنيّة، التي خلقها النّظام لنفسه على مرّ العقود الماضية، وقدرته على إخفاء تلك القضايا، وعدم السّماح بتداولها إعلاميّاً، ومحاسبة الذين يخرقون هذه القاعدة بقسوةٍ. وهو ما يعكس تقوقع النّظام على نفسه، كما فعل إبان أزمة الرّهن العقاريّ العالميّة 2008، إذ كتب وزير المال آنذاك محمد الحسين مقالاً في جريدة البعث، نفى تأثّر سورية بتلك الأزمة، ما أدّى إلى توجيه انتقاداتٍ واسعةٍ بالتّقوقع على الذّات والانعزال عن الاقتصاد العالميّ. يحاول النّظام إظهار تماسكه وقوّته وقدرته على مواجهة الجائحة، لتعويض صورته التي كسرتها الحرب خلال التّسع سنواتٍ الماضية. هذه الحالة النّمطية غيّرها كورونا، فالبلاد التي تتمتع باقتصاداتٍ قويةٍ مثل الولايات المتّحدة الأمريكيّة احتاجت إلى المساعدات عند تفشي الفيروس، وتبيّن لإدارة أقوى اقتصادٍ في العالم عجزها عن المواجهة، وافتقارها للقدرة على تأمين كلّ احتياجات المصابين. وهذا لم يكُ عيباً، بأن تتلقى واشنطن مساعدات من بلدان – كمصر - غارقة بالفقر والتّخلف والعوز.

 

تسييس المساعدات

 

الواضح جليّاً، أنّ حكومة دمشق ترفض طلب المساعدات، بسبب خوفها من "تسييس" هذه المساعدات، وتغييرٍ في مسارات التّحالفات السّياسيّة القائمة، وإرغام النّظام على منح دورٍ ما للدول التي تقدّم هذه المساعدات، قد يكون إشرافيّاً أو تنفيذيّاً.

 

أظهر النّظام السّوريّ حساسيّةً بالغةً خلال العقود المنصرمة تجاه المساعدات، ويرتبط ذلك بالحسابات الدّاخليّة البحتة، ولا يرغب النّظام حالياً في إتاحة فرصةٍ للمعارضة بتوجيه انتقاداتٍ تُعبّر عن عجزه على تلبية احتياجات مواطنيه، وتركيزه على "العسكرة" وتأمين متطلّبات الجيش والأجهزة الأمنيّة. كما أنّ النّظام يحاول إرسال رسائل قويةٍ للخارج، عن مدى قوّته عبر رفض طلب المساعدات، وقيامه بإرسال مساعداتٍ للدول الصّديقة، كما فعل مع استقبال عددٍ من مصابي تفجير مرفأ بيروت.

حلفاءٌ عاجزون

 

اقرأ أيضاً:

 

تزايد إصابات كورونا في درعا وريفها ينذر بخروج الأمور عن السّيطرة

 

كما أنّ حلفاء النّظام الأساسيّين، الصّين وروسيا وإيران، في وضعٍ مشابهٍ، إذ تُعدّ الصّين موطن الفيروس، ووجّهت إليها انتقاداتٌ حادّةٌ، تتعلّق بطرائق تعاملها مع الفيروس، والتّكتم الشّديد على تفشيه في البداية، واعتقال عددٍ من الأطباء الذين تحدّثوا عنه. ولم تتجاوز المساعدات الصّينيّة لسوريا بضع "كراتين" أدويةٍ احتفى بها إعلام النّظام السّوريّ، فيما أرسلت الصّين مشفىً متنقلاً وكادراً طبّيّاً وأدويةً إلى إيطاليا. وبالمسطرة ذاتها يُقاس على الحليف الرّوسيّ، الذي يواجه المشكلات عينها، ونظامه الصّحّيّ يُعاني من التّخلّف، ويكاد لا يقوى على مواجهة تحدّيات الكورونا. وفي إيران وصل عدد الإصابات إلى معدلاتٍ عاليةٍ، ما تطلّب تركيز طهران على الشّأن الدّاخليّ صحّيّاً. ما يعني أنّ النّظام السّوريّ لن يبدل أحصنته في نصف المعركة، كما أنه لا يرغب في التّخلّي عن المعركة العسكريّة ودعم حلفائه الأقوياء بهذا الشّأن، لمصلحة معركة فيروس كورونا، وهذا يعكس طرائق تعامل النّظام مع الفيروس، والتّقليل من أهمّيّة انتشاره، والتّراخي في تطبيق إجراءات الوقاية، على اعتبار أنّ معركته المصيرية هي في متابعة المعركة العسكريّة واستعادة سيطرته على كامل الجغرافيا السّوريّة، هذه أوّليّةٌ لا تعلو فوقها أوّليّةٌ أخرى، ومن ثمّ تأتي لاحقاً المعارك الأقلّ أهمّيّة بنظره، ومنها كورونا.

 

ابتزاز النّاس

 

تعاملت حكومة دمشق مع فيروس كورونا بطريقةٍ مثيرةٍ للتساؤل، فمع الموجة الثّانية لانتشار الفيروس، تجاهلت الحكومة إجراءات الحجر الصّحّيّ، وإغلاق المناطق، واتّخذت قراراً وصف بأنه "ابتزازٌ" للمواطنين، عبر فرض تسديد كلفة فحص الكورونا بقيمةٍ تعادل 100 دولارٍ، فيما تتراوح كلفة المسحة بين 10 إلى 20 دولاراً. النّظر إلى كورونا كتحصيلٍ ماليٍّ بالنّسبة لحكومة النّظام يؤكّد رغبة هذه الحكومة في عدم إعلان الأعداد الحقيقية للمصابين بالفيروس، سيّما وأنّ الفقر متغلغلٌ بشكلٍ هائلٍ في المجتمع السّوريّ، فهناك نحو 90% من المواطنين يعيشون تحت خطّ الفقر، ما يعني أنّهم لا يملكون القدرات الماليّة لإجراء الفحص. فضلاً عن رغبة الحكومة في استثمار الجائحة لجني أموالٍ غير شرعيّةٍ من جيوب النّاس، لتغذية خزانتها الفارغة. كما أنّ الحكومة منعت كلّ المخابر الخاصّة المرخصة بإجراء ذلك الاختبار، وحصرت إجراء الاختبار بمخابر ومشافي القطاع العامّ المتهالكة. ورفضت وزارة الصّحّة اعتماد منفسة (الأمل) التي دعمت تصميمها غرفة صناعة حلب، وسجّل رئيس اتّحاد غرف الصّناعة السّوريّة فارس الشّهابي انتقاداً شديداً لذلك، معبراً بسخريةٍ عن رفض المنفسة بقوله: "يريدونها ألمانية".

 

انتشارٌ تصاعديٌّ

 

تدحرجت كرة عدد المصابين بشكلٍ متسارعٍ، ورغم محاولات التّظليل وعدم الإعلان عن أعداد المصابين، إلّا أنّه في قراءة مؤشّر صفحات الفيس بوك التي تُعلن عن الوفيات وتَعرِضُ أحياناً الأسباب، يتبيّن أنّ الفيروس انفلت من عقاله، وبدأ يحصد الأرواح البريئة، فيما حكومة النّظام تتشبّث خلف قناعة إخفاء الشّمس بغربال، إذ سجّلت وزارة الصّحّة حتّى 8 أيلول الجاري 3229 إصابةً شُفي منها 744 وتوفّي 137 منها. وإن كان من الصّعوبة بمكانٍ تقدير عدد المصابين أو الموتى جراء كورونا، لأنّ هذا عمل المشافي والهيئات الصّحّيّة، فإنّ الدّول كانت جريئةً وصريحةً في الوقت عينه في الكشف عن عدد المصابين والموتى، أما في سوريا فظلّ الأمر طيّ الكتمان، دون تحديد الهدف والرّغبة من الإنكار، سوى مايذهب إليه المحلّلون؛ بأنه عدمُ القدرة على إجراء المسحات. ودقّ ناقوس الخطر عميد كلّيّة الطّبّ البشريّ بجامعة دمشق الدّكتور نبوغ العوا ضارباً عرض الحائط بالتّستر الحكوميّ الرّسميّ على عدد الإصابات، وقال: إنّ "البلاد تشهد مرحلة انتشارٍ تصاعديٍّ كبيرٍ لفيروس كورونا، وباتت نسبة الإصابات بين السّوريّين مخيفةً جداً". هذا فضلاً عن التّحذيرات اليوميّة التي يطلقها أطباء سوريا، من قِلّة عدد المنافس وعدم توفّر الإمكانات الطّبّيّة والمخبريّة لمواجهة الفيروس.

وفياتٌ هائلةٌ.

 

حذّرت وكالة المساعدة الدّولية، الرّؤية العالميّة (وورلد فيجن) من أنّ "آلاف الأشخاص معرّضون لخطرٍ كبيرٍ" مع "ازدياد حالات" فيروس كورونا في سوريا، ووصف بيانٌ للمنظمة بمناسبة إطلاقها نهاية الشّهر الماضي تقريراً يوثّق أوّل 100 يومٍ من استجابتها العالميّة لكوفيد 19، أنّ سوريا "هُدّمت بالفعل" منذ ما يقرب من عشر سنواتٍ من الحرب. وشدّد الرّئيس والمدير التّنفيذيّ للمنظّمة غير الحكوميّة أندرو مورلي على أنّ شبح فيروس كورونا هو "ضربةٌ مدمّرةٌ أخرى للأطفال وأسرهم" في سوريا الذين مرّوا بألمٍ شديدٍ في السّابق. وقال: إنّ الأرقام الرّسميّة قد تكون جزءاً بسيطاً لا يعكس الوضع الفعليّ؛ لأنّ أعداد الفحوصات قليلةٌ للغاية". وتوقّع مدير مكتب الاستجابة للأزمة السّوريّة في المنظّمة يوهان مويج أن تكون الحالات والوفيّات في سوريا "هائلةً"، وبشكلٍ خاصٍّ بين أولئك الذين فرّوا من الصّراع ويعيشون الآن في المخيّمات.

 

الاستسلام للفيروس

 

ينتظر سوريّو الدّاخل الموت، ويبدو أنّهم استسلموا له، إذ لم تعد لديهم بوارق أملٍ تشفع لهم، تمسكهم بالحياة. تلك مأساة السّوريّين المُحزنة، أن يتركوا فيروس الكورونا ينتشر بينهم، ويكون مخلّصاً لهم من مأساتهم.

 

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
آخر المقالات
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard