info@suwar-magazine.org

مجزرة القريّا سترسم ملامح المرحلة القادمة بين درعا والسّويداء

مجزرة القريّا سترسم ملامح المرحلة القادمة بين درعا والسّويداء
Whatsapp
Facebook Share

 

مجزرة القريّا سترسم ملامح المرحلة القادمة بين درعا والسّويداء

الخطف بين الجارتين بوصفه أداة "تذريرٍ" للمجتمع

 

 

انسحبت "قوّات أحمد العودة" القياديّ السّابق لإحدى فصائل المعارضة المسلّحة في محافظة درعا، والقياديّ الحاليّ في "الفيلق الخامس" التّابع للقوات الرّوسيّة في المنطقة الجنوبيّة، السّبت 4 نيسان/ أبريل الجاري، من أراضي بلدة "القريّا" (جنوبي مدينة السّويداء 20 كم) الّتي شهدت أحداثاً داميةً راح ضحيّتها 15 قتيلاً وستّة جرحى، تحت ضغطٍ أهليٍّ من وجهاء محافظتي درعا والسّويداء، وتدخّل أطرافٍ من الطائفة الدرزيّة إقليميّةٍ لدى الرّوس المسؤولين عن "الفيلق الخامس" لإجبار "العودة" على الانسحاب من البلدة.

 

 وكانت "قوّات العودة" قد توغّلت داخل أراضي بلدة "القريّا" بعمق 2كم، وفق أقلّ التّقديرات، وأدخلت المحمولات والآليّات الثّقيلة، وأقامت الدّشم والحواجز التّرابيّة على امتداد المنطقة الّتي دخلتها، على خلفيّة الأحداث الأخيرة الّتي عصفت بمحافظتي درعا والسّويداء وكادت تودي بالعيش المشترك الّذي يربطهما، ولا تزال تبعاتها قائمةً إلى الآن، والّتي بدأت عندما خَطفت إحدى العصابات في بلدة "القريّا"، نضال الحسن، وخلدون العوض، أحدهما من قرية "جمرين"، والآخر من مدينة "بصرى الشّام" في ريف درعا الشّرقيّ، حيث كانا يستقلّان سيّارةً محمّلة بالأبقار، وفقدا في بلدة "القريّا". وتصاعدت الأحداث في 27 آذار/ مارس المنصرم، عندما تسلّلت مجموعةٌ مسلّحةٌ من مدينة "بصرى" إلى بلدة "القريّا" المتاخمة لها، وأطلقت النّار على مدنيّين، ليُقتَل شخصٌ ويُجرَح اثنان آخران، وعندما وصل الخبر إلى أبناء القرية هبّت مجموعاتٌ مسلّحةٌ أهليّةٌ، وأخرى من ميليشيا الدّفاع الوطنيّ في محافظة السّويداء، إلى مكان الحادث، لتتفاجأ بكمينٍ "لقوّات أحمد العودة" قد أُعِدّ لها مسبقًا، ما أدّى إلى مقتل تسعة أشخاصٍ وأسر ستّةٍ آخرين. مع العلم أنّ المكان الذي وقعت فيه الاشتباكات قريبٌ جدًّا من أماكن تمركز قوّات النظام في بلدة "عرى" المجاورة لبلدة "القريّا" إلّا أنّها لم تتدخّل وأخذت موقف المتفرّج، وبقي الاشتباك أكثر من ساعتين دون أن تتدخّل القوّات الأمنيّة والجيش في المعركة.

 

تزامنت الاشتباكات في أراضي بلدة "القريّا" مع حصار مجموعاتٍ مسلّحةٍ أهليّةٍ لـ "يحيى النّجم" داخل البلدة، وهو المتّهم بحادثة الاختطاف الأخيرة، والّذي التجأ إلى بيت جاره، ثم فجّر نفسه بقنبلةٍ يدويّةٍ كانت بحوزته عندما اشتدّ حصاره، ما أدّى إلى مصرعه على الفور، ومقتل الشّخص الّذي التجأ إلى بيته. و "النّجم" يتزعّم إحدى عصابات الخطف والاتّجار بالمخدّرات في محافظة السّويداء، ويرتبط بأجهزة المخابرات في محافظة السّويداء الّتي تغاضت عن جرائمه على مدى السّنوات المنصرمة، وهناك أخبارٌ تفيد بوجود علاقةٍ بين "النّجم" و"العودة" في ملفّي الخطف وتهريب المخدّرات إلى الأردن، والّتي يدخلها ويروّجها حزب الله في سوريا، بحسب تصريح أحد المصادر "لمجلّة صور"، ولم يتسنَّ لنا التأكّد من هذه المعلومة.

 

في اليوم التّالي، وصل نبأٌ عن تصفية الأسرى السّتّة في مدينة "بصرى الشّام"، لتسارع الماكينة الإعلاميّة المدارة أمنيّاً في محافظة السّويداء عبر مواقع التّواصل الاجتماعيّ، إلى تحميل أهالي درعا مسؤوليّة المجزرة والتّحشيد باتّجاه محافظة درعا للأخذ بـ"الثأر"، كما سارعت بعض المجموعات المسلّحة المرتبطة أمنيّاً إلى اختطاف أشخاصٍ من درعا في محافظة السّويداء لتصعّد الأحداث. هنا تدخّلت شخصيّاتٌ اجتماعيّةٌ وثقافيّةٌ في المحافظة لتبيّن أنّ المشكلة الّتي وقعت يتحمّل مسؤوليّتها "الفيلق الخامس" وروسيا وقوّات النّظام الّتي تأتمر بأمرهما، وليس أهالي محافظة درعا، وسارعوا إلى الضّغط على تلك المجموعات المسلّحة لتطلق سراح المحتجزين لديها. كما أصدرت حركة "رجال الكرامة" بياناً حمّلت فيه "الفيلق الخامس" وروسيا المسؤوليّة عمّا أطلقت عليه اسم "مجزرة"، فجاء في البيان: "إنّ الحركة تؤكّد بالبيان الموثوق أنّ الجهة الوحيدة المسؤولة عن مجزرة القريّا هي التّشكيل التّابع لـ "الفيلق الخامس" في محافظة درعا الّذي يقوده الإرهابيّ "أحمد العودة" وهو تشكيلٌ من مرتّبات "الجيش العربيّ السّوريّ" ومن المعلوم للقاصي والدّاني أنّ هذا الفصيل يتبع مباشرةً للقوّات الرّوسيّة في سوريا. وعلى هذا فإنّ المسؤوليّة المباشرة عن المجزرة الّتي ارتكبها الفيلق التّابع لها تتحمّلها القوّات الروسيّة في سوريا؛ ويقع على عاتقها محاسبة المرتكبين بدءاً من حليفها الإرهابيّ "أحمد العودة" وصولاً إلى عناصره الّذين ارتكبوا المجزرة بحقّ المدنيّين؛ وتقع على عاتق هذه القوّات بشكلٍ خاصٍّ محاسبة من قام بإعدام الشّهداء الّذين تمّ أسرهم واقتيادهم إلى بصرى الشّام ليلة المجزرة حيث تمّ إعدامهم صباح يوم 28/3/2020".

 

اقرأ أيضاً:

 

السويداء على قيدِ خُطوةٍ من الاحتراق

 

وتوالت البيانات من كلا المحافظتين التي تدعو إلى صون السّلم الأهليّ بينهما، وتحذّر من الانجرار إلى الفتنة، وتؤكّد على العيش المشترك وحسن الجوار، ومنها البيان الّذي صدر عن وجهاء محافظة درعا؛ والّذي أعلنوا فيه عن استعدادهم للدفاع عن أبناء الجبل "ضدّ كلّ معتدٍ ظالمٍ". وعلى الرّغم من المحاولات الأهليّة الكثيرة لجسر الهوّة بين المحافظتين والّتي لا تزال مستمرّةً إلى الآن، إلّا أنّ هناك أطرافاً، لا يخفى على أحد تبعيّتها لسلطة الأسد، تسعى إلى دفع الأمر إلى مزيدٍ من التّعقيد والتّصعيد والاحتقان، فمنذ أيامٍ ظهرت مقاطع مصوّرةٌ لمخطوفين من محافظة درعا وهم يتلقّون أبشع ممارسات التّعذيب، وصلت إلى دفعهم إلى ممارسة "اللّواط" مع بعضهم. ولم يتسنَّ لنا معرفة تاريخ هذه الفيديوهات إن كانت حديثةً، أم مصوّرةً سابقاً، ونشرت في هذا التّوقيت لتُثير المزيد من البلبلة وتدفع باتّجاه تصعيد الموقف والاقتتال بين المحافظتين.

 

وكثيرةٌ هي المحاولات الّتي أنتجها المجتمع الأهليّ لرأب الصّدع بين المحافظتين اللّتين ابتُليتا بسلطةٍ تدفع إلى التّناحر وتشظّي المجتمع عبر عملائها ومافياتها في كلا المحافظتين، وعن هذا يتحدّث أحد الشّخصيّات الاجتماعيّة والسّياسيّة في محافظة السّويداء لـ "مجلّة صور"، قائلاً: "لطالما حاولنا أن نشكّل آليّاتٍ أهليّةً واجتماعيّةً في كلا المحافظتين لصون السّلم الأهليّ فيهما، ومنها محاولتنا تشكيل لجنة السّهل والجبل لصون السّلم الأهليّ، إلّا أنّ هذه المحاولات باءت بالفشل لاختراقها من أجهزة النّظام الأمنيّة إن كان عبر زعاماتٍ اجتماعيّةٍ تقليديّةٍ ودينيّةٍ تدور في فلكها في محافظة السّويداء، أو عبر عملائها في محافظة درعا المنتشرين في صفوف الفصائل العسكريّة المسلّحة وجبهة النّصرة، واقتصر الأمر على جهودٍ فرديّةٍ لأشخاصٍ من كلا المحافظتين كانوا على تواصلٍ دائمٍ للتخفيف قدر الإمكان من تبعات وعواقب الحوادث الفظيعة الّتي كانت تُدار بخيوطٍ أمنيّةٍ". ويُضيف المصدر نفسه: "والآن باستطاعة الأجهزة الأمنيّة القضاء على عصابات الخطف في محافظة السّويداء لو أرادت ذلك فعلًا؛ فمعظم زعماء تلك العصابات مُجَدْوَلون لديها، فهي الّتي منحتهم البطاقات الأمنيّة والأسلحة منذ عام 2011، وبعضهم انتمى إلى الميليشيات وخضع لدوراتٍ تدريبيّةٍ لدى حزب الله وإيران. وبالنّسبة إلى العصابات في محافظة درعا فالأجهزة الأمنيّة، ولا سيّما فرع الأمن العسكريّ، تعرف العملاء الّذين زرعتهم في جسم المعارضة المسلّحة، إلّا أنّ هذه الأجهزة لا تريد حلّاً وتسعى إلى مزيدٍ من خرق السّلم الأهليّ في المحافظتين لغايةٍ في نفسها".

 

كما ذهب ناشطون في كلا المحافظتين إلى أنّ جرائم الخطف في محافظتي درعا والسّويداء يتحمّل مسؤوليّتها في الدّرجة الأولى النّظام السّوريّ الّذي سعى منذ اللّحظة الأولى لانطلاق الاحتجاجات في سوريا عام 2011، إلى تذرير الشّعب السّوريّ وجعله جُزرًا معزولةً عن بعضها من خلال خلق الثّنائيّات الضّدّيّة المتناحرة داخل النّسيج المجتمعيّ السّوريّ على أُسسٍ طائفيّةٍ وإثنيّةٍ ومناطقيّة. وكانت سلطة النّظام قد شكّلت مجموعات الشّبّيحة لقمع الحراك في محافظة السّويداء، وبعد التّدخّل الإيرانيّ المباشر في سورية تشكّلت الميليشيات، وكان عمادها مجموعات "الشّبّيحة" الّتي شُكّلت من أشخاصٍ ذوي سوابقَ جرميّةٍ ومهمّشين ومنبوذين اجتماعيّاً، ما سهّل عليها توظيفها بأعمال الخطف والنّهب والسّلب، لتعود وتتقاسم معها غنائم جرائمها تلك. وبعدما ضعف إمداد الميليشيات من إيران وقطع عن بعضها الرّواتب ومكافآت المهمّات، ظهر أشخاصٌ من قلب الميليشيات وشكّلوا مافيات تنمّرت على مشغّليها الأمنيّين، ولم تعد مضطرّةً لتتقاسم معهم الغنائم، هنا أخذت معظم جرائم الخطف منحى الاتّجار في البشر فبدأت الفِديات تتزايد تزايداً مهولاً، واتّضح أنّ الخطف بات أهمَّ مصادر تمويل تلك المافيات. والأحداث الأخيرة ليست خارج هذا السّياق؛ حيث إنّ "يحيى النّجم" المسؤول عن حادثة الاختطاف الّتي وقعت في بلدة "القريّا" مرتبطٌ أمنيّاً بأجهزة المخابرات، وكان يعمل لمصلحتها، وقوّات "أحمد العودة" أيضًا تتبع عسكريّاً وإداريًّا للاحتلال الرّوسيّ، وهي قوّاتٌ رديفةٌ للجيش السّوريّ كالميليشيات الرّديفة الّتي شكّلها ودعمها النّظام الإيرانيّ.

 

 إنّ هذه الأحداث مُفتعلةٌ لخلق الفتنة بين السّهل والجبل، ولعزل محافظة السّويداء عن محيطها تمهيداً لترتيباتٍ إقليميّةٍ ودوليّةٍ قادمةٍ إلى الجنوب السوريّ. وعن هذا صرّح ريّان معروف، محرّر "شبكة السّويداء 24"، لـ "مجلّة صور"، قائلاً: "ظاهرة الخطف التي انتشرت في محافظتي درعا والسّويداء خلال السّنوات الماضية، هي نتاج عواملَ مشتركةٍ من غياب سُلطة القانون وانتشار السّلاح انتشاراً عشوائيّاً، وتردّي الأوضاع الاقتصاديّة والأمنيّة، وتعزيز ثقافة الميليشيات، أمّا العامل الأكبر هو سياسة الفروع الأمنيّة الّتي غذّت حالة الفوضى وأغرقت المنطقة بالأزمات الدّاخليّة، من خلال دعم العصابات وتعويم الكثير من أفرادها، بالتّزامن مع محاربتها للمجتمع المدنيّ ولأيّ شخصيّةٍ مؤثّرةٍ بالمجتمع".

 

وهكذا يتّضح أنّ جرائم الخطف تلك لم تكن وليدة السّاعة بل امتدّت على مدى سنوات المحنة السّوريّة، حيث بدأت منذ أواخر عام 2011، عندما اختطفت "جبهة النّصرة" في محافظة درعا ستّة عشر مدنيًّا من السّويداء، بينهم وجهاءُ على رأسهم جمال عز الدّين الّذي لا يزال إلى الآن مجهول المصير. تلك الجريمة الّتي عدّها ناشطون في محافظة السّويداء بدايةً عمليّةً لمحاولات النّظام السّوريّ اختلاق فتنةٍ بين المحافظتين الجارتين، عبر عملائها الموزّعين في درعا ضمن الفصائل العسكريّة و"جبهة النّصرة". بينما رأى فيها آخرون عقابًا لجمال عز الدّين لرفضه طلب رئيس مكتب "الأمن الوطنيّ" علي مملوك، إصدار بيانٍ ضدّ وليد جنبلاط، الزّعيم الدّرزيّ اللّبنانيّ، الّذي طلب، في مقابلةٍ تلفزيونيّةٍ، من دروز سورية الانفكاك عن النّظام. وهو ما أكّده لنا أحد أصدقاء جمال عز الدّين آنذاك.

 

كما أنّ جرائم الخطف تلك لم تكن موحّدة الهدف والطّابع والآليّة على امتداد تسع سنواتٍ؛ فمنها ما أخذ الطّابع الأمنيّ، ولا سيّما تلك الجرائم الّتي وقعت بالتّزامن مع الحراك المجتمعيّ في السّويداء أو عمليّات قوّات النّظام العسكريّة في محافظة درعا؛ فلقد وظّف ملفّ الخطف لتحشيد أبناء السّويداء، وجرّهم إلى دخول المعارك إلى جانب قوّات النّظام في محافظة درعا، أو لإخافتهم من المشاركة في حراك الثّورة السّوريّة الّتي اعتبرها النّظام السّوريّ "مؤامرةً" و "إرهابًا" يستهدف أمن ووجود الأقليّات الدّينيّة في سوريا. بعد عام 2014، تزايدت جرائم الخطف بين المحافظتين تزايدًا ملحوظًا حتّى باتت بعد عام 2015 تأخذ طابعَ شبكةٍ منظّمةٍ تحترف جريمة الاتّجار في البشر، عناصرها موزّعون بين درعا والسّويداء، وشارك فيها بدوٌ من كلا المحافظتين مرتبطون أمنيّاً استُخدموا لسهولة تنقّلهم بين المحافظتين؛ حيث كان عناصر تلك الشّبكة يخطفون الضّحيّة من محافظة السّويداء وينقلونها عبر عناصر الشّبكة من البدو إلى محافظة درعا، الّتي كانت حينها خارج سيطرة النّظام، ثمّ بعد ذلك يصوّر الخاطفون مقطع فيديو ينشرون من خلاله مقاطع تعذيب الضّحيّة لابتزاز ذويها، والإسراع في دفع الفدية الماليّة. كما وقعت بعض حوادث الخطف في سياق الخطف والخطف المضادّ؛ إذ يقوم أهل الضّحيّة المخطوفة من محافظة السّويداء، والمحتجزة في محافظة درعا، بخطف نازحين من درعا موجودين في محافظة السّويداء، وبعدها تتمّ مبادلتهم أو أخذ الفدية من ذويهم ثمّ تعطى للخاطفين في درعا ليصار إلى إطلاق سراح ابنهم. ومنذ مطلع عام 2018 بدأت جرائم الخطف في محافظة السّويداء تأخذ طابع العلنيّة على مرأى من المارّة والنّاس وبالقرب من المحالّ التّجاريّة بعد أن أصبحت هذه المافيات قوّة أمرٍ واقعٍ.

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard