الخدمة في جيش النظام السوري بين تحطيم الكرامة وتنمية العنجهية

1- مقدمة:

هذه المقالة ليست مقالة رأي، وليست أيضاً مقالة تحليلية أو بحثية، ولكنّها وصف واقعي لواقع كنت شاهد عيان مباشر له أثناء خدمتي العسكرية الإلزامية كطالب ضابط، وقد ولدت فكرة كتابتها مع بدايات خدمتي العسكرية، وما رأيته فيها من أشكال الإهانة البشعة لكرامة الإنسان من ناحية وإفساد لأخلاقه وتنمية للعنجهية وجنون العظمة فيه من ناحية أخرى، هذا رغم أنّ خدمتي أثناء الدورة كطالب ضابط كانت في إحدى الكليات التي كانت تعتبر متساهلة كثيراً مقارنة مع سواها من الكليات إلى درجة كان يطلق عليها من قبيل التهكم لقب "ميريديان الجيش"، والميريديان كان في أيامها أحد الفنادق السياحية الشهيرة في دمشق، وعند ولادة فكرة كتابة هذه المقالة، كنت قد قرّرت عنونتها بـ “سنتان ونصف في الجاموقة"، و"الجاموقة" هي حفرة تجمع فيها المياه الوسخة، وتستخدم كأحد أشكال العقاب في الجيش السوري، حيث يُؤمر المعاقَب بخلع لباسه باستثناء "الشورت" وبالنزول في هذه الحفرة المليئة بالقاذورات، وقد اشتقت الذهنية المتسلطة صيغية فعليّة لعملية العقاب هذه هو فعل "جَوْمَقَ" أي "عاقب بالجاموقة"، وهذه الحفرة يطلق عليها أيضاً إمعاناً في التهكّم والاستهزاء تسمية "الحفرة المقدّسة"، وهذا النمط من الاستهزاءات شائع في جيش الأسد، وسنتطرّق إلى أمثلة أخرى منه في سياق لاحق من هذه المقالة.

كانت دورتنا تضمّ مجموعة من الخريجين الجامعيين، من الجامعات السورية وغير السورية، الذين يدرَّبون ليصبحوا لاحقاً ملازمين مجندين، ولذا كنا نُعتبر خلال فترة الدورة التي تستمر ستة أشهر طلاباً ضباطاً مجندين، وبنفس الوقت كانت الكلية تضم دورات تلاميذ ممن لم يتخرجوا من الجامعات، كالتلاميذ الرقباء الذين حصلوا على شهادة البكالوريا أو أنهوا معهداً متوسطاً، أو التلاميذ العرفاء الذين حصلوا على شهادة الكفاءة، كما وكانت تضم أيضاً دورات "طلاب ضباط متطوعين"، وهؤلاء كانوا أسوأ النماذج بامتياز من حيث عدوانيتهم وصفاقتهم وتضخم الأنا لديهم، وكانت لديهم الصلاحية على معاقبة أيّ جامعي أوتلميذ، وكان بعضٌ منهم مكلّفين بمعاونة الضباط المتطوعين في الإشراف على دورتنا وعلى سواها من الدورات.

وخلال هذه الدورة، وهذا ما لم أجهله قطّ مسبقاً، وسمعت عنه مراراً وتكراراً، رأيت العديد من ضروب الاعتداء على إنسانية الإنسان ومسخ إنسانية الإنسان كما سنبين فيما يلي.

2-غياب الاحترام الإنساني:

منذ اللحظات الأولى لبدء حياتنا العسكرية، بدأت معها الإهانة والبهدلة، فعند تقديمنا لأوراق التحاقنا في ديوان الكلية، نسي أحد الزملاء تقديم أحد أوراقه اللازمة، وعلى الفور استغل قائد الدورة، وكان ضابطاً برتبة مقدّم الفرصة ليقول "الظاهر بعثولنا جامعي حمار"، وكأنّه بذلك يعلن لنا عن كيفية المعاملة التي تنتظرنا، فهذا لم يكن سلوكاً فرديّاً أو حالة استثنائية، وقد نُعتنا بعدها مراراً وتكراراً من قبل قائد الدورة ومعاونه وضبّاط آخرين سواهما، بشكل فردي أو جماعي بـ "الحيوانات" و"البهائم" و"الكلاب" و"الحمير" و"البغال"، وغير ذلك من الألفاظ المغرقة في قذارتها، والتي لا يمكن إيرادها هنا حفاظاً على أدبيّة لغة المقال.

ومع ذلك، فحالنا لم يكن هو الأسوأ، ودورات التلاميذ كانت تعامل بأسوأ من ذلك بكثير، حيث كانوا يضربون، حتى من قبل الطلاب المتطوعين، وكانوا يتعرضون لشتائم جد مهينة توجه حتّى إلى أسرهم!

وفي هذا النوع من المعاملة السائدة، حتى وقت الطعام كان يتحوّل إلى"قطوع" ففي مطعم الكلية كان هناك قسم مخصص للدورات، وفي هذا المطعم كانت تطلق أيادي الطلاب المتطوعين ليتفرعنوا، ويتفننوا بالتطاول على دورات التلاميذ والجامعيين، ويحولوا الأمر إلى تسلية سادية لهم، ومناسبات للسخرية من هؤلاء الجامعيين والتلاميذ كإرغامهم على ابتلاع كميات كبيرة من الحساء أو أكل البصل بشكل مباشر، أو سؤالهم أسئلة ساخرة للسخرية منهم، أو سكب الماء عليهم، وهكذا دواليك، وكأنّ هؤلاء الطلاب الضباط  لا ترضيهم العقوبات التي ينفّذونها بشكل فردي أو جماعي للجامعيين والتلاميذ، ووفقاً لمزاجيتهم، وبدون أيّة مناسبة غالباً، في المهاجع أو باحات الكليّة أو سواها من الأماكن.

وفي الكواليس سرّب لنا بعض من هؤلاء الطلاب المتطوعين، أنّه هكذا تمّت معاملتهم هم أنفسهم عندما التحقوا بالخدمة، وهكذا سيعامِلون بدورهم سواهم، و"ما حدا أحسن من حدا"، يعني كأس ذلٍ ومهانة يجب أن يجترعها الجميع. 

3- مفهوم "تكسير النفسية":

هذه العبارة سمعناها مرّات كثيرة كتبرير لبعض أنواع تلك السلوكيات والإجراءات، والمقصود بذلك، وفقا لذلك التبرير، أنّ تلك السلوكيات ليس المقصود بها الإهانة، وإنّما هي شكل من أشكال التربية العسكرية الواعية الممنهجة الهادفة لتكسير نفسيّات الملتحقين، لأنّ هذه النفسيات سيئة ولا تناسب الحياة العسكرية، وهي تحتوي على الغرور والتكبّر والتأفف والعناد وما شابه، وهذا كلّه لا مكان له في الجيش، حيث يجب على العسكري أن يكون متواضعاً ومطيعاً، وألّا يتكبّر على طعام يُقدّم إليه، أو يستهجن أمراً يُصدر إليه، وهكذا دواليك وهذا كلّه ضروري في الجيش، وهو لصالح الجيش والفرد، بنظر أولئك المبررين. 

وما لاشكّ فيه أنّ الخدمة العسكرية تقتضي التواضع والطاعة والقدرة على تحمّل الصعوبات والمشقّات والمخاطر، ولا مكان فيها للغرور والصلف والتكبّر وما إلى ذلك، ولكن شتّان بين كلّ هذا وبين "تكسير النفسية" الذي يحدث على أرض الواقع، حيث فعليّاً يتم "تحطيم الروح المعنوية" للعسكري، أو "تنمية روح النقمة" لديه، ولذا لم يكن من النادر أن يسمع بين العسكريين من أفراد أو أصحاب رتب دنيا من يقول أنّه إذا اشتعلت الحرب فأول من سيقتله هو ضابطه المسؤول، وهذا الكلام حتّى وإن لم يتحوّل إلى فعل واقعي، إلا أنّه يدل بشكل جلي على "أيّة نفسية" كانت تنتجها وتنميها سياسة "تكسير النفسية".    

4- عقد النقص والحقد على الكفاءات:

من يخدم في ما يفترض أنّه الجيش السوري، يمكنه أن يلمس بوضوح وجود حالة شديدة من عقدة النقص والحقد على أصحاب الشهادات العلمية عند الكثير من الضباط المتطوعين، الذي لا يوفرون فرصة للإساءة لهؤلاء الجامعيين، ومن المعروف في ثقافة مثل هؤلاء المتطوعين أنّ لقب "أستاذ" يعني في الجيش "حمار"، ومثل هذا النمط السيكوباتي من النفسية يبدأ عادة من مرحلة الطلاب الضباط المتطوعين، والذين في كثير من الأحيان يتطوعون لأنّهم لا يحصلون على معدلات دراسية تؤهلهم للالتحاق بالجامعات، ولذا تبقى لدى الكثيرين منهم عقدة النقص والكراهية تجاه المتخرجين الجامعيين، الذين يُشعرون هؤلاء المتطوعين بشكل تلقائي بأنّهم أفضل منهم، ولذا يسارع هؤلاء إلى تفريغ نقمتهم هذه على الجامعيين عندما يوضع هؤلاء تحت سلطتهم، وقد أسرّ لنا بعضاً من هؤلاء الطلاب بأنّهم يستمتعون بشكل استثنائي عندما يعاقبون الجامعيين، ومما يزيد من شناعة سلوك هؤلاء الطلاب المتطوعين هو عملية "النفخ" أو "التعظيم" التي يتعرضون لها بشكل مباشر أو غير مباشر، وهذا ما سنتطرق إليه في فقرة خاصة.

وهذا الموقف من الجامعيين أو غيرهم من حملة الشهادات لا يقتصر على المرحلة الطلابية فقط، فحتّى عندما ينهي الجامعي أو خريج المعهد المتوسط فترة الدورة، ويصبح بعدها ضابطاً أو صفّ ضابط، فمعاملته السيئة من قبل هذه العينة غير القليلة من الضباط المتطوعين لا تتوقف، ويستمر الكره والتمييز وعدم الاحترام، بل والاستغلال، فتلقى العديد من مهام هؤلاء الضابط المتطوعين على الضباط المجندين، رغم أنّهم ليسوا ملزمين قانونياً بها، ولكنهم ملزمون بإطاعة الأمر العسكري، وإن لم يعجبهم أمر ما فالمبدأ السائد هنا هو "نفذ ثم اعترض"، الذي يندر أن يفيد فيه اعتراض.

5- تضخيم الذات وتنمية العنجهية:

"قائدك هو ربّك" هي عبارة سائدة في ثقافة الجيش الأسدي، وتبدأ عملية غرس هذه الثقافة من مرحلة الطالب الضابط المتطوع، حيث يغرسون بذهن هؤلاء الطلاب الذين يكونون عادة بين الثامنة عشرة والحادية والعشرين من أعمارهم فكرة أنتم "أرباب الكلية"، وهذا يعني بالطبع في العلاقة مع سواهم من الدورات، التي يطلق عادة العنان لهؤلاء الطلاب الضباط للتعامل معها وفق مبدأ السيد والمسود، وفي ظروف سياسة تضخيم الذات المباشرة وغير المباشرة، لتتحول علاقتهم مع هذه الدورات إلى بروفا تمهيدية للتعلم والتعود على نهج الغطرسة والعنجهية والتسيد والتسلط على الآخرين.

وهكذا يتم إنشاء الشخصية العسكرية المتورمة، التي لا ترى ولا تقبل نفسها إلّا في موضع السيادة والسلطنة والاستعلاء على الآخرين، واعتبار هؤلاء الآخرين كائنات أدنى بالنسبة لها.

6-امتهان المقدّسات:

أعلاه تمت الإشارة إلى أنّه من المتداول في جيش الأسد استخدام عبارة "الحفرة المقدسة" ككناية عن "الجاموقة"، وفي الواقع هذه ليست الإساءة الوحيدة أو الأسوأ إلى فكرة المقدّس والمقدّسات، وأعلاه تمّ أيضاً التطرّق إلى عملية تضخيم وتوريم الذات المعتمدة، والتي يتمّ فيها قرن هذه الذات بفكرة الربوبية، وعدا عن ذلك هناك تقليد يسمى بـ "الحج"!

من العقوبات الشائعة في جيش الأسد، تعرية المعاقبين بالشورت ورش أو سكب الماء عليهم في وضع الوقف أو الجثوّ أو الحركة، ومثل هذه العقوبة يمكن أن تنفذ حتى تحت البرد القارس، ودون مبالاة بانعكاسها على صحة المعاقبين.

وبالنسبة لدورتنا، كانت "عقوبة الحج"، خاتمة العقوبات في مرحلة دورة الأغرار التي تمتد لمدة شهر ونصف بعد الالتحاق بالخدمة، وهي عقوبة جماعية مبرمجة سلفاً، أي أنّها لا تتم بسبب مخالفات محدّدة يتم ارتكابها، وهذه العقوبة هي كسواها من عقوبات التعرية وسكب الماء البارد، ولكنّها تختلف عن سواها من العقوبات السابقة بأنّها تنفذ في وضعية يطوف فيها المعاقبين حول المبنى الذي يقيمون فيه، في محاكاة لطواف الحجاج في الحج، ويهتف هؤلاء المعاقبين "لبيك أيّها المتقدّم العظيم لبيك، لبيك لا شريك"، و"المتقدّم" هو الطالب الضابط المتطوع في سنته الثالثة والأخيرة، فيما يسمّى مثيله في السنة الثانية "المتوسط" وفي السنة الأولى "المستجدّ"، وعندما يكون هناك متقدّمون، فهم بصفتهم الأقدم بين الطلاب المتطوعين من يُعطون صلاحية الإشراف على بقيّة الدورات، والقيام ببعض تدريباتهم، واتخاذ العقوبات بحقهم، أو تنفيذ العقوبات المقرّرة أو المبرمجة من قبل الضابط المسؤول عن تلك الدورات، وبالطبع عقوبة كعقوبة الحج لا يقرّرها الطلاب  المتقدّمون، ولكنّهم هم من ينفذونها.

بعد التعرّض لمثل هذه العقوبة الجماعية المذلّة بشكل مريع، اشتكى بعض زملائنا لأحد الضباط المدربين، وكان شخصاً طيباً، ولكنّه ليس صاحب قرار في الكلية، فردّ علينا بأسف "لا تخلطوا بين الدين والجيش"!

وهذه لم تكن الشكوى الوحيدة التي لم تجد نفعاً.

7- نفذ ثم اعترض:

"نفذ ثم اعترض" هي القاعدة السائدة في التعامل مع الأوامر العسكرية التي لا يرضى عنها المأمور، وهي تلزمه أولاً بتنفيذ الأمر الذي يتلقّاه، وبعد ذلك يمكنه أن يعترض عليه إذا كان لديه أيّ اعتراض أو شكوى، وقد اشتكينا مراراً، ولكن غالباً بدون نتائج.

فبناء على محاضرة لضابط التوجيه السياسي قال فيها بأنّ علينا إخباره إن نحن تعرضنا إلى أيّة "عقوبة غير منطقية" ليمنع تكرارها، أخبرناه عمّا نتعرض له من إهانات، فكان الجواب أنّ هذه الإهانات لا تندرج في نطاق العقوبات غير المنطقية التي تكلّم عنها، أمّا قائد قسم الدورات فكان ردّه "هذه أمراض اجتماعية، لا تتوقفوا عندها"، أمّا معاون مدير الكلية فأجاب بأنّه لابد من معرفة الدوافع التي تدفع إلى تعرضنا إلى هذه الإهانات وكأنّنا نحن المذنبون الذين نجني على أنفسنا، وعندما اشتكينا إلى مدير مكتب مدير الكلية، وهو للأمانة شخص خلوق، وهذا ما كانه أيضاً مدير الكلية، ردّ علينا بأنّ هذه السلوكيات مخالفة للقانون العسكري وأنّه سيتصرف، ولكن الحال لم يتغيّر، فاشتكينا لمدير الكلية نفسه، وبالفعل توقّفت الإهانات من قبل بعض الضباط، ولكنّ ضباطاً آخرين تولوا المهمة عنهم، ثم علمنا أنّ أسماء المشتكين قد عرفت، ربما بسبب تكرّر الشكاوي وتلقّى هؤلاء المشتكين تهديداً بأنّه سيتمّ "التحطّط عليهم"، ولكن هذا لم يحدث، ربّما لأنّ الدورة حينها كانت قد قاربت على الانتهاء، وربّما، وهذا الأرجح، لأنّ أولئك الضباط العدوانيّين اعتقدوا بعد الشكوى لمدير الكلية نفسه أنّ المشتكين "مدعومين"!

أمّا مدير الكلية، وهو كما سلف القول، شخص طيب، فسلفه، الذي كان قد تقاعد قبل التحاقنا بقليل، كان على النقيض من ذلك، وقد آذى قبل تقاعده الكثيرين، من ضبّاط وسواهم، وكثيراً ما كان يملأ سجن الكلية بالمعاقبين من الدورات وغيرها إلى درجة الاكتظاظ وعلى أتفه الأسباب.

ومن المهم أيضاً ذكره في هذا الشأن، أنّه بنظر ذاك النموذج من الضبّاط الذين لا يقيمون وزناً لكرامة الآخرين، الشكوى لا تعتبر حقّاً من حقوق المشتكي ودفاعاً عن حقوقه المعرّضة للأذى أو الهدر، ولكنّها بنظرهم "فسفسة"، والمشتكي هو "فسفوس" أي نمّام، أو بالبلدي الصريح "فسّاد"!

وهكذا في هذه الرؤية الممسوخة يتحوّل الضحية إلى جانٍ!

8-خاتمة:

  ذاك ما كان يحدث من تحطيم للمعنويات والكرامات ومسخ للشخصيات وتنمية للعنجهيات في كلية كان يطلق عليها لقب "ميريديان الجيش"، وفي غيرها من الكليات كان الوضع أسوأ بكثير، والأسوأ من ذلك أيضاً هو وضع القطع العسكرية، التي كثيراً ما كان يُسرق فيها حتى طعام الجنود، ويتمّ ابتزازهم واستغلالهم في مناسبات عديدة.

وإذا كانت أفضل الكليات التي يفترض أن يتمّ فيها إعداد وتجهيز القيادات والكوادر العسكرية، تجري فيها الأمور على هذا المنوال، فهذا يفسّر الوضع المزري للجيش في سوريا وبقاؤه على ولائه لديكتاتورية الأسد، واقترافه في دفاعه عنها للكثير من جرائم وفظائع الحرب، من التعفيش وحتى سياسة الأرض المحروقة، وهذا ليس غريباً على الدكتاتوريات، التي يهمها ألّا تنشئ الشخصيات الوطنية، ولا سيما في القطاع العسكري الأكثر أهمية وخطورة، وكذلك يهمها أيضاً بدلاً من ذلك إنتاج الموتورين ومتضخمي الذوات والانتهازيين، لتضمن ولاء الموتور من حيث غلواء تبعيته، وولاء المتضخّم عبر إتاحة الموقع له لممارسة غطرسته، وولاء الانتهازي عن طريق تلبية أنانيته، وهكذا دوليك...

وختاما يبقى أن نقول حفاظاً على أمانة الحديث، أنً الضباط السوريين الذين تعاملنا معهم في تلك الآونة كان ينطبق عليهم ما ينطبق على سواهم من شرائح الشعب السوري، وفيهم الصالح والطالح، والجيد والسيئ، ولكنّ السياسة السائدة كان يتمّ فيها إبعاد الصالحين عن مواقع اتخاذ القرار، وإن سمح لبعضهم بالوصول إليه، فهذا كان يتمّ فقط بحيث لا يتيح لهؤلاء الصالحين والجيدين التأثير على هذه السياسة السائدة التي يسود فيها الطالحين.