أنا كافر لأنني أعسر!
في عام 1976 حُدّد يوم 13 آب/ أغسطس يوماً عالمياً للعُسْر. قبل هذا التاريخ ومنذ أكثر من 1400 سنة، وبناءً على الرواية الإسلامية، فقد أنزل الله على الرسول محمد سورة "الحاقة" التي جاء في آياتِها رقم 19و20 و21 و22 }فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ ﴿19﴾ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ ﴿20﴾ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ﴿21﴾ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ{(22) وأيضاً في السورة ذاتها، الآية 25و26 و 27و28 و29 و30 و31 }وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ ﴿25﴾ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ ﴿26﴾ يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ ﴿27﴾ مَا أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ ۜ ﴿28﴾ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ﴿29﴾ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ﴿30﴾ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ﴿31﴾{.
بناءً على ما جاء في السورة أعلاه حسب رأي بعض المشايخ ورجال الدين، فإن الأعسَرَ كافرٌ لا يدخل الجنة، إلا أن هناك رأياً أقلَّ تطرّفاً وعنصرية يقول: الأعْسَرُ ليس كافراً بالمطلق، وأعماله الصالحة في الدنيا، قد تجلب له مغفرة الله ويدخل الجنة.
الشيطان يأكل ويشرب
هناك حديث للرسول محمد يقول فيه: "إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله". حين قرأت هذا الحديث لأول مرة، تخيلت شكل الشيطان كما كنت أشاهده في أفلام الكرتون، ثم تخيلته يأكل ويشرب بيده اليسرى، بينما يده اليمنى يُعذّب فيها الكَفَرة في جهنم. بغض النظر إن كان المقصود من هذا الحديث أن الشيطان يشارك الإنسان الأعسر طعامه وشرابه، أو أن الشيطان هو من يأكل ويشرب بيده اليسرى. هناك رأيان بخصوص هذا الحديث؛ الأول يقول إن الأعسر كافر، والثاني يقول إنه ليس كافراً بالمطلق.
جاء في سورة الواقعة الآية رقم 27 و28 و29 }وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ {(29). وجاء أيضاً في السورة ذاتها في الآية 41 و42 و43 }وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43){.
من هم أصحاب اليمين وأصحاب الشمال؟ غالبية التفسيرات والآراء تقول إنّ أصحاب اليمين المقصودين في سورة الواقعة هم: أصحاب الشأن العظيم، وهم الذين يُؤخذ بهم يوم القيامة ذات اليمين، وهم الأبرار، وقيل إنهم أطفال المؤمنين، وغير ذلك... باختصار شديد هم الفائزون بالجنة. وأصحاب الشمال في السورة ذاتها، هم الكفرة الذين مأواهم جهنم وبئس المصير.
وبالطبع هناك رأي آخر يقول: إن أصحاب اليمين هم من يستخدمون يدهم اليمنى وجزاؤهم الجنة، وأصحاب الشمال هم من يستخدمون يدهم اليسرى وعقابهم النار!
خوفي من جهنم أكبر من رغبتي في الجنة
حين رآني معلمي في الصف الرابع الابتدائي أكتب بيدي اليسرى سألني: شو اسمك يا تلميذ؟ قلت: رامي غدير. نظر إلي بازدراء، وقال: إذا بشوفك مرة تانية عم تكتب بإيدك اليسار رح عاقبك.
أمسكت القلم بيدي اليمين، قرّبتُ وجهي من الدفتر وتظاهرت بالكتابة، أحسست لحظتها بأن جميع من في الصف ينظر إليّ. الآن يمكنني أن أخمّن بأن معلمي التافه، وربما بعض التلاميذ قد استطاعوا رؤية الذعر والرعب على وجهي، لكنني أشك بأن أحداً منهم استطاع رؤية تلك الكتلة المالحة المُرَّة الشائكة التي كانت في حلقي، والتي مصدرها العجز والقهر والذل والخوف وأشياء أخرى سافلة وبشعة.
خلال سنوات طفولتي ومراهقتي تعرضت للكثير من الانتقادات والتنمر لأنني أعسر، وسمعت الكثير من الأحاديث من قبل المشايخ ورجال الدين تقول إن الأعسر كافر. ما جعلني أشعر بالخوف والرعب. وبهدف التغلب على هذا الخوف، وعلى مدار عدة سنوات قرأت القرآن كله، واطلعت على قسم كبير من تفسير آياته، وقرأت العديد من الكتب الدينية، ودخلت في نقاشات وحوارات مع العديد من الأشخاص، والتزمت بكل تعاليم الدين، على أمل الحصول على مغفرة الله ورحمته.
في سن الـ18 وبناء على كل ما ذكرته أعلاه توصلت إلى نتيجة تقول: إن الأعسر ليس كافراً بالضرورة، وإن روح الإنسان لا يعلم معدنها وحقيقتها إلا الله، وإنّ القول عن روح فلان كافرة أو مؤمنة هو باطلٌ ومخالفٌ لكلام الله في سورة الإسراء الآية 85 (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً).
أحياناً كنت أسأل نفسي: ماذا لو كان هناك شخص يصلي ويصوم ويقوم بكل واجباته الدينية، ثم تعرض لحادث وعُطبت يده اليمنى بشكل كامل، وأصبح مجبراً على استخدام يده اليسرى، هل يصبح كافراً؟
بالطبع كل الأجوبة والتبريرات التي توصلت إليها بيني وبين نفسي في تلك المرحلة، والتي تُسند إلى الدين بشكل مباشر وغير مباشر، لم تجعلني أشعر بالراحة والطمأنينة، وبقيت لسنوات عدة أشعر بأنني شخص ناقص ومصاب بلعنة من الله فقط لأنني أعسر وسأدخل النار!
في الحقيقة كان خوفي ورعبي من دخول جهنم التي قرأت عنها في القرآن وفي أحاديث الرسول محمد ومن جاء بعده، أكبر بكثير من رغبتي في دخول الجنة؛ لأن فكرة الألم والعذاب الأبدي كانت بالنسبة إلي مصدر هلع وذعر هائلين.
في الـ20 من عمري، دخلت عالم القراءة والموسيقى والسينما، وبشكل تدريجي بدأت أتحرر من السطوة المخيفة للدين والأعراف والتقاليد إلى أن وصلت لمرحلة لم أعد مقتنعاً فيها بأي كلامٍ أو تصنيفٍ أو حكم، سواء سلبي أو إيجابي يصدر عن أي دينٍ في العالم، فيما يخصُّ الإنسان وسلوكه وأفكاره ومعتقداته في مجالات الحياة كافة، ومصيره بعد الموت. وبالطبع شعرت بالأسف على نفسي لأنني أهدرت سنوات عدة من حياتي، وأنا أفكر بتلك السخافة التي تقول إن الأعسر كافر!