مظاهرات السويداء تدخل أسبوعها الرابع بمشاركة نسائية فعّالة

عاشت  مدينة السويداء ليلة من الترقّب والقلق أول أمس بعد حادثة إطلاق النار على المحتجين أمام فرع حزب البعث الحاكم، تخلّلها إطلاق قذيفتي "آر بي جي" في محيط مبنى فرع الحزب وإنفجار "قنبلة يدوية" في محيط منزل أحد الوزراء السابقين في الدولة.

هذه الأحداث لم تمنع الحراك الشعبي من التظاهر الذي دخل أسبوعه الرابع على التوالي مؤكّداً على المطالب والشعارات التي أطلقها منذ الأيام الأولى، وإصدار بياناً موجّهاً إلى الجامعة العربية والأمم المتحدة والمنظمات الأممية والحقوقية والإنسانية مطالباً إياها بالوقوف الى جانب الشعب السوري لتحقيق مطالبه في تنفيذ القرار الدولي 2254 وتفعيل القرار 2118 الصادر عام 2013 الذي يحوّل مرتكبي جرائم الحرب بحق الشعب السوري إلى محكمة الجنايات الدولية.

وأكّد البيان الذي ألقته إحدى المتظاهرات في ساحة الكرامة على وحدة الأرض السورية وهويتها الوطنية، ورفض المشاريع الخارجية الانفصالية والخطابات الطائفية التحريضية، وطالب البيان بالإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين والكشف عن مصير المغيّبين قسريّاً وحمّل سلطة النظام وحزب البعث والأجهزة الأمنية مسؤولية إراقة الدم السوري منذ عام 2011 لغاية هذا التاريخ.

أمّا اللافت في حدث يوم الأمس هو التصعيد غير المسبوق لشيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الثاني "حمود الحناوي" أمام عدد من الزوار في دارته، حيث طالب رأس النظام السوري دون أن يسميه بالرحيل، مخاطباً إياه (صبرنا وسكتنا حرصاً على الوطن ووحدة سورية وإذا مش قادر تحل المشاكل في غيرك بحلها)

هذا الخطاب الذي وجد صداه اليوم في ساحة الكرامة، حيث رُفعت صور الحناوي إلى جانب صور الشيخ" الهجري والذي عُرف بتأييده المطلق للحراك الشعبي منذ بدايته قبل مايقارب الشهر.

ومن المعروف لدى الطائفة الدرزية في سورية ثلاثة رجال دين يُطلق عليهم الرئاسة الروحية لطائفة المسلمون الموحدون الدروز، ويتسلسلون في المراكز الثلاث، حيث يُعتبر "الهجري"صاحب الختم الأول، يليه" الحناوي" ثمّ "جربوع".

وقد استطاع النظام الحاكم عبر أجهزته شقّ صفهم وزرع الفتنة بينهم طوال السنوات السابقة، كما حاول قبل أيام تشكيل رئاسة روحية في مناطق ريف دمشق ذات التواجد الكبير لأبناء الطائفة الدرزية مثل جرمانا وصحنايا ومناطق في القنيطرة، وباءت هذه المحاولة بالفشل بعد الرفض الذي تلقاه من جميع أبناء الطائفة في هذه المناطق.

يقول الناشط المدني عماد العشعوش لمجلة صور؛ "إنّنا للمرة الأولى منذ بداية الأحداث السورية نشهد مواقف متقدّمة للرئاسة الروحية، ولا ننكر التأثير الكبير لهذه المواقف على إستمرارية الحراك الشعبي بهذا التصعيد اليومي، كونها المرجعية الدينية، بعد أن لاقت تراجع كبير خلال السنوات العشرة الآخيرة."

ويضيف العشعوش لمجلة صور؛ "وليس غريبا أن تأمّ جميع الفعاليات السياسية والإجتماعية والفصائل المسلّحة الى دارة الهجري والحناوي ليس للتأكيد على مواقفهما والشدّ من أزرهما فقط، بل لإعلان حالة من الولاء وشكلاً من التبعية طالما أنّهما في مقدمة الخطاب الثوري والوطني الجامع. "

وفي الوقت الذي كانت ساحة الكرامة تغص بالمئات من المتظاهرين، كانت مجموعة من الأهالي وبعض من عناصر الفصائل المسلحة قد تجمهرت أمام فرع حزب البعث في مدخل السويداء الشمالي وأعادت إقفال أبواب الفرع الخارجية بالحديد واللُحام، كرد مباشر على حادثة إطلاق النيران التي حصلت قبل يومين على المتظاهرين وأصابت إثنين منهم بإصابات سطحية.

أمّا اللافت في مظاهرات السويداء هو الحضور النسائي الكبير وتقدّمهم للوفود المشاركة من مدن وبلدات الريف الى ساحة الكرامة، هذا الحضور الذي منح التظاهر أشكالاً حضارية تمثلت في إبداعات فكرية نسوية ولوحات إنسانية متنوعة، لعلّ أهمها الكتابات والأناشيد المعبّرة عن ثقافة المرأة السورية وعطاءها حتّى في تقديم الضيافة ومياه الشرب لشركاء الحراك الشعبي.

في السويداء أفرز الحراك الشعبي طبائع وأعراف يومية، تسابق الى أداءها المجتمع المحلي ومنها عُرف يومي تمثّل في تقديم الطعام في نهاية معظم أيام التظاهر، فقد فاجأت إحدى عائلات ريف السويداء اليوم المتظاهرين بعدد كبير من "مناسف الملاحية"وهي الأكلة الشعبية التقليدية في سهل وجبل حوران ولم يفت هذه العائلة حمل رسالة شفهية مع أحد "المناسف" الى مبنى قيادة شرطة المحافظة المجاور لمكان التظاهر.

يقول عصام عزام لمجلة صور "أردنا أن نوصل لقيادة الشرطة وللعناصر المتواجدين فيها، أن حراكنا سلمي ومطالبنا وطنية وهم شركاءنا في وطن يسوده الحق والعدل والقانون"

"ومن جهة أخرى ثورتنا ليست مطلبية ولن تكون ثورة جياع وأننا قادرون على العيش ضمن هذه الأوضاع المعيشية الصعبة وعلى إكرام الضيف مهما كان عمله ومهامه."