info@suwar-magazine.org

المنظور الحقيقي للدين في العلمانية (2 )

المنظور الحقيقي للدين في العلمانية (2 )
Whatsapp
Facebook Share

 

 

6- العلمانية والدين:

 

6.1- الدين كمنتج بشري:

 

في علاقتها مع الدين تعتبر العلمانية الدين ككل ظاهرة بشرية تاريخية، ولا تستثني من ذلك أيّ دين من الأديان الموجودة أو التي وُجدت أو التي ستوجد، وفي موقفها هذا من الدين تعتمد العلمانية على المنطق العقلاني والعلوم الإنسانية، ويمكن بشكل موجز القول أنّ هذه الخلاصة تعتمد على الحقائق التالية:

  • كلّ دين من الأديان يزعم أنّه صادر عن مصدر سماوي، أي ماورائي، وهذا يُدخله فوراً في دائرة الشك وعدم اليقين المرتبطة بالماورائيات، كما بيّنا أعلاه.
  • كلّ الأديان تقوم تقليديّاً على أساس إيماني تسليمي، وليس على أساس عقلاني برهاني، وهي عادة تنتقل من جيل إلى جيل بالوراثة الثقافية، والاستثناءات من ذلك نادرة.
  • تتناقض الأديان بين بعضها البعض بأشكال صارخة، وتنفي بعضها البعض، وكلّ دين يزعم أنّه وحده الدين الصحيح، ويعتبر سواه باطلاً أو ضالّاً أو مزوّراً.
  • كلّ الأديان تتناقض مع العلم في قضايا جوهرية عديدة، وكلّ المتديّنين عادة يدّعون بأنّ دينهم لا يتناقض مع العلم الذي يؤيّد هذا الدين، وإن حدث تناقض ما فهم يرجعونه عادة إلى خطأ أو عناد العلماء، أي أنّهم يقفون ضدّ العلم حفاظاً على معتقداتهم وإيمانياتهم.
  • العلوم الإنسانية، نفسها تقول بناء على تلك المعطيات أنّ الأديان كلّها هي من صنع وإنتاج البشر في الظروف الموضوعية المناسبة.
  • العقل المنطقي، أو العقل الحر، بشكل عام يتبنى رأياً مشابهاً لرأي العلوم الإنسانية من الدين.

 

وعليه يمكن الوصول إلى النتيجة التي تجزم بأنّه يستحيل أن تكون كلّ تلك الأديان المختلفة، القائمة على الإيمان والتسليم، الحافلة بالتناقضات الغفيرة والكبيرة بين بعضها البعض، وبينها وبين العلم، وبينها وبين العقل المنطقي، صادرة عن مصدر سماوي واحد، هذا ناهيك عن أنّ هذا المصدر نفسه هو فرضية ميتافيزياقية لا أكثر، وقد كان وما يزال موضع جدل عويص لا يبدو أنّه سينتهي في وقت قريب؛ والتفسير المنطقي الوحيد لهذا الحال هو أنّ هذه الأديان كلّها هي من صنع البشر؛ وهذا التفسير نفسه لا يبتعد إلّا خطوة واحدة عن تفسير الأديان نفسها للتعدّدية الدينية المختلفة، حيث يقول كلّ دين أنّه هو وحده الصحيح وسواه أديان صنعها أو زيّفها البشر، وبذلك لا يستثني هذا الدين من هذا الفعل البشري إلّا نفسه، فيما لا تستثني العلمانية من ذلك أيّ دين.

 

6.2- الدين كمنتج تاريخي واقعي:

 

بشريّة الدين في منظور الفكر العلماني، تعني أنّه فعليّاً ظاهرة موضوعية واقعية، تنشأ فعليّاً بفعل مجمل العوامل الواقعية المختلفة، وذلك يعني أنّ ظهور الدين في التاريخ البشري، هو أمر طبيعي وحتمي كليّاً في مسار هذه التاريخ، وأنّه قد نشأ لأنّ الواقع التاريخي في كلّ لحظة من لحظات نشوئه كان يستدعي هذا النشوء ويمكّنه، بحيث يكون من المستحيل في ظروف هذا الواقع ألّا ينشأ الدين، والمقصود بهذه الظروف هو بشكل رئيس مستويات الوعي والمعرفة، وأساليب وأشكال المعيشة والتركيبة الاجتماعية والسياسية، وهذا كلّه يؤثّر على ذهنيات الناس ويجعلهم ينتجون الأفكار الدينية وغير الدينية المتناسبة مع هذا الواقع، كما ويؤثّر أيضاً على مدى مقبولية وانتشار هذه الأفكار وقدرتها على التأثير الفاعل في هذا الواقع.

 

وذاك يعني أنّه من غير المنطقي بتاتاً التعامل مع الدين وكأنّه ظاهرة طارئة أو شاذّة أو دخيلة في التاريخ البشري، وهو باختصار قد ظهر في لحظات هذا التاريخ لأنّه كان ممكن وضروري الظهور؛ ومن يتعامل مع الدين بغير هذا الشكل لا يتعامل معه بشكل واقعي منطقي، وتعامله المختلّف معه لن يكون أكثر من تعامل تخيّلي أو اعتباطي.

 

هذا المنظور التاريخي الواقعي للدين يجعله في كلّ لحظة من لحظات وجوده- بكلّ حسناته وسيئّاته، ومدى حجم هذه الحسنات والسيئات، وكيفما كانت آليات تأثيرها ودرجات فاعليتها- عنصراً اندماجيا تفاعلياً تكاملياً مع كليّة الواقع، أي جزءاً مندمجاً في الواقع الكلّي ومتداخلاً مع بقيّة أجزاء هذا الكل، ومتفاعلاً معها بحيث يؤثر ويتأثر بها.

 

وذاك يعني في الواقع أنّ كل واقع ينتج دينه بما يتوافق مع وضعه كواقع، وبالمقابل فكلّ دين أيضاً يساهم في إنتاج واقعه بما يتوافق مع وضعه كدين، وبالتالي فأي وضع ديني خاص أو اجتماعي عام يجب ربطهما سببيّاً وتعليليّاً وبنفس الوقت بكافة جوانب الواقع المعيشية والاجتماعية والسياسية والثقافية إضافة إلى التدخّلات والمؤثّرات الخارجية، وهلمّ جرى...

 

وعليه يمكن القول أنّه في حال وجود وضع اجتماعي متدهور أو وضع ديني متدهور، وهما عادة ما يكونان مقترنين، فتدهور المجتمع يجب عدم ربطه بالجانب الديني حصريّاً، حتّى وإن كان هذا الجانب نفسه متدهوراً، وتدهور الدين نفسه يجب عدم ربطه بدوره بشكل حصري أيضاً بالعامل الديني وحده، والتدهوران: المجتمعي والديني هما في واقع الحال تدهور واحد متعدّد الصعد وهو بنفس الوقت متعدّد الأسباب، وفي هذا التدهور الشامل يكون الدين فاعلاً ومنفعلاً مع ومثل بقية الميادين، ويتحمّل معها قسطاً مشتركاً من المسؤولية، ولكن ليس كلّ المسؤولية.

 

وهكذا يمكن القول مثلاً أنّ أولئك الذين يربطون العنف التكفيري في المنطقة العربية، ومنها سوريا بالطبع، حصراً بطبيعة الإسلام، هم إمّا متوهمون أو مغرضون، فهذا العنف، حتّى وإن كان ديني الشكل، فهو من حيث المضمون متعدّد الأسباب، وفيه يجتمع ويتكامل العامل الديني مع العوامل المعيشية والاجتماعية والسياسية والثقافية والخارجية، وينتج هذا الشكل من العنف ذي المظهر الديني بسبب تقليدية ودينية المجتمع.

اقرأ أيضاً:

 

         المنظور الحقيقي للدين في العلمانية (1 )

 

 

6.3- تطوّر المجتمع وتطوّر الدين:

 

بما أنّ الدين منتج بشري، فهذا يعني حكماً أنّ فيه دوماً إيجابيات وسلبيات كثيرة، صغيرة وكبيرة، والإيجابيات نفسها قد تتغير مع تغيّر الظروف، فإمّا أن تفقد قيمتها أو حتى تنقلب إلى سلبيات، ومن مخاطر الدين هو أنّه يُضفي القداسة على نفسه، وهذا ما يجعله يرفض التغيير، الذي يراه متعارضاً ومتخارجاً مع هذه القداسة، وشكلاً من أشكال التضاد معها، ويضع هذا التغيير حكماً في موقع النقيض لها أيّ في موقع الشر والكفر والدنس، وهنا برفضه للتغيير الذي قد تقتضي الضرورة أن يكون تغييراً جذرياً، يُصبح الدين عائقاً أمام تقدّم المجتمع وحصناً تحتمي به مساوئ الواقع.

 

لكن هذا ليس الشكل الحتمي الوحيد لدور الدين، فعندما تتأزّم الأوضاع في المجتمع أو في الوسط الديني وتصل إلى المستويات الحرجة، فالدين قد يتغيّر بفعل عوامل من داخله أو من خارجه، وهذا التغيير قد يأخذ شكلاً سلميّاً أو عنيفاً، وقد يكون توجهه إيجابيّاً أو سلبياً.

 

التغير بفعل عوامل خارجية يتمّ عندما تتغيّر ظروف المجتمع الذي يتواجد فيه دين ما، ولا يعود الشكل القائم من الدين مناسباً للأوضاع الجديدة أو قادراً على الاستمرار فيها، وهنا يمكن أن تستجيب السلطة الدينية القائمة لإرادة أتباعها بالتغيير بما يتناسب مع التطوّرات الاجتماعية التي حصلت، أو تستجيب لضرورة مواكبة التغيرات الاجتماعية خشية فقدان أتباعها وتسرّبهم، أو تستجيب تحت ضغط السلطة الجديدة الحاكمة التي تفرض على هذا الوسط الديني ورئاسته شروطاً محدّدة مُلزمة للبقاء والاستمرار.

 

وأحياناً قد لا تحدث استجابة، ويحدث صراع بين المؤسسة الدينية القائمة والمؤسسة السلطوية المجتمعية الجديدة، وقد يحدث نزاع أو انشقاق داخل الوسط الديني نفسه، وعندما تخسر السلطة الدينية القائمة في هذا النزاع، فالنتيجة تكون إمّا زوالها أو استبدالها أو رضوخها لشروط التغيير المفروضة عليها.

 

في هذا النوع من التغيير يكون مركز التغيير وموقع مبادرة التغيير خارج الوسط الديني وهذا هو الغالب، ولكن مع ذلك فهناك حالات ينطلق فيها التغيير من داخل المؤسسة الدينية أو الوسط الديني نفسه، وقد يحدث هذا ردّاً على تدهور الأوضاع داخل الوسط الديني أو خارجه؛ وهنا أيضاً قد تحدث استجابة سلمية أو نزاع ربما تخسره السلطة الدينية القائمة أو انشقاق في الوسط الديني أو انفضاض عن السلطة القائمة، وهكذا دواليك...

 

من الأمثلة على التغيير الذي يحدث من داخل الوسط الديني يمكن ذكر الانشقاق البروتسانتي في أوروبا، وهذا ما حدث ردّاً على فساد المؤسّسة الدينية الكنسية الكاثوليكية حينها من ناحية، وبسبب التطورات الاجتماعية التي بدأت في الغرب الأوروبي مع بداية عصر النهضة من ناحية أخرى.

والمثال الآخر الذي يمكن أن نذكره أيضاً على نموذج التغيير من الداخل، هو حركات الإسلام السياسي، بما فيها الحركات التكفيرية العنفيّة، فهذه الحركات هي من حيث المبدأ حركات تنطلق من داخل الوسط الإسلامي مدفوعة بضرورة التغيير الذي يولّده التردّي الشامل في المجتمع، بما في ذلك على الصعيد الديني؛ ولكن هذه الحركات تتبنّى توجّهات متسلـّفة أو متطرفة، وبذلك تكون وجهة التغيير الذي تتبناه سلبية، فيما لم تكن الحركة البروتستانتية حركة متسلّفة ومتطرّفة دينيّاً، وكانت إلى حدّ كبير حركة إصلاحية إيجابية.

 

أمّا الأمثلة على حالات التغيير الديني الذي يأتي من الخارج، ويُفرض قسراً، فيمكن ذكر الثورة الفرنسية والثورة الروسية، فيما يمكن ذكر العلمنة في بريطانيا وأمريكا كأمثلة على حالات التغيير الديني الذي يحدث كاستجابة سلمية للتغيير السلمي، ولكن حتّى في الحالتين الفرنسية والروسية، ورغم أنّ دور الثوريتين كان حاسماً، فمع ذلك التغيير في الوسط الديني لم يبدأ مع هاتين الثورتين حصريّاً، ففرنسا كانت قد مرّت في عصري النهضة والأنوار قبل ثورتها، وروسيا بدورها شهدت إصلاحات عديدة وكبيرة من أهمها الإصلاحات التي قام بها القيصر بطرس الأكبر.

 

وفي المحصلة يمكن القول أنّ التغيير الديني هو أمر حقيقي واقع، وهو واقعيّاً لا يحدث بشكل نمطي وفقاً للنماذج المحدّدة المبسّطة المذكورة أعلاه، بل يحدث بشكل معقّد ويتداخل فيه الخارجي والداخلي، والاستجابة والنزاع، والسلمية والعنف؛ ولكن بنتيجته يحدث تغير ديني، وينشأ شكل ديني جديد مختلف عن سابقه بدرجة قد تكون كبيرة أو غير كبيرة، وهذا التغيّر الديني يمكن أن يكون بشكل رئيس نتيجة التغيّر في طبيعة الثقافة الدينية نفسها، ما يعني تغيّراً على المستوى الداخلي للأوساط الدينية، وقد يكون تغيّراً في طبيعة الممارسة بسبب الشروط الذي يفرضها النظام الجديد، وهذا التغيّر على المستوى الخارجي في المجتمع، وغالباً يجتمع الشكلان معاً ويتحدّ المستوى الداخلي مع المستوى الخارجي لإنتاج النموذج الديني الجديد.

 

هل لدينا في عالمنا العربي تغيير من هذا القبيل؟

نعم، بكلّ تأكيد، وإن كان هذا يختلف بين بلد وآخر، وعلى سبيل المثال معظم البلدان العربية اليوم لا تطبق حدود الشريعة الإسلامية بشكلها الحرفي، فهي لا تقتل المرتد ولا تقطع يد السارق ولا تجلد شارب الخمر ولا تسمح بالرقّ، والكنائس العربية اليوم لا ترجم الزانية ولا تحرق المختلف بجرم الهرطقة، وهذه بعض أمثلة لا أكثر؛ وأيا كانت أسباب هذه التغيرات وسواء كانت من داخل أو من خارج الأوساط والمؤسسات الدينية، أو تمّت برضاها أو رغماً عنها، فنحن اليوم أمام أمر واقع هو أنّ هذا الوضع الراهن مقبول وموافق عليه عموماً من قبل المؤسسات الدينية، وهو ينسجم مع مستوى التطور الاجتماعي الذي وصلت إليه هذه المجتمعات، وهذه حالة عمليّة تؤكّد مقولة أنّ كلّ مجتمع ينتج الشكل الديني الذي يتناسب مع درجة تطوره وتقدمه، وعليه.. فحين تتقدّم المجتمعات العربية أكثر فسينتج عن هذا حكماً تقدّم مماثل على المستوى الديني، ولكن هذا الأمر لا يحدث بشكل ميكانيكي، فلكي تتقدم المجتمعات فهي يجب أن تتقدّم اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً وعلمياً، وهذا ما يقتضي منها الصدق والحزم في إرادة التغيير ووعي كيفية التغيير، ومحاربة الفساد، والانفتاح، وامتلاك علاقات إيجابية مع الخارج، وهلمّ جرى...

 

6.4- العلمانية وحق حرية الضمير:

 

بيّنا أعلاه أن العلمانية هي منهجية إنسانية عقلانية واقعية لتنظيم وإدارة الدولة والمجتمع وحياة الإنسان، وبناء على ذلك تعترف العلمانية للإنسان بكافّة الحقوق والحريّات التي يقتضيها تحقيق وتطوير إنسانيته، ومن بينها "حرية الضمير"، التي بموجبها يستطيع الإنسان أن يعتنق أو لا يعتنق أيّة فكرة فلسفية أو دينية أو سياسية أو أخلاقية أو سواها بشرط ألّا ينجم عن ذلك أيّ ضرر، وألّا يتعارض ذلك مع النظام العلماني نفسه.

 

وهكذا، وبناء على هذا الحق الذي يضمنه النظام العلماني للناس، يستطيع المتديّنون، أيّاً كان دينهم، أن يمارسوا نشاطهم الديني كيفما وبقدرما يشاؤون في إطار الشرطين آنفي الذكر؛ والدولة العلمانية هي نفسها تضمن لهم هذا الحقّ تماماً، ضمن الشروط المذكورة، وتحميهم من أيّ تمييز أو انتقاص أو عسف أو اضطهاد بسبب دينهم، سواء من قبل مؤسساتها كدولة أو من قبل أطراف أخرى في المجتمع كجماعات دينية أو غير دينية أخرى....

 

لكن هنا قد يحدث التباس، فهذا الحق قد يُساء فهمه من قبل المتديّنين، الذين قد يتصورون أنّ هذا الحق يعني أنّهم في النظام العلماني يستطيعون الاحتفاظ بكامل تقاليدهم الدينية؛ وهذا فهم خاطئ إلى حدٍّ كبير.

في العلمانية لا يُنظر إلى المتدين كمتدين، بل كإنسان وكمواطن، وحقوقه في النظام العلماني تُمنح له ليس بصفته متديّناً، بل بصفته إنساناً ومواطناً، وبناء على ذلك لا يمكن منح حقّ معين بشكل يتعارض مع منظومة الحقوق الإنسانية.

لنأخذ على سبيل المثال حالة تعدّد الزوجات، المُسلم يعتبر هذا الأمر حقّ شرعي له بصفته مسلم، ولذلك سيرى هذا المسلم أنّ العلمانية تُصادر أحد حقوقه عندما تمنعه من الزواج من أكثر من امرأة.

 

في النظام العلماني تعدّد الزوجات مرفوض كليّاً لأنّه يخل بمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، ولكن حقّ حرية التديّن مسموح.

وعندما تتعامل العلمانية مع المسلم فهي فعليّاً لا تتعامل معه بصفته مسلماً، ولكن بصفته إنساناً ومواطناً، وهي تمنحه الحق بأن يكون مسلماً بناء على كونه إنساناً ومواطناً، أي بناء على منظومة حقوق الإنسان، التي يعتبرها النظام العلماني أساساً من أسسه، ولكن منح الحق لشخص ما بأن يكون مسلماً، لا يعني السماح له بناء على ذلك بخرق أُسس ومبادئ النظام العلماني، ولذلك يُمنع هذا المسلم من الزواج من أكثر من امرأة لأنّ ذلك يخرق مبدأ المساواة بين الجنسين في النظام العلماني، وهذا يعني أنّ أيّة حدود أو حريّات تُمنح في النظام العلماني لا تُمنح بشكل مطلق أو على أسس مختلفة عن العلمانية أو تخالفها، بل تُمنح على أسس علمانية، وفي إطار علماني، وهذا يعني أنّها تُمنح على خلفية إنسانية عقلانية.

 

هنا قد يُطرح سؤال، إذاً ماذا سيستفيد المسلم من العلمانية؟ وألن يكون فيها خاسراً عندما تُصادر بعض حقوقه الإسلامية؟

الجواب هو أنّ هذا المسلم قطعا لن يكون خاسراً عندما نُقارن ما يمنحه إيّاه النظام العلماني من حقوق مع ما تمنحه إياه الأنظمة الدينية، وهذه الصورة تغدو أوضح عندما نضعها على إطار عالمي عام، فالعلمانية مثلاً تجعل المسلم في الغرب مواطناً متساوياً مع كلّ المواطنين المسلمين وغير المسلمين وغير المتدينين، والعلمانية في الهند تساوي بين المسلم والهندوسي، وتمنع تغوّل الأغلبية الهندوسية على الأقليّة المسلمة وسواها من الأقليات، والعلمانية في روسيا أيضاً تساوي بين المسلم وأيّ مواطن روسي آخر، وهذه المساواة ما كان المسلم ليحصل عليها لو أنّ نظماً دينية كانت هي الموجودة في أوروبا وروسيا والهند.

 

وحتّى في بلد مسلم، النظام العلماني يستطيع أن يمنح المواطن المسلم حقوقاً أكثر بكثير من النظام الإسلامي نفسه، والعديد من الحقوق التي تُوجد اليوم في البلدان الإسلامية، رغم هشاشة منظومات الحقوق في هذه البلدان، هي فعليّاً بفضل حالة التهجين بين العلمانية والإسلام، وإدخال الأفكار العلمانية في هذه المنظومات.

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard