info@suwar-magazine.org

حكاية المرأة في المناطق الكردية في سوريا

حكاية المرأة في المناطق الكردية في سوريا
Whatsapp
Facebook Share

 

 

 

 - 1500 حالة اعتداء موثقة على النساء

- جرائم الشرف عرف اجتماعي وقانوني!
- تغييرات قانونية وثقافية كبيرة حققتها الحركة النسائية في المناطق ذات الغالبية الكردية

 

مسعود أومري

 

تتلقى إلهام عمر اتصالاً هاتفياً من امرأة مجهولة الهوية قالت لها فيه: «إن جارتي العانس تواجه ظروفاً خطيرة، جراء معاملة أخيها وزوجته لها، اللذَين لا يسمحان لأحد بالتدخل في شؤون عائلتهم». وإلهام عمر امرأة في العقد السادس من عمرها، وعضو في «بيت المرأة» المؤسسة التي مضى على قيامها ثلاث سنوات، وتتلقى دعماً من «اتحاد ستار النسائي» إحدى المنظمات المنضوية تحت جناح حركة المجتمع الديمقراطي التي تستضيء بفكر عبد الله أوجلان الزعيم الكردي المعتقل في تركيا منذ عام 1999.

 

 

وينشط بيت المرأة في مدينة القامشلي ذات الغالبية الكردية، الواقعة شمالي شرقي سوريا، إلى جانب خمسة عشر منظمة جمعية نسائية محلية وسورية، لاسترداد «الوجود الأنثوي» الذي صودر من قبل المجتمع السلطوي الذكوري، بعد أن عاشت المرأة  قبل أربعة آلاف سنة من الميلاد ربيعاً مثمراً إلى جانب الرجل في ظل المجتمع الطبيعي (الكلّان)، عبر حقبة طويلة شملت العصر النيوليتي (الحجري الحديث) بالكامل.

 

تَطْرُقْ إلهام، مع عضوين آخرين من بيت المرأة باب الأخ بحجة أنهم يبحثون عن منزل للآجار، ثم يعرضون على الأخ فرصة عمل لأخته، بعد أن ادعى أنها ذهبت في زيارة لبيت عمها.

 


 

ارتباك الأخ وزوجته دفع فريق بيت المرأة إلى تفتيش المنزل رغم معارضة الزوجين، وينتهي البحث دون طائل، وحين همّوا بالخروج سمعت إلهام صوتاً خفيفاً يأتي من الزريبة، كان صوت الأخت مكممة الفم ومقيدة بالسلاسل وأمامها صحن من الطعام وكأس من الماء. برر الأخ فعلته تجاه أخته بكثرة خروجها من المنزل، وقال: «أخشى أن تجلب لنا العار»، وأيدته الزوجة التي أضافت: «إنها تتكلم على الهاتف مع الشباب».

 

عمل بيت المرأة عل ملف الأخت لمدة شهر، ونجح في تأمين عمل لها، وهي الآن تنفق على عائلة أخيها، جلادها السابق، الذي سجنها لأسابيع بحجة الحفاظ على الشرف.


الشرف المقدس:

 

الناموس أو الشرف، أحد أكثر المفاهيم قداسة في المناطق ذات الأغلبية الكردية في سوريا وتعريفه لا يتجاوز جسد المرأة. يقول الصحفي رامان الكردي: «الناموس ليس إلا مفهوماً أبدعه المجتمع الذكوري لخنق المرأة اجتماعياً وثقافياً». وأضاف: «المجتمع في الشرق الأوسط لا يبالي بحقوق المرأة ولا ينظر إليها إلا كجسد، إنهم يسعون للتضييق على الأنثى باسم جرائم الشرف».

 

وتبدي الناشطة الاجتماعية جيهان سلو رأيها بجرائم الشرف قائلة: «أنا ضد قتل الفتاة أو الشاب تحت عرف الدفاع عن الشرف. هناك العشرات من الطرق لحل مثل هذه القضايا المتعلقة بالشرف».


ورغم هذه الأصوات، قام الشاب علي في الثاني والعشرين من آذار هذا العام، بإطلاق اثنتي عشر طلقة على جسد أخته ليلى في وضح النهار، وذلك في سوق السبت الشعبي بمدينة عامودا غربي القامشلي، أردتها وجنينها ذي الخمسة شهور قتيلين، بحجة غسل العار.


ويذكر أن ليلى تزوجت من شاب قبل أربع سنوات بطريقة غير اعتيادية، تُعرف في المجتمع الكردي باسم زواج الخطيفة؛ وهو الزواج الذي يضطر الحبيبان فيه إلى الهرب سوية بسبب رفض أهل الفتاة تزويجها من الشاب الذي تحب. وبعد تدخل وجهاء الصلح في مدينة عامودا تمت المصالحة بين عائلتي الزوج والزوجة وفق الأعراف الكردية، التي تقتضي في مثل هذا النوع من الزواج بتوزيع مهر الفتاة، الذي بلغ 300 ألف ليرة سورية، على أشقائها. وتقول مصادر محلية قريبة من الحدث أن سبب الجريمة لم يكن بدواعي الشرف وإنما بسبب خلافات بين ليلى وشقيقها الأصغر حول حصته من مهرها.

 

وعلى أثر الجريمة قامت منظمة «سارا» لمناهضة العنف ضد المرأة، التي تأسست بمنتصف عام 2013، بالاشتراك مع  ناشطات مستقلات من القامشلي، بتنظيم اعتصام أمام محكمة الشعب في المدينة، وهي محكمة تابعة لـ«مجلس شعب غربي كردستان»، شاركت بالاعتصام أكثر من خمسة عشر جهة نسائية وحقوقية، وطالب المشاركون فيه بسن قوانين تُزيل الشرعية عن جرائم الشرف، وتنزل أشد العقوبات على مرتكبي هذا النوع من الجرائم، وصياغة قوانين لوقف العنف ضد النساء. واتهموا المجرم بأنه قتل شقيقته لأسباب أخرى وأسدل على جريمته ستار الشرف ليحصل على أخف العقوبات.

 

يُذكر أن القانون السوري يتساهل مع جرائم الشرف، ويكتفي بالحق العام الذي لا يتجاوز السجن لمدة عام.


سلعة جنسية:

 

تختلف النساء في النظر إلى أجسادهن, مثلما يختلف الرجال في رؤيتهم للمرأة جسداً وذاتاً. فمريم الفتاة ذات الأربعة والعشرين عاماً كانت تعيش في حي قناة السويس شرقي القامشلي، وقد زوَّجها أخوها السنة الماضية من رجل تركي. وتبين لمريم بعد رحيلها إلى بيت زوجها أنه لا يريدها زوجة له وإنما يبتغي منها العمل في الدعارة، فما كان منها سوى الهروب من بيته والعودة إلى «أحضان الوطن» والأخ الذي كرر تزويجها من تركي آخر لم تكن نيته تختلف عن نية الزوج الأول. ولم يكن أمام مريم، التي رفضت أن يكون جسدها وسيلة لجني المال، إلا الهرب مجدداً إلى بلدها. ولحقها هذه المرة الرجل التركي مطالباً أخاها بالمال الذي دفعه له مقابل أخته. ولما لم ينجح الأخ في ثني شقيقته بالعدول عن قرارها قام بقتلها ولاذ بالفرار.

 

الاستغلال الجنسي الذي تعرضت له مريم تعرضت لمثله، وبدرجات مختلفة، نسبة كبيرة من النساء في المناطق ذات الغالبية الكردية في سوريا، إلا أنّ هناك وجهات نظر أخرى في هذا الموضوع. ففي مدينة ديريك (المالكية)، شرق القامشلي، اغتصب طبيب ممرضته، التي أجهضت حملها ثلاث مرات. ولما بدأت خيوط الجريمة في الانكشاف، بعد وقوع ابن أخ الطبيب في حب الممرضة، وطلب يدها للزواج، تحول الملف إلى محكمة الشعب في ديريك، ورضيت الفتاة وذووها بمبلغ 500 ألف ليرة سورية. وقام أهلها بتزويجها من أحد أقربائها بصورة شكلية للتستر على فقدانها لعذريتها، ثم قام الشاب بتطليقها بحسب الاتفاق. وأما الطبيب فنقل عيادته إلى مدينة القامشلي. وتعلق «سارا» التي روت هذه الجريمة: «إن المرأة تقف ضدّ نفسها في بعض الأحيان».


وإلى جانب هذين الاعتداءين، وثّقت منظمة «سارا» أكثر من 1500 اعتداء آخر على النساء، في إحصاء شمل معظم المدن ذات الأغلبية الكردية في سوريا باستثناء مدينة كوباني (عين عرب). وتضمنت الإحصائية مجموعة أبواب منها الضرب، والقتل، والطلاق، والاختطاف والاغتصاب، والتحرش، والسمسرة الجنسية، والنصب، والتزوير، والميراث، والعنف السياسي.


زنزانة بثلاثة أضلاع:

 

الجهل، العرف والذكورة، ثلاثة جدران ظاهرها الرحمة، وباطنها قطعة من جهنم تعيش بها النساء، أو كما يرى الكاتب عاصم أمين: «المرأة أسيرة العقلية الاجتماعية والعادات والتقاليد التي تربت عليها»، وأثّر ذلك على معظم النساء في المناطق ذات الغالبية الكردية في سوريا، اللواتي يقضين سنين عمرهنّ في تلك المساحة الشاغرة داخل مثلث الموت.

 

إلا أنّ فداء حميد، ذات الثلاثة عشر ربيعاً، أحدثت ثغرة في ذلك الثالوث المقدس، وذاقت في سنّ مبكرة طعم الكرامة والحرية حين رفضت الزواج من رجل أربعيني أراد أهلها تزويجها له مستغلين وفاة والدتها، بناء على رغبة زوجة أبيها في التخلص منها.


فداء استنجدت بمنظمة «سارا» عاملة بنصيحة خالاتها. ولبّت (سارا) النداء، معتبرة أن القضية تدخل في نطاق العنف النفسي ضد المرأة، وتواصلت مع ذوي فداء وأوقفوا الزواج.

تصدّع آخر بمثلث الموت أحدثته نافيا أسعد، رئيسة لجنة الصلح في بيت المرأة في القامشلي، حين رفعت دعوى ضدّ أخيها، هي وأخواتها، وأمهنّ مطالبين بحصتهم من ميراث والدهم الذي يبلغ 100 هكتار زراعي.


ويذكر أن نافيا الأرملة، والأم لأربعة أولاد، بقيت محرومة من حقها في الميراث، رغم الظروف المادية الصعبة التي مرت بها وما تزال، ويرفض أخوتها منحها حصتها بحجة أنهم آغاوات ومن أعراف الآغاوات أنهم لا يعطون ميراث الأب للأصهار كونهم غرباء. وترد نافيا ذات الخمسين عاماً، على هذا الإدعاء: «أليست زوجاتهم غريبات أيضاً، فلماذا يتمتعون بميراث والدنا، بينما أنا وأمي وأخواتي محرومات من ميراث أعز وأقرب الناس إلينا؟».


وتتلقى نافيا تهديدات بالقتل من أخوتها الذين يعيرونها بأنها وأخواتها الوحيدات في المجتمع اللواتي يطالبن بالميراث، ونافيا تُصعد من جانبها: «سأسحب قضيتي من محكمة الدولة التي تعطي للذكر ضعفي الأنثى، وأضعها في محكمة الشعب التي تساوي بين الرجل والمرأة في الميراث»، داعية كل النساء إلى المطالبة بحقهنّ في الورثة، وتضيف قائلةً: «سنكون أول من يدفع الضريبة، لكننا سنعلّم مجتمعنا أن يعطي النساء حقهن في الميراث».


كابوس السمعة:

 

ليست كل النساء في المناطق ذات الغالبية الكردية يمتلكن جرأة فداء ونافيا في مواجهة تابوهات المجتمع وأعرافه، فجيان الخريجة الجامعية لم تفرح بخطبتها كثيراً، بسبب تداعيات الحب الذي كان بينها وبين فرهاد زميلها في الجامعة الذي اعترض على خطبتها من شاب سواه. ولما لم تستجب جيان له قرر الانتقام. وطرق باب منزلها ذات يوم وسكب على وجهها كمية من الأسيد، شوه به وجهها وعلاقتها بخطيبها الذي قرر من فوره فسخ الخطبة.

 

ورغم زيارة العديد من المؤسسات النسائية والمنظمات الحقوقية لعائلة جيان للاطلاع على حيثيات القضية بغية المساعدة، إلا أن أهل جيان آثروا الصمت. وتفسر نور خليل المسؤول الإعلامي في منظمة «سارا» موقفهم: «السبب يعود إلى خوف العائلة على سمعة ابنتهم وسمعة العائلة». وأضافت نور: «الكثير من العائلات ترضى بالاعتداء على بناتهن، والتنازل عن حقوقهن، خشية تشويه سمعتهم في المجتمع».

 

وتسعى منظمة «سارا» في أحد جوانب نشاطها إلى تشجيع النساء على تقديم الشكاوي في حالات تعرضهن العنف.

 

بقعة أمل:

 

حين تزوج إبراهيم للمرة الثانية، بعد أن طلّق زوجته الأولى وأخذ منها الذهب والبيت والأولاد، وطردها من بيت والدها قائلاً لها: «لقد تزوجتك لأجل راتبك فقط»، لم يكن ملماً بعد بالتغييرات القانونية والثقافية التي أحدثتها الحركة النسائية في المناطق ذات الغالبية الكردية في سوريا. إذ اشتكت الزوجة المطلقة على زوجها في محكمة الشعب بالقامشلي التي حكمت لها باسترداد مالها وبيتها وأولادها، وأجبرت الزوج على دفع النفقة الشهرية للأولاد.


وإلى جانب الوقوف مع المرأة المطلّقة، تعمل اللجنة الحقوقية للمرأة في المناطق ذات الغالبية الكردية في سوريا والتي نالت ما يشبه الحكم الذاتي في ظل الحرب الدائرة في البلاد, تعمل اللجنة هذه الأيام على مناقشة مسودة المبادئ الأساسية والأحكام العامة الخاصة بالمرأة لرفعها إلى البرلمان المحلي والتصديق عليها. وتتضمن الورقة قرابة 40 بنداً،  أهمها محاربة الذهنية السلطوية عند الرجل والمرأة، والمساواة بين الجنسين في حق العمل والأجر والميراث والشهادة في المحاكم، وإلغاء مهر الزواج، وعدم اشتراط موافقة ولي الأمر لصحته، ومنع الطلاق الانفرادي، واعتبار جريمة الشرف جريمة قتل، وتحديد عقوبة للخيانة الزوجية، وألا يقلّ تمثيل المرأة في الهيئات الحكومية عن 40%.


وتقول سحر شيخموس، عضو المحكمة الدستورية في كانتون الجزيرة: «من الصعب تغيير وضع المرأة بسرعة في الوقت الراهن، بسبب الأثر الذي تركه المجتمع على مدى قرون. ونحتاج إلى ثورات لإنجاز ذلك. وحالياً نعمل على محورين، الأول تغيير فكر المجتمع وثقافته، والثاني وضع القوانين المساعدة على ذلك، والقادرة على حماية النساء».

وتختتم كلامها بالقول: «مهمتنا ليست سهلة».

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard