info@suwar-magazine.org

سيف الله المكسور

سيف الله المكسور
Whatsapp
Facebook Share

 

 

 

وافي بيرم

 

كل مدينة في سورية الحبيبة تشتهر بإنتاج مادة ما، ومعلوم لدى الجميع شهرة حمص بالحلاوة الحمصية، وحماة بحلاوة الجبن، وحلب بالمحاشي والكبب.

 

في صغري تساءلت مراراً عمّا تشتهر به بلدتنا، إلا أن والدي كان يتهرب من الإجابة بقوله: «لتكبر بتعرف». الحقيقة أن البرامج العديدة التي كان التلفزيون السوري يُتحفنا بها هي من كانت تثير تساؤلاتي وتخرج إشارات الاستفهام من داخلي، مثل برنامج الأيدي الماهرة الذي كان يعرض يوم الجمعة، حيث يحاول مقدم هذا البرنامج جاهداً معرفة أحدث ما تم التوصل إليه من اكتشافات علمية في جميع أصقاع  سوريا، وكنت أحقد على كل مدينة يزورها لأنه كان يتجاهلنا ولا يأتي لبلدتنا المنسية.

 


لم يطل بي الزمان حتى عرفت بماذا تشتهر بلدتنا، كنت في المرحلة الابتدائية من الدراسة التي تعرفت فيها على عدد من أهم الشخصيات في بلدتنا، ومنها «سيف» زميلي في الصف، الذي شرح لنا جميعاً بأن بلدتنا تشتهر بالقبضايات والمرجلة.

 

زميلنا سيف من ذوي الأوزان الثقيلة، له كرش يتحرك مثل حركة (الجيليه)، كان قصيراً وسميناً وله خدان كأنهما برتقالتان نافرتان من وجهه، لا يجرؤ أحد على الشجار مع سيف سوى من لا يعرفه، وأنا كنت من أصحاب الحظ السعيد عندما رآني فاستهزأ بتناسق قامتي ونعتني بالتشبيه الشهير: «عصاي طئي» فدبت بي الحمية الجاهلية وهجمت عليه مثل النمر، لأتلقى لكمة في منتصف وجهي وأسقط على الأرض، ومن بعدها صدقت وآمنت بأنه قبضاي الصف.


وأصبحت سيرة القبضايات شيئاً بديهياً في حياتنا في هذه البلدة، ومع مرور السنوات عندما أصبحت في المرحلة الإعدادية وقع شجار بيني وبين أحد القبضايات، ولكن المشكلة الأكبر التي واجهتني أني انتصرت على القبضاي وصرعته أرضاً، فما كان منه إلا أن أتى بقبضايات عائلته ليرد اعتباره الذي تمرغ بالوحل على يدي، ارتبكت وأصبحت أبحث عن سبيل للتخلص من (القتلة) المنتظرة آخر الدوام.

 

إلا أن صديقي سيف وقف بجانبي وقال لي: «لا تخف أنا معك ولن يقوموا بأي حركة»، خرجنا سوياً والقبضايات ينظرون إلينا بدهشة ونحن نتجه صوبهم، بادرهم سيف بالسلام وقال لهم: «أبشركم بأن صديقنا سينتسب معنا في الحزب»، وسألني» «أليس كذلك يا صديقي»، فوجئت بسؤاله ووافقته بسبب الموقف الذي أنا فيه، وتوجهنا سوياً إلى مقر الحزب في البلدة، وهناك أعطوني استمارة وطلبوا مني تعبئتها، وعندما انتهيت ودعني سيف وقال لي: «عند الاجتماعات سأخبرك، ولكن لا تنسى الاشتراكات الشهرية فهي مهمة جداً».

 

ومع انطلاقة الثورة السورية في آذار 2011، قرر القبضاي سيف النأي بنفسه عن كل شيء حتى التشبيح الذي تورط به أكثر القبضايات وليس جميعهم.

ومع مرور الأيام وتسلح الثوار أصبح صديقنا القبضاي سيف يرى السيارات والأسلحة والعز الذي هم فيه، فقرر الانتساب لإحدى الكتائب، وبعد أن سأل واستفسر الكتيبة الأعلى دخلاً، قرر الانتساب لكتيبة (س) الأكثر سرقةً و«تشويلاً»، وسمى نفسه «سيف الله».

 

لم نر نحن أهل البلدة سيف الله أبداً منذ انتسابه للكتيبة، حيث استقر في المقر الخاص بالكتيبة ولم يعد يخرج.

 

ذات يوم اضطر للخروج في عملية لصد هجوم قوات النظام على البلدة، حتى لا يقال عنه وعن كتيبته بأنها غير فاعلة ومجرد عصابة، إلا ان القدر كان له بالمرصاد حين كانت الكتيبة في طريقها للجبهة، لأنه فضل ركوب دراجة نارية بدلاً من  السيارة.

 

في منتصف الطريق انزلق من على الدراجة ووقع وكُسرت ساقه، أُسعفَ سريعاً للمشفى الميداني، وجُبّرت قدمه وعاد للجلوس في المقر، ومن حينها أصبح الاسم الجديد لصديقنا: «سيف الله المكسور». 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard