info@suwar-magazine.org

الخبز الأسمر.. قصةُ فسادٍ معلن !

الخبز الأسمر.. قصةُ فسادٍ معلن !
Whatsapp
Facebook Share

 

حكومة الحلقي تخترق الخطّ الأحمر، والسوريون يودّعون الخبز الأبيض

خميرةٌ فاسدة، وزيادة النخالة في الطحين، وخمسة تجارٍ يستحوذون على الاستيراد

 

نضال يوسف

 

صفقة فسادٍ؛ حالةٌ لا يمكن أن ترضي أحداً؛ حتى الخبز نالوا منه، هذه أجزاء من تعليقات مواطنين سوريين التقتهم ( صوَر)، عبّروا فيها عن عدم رضاهم ودهشتهم جرّاء ما حلّ بالخبز السوريّ، وتحوّله من اللون الأبيض إلى الأسمر. فمنذ مطلع آذار الماضي اتخذت الحكومة السورية قراراً بزيادة نسبة الاستخراج من القمح، من 80 إلى 95 بالمئة، لسدّ النقص الحاصل في مادة الطحين. لكن القصّة لم تكن كما زعمت حكومة وائل الحلقي، فما جرى بدّد التكهنات، وأشار إلى ما كان يتوقعه كثيرون بأن شيئاً ما تحت الطاولة.

 

خطٌّ أسمر

 

كلّ الضمانات الرسمية التي قُدّمت للناس في مجال المحافظة على الخبز، سعراً وجودةً، بدّدتها حكومة الحلقي، وحوّلت الخطّ الأحمر الذي لا يمكن تجاوزه إلى خطٍّ يمكن اللعب بمنحنياته واستقامته وألوانه. فالجودة لا يمكن الحديث عنها، ما دام هناك إجماعٌ على المستوى الوطنيّ على تدني مواصفات الخبز، كما قال لـ(صوَر) الباحث الاقتصاديّ هيثم نور الدين، متسائلاً عن خفايا تجاهل الحكومة للأسباب الحقيقية التي دفعت إلى إنتاج رغيفٍ بهذا المستوى المتدني من المواصفات والجودة؟ ومعرباً عن شكوكه بأن هناك مستفيدين من هذا الواقع كالعادة. وينتقد أحمد، وهو مواطنٌ من دمشق، هذه الحالة بقوله: "الخطّ الأحمر بات أسمر"، ما يعني أن كلّ الاحتمالات متاحةٌ الآن لتتصرّف الحكومة كما تريد تجاه الخبز. وكانت الحكومة رفعت سعر الخبز من 25 ليرةً للربطة الواحدة إلى 35 ليرةً، في شهر كانون الثاني الماضي، بعد قرارٍ صدر في تموز 2014 برفع سعرها إلى 25 ليرةً، بدلاً من 15 ليرة.

 

قنبلةٌ إعلامية

 

خرج وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، حسان صفية، إلى الإعلام بتصريحاتٍ يمكن وصفها بأنها زادت من طين القضية بلةً، وعبّرت عن حالةٍ من التخبط، ومحاولةٌ للملمة خيوط اللعبة التي فشلت الحكومة في تأديتها. إذ نفى صفية أن تكون الحكومة تخلط طحين القمح بالشعير، مقرّاً بأن المسألة لا تتجاوز زيادة نسبة الاستخراج من القمح، وبالتالي استخدام قشرة القمح (النخالة). ليفجّر صفية القنبلة الإعلامية التي حظيت بسخريةٍ كبيرةٍ من الشارع، إذ شرح له الوزير "الفوائد الصحية" لهذا الخبز. وانهالت التعليقات الساخرة والمنتقدة لهذا التصريح، ومنها، كما عبّر الناشطون على الفيسبوك: صفية صار وزيراً للصحة؛ من خوف الحكومة على المواطن فإنها تطعمه خبز نخالة؛ كتّر خير الحكومة بعدها ما طعمتنا خبز الشعير. ولا تخفي هذه التعليقات السخرية المرّة والقاسية التي تعبّر، بشكلٍ صريحٍ، عن الحال الذي وصل إليه رغيف الخبز في سورية التي تشهد حرباً منذ 2011.

 

 

خبزٌ أسود

 

لأوّل مرّةٍ تتعرّض الخميرة المستوردة لهجومٍ شرس. ومنذ 2011، وتدمير معامل الخميرة، تمكّنت الحكومة من تأمين بدائل عن طريق الاستيراد، أو من خلال تصنيع الخميرة بشكلٍ تقليديٍّ وبدائيٍّ في كلّ مخبز. إلا أن رمي الكرة إلى الخميرة لم يكن عفو الخاطر، ولم يأتِ من فراغ، فقد استوردت الحكومة خميرةً من الصين، وظهر جلياً أنها غير صالحة. ولم تفصح الحكومة عن كميات الخميرة المستوردة، رغم أن الكميات المخطط استيرادها من الخميرة الجافة تتجاوز 9 آلاف طنٍّ العام الجاري، وتنتج وزارة الصناعة نحو 16 ألف طنٍّ من الخميرة الطرية، بينما تحتاج البلاد إلى أكثر من 41 ألف طنّ خميرةٍ طريةٍ سنوياً، وهذا ما وجّه الأنظار إلى السبب الخفيّ الذي دفع الحكومة لاتخاذ قرارها بزيادة نسبة الاستخراج من القمح، كمقدّمةٍ للتغطية على ما يشوب تلك الصفقة من الحليف الصينيّ.

 

 

ورغم التكتم الحكوميّ الشديد، عزا مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك في اللاذقية، يحيى مرعش، في تصريحاتٍ صحفيةٍ، أسباب تدني جودة الرغيف إلى "انخفاض فعالية الخميرة الجافة المستوردة من الصين"، واعترف بأن هذه الخميرة "سيئة، وفعاليتها معدومة".

 

لم يشفِ هذا الكلام تساؤلات الشارع الكثيرة التي شكّكت في كلّ ما قالته الحكومة إزاء هذا التحوّل. إلا أن وزير التجارة الداخلية صفية نفاه مباشرةً، وأوضح أن الوزارة -وهي الجهة المشرفة على رغيف الخبز- لديها حالياً عدّة أنواعٍ من الخميرة الجافة، مستوردةٍ من إيران ومصر والصين، وهي في أغلبيتها جيدة. لكن موقفاً آخر من داخل الوزارة بدّد كل هذا الكلام، إذ عزا مدير المخابز الاحتياطية، عثمان حامد، سبب تدني جودة إنتاج الرغيف إلى سوء تصنيع الطحين، وعدم توافق مواصفات الخميرة الجافة المستوردة، وأغلبها خميرةٌ بلجيكية.

 

وانتقدت مجالس المحافظات، التي عُقدت خلال شهر نيسان 2015، بشدّة، الخميرة المستعملة في المخابز، لا سيّما في اللاذقية وطرطوس. ولفت عدنان من طرطوس إلى أن الخبز في المحافظة لا يؤكل، ولونه أقرب إلى الأسود، وليس أسمر، كما يشاع.

 

زيادةٌ في الاستهلاك

 

 

استيقظ السوريون على خبزٍ لم يعتادوا عليه. لكنهم، نتيجة الظروف القاسية من الحرب الطاحنة التي يعيشونها منذ أكثر من أربع سنواتٍ متتالية، يشترون الخبز أياً كان شكله وطعمه ومواصفاته. وكشف معاون وزيرٍ سابقٌ لـ(صوَر) أن استهلاك الناس للخبز في سورية زاد بنسبة 40% منذ منتصف 2013، مبرّراً هذا السلوك الغذائيّ الجديد بالغلاء العاصف الذي يجتاح البلاد، والأوضاع الراهنة التي أدّت إلى مزيدٍ من الفقر والفاقة والحاجة لدى المواطنين، وبقاء سعر الخبز رخيصاً مقارنةً مع المواد الغذائية الأخرى التي قفزت أسعارها إلى مستوياتٍ قياسية، وفقاً لأسعار الصرف التي زادت بأكثر من 80%، بينما كان هناك تراجعٌ في استهلاك الخبز قبل الأزمة الراهنة. وبعد تحوّل الخبز إلى اللون الأسمر انخفض استهلاكه، وفقاً لمدير المخابز في حمص جليل إبراهيم، الذي أكّد أن تصريف إنتاج المخابز الحكومية في المحافظة انخفض من 5 آلاف طنٍّ إلى 4500 طنٍّ، خلال شهر آذار الماضي.

 

وتبلغ حصّة المواطن السوريّ من الخبز 316 غراماً يومياً، وهي من المعدّلات العالمية المرتفعة. وفي الوقت الذي لا تكفي فيه كمية الطحين المخزّنة لدى مؤسّسة المطاحن سوى لـ16 يوماً، يحذّر المسؤول السابق في حديثه من خطورة فقدان مادة الطحين، وعجز الحكومة في هذا المجال، لا سيّما في ظلّ الفشل في شحن كميات القمح المخزّنة في الحسكة، وصعوبة إيصالها إلى دمشق والمناطق الساحلية والوسطى والجنوبية.

 

مافيا الطحين

 

تحتاج سورية إلى 7700 طنّ طحينٍ يومياً، وفقاً لإحصاءات 2011. يتوافر منها 3000 طنٍّ فقط حالياً، بينما تؤمَّن الكمية الباقية عن طريق الاستيراد، ولا سيما من إيران، في هذا الوقت. وتفيدنا بعض المصادر الحكومية المطلعة عن وجود مشكلةٍ في الاستيراد، إضافةً إلى محاولات مافيا استيراد الطحين استغلال الوضع الراهن. وانتقد عضو مجلس الشعب عمار بكداش بشدّةٍ استحواذ خمسة رجال أعمالٍ على استيراد الطحين، ما يعكس وجود خللٍ في آلية الاستيراد، وطرائق الإعلان عن المناقصات، وكيفية فضّ العروض، وبالتالي من يحصل عليها. وأنفقت الحكومة مبلغ 138 مليار ليرةٍ لاستيراد الطحين العام الماضي، مقارنةً بـ68 مليار ليرةٍ عام 2013، وهو ما يثير شهوة المحتكرين لزيادة أرباحهم عبر الاتجار بالطحين المستورد المموّل والمدعوم حكومياً.

 

خبزٌ بالحشرات

 

حظي موضوع الخبز بنقاشاتٍ حادّةٍ على مواقع التواصل الاجتماعيّ، فيما غابت هذه القضية عن تساؤلات أعضاء مجلس الشعب، الذين ردّدوا مقولات الحكومة واقتنعوا بأن القضية فعلاً هي زيادة نسبة الاستخراج من القمح، وتحقيق وفرٍ قدره 15% من الكمية المطحونة، ما يعني أنه يمكن خلال أسبوعٍ تأمين الطحين ليومٍ إضافيٍّ مجاناً، ما يخفّف العبء عن الحكومة. فيما تسابقت شبكات الأخبار الموالية لحكومة الحلقي إلى انتقاد موقف الحكومة، والحديث عن سوء تصنيع الرغيف. ونشرت شبكة أخبار جرمانا بريف دمشق، على صفحتها على شبكة التواصل الاجتماعيّ فيسبوك، صوراً تبين الحالة المزرية للخبز الذي ينتجه المخبز الآليّ الوحيد في المدينة، الذي تعود ملكيته إلى الحكومة. واعترضت الصفحة بشدّةٍ على وجود حشرةٍ في أرغفة الخبز.

 

النخالة وأسعارها

 

وأطلق معاون وزير التجارة الداخلية، جمال الدين شعيب، موقفاً مغايراً، مؤكّداً أن الحكومة لن تستمرّ في بيع كيلو النخالة بسعر 16 ليرةً بينما سعره الحقيقيّ يتجاوز 60 ليرة. شعيب، الذي قدّم جزءاً آخر من الرواية الحكومية حول الخبز، لم يجد ما يقوله لعددٍ من المعنيين بحماية المستهلك، الرافضين للموقف الحكوميّ ولتصريحات الوزير صفية حول الخبز.

ثمة ما يعكس الموقف الضعيف للحكومة، بل خطأ موقفها المتعلق بصناعة الخبز، بدليل بدء تحسّن الخبز في دمشق، وإطلاق وعدٍ بأن الخبز سيتحسّن خلال الفترة القريبة، وهو ما يردّه الخبير الاقتصاديّ نور الدين إلى أن كميات صفقة الخميرة "المضروبة" باتت على وشك النفاد.

 

غضبٌ وسخرية

 

أثبتت الحكومة فشلاً ذريعاً في قرارها المتعلق بالخبز. وانكشفت أوراقٌ لم تكن بالحسبان. وجرَت الرياح بما لم تشتهِه حكومة الحلقي، التي أشير بأصابع الاتهام إلى موقفها وطرق إدارتها لاستيراد الطحين والخميرة، وهو ما أنتج خبزاً أسمر أثار غضب وسخرية المواطنين.

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard