عمالة الأطفال السوريين اللاجئين في دول الجوار
بين القوانين الدولية والمحلية وعدم تطبيقها
عاصم الزعبي
منذ انطلاق الثورة السورية، في ربيع العام 2011، كان الأطفال هم المتضرّر الأكبر من الصراع المستمرّ حتى الآن. فقد عانوا شتى أنواع الانتهاكات؛ من قتلٍ، إلى إصاباتٍ أدّت إلى إحداث عاهاتٍ دائمةٍ، إلى تهجيرٍ إلى دول الجوار.
فوفق إحصائيات الأمم المتحدة، وهيئاتها المتمثلة في اليونيسيف والمفوّضية السامية للاجئين؛ تخطّى عدد الأطفال السوريين الذين عبروا الحدود كلاجئين حاجز المليون طفلٍ، موزّعين في دول (لبنان – الأردن – العراق – تركيا). وما يزيد عن ثلثي هذا العدد هم دون سنّ الحادية عشرة.
كانت لهذا اللجوء أضرارٌ عديدةٌ أصابت هؤلاء الأطفال، تمثل جزءٌ منها في أضرارٍ جسديةٍ ونفسيةٍ ناتجةٍ عن الخوف والتوتر والصدمات النفسية بسبب مشاهد الحرب. ولكن هناك تهديداتٍ أشدّ خطراً تتعلّق بعمالة الأطفال والزواج المبكّر والاستغلال الجنسيّ والإتجار بالبشر.
عمالة الأطفال:
تنصّ المادة 32 من اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 على ما يلي:
1: تعترف الدول الأطراف بحقّ الطفل في حمايته من الاستغلال الاقتصاديّ ومن أداء أيّ عملٍ يُرجَّح أن يكون خطيراً أو أن يمثّل إعاقةً لتعليم الطفل أو أن يكون ضارّاً بصحّة الطفل أو بنموّه البدنيّ أو العقليّ أو الروحيّ أو المعنويّ أو الاجتماعيّ.
2: تحديد عمرٍ أدنى أو أعمارٍ دنيا للالتحاق بالعمل.
3: وضع نظامٍ مناسبٍ لساعات العمل وظروفه.
4: فرض عقوباتٍ أو جزاءاتٍ أخرى مناسبةٍ لضمان إنفاذ هذه المادة بفعالية.
كان للأوضاع السيئة التي يعيشها اللاجئون السوريون، وغياب الرجل عند نسبةٍ كبيرةٍ من العائلات اللاجئة في الدول المجاورة، دورٌ كبيرٌ جداً في دفع الأطفال إلى ترك مقاعد الدراسة والاتجاه نحو سوق العمل، في مخالفةٍ صريحةٍ للقوانين المحلية والدولية التي تمنع عمالة الأطفال.
ورغم هذه القوانين، ولجان المراقبة التي تمّ تشكيلها في هذه الدول لمحاربة هذه الظاهرة؛ فقد وصلت عمالة الأطفال إلى مستوياتٍ خطيرةٍ. إذ قدّرت منظمة اليونيسيف أن طفلاً من بين كلّ عشرة أطفالٍ سوريين لاجئين هو طفلٌ عاملٌ. وتعدّ هذه المشكلة من أكثر المشكلات انتشاراً وأكثرها تعقيداً بين مشكلات حماية الطفل.
ويعمد أصحاب العمل في دول الجوار، والعائلات التي يعمل أبناؤها، إلى إخفاء عمل الأطفال. فصاحب العمل يخشى من تعرّضه للمساءلة نتيجة خرقه للقوانين، وما يترتب على ذلك من عقوباتٍ ستلحق به. وعائلات الأطفال تسعى إلى تحسين مستوى معيشتها، وتخشى، في الوقت نفسه، من تخفيض المساعدات الإنسانية المقدّمة لها من الهيئات الدولية والمنظّمات الإنسانية.
وعمالة الأطفال ليست ظاهرةً موجودةً في المدن فقط، بل تنتشر بشكلٍ كبيرٍ في مخيمات اللجوء. ففي مخيم الزعتري للاجئين السوريين هناك ما يقارب 700 متجرٍ، وجميع هذه المحالّ من بين عمالها أطفال.
كما تتفاوت نسب الأطفال العاملين حسب نوعية العمل الذي يقومون به. فحسب تقديرات الأمم المتحدة هناك 43% من الأطفال السوريين في دول الجوار يعملون في الأعمال الشاقة، كورشات الكهرباء والسيارات ومقالع الحجارة والمطاعم، وهناك نسبةٌ تصل إلى 39% يعملون في مجال المبيعات في محالّ بيع الألبسة والأحذية، وهناك نسبةٌ قليلةٌ ممن يعملون في الزراعة. كما يعمل هؤلاء الأطفال لفتراتٍ طويلةٍ قد تصل إلى نحو عشر ساعاتٍ يومياً، وبشكلٍ متواصل.
وتحاول دول الجوار العمل على الحدّ، والتخفيف، من ظاهرة عمل الأطفال. ففي الأردن قامت وزارة العمل بندب موظفين مختصّين للقيام بزياراتٍ، بشكلٍ مستمرٍّ، للأماكن التي يمكن أن تكون فيها عمالةٌ من الأطفال السوريين. وتطبّق القوانين على صاحب العمل وعلى عائلات الأطفال.
كما أن بعض الهيئات الإنسانية وضعت برامج لإعادة هؤلاء الأطفال إلى الدراسة.
وقد قامت منظمة العمل الدولية بدراسةٍ عن الأطفال السوريين العاملين في الأردن، باحثةً عن الأسباب التي دفعتهم إلى ذلك. وكانت نتيجة هذه الدراسة وضع تصوّرٍ لتُبنى عليه إجراءاتٌ لمكافحة هذه الظاهرة. ومنها:
1: تعزيز القاعدة المعرفية الخاصّة بعمل الأطفال من اللاجئين السوريين.
2: تطوير الروابط والإحالة المرجعية بين الإطار الوطنيّ لمكافحة عمل الأطفال وآليات الإحالة الخاصّة بحماية الأطفال التابعة للوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة، بما في ذلك تحديد الأدوار والمسؤوليات ومراكز التنسيق.
3: دعم بناء القدرات وتطوير نظم اتصالٍ بين الشركاء الوطنيين والدوليين.
4: تحديد مكامن الضعف التي تنبغي معالجتها في المشاريع وفي تقديم الخدمات من خلال إعداد برنامج إغاثيٍّ مستقبليٍّ عن الأزمة السورية.
5: التوعية بمشكلة عمل الأطفال وضرورة معالجة أسبابها وعواقبها باعتبارها مسألةً ملحّة.
في النتيجة، فإن موضوع عمالة الأطفال السوريين اللاجئين من الأمور المعقّدة، نظراً لتعدّد الأسباب وراء بروزها بهذا الشكل الذي يهدّد بالقضاء على جيلٍ من الأطفال، والحيلولة دون تعليمه وانخراطه في المجتمع بالشكل الصحيح.