info@suwar-magazine.org

لوحات من الأمل على جدران حمص المحاصرة

لوحات من الأمل على جدران حمص المحاصرة
Whatsapp
Facebook Share

 

لبنى سالم

 

"يقف فوق الخراب، يحمل بيديه ابتسامةً يسِمُ بها وجه الشمس"، هو مضمون اللوحة الأخيرة التي نفّذتها مجموعة "حيطان حمص" على أحد جدران حيّ الوعر المحاصر، حيث بدأت مجموعةٌ من نشطاء العمل المدنيّ مؤخراً بتنفيذ عددٍ من اللوحات المشابهة على جدران الحيّ. الهدف، تبعاً لإيمان محمد، إحدى منظِّمات النشاط: "هو بثّ الأمل في نفوس الناس، الذين يعيشون على الأمل".

 

 

رغم بساطتها تحمل هذه اللوحات معاني عميقةً، يتمّ اختيارها بعنايةٍ. فوفقاً لقواعد المجموعة يجب أن لا تمسّ أياً من التوجهات أو الاعتقادات الاجتماعية أو السياسية لأحدٍ، ويجب أيضاً أن لا تغوص فيها. تقول إيمان: "نريد للموضوع أن يلامس تطلعات الناس لا احتياجاتهم. لكلّ لوحةٍ رسالةٌ، نسعى إلى أن تصل، بالدرجة الأولى، إلى قلوب وعقول المحاصرين هنا، وبالدرجة الثانية إلى العالم ككلّ".

 

تلفت إيمان إلى أن تجربة الرسوم أو الكتابة على الجدران لم تكن جديدةً بالنسبة إلى الوعر أو العديد من المناطق المحرّرة، إلا أنهم استطاعوا إحداث فوارق عن التجارب السابقة. توضح: "ننفّذ كلّ شيءٍ بشكلٍ مدروسٍ ومنظّمٍ. نعمل بجدٍّ على تطوير الشكل والمحتوى لإخراج رسومٍ أكثر نضجاً وأشدّ تأثيراً على الناس.

 

اختيار المكان لا يتمّ عشوائياً؛ نختار أكثر الشوارع ازدحاماً، ثم ننتقي مكان الرسم، والذي يجب أن يتمتع برمزيةٍ معينةٍ". وتتابع: "فكرة الرسم الوليدة تمرّ أيضاً بعدّة مراحل قبل تنفيذها؛ يقترح الشباب مجموعةً من الرسومات أو العبارات التي تكون عادةً أبيات قصيدةٍ أو مقولةً ملهمةً أو حكمةً ما، نتناقش في اختيار أفضلها، نعيد صياغتها أحياناً لتكون سلسةً وسهلة الوصول إلى القارئ، ثم نبدأ بتنفيذها".

 

من جانب المشاهد، يستطيع المرء تلمّس العديد من الفروقات بين هذه التجربة وبين التجارب السابقة للرسم على الجدران نصف المدمّرة في مناطق أخرى. لعلّ أبرز هذه الفروقات هو ابتعاد المحتوى عن المواقف أو الإيحاءات السياسية، وتشبّعه بجرعاتٍ عاليةٍ من التحفيز.

 

 

أحد التفاصيل التنفيذية أنّ الناشطين يستعملون الدهان بسبب عدم توافر البخّاخات، الأسهل استعمالاً، بسبب الحصار. وتبعاً لإيمان "يبدأ الناشطون العمل على الرسم مع طلوع النهار. ورغم أن التنفيذ لا يستغرق، عادةً، مدّةً طويلةً، إلا أنه يحتاج إلى جهود خمسة مشاركين على الأقلّ".

 

 

تكامل المعنى والمكان

 

استطاع الناشطون خلق تكاملٍ في المعنى بين العبارة والمكان. أحد الأمكنة المختارة هو مدينة المعارض، وهي إحدى أبرز معالم الحيّ. كانت قبل بداية الأزمة تحفل بالفعاليات والمعارض المتنوّعة، إلى أن اشتهى لها النظام ذلك الصاروخ الذي أحالها خراباً منذ عامٍ تقريباً. "لك شيءٌ في هذا العالم.. فقم" هي العبارة التي اختار الناشطون كتابتها على الحائط الذي بقي صامداً منها. يقول مهند الخالدية، وهو مصوّرٌ من الحيّ: "الكثير من السكّان يمرّون أمام هذا الحائط كلّ يومٍ، عند ذهابهم إلى السوق الموجود هناك. كان مشهد الدمار يشعرهم بالحسرة على ما حلّ بها، لكن هذه العبارة باتت تبعث فيهم الأمل".

 

 

المتراس كان أيضاً أحد الأمكنة المختارة. يقع هذا المتراس على الخطّ الفاصل بين أحد شوارع الحيّ والقسم الآخر من المدينة، حيث توجد قوّات النظام. وهو مكوّنٌ من هياكل السيارات المحروقة وبعض الخردة، ما جعله منبعاً للتشاؤم للمارّين أمامه، إلى أن قامت المجموعة بطلاء هذه الهياكل ورسمت عليها الزهور. يوضح مهند: "الكثيرون وقعوا ضحيةً لرصاص القنّاص في هذا الشارع. ويحتفظ الناس بذكرياتٍ سيّئةٍ عن هذا المتراس الذي يستعملونه للاحتماء من رصاص القنّاص. الشعور السلبيّ الذي كان يبثّه بات أخفّ بعد أن رسموا عليه. الحقيقة أنهم استطاعوا أن يرسموا على جانبٍ واحدٍ من هذه الهياكل فقط، بسبب الموت الذي يترصّدهم على الجانب الآخر".

 

 

على جدارٍ بقي من أحد المباني المدمرة، رسموا خمسة أطفالٍ يتأرجحون حول معلَم الساعة، الأشهر في مدينة حمص. إنهم عبد الرحمن وهيام ومحمد وزهور وعمران. استشعر الناشطون أن أرواح هؤلاء الأطفال لا تفارق هذا المبنى الذي ماتوا تحت أنقاضه، فرسموا أطيافهم على الجدار. يرى مهند أن هذه اللوحة "بمثابة الطبطبة على الجراح، والتأكيد على إرادة البقاء التي لم ولن يقهرها السلاح".

 

ترحيب أهلي

 

"يرون الألوان من بعيدٍ فينتابهم الفضول. يقتربون منها. وعندما يقرؤون أو يشاهدون الرسوم تشرق وجوههم بابتسامةٍ. يقوم البعض بتصويرها، فيما يأخذ آخرون أمامها (سيلفي)"، يروي مهند مشاهداته عن ردود فعل الناس على الرسومات. ويضيف: "نجحت الرسومات بجدارةٍ في أن تجتذب اهتمام أهالي الحيّ. وبات الكثيرون يترقبون القادم منها".

وعن سرّ هذا التأثير يوضح: "بتنا نتعايش مع مآسي الحرب، حتى افتقدت حياتنا إلى الجمال، بل يمكنني القول إنها باتت باهتة. يحتاج الناس إلى من يلوّن لهم أيامهم ويبثّ فيها روحاً جديدة".

 

من جهتها، تشير إيمان إلى ردود الفعل الإيجابية التي حصدها فريق العمل: "حصلنا على الكثير من التشجيع من الناس، إضافةً إلى عروض المساعدة والرغبة في المشاركة. قال لنا الكثيرون إنهم باتوا يحبّون النظر إلى العديد من الأماكن التي كانوا يتجنّبون النظر إليها".

 

تؤكد إيمان: "نشاطنا لن يتوقف هنا. دائماً نعِدُ الناس أننا سنقوم بالأفضل في المرّات القادمة. رغم الحصار والخراب، نؤمن أننا بالألوان يمكن أن نخلق حياةً من العدم".

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard