info@suwar-magazine.org

تحذيرٌ للسّوريين خارج البلاد: عقاراتكم في خطر!

تحذيرٌ للسّوريين خارج البلاد: عقاراتكم في خطر!
Whatsapp
Facebook Share

 

ثغراتٌ قانونيّةٌ وشبكات تزويرٍ لنقل ملكيّة العقارات دون علم أصحابها

تعميمٌ حكوميٌّ: بيع وشراء العقارات بموافقةٍ أمنية

 

نضال يوسف

 

English

 

فوجئت (رندة العظم) أن البيت الذي تملكه في منطقة الطلياني وسط دمشق، وفيه العديد من القطع الأثرية من قصر العظم، لم يعد لها، إذ استحوذ عليه شخصٌ آخر، يملك كلّ الحقوق التي يكفلها له القانون بالتصرّف في البيت. السيدة العظم، التي قدّرت سعر بيتها -تبلغ مساحته 200 مترٍ مربع- بنحو 100 مليون ليرةٍ سوريةٍ، كشفت أن عملية التزوير التي أدّت إلى نقل الملكية وإجراء عمليات البيع دون علمها نفّذها تاجر سياراتٍ، بالتواطؤ مع محامٍ، في المنطقة ذاتها، وبِيع البيت بـ12 مليون ليرة.

 

حالة هذه السيدة، التي تعاطف معها الشارع السوريّ، واحدةٌ من مئاتٍ، وربما أكثر بكثيرٍ، من الحالات التي وجد فيها سوريون أن حقهم الذي يكفله الدستور بامتلاك عقارٍ لا يمكن أن تحميه وتضمنه الدولة. فحالة انعدام الأمن، والفوضى الموجودة، والاصطفاف الحادّ القائم، أسّست لبيئةٍ خصبةٍ ومناخٍ مناسبٍ لنشاط شبكات تزويرٍ كبيرةٍ ومتشابكةٍ مع قوىً نافذةٍ، تعمل على تزوير صكوك الملكية العقارية.

 

 

نقاط ضعف

 

منذ مدّةٍ، تسجّل المحاكم السورية دعاوى قضائيةً فحواها نقل ملكية العقارات بتزويرٍ منجزٍ بطريقةٍ مُحكَمةٍ وغايةٍ في الدقة، حسبما روى لمجلة (صوَر) أحد القضاة العقاريين بعدلية دمشق. مؤكّداً أن أروقة المحاكم تزخر بالكثير من هذه الدعاوى التي تحتاج إلى زمنٍ ليس بالقصير للبتّ فيها، وإجراءاتٍ طويلةٍ ومتشابكةٍ للتأكّد من حصول التزوير أو عدم حدوثه، وإصدار حكمٍ واضحٍ وصريحٍ يعيد لصاحب الحقّ المظلوم حقّه الذي حاول آخر استلابه منه.

 

 لم يشأ القاضي، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، تقديم إحصائيةٍ عن عدد الدعاوى المنظور فيها أمام القضاء فيما يتعلق بتزوير ملكية العقارات. محذّراً من خطورة هذا الجرم -أي التزوير- ومنبّهاً مالكي العقارات من إبرام وكالاتٍ عامةٍ، أو التساهل في إطلاع الآخرين على ملكياتهم والوثائق المتعلقة بها، أو فسح المجال للآخرين لاستخدام البطاقة الشخصية، أو ترك البيوت فارغةً دون قاطنين فيها. وأشار إلى أن معظم الدعاوى التي ينظر فيها استغل المزوّر نقاط الضعف هذه لينقل الملكية، ثمّ يبيع العقار لآخرين.

 

 

ضمن المعدّلات العالمية

 

المديرية العامة للمصالح العقارية، التي تعدّ من أعرق المؤسّسات السورية، إذ يتجاوز عمرها تسعة عقودٍ، وتملك تجربةً غنيةً في مجال الحفاظ على ملكية الناس؛ يقرّ مديرها العامّ عبد الكريم إدريس: "بوجود حالات تزويرٍ في ملكية العقارات". معتبراً أن هذه الظاهرة ليست جديدةً على عمل المديرية، من جهةٍ، وأن الحالات المكتشفة حتى الآن لا تصل إلى حدّ الخوف من انتشار التزوير وتفاقمه، من جهةٍ ثانية. يقلل إدريس من حجم هذه الظاهرة التي لا تزيد –وفق قوله- عن المعدّلات العالمية (دون أن يحدّدها). ويرى أن المديرية حريصةٌ جداً على ممارسة دورها بصرامةٍ وجدّيةٍ لجهة الحفاظ على حقوق المواطنين العقارية. مشيراً إلى العبء الكبير الملقى على عاتقها، وهي قادرةٌ عليه، المتعلق بمتابعة 4.7 ملايين عقارٍ في البلاد، وأكثر من 100 ألف سجلٍّ عقاريٍّ، فيما الورقيات ما زالت تحكم عمل معظم المديريات بالمحافظات، لأن مشاريع أتمتة الصحائف العقارية لم تنته بعد.

 

استغلال الظروف

 

كيف تحدث عملية التزوير؟ وجّهت مجلة (صوَر) هذا السؤال إلى المحامي يونس إبراهيم، المتخصّص في مثل هذه القضايا، الذي شرح بالتفصيل المراحل التي يعتمدها مزوّرو الملكيات العقارية، واستغلالهم لعدّة نقاط ضعف. يبيّن إبراهيم أن المزوّر قد يحصل على البطاقة الشخصية لمالك العقار، بأشكالٍ مختلفة، فيذهب إلى الكاتب بالعدل ويبرم وكالةً باسم شخصٍ ما تخوّله التصرّف القانونيّ بالممتلكات، أو يبيع العقار فوراً لشخصٍ آخر. وغالباً ما يعتمد المزوّرون على الحالة الأمنية السائدة -وفقاً للمحامي إبراهيم- ووجود شريحةٍ كبيرةٍ من الناس خارج البلاد ومنازلهم فارغة، فيعلم هؤلاء بذلك ويدّعون أمام الشاري أنهم أصحاب الملكية، ويعرضون أسعاراً متهاودةً تحت حججٍ مختلفةٍ، كالسفر أو العمليات الجراحية أو لدفع مبلغٍ لقاء فكّ أسر مخطوفٍ أو معتقل، تغري البعض بالشراء دون التدقيق في السعر الحقيقيّ أو في الملكية الحقيقية. فيقوم المزوّر بتنظيم وكالةٍ مزوّرةٍ وإرسالها إلى المصالح العقارية التي تلتزم بنقل الملكية بناءً على الأوراق المقدمة إليها، على افتراض حسن النية وحقّ تصرف المالك. وردّاً على السؤال عن احتمال فساد وتواطؤ موظفي المصالح العقارية، أو تساهلهم في تسجيل الملكية؛ أكّد مدير عام المصالح العقارية إدريس أن هذا الأمر عارٍ من الصحة ولا أساس له على أرض الواقع، ولم يثبت حتى الآن تواطؤ موظفٍ بهذا الخصوص. وبيّن إدريس أن العاملين في المديرية قد يتساهلون في استخراج بيان قيدٍ عقاريٍّ أو أيّ وثيقةٍ، لكنهم، في موضوع تسجيل أو نقل الملكية، يبدون الحرص الشديد، ويطبّقون الإجراءات التي تحفظ الحقوق أساساً. كما أن هذه العملية ليست فرديةً، أي لا يقوم بها موظفٌ واحدٌ، بل سلسلة من العمليات التي تتطلب تواقيع عدّة موظفين وتدقيقهم في الإضبارة وصكّ ملكية العقار. ولفت إلى أن عمل المديرية يتعلق بمطابقة الأوراق والتأكّد من صحتها، فإذا كانت نظاميةً ومستوفيةً للشروط، وكلّ التواقيع عليها معتمدة، ولا سيما ما يتعلق بالبائع، فإن العاملين في المديرية لا يملكون حقّ إعاقة نقل الملكية. وتُظهر بيانات المصالح العقارية الكمّ الهائل من المعاملات التي تنجز؛ ففي النصف الأوّل من العام الجاري بلغ عدد القيود والتركات 604 آلاف، وتجاوز عدد العقود 111 ألفاً، بينما تخطّت أعداد البيانات والمخطّطات 85 ألفاً.

 

حسن النيّة في القضاء

 

أوضح قاضي العقارات في عدلية دمشق الذي التقته مجلة (صوَر) أن القاضي، عندما ينظر في مثل هذه الدعاوى، يقف أمام معطياتٍ مختلفةٍ ومتناقضةٍ، فكلّ أطراف القضية يقولون إنهم على حقّ، وهذا ما يتطلب وقتاً كافياً لدراسة القضية، والتأكّد من كلّ الوثائق ومدى صحّتها وقانونيتها. ويشير إلى أنه في حال أن أحداً ما اشترى عقاراً بطريقةٍ مزوّرةٍ، ثمّ باعه إلى شخصٍ آخر، ليتبيّن فيما بعد أن المالك الأساسيّ لم يبع، وادّعى أن هناك عملية تزوير، فالإجراء المتخذ حالياً هو تثبيت الملكية للشاري الأخير، على افتراض حسن النية في هذه العملية من البيع والشراء، ثمّ تبدأ عملية المقاضاة والتدقيق في عملية البيع الأولى بين المالك الأساسيّ والشاري الأول. وهنا تتبين كلّ خيوط القضية، وكيف جرت عملية التزوير، ومن سهّل العملية، ومن اشترك فيها؟ وردّاً على سؤال: في حال تبيّن للقاضي حصول عملية التزوير، ماذا يكون الحكم؟ أكّد القاضي أن الشاري الأخير، الذي ثبت حسن نيته ولا علاقة له بعملية التزوير، يكون صاحب الحقّ ويُسجّل العقار باسمه. أما الشاري الأوّل من المالك الأساسيّ فيحكم القاضي ضدّه، ويطالبه بتسديد المبلغ ثمن البيت، إضافةً الى محاكمته بجرم التزوير. سألت (صوَر) القاضي: وفي حال امتناعه عن الدفع، وهذا ما يحدث، لأنه بالأساس مزوِّرٌ، ماذا يفعل القضاء؟ قال القاضي: للأسف هذا ما يحدث. ومن ثمّ يدخل المتخاصمون في متاهةٍ جديدةٍ تتعلق بالطرق القانونية الأخرى لتسديد دينٍ مترتبٍ على المحكوم.

 

 

معالجاتٌ جزئية

 

اتبعت الحكومة طريقين للتصدّي لهذه العمليات؛ الأوّل من خلال إصدار وزارة العدل تعميماً يقضي بعدم اعتماد أيّ وكالةٍ لدى الكاتب بالعدل إلا بعد مراسلة الجهة التي أصدرتها (أي الكاتب بالعدل ذاته) للتأكّد من صحة ودقة الوكالة، وضمان أن الكاتب بالعدل أصدر هذه الوثيقة فعلاً، بما يضمن قانونيتها. والطريق الثاني، وهو الأهمّ، تعميمٌ لرئيس مجلس الوزراء، صدر في 4 آب 2015، يتضمّن عدم تنظيم أيّ عملية بيع وشراء عقاراتٍ إلا بعد الحصول على موافقةٍ أمنيةٍ. وورد في التعميم: تضاف حالةٌ جديدةٌ إلى الحالات التي تحتاج إلى موافقةٍ أمنيةٍ مسبقةٍ وهي: حالة بيع العقارات أو الفراغ (منازل ـ محلات) في المناطق المنظّمة وغير المنظّمة، وذلك لمنع تسلل المجموعات المسلحة واستغلالهم لهذه الثغرة والإقامة في الأحياء الآمنة.

 

بيئةٌ للتزوير

 

هذا ما يحدث إذاً، شبكاتٌ للتزوير تستغلّ ظروف الحرب في سورية، تبيع وتشتري وتتصرّف في ملكيات الناس العقارية دون وجه حقٍّ، فيما الأنظمة والقوانين، المفترض أنها تحمي أصحاب الملكيات، تُخرَق بشكلٍ سهلٍ. فالجهات الحكومية المؤتمنة على توثيق المالك لحقّه لا تملك الأدوات الكافية لضمان هذا الحقّ، وعدم السماح للآخرين بمسّه أو التصرف فيه بشكلٍ غير مشروع. وهو ما يشجّع نشاط شبكات التزوير والفساد الموجودة على مزيدٍ من الممارسات المخلّة بالقانون، وتأسيس مزيدٍ من هذه الشبكات، نظراً للعائد الماديّ الكبير الذي تحققه، وتوافر بيئةٍ ومناخٍ مناسبين لعملها.

 

 

 

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard