info@suwar-magazine.org

أطفال سورية يدفعون فاتورة الحرب

أطفال سورية يدفعون فاتورة الحرب
Whatsapp
Facebook Share

 

 

*سونيا العلي

 

أمين طفلٌ عمره سبع سنواتٍ من مدينة معرّة النعمان، رفض والده النزوح من المعرّة أثناء معركةٍ دارت بين المعارضة المسلّحة وقوّات النظام، في 9/9/2012، وكانت النتيجة أن تهدّم المنزل على رؤوسهم. استطاع أمين النجاة، ولكنه شاهد أهله يموتون أمام عينيه بين الدمار. خرج للبحث عن منقذ. كان حافياً يمشي على الشظايا التي ملأت المكان وجرحت قدميه الصغيرتين، ولكن رصاصةً طائشةً غادرةً اخترقت صدره فوقع على حافة الطريق وقد فارق الحياة. وكان مصيره في إحدى المدافن الجماعية مع عشرات القتلى.

 

 

دفعت رحى الحرب في سورية الأطفال إلى أن يكبروا بسرعةٍ، وأن يغادروا براءتهم وطفولتهم التي باتت تنشغل بعالم القتل والاعتقال والفقر والدمار والجوع والتشرّد.

عندما اشتعلت الثورة كان أطفال درعا الشرارة التي أطلقتها حين تعرّضوا للتعذيب على يد قوّات الأمن. ومنذ ذلك اليوم يدفع الأطفال في سورية ثمناً كبيراً.

 

أم عمر (40 عاماً) من أهالي معرشمشة التي تقع شرقيّ مدينة معرّة النعمان، تحكي قصة موت زوجها وأطفالها الأربعة قائلة: "خرج زوجي في الصباح إلى دكاننا الواقع أمام المنزل، وبعد قليلٍ لحق به الأولاد. وما هي إلا دقائق حتى سمعنا صوت الطائرة الحربية عندما أطلقت صاروخين نزلا على سقف الدكان". تضيف أم عمر أنها خرجت مسرعةً والخوف والرعب يملآن قلبها لتستطلع الأمر، وإذا بزوجها وأطفالها جثثاً هامدةً وقد أصبحوا جميعاً "قطع لحمٍ متطايرةً في الهواء وملتصقةً على الجدران". لقد كان مشهداً "مريعاً"، لا تستطيع أم عمر أن تنساه ولا يغيب عن ذاكرتها.

 

تبكي أم عمر زوجها وأولادها، فهي تشعر بالوحدة بعد أن فقدتهم كلهم في لحظةٍ واحدة، وتتمنى لو أنها ماتت معهم لكان ذلك أفضل بكثيرٍ بالنسبة إليها. تعدّد الأم أولادها الأربعة؛ وهم عمر (15 عاماً)، سالم (13 عاماً)، فاطمة (8 سنوات)، سلام (5 سنوات).

 

 ومن أطفال سوريا من حُرم من أبيه أو أمه أو الاثنين معاً، وهذا حال الطفلين جابر ومحمود السماحي اللذين تركتهما أمهما وتزوّجت بعد وفاة والدهما ليعيشا مع الجدّة الستينية في خيمةٍ لا تمنع عن ساكنيها البرد أو الحرّ، بين أشجار الزيتون شرقيّ مدينة معرّة النعمان، خوفاً من القصف الذي تتعرّض له المدينة باستمرار، وقد افترشوا الأرض والتحفوا السماء. تقول الجدّة أم محمد: "أخرج منذ الصباح، مع حفيديّ الصغيرين، لقطاف نبتة الشفلح الطبية، وهي منتشرةٌ في مناطقنا ومليئةٌ بالأشواك، لنبيعها ونحضر بثمنها ما نقتات به".

 

 

وتعرّض عددٌ كبيرٌ من أطفال سوريا لإعاقاتٍ جسديةٍ مستدامةٍ جعلت عيشهم جحيماً واضطرّتهم إلى إكمال حياتهم بألمٍ ومعاناةٍ وعجزٍ دائم. الطفلة زينب السليم (8 سنوات) من قرية الدير الشرقيّ القريبة من معرّة النعمان، تعرّضت لإصابةٍ وهي عائدةٌ من المدرسة، أدّت إلى بتر القدمين. تبكي زينب بشدّةٍ كلما تنظر إلى قدميها المضمّدتين شاكية: "لا أستطيع الحركة إلا بمساعدة الآخرين. ليتني أموت، لا أريد العيش في هذه الحياة".

 

 كما أدّى النزاع الدائر إلى تفاقم الأزمة الإنسانية التي دفعت أعداداً كبيرةً من الأطفال إلى ترك دراستهم والعمل بسبب الفقر والحاجة وغلاء المعيشة، ليساهموا بجزءٍ من دخل أسَرهم. وحول هذا الموضوع يقول الطبيب بشار اليوسف (32 عاماً)، الاختصاصيّ في طب الأطفال: "إن العمل في سنٍّ مبكّرةٍ يوقف النموّ عند الأطفال دون سن الثامنة عشرة، وخاصّةً إذا كان عملهم في بيئةٍ غير نظيفة".

 

 

ترك الطفل أحمد (12 عاماً)، من مدينة معرّة النعمان، المدرسة، وهو يعمل الآن في جمع المواد البلاستيكية والنحاس والحديد من مكبّات النفايات ومن الأبنية المهدّمة. ويقارب بيعه اليوميّ /150/ ليرةً سوريةً، أي أقلّ من دولار. يقول: "أعمل لمدّة /6/ ساعاتٍ يومياً من أجل أن أكسب بعض المال وأساعد به أسرتي". يتمنى أحمد أن يكون مثل أيّ طفلٍ يستطيع الذهاب إلى المدرسة بأمان، وأن يبتعد عن القمامة. كما يتمنى أن يلبس لباساً نظيفاً ويقوم بالأشياء التي يقوم بها الأطفال الآخرون، مثل اللعب وأكل الحلوى وشراء الألعاب... إلخ.

 

وليس الحال أفضل بالنسبة إلى خالد (15 عاماً) من قرية تلمنس شرقيّ معرّة النعمان، فقد اضطرّ إلى ترك المدرسة في نهاية آذار 2014 بعد أن ألقيت عليها البراميل المتفجّرة من الطائرة مما أدّى الى دمارها، فترك دراسته وذهب للعمل في ورشة تصليح سيارات.

 

أما الغالبية العظمى من أطفال ريف إدلب فقد تعرّضوا لأمراضٍ وعقدٍ نفسيةٍ بسبب سماعهم أصوات الانفجارات العالية ورؤيتهم القتلى والدمار والدماء في كلّ مكان.

 

وهذا ما يؤكّده الطبيب وليد الخديجة (45 عاماً)، الاختصاصيّ بالأمراض النفسية، من أن الحرب في سوريا جعلت الأطفال يعانون من تبعاتٍ سيكولوجيةٍ نظراً لتعرّضهم للقصف المستمرّ والتهجير والتشرّد وفقدانهم ذويهم وأعزّاء على قلوبهم. وينوّه الخديجة: "عشرات آلاف الأطفال في سوريا يجدون صعوباتٍ في التعايش والتأقلم مع مناطق النزوح واللجوء. فهم، ونتيجة تركهم مناطقهم وتهجيرهم، يعانون من أمراضٍ نفسيةٍ تبدأ باضطرابات التأقلم وتنتهي بصعوبات التحصيل العلميّ". ويضيف أنه من الأمراض النفسية التي تصيب الأطفال مرض "الانفصال"، الذي يرتبط بفقد أحد الوالدين أوالأعزّاء أو الابتعاد عن المدرسة والأصدقاء. ويشير الخديجة إلى أن هناك ظواهر نفسيةً أخرى كالتبوّل اللاإراديّ، والقلق العام، واكتئاب الطفولة، والعدوانية، واضطرابات الكلام والنطق، واسترجاع الذكريات المرعبة. ويتابع الخديجة مؤكداً أنه لا يمكن تقديم العلاج لهؤلاء الأطفال إلا مع إزالة العوامل المسبّبة للاضطرابات. ويختم حديثه متنهداً بأن أطفال سوريا لا يزالون يصارعون الموت ويحلمون أن يعيشوا بأمانٍ وسلام، وأن يعودوا إلى أوطانهم ومدارسهم وحياتهم الطبيعية التي لم يعرفها بعضهم بعد.

 

.

.

اقرأ المزيد للكاتبة .. 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard